الانتفاضة المهددة بالغدر او الواعدة بالنصر

بقلم: منذر سليمان*

ترافق ارتباك ادارة اوباما حيال الانتفاضة الشعبية المصرية مع مخاوف حقيقية من امكانية انتقال الحكم الى قوى معادية للولايات المتحدة الاميركية، بالاضافة الى الخوف الاكبر من ان يشكل سقوط حكم مبارك مؤشرا حاسما على فشل سياسة اوباما الخارجية تطيح بحظوظه للفوز في انتخابات التجديد الرئاسية القادمة عام 2012.

 ان ما يقلق اوباما وكبار مساعديه تلك المقارنات التي بدأت تجريها بعض وسائل الاعلام في تعليقاتها حول سياسة اوباما الشرق اوسطية متسائلة ما اذا كانت خسارة اوباما لمصر تشبه خسارة كارتر لايران في اواخر السبعينيات.

فالثورة الايرانية التي اسقطت نظام الشاه مقرونة بارتفاع اسعار النفط والركود الاقتصادي مع التضخم عوامل ادت الى هزيمة ساحقة للرئيس كارتر في انتخابات التجديد الرئاسية عام 1980.

ورغم بلاغة اوباما الخطابية ودعوته للاصلاح في مصر، واشارته الى ذلك في خطابه الشهير في القاهرة، فان حصاد سياسته العامة في الشرق الاوسط تركت الانطباع لدى العديد من المراقبين بان اميركا اضحت دولة لا يمكن لصديق ان يعتمد عليها او لخصم ان يهابها. بدت مواقف اوباما وادارته منذ اندلاع الانتفاضة ضعيفة ومترددة، لقد فوجيء البيت الابيض بتطور الانتفاضة، وكانت مواقفه تلاحق الخبر، فمن تأييد فاتر لمبارك بحجة دعم الاستقرار الى دعم تنحيته بسرعة عن مقاليد السلطة.

وتشير استطلاعات الرأي العام الاولية لعينات من الناخبين الاميركيين ان الغالبية تعتقد ان الثورة في مصر ستؤدي الى تدهور خطير للنفوذ الاميركي في الشرق الاوسط، ومع ذلك يعارضون اي تدخل اميركي مباشر. هذا ما يجعل اوباما في موقف حرج وأسيرا لحسابات الداخل الاميركي الصعبة. كان امام اوباما خيارين اما دعم الحفاظ على نظام مبارك مضمونا بقوة الجيش والاكتفاء ببعض الاصلاحات الشكلية او السعي لنظام ديموقراطي منتخب بعد مرحلة انتقالية مع تنحي مبارك.

ويبدو ان تصاعد ونجاح الانتفاضة الشعبية فرض عليه الانتقال لدعم الخيار الثاني لكنه اصطدم حتى الآن بتشبث مبارك بالسلطة ومحاولة اقناع ادارة اوباما بمنحه بعض الوقت “لتصفية” الامور لأنه اكثر خبرة في التعامل مع الحراك الشعبي المصري. ويبدو ان مهمة مبعوث اوباما، فرانك ويزنر، فشلت في اقناع مبارك للتنحي سريعا ولكن المساعي الاميركية مستمرة مع الشبكة الواسعة من النخب الأمنية والعسكرية والسياسية والاكاديمية المصرية التي نسجت علاقات قوية معها منذ المرحلة الساداتية بهدف ايجاد مخرج “مشرّف” لمبارك للتنحي عن السلطة. ويبدو ان هدف ادارة اوباما احتواء المطالب الجذرية للانتفاضة الشعبية والاكتفاء باحداث تغيير شكلي في قمة النظام لضمان استمرارية دوره الوظيفي التابع لحماية المصالح الاميركية، وعلى رأسها بقاء “اسرائيل،”   ويبدو البروز المريب لما يسمى “لجنة الحكماء،” بهدف ممارسة المقايضة على مطالب الانتفاضة والتفاوض نيابة عنها احد وسائل “الضغط الناعمة” لتحقيق الهدف الاميركي باجهاض الانتفاضة ومطالبها الجذرية.

 الملفت ان الانتقادات توجه الآن داخل الولايات المتحدة لأجهزة المخابرات المتعددة لفشلها في توقع انتفاضتي تونس ومصر. ويحاول بعض زعماء الكونغرس بمجلسية التعبير عن قلقهم وسخطهم باشكال مختلفة وكأنهم يملكون مصر عبر المساعدات السنوية المقدمة لها، ويلوحون بضرورة وقف المساعدات كي يتم الاذعان لرغبات واشنطن. ولا شك ان تطورات الاوضاع في تونس ومصر لا يطمئن واشنطن مما سيدفع بعض الطامحين للرئاسة في الحزب الجمهوري لوضع اللوم على اوباما واستغلال فشله لتعزيز حظوظهم بمنافسته في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لا شك ان القلق من انطلاقة الانتفاضة الشعبية المصرية ليس محصورا بواشنطن او العواصم الصديقة والتابعة، فوكيلها الاقليمي المعتمد – الكيان الصهيوني – يعاني من هاجس وجودي سيتحول الى كابوس دائم، كيان تضيق خياراته العسكرية لتاجيل السقوط ، لكنه اعتاد في مثل هذه الحالات ان يمارس المزيد من ابتزاز الولايات المتحدة لمده بالمزيد من المساعدات العسكرية والاقتصادية.

الجيش المصري: قوة محايدة ام احتياطية للنظام؟

  • فشلت الموجة الاولى من تكتيكات النظام القمعية المعتادة لانهاء انتفاضة الشعب المصري بافشال تظاهرة  25 يناير وسد المنافذ امام مسيرتها، كما فشلت تكتيكات الانسحاب المبرمج لقوات الشرطة والبوليس السري واطلاق البلطجية للتخريب والنهب والقتل لتحويل مزاج الرأي العام الداخلي والخارجي نحو التشكيك والادانة للتحرك الجماهيري السلمي.
  • تم تحريك الجيش للتموضع في مواقع حساسة وعلى منافذ ميدان التحرير – مركز الاعتصام والحشد الجماهيري ، الذي اضحى رمزا تاريخيا للحركة الجماهيرية المتصاعدة – بانتظار ان يلعب دورا أمنيا احتياطيا لقمع وانهاء الانتفاضة في اللحظة المناسبة. ولتاريخه لا يمكن اعتبار موقف الجيش بانه حيادي بل هو قوة احتياطية تحت تصرف النظام. وابلغ دليل على ذلك، افساح الجيش المجال لبلطجية النظام للهجوم على المعتصمين بهدف اخراجهم من ميدان التحرير.
  • بعد فشل سياسة حظر التجول واقامة الحواجز لوقف الزحف الشعبي ودعم اعتصامات ميدان التحرير لجأ النظام لاستخدام ادوات اخرى دون التخلي عن خيار القمع الوحشي بالبلطجة الرسمية والمأجورة. ويمكن تسميتها بـ “البلطجة السياسية والاعلامية والحملات الديماغوجية” عبر تسخير وسائل الاعلام الرسمية والغربية في محاولة مكشوفة لشق صفوف قوى الانتفاضة وتنصيب اوصياء عليها تحت عناوين الواقعية والسلم الاهلي ومنع التدخلات الخارجية.
  • عزل الانتفاضة عالميا باسكات وقمع وانهاء كل تواجد اعلامي عربي ودولي ينقل وقائعها بصدق.
  • محاصرة المعتصمين وانهاكهم ومنع الجماهير المؤيدة من الوصول الى ميدان التحرير لكي ينضج خيار الانقضاض عليهم لانهاء الاعتصام.
  • محاولة بث الشائعات المغرضة بوجود ارتباطات اجنبية للانتفاضة لتشويه صورتها الناصعة امام الجماهير المصرية، وفجأة ينشط الاعلام الرسمي لاظهار ان الصعوبات المعيشية والامنية التي يعاني منها المواطن المصري مرجعها الانتفاضة وليس النظام العاجز المترنح.
  • اشاعة المخاوف من سيطرة الاخوان المسلمين على السلطة في محاولة مكشوفة لاثارة النعرات الطائفية في مصر وتحويل الانظار عن اهداف الانتفاضة التي تتجاوز كل الانتماءات السياسية والفكرية والطائفية. ولا شك ان اعلان الاخوان المسلمين بعدم نيتهم لترشيح اي من اعضائهم للرئاسة يشكل رسالة طمأنة ضرورية لتبديد هذه المخاوف.

الجيش المصري: قوة محايدة ام احتياطية للنظام؟

آفاق لانتفاضة الحرية والكرامة:

هناك سباق محموم بين تيار الانتفاضة الراغب في تحقيق انتصار اولي معنوي رمزي كبير بتنحية رأس النظام تمهيدا لوضع آليات انتقالية تضمن الاصلاحات الجذرية المرغوبة، وبين تيار الاحتواء والالتفاف لانهاك الانتفاضة الشعبية تمهيدا لالحاق الهزيمة التامة بها. ولكن هناك امكانية واقعية بان يحصل تململا في صفوف الجيش وخاصة في صفوف الضباط الصغار للتحرك وأخذ زمام المبادرة بانتفاضة “ضباط احرار” جدد بهدف تسلم مؤقت للسلطة لادارة المرحلة الانتقالية، والمساهمة في تشكيل حكومة انقاذ وطني بالتفاهم مع قوى الانتفاضة وبعيدا عن نفوذ رموز النظام القائم.

  انتفاضة شعب مصر مهددة بان تصبح الانتفاضة او الثورة المغدورة، اما بتخاذل وتهاون نخبة متسلقة وانتهازية، او بغدر وتآمر وثأر وحشي من قبل نظام يسعى لالتقاط انفاسه واعادة تنظيم قواته الأمنية الضاربة. ولكنها ايضا واعدة، ليس فقط باسقاط جدران الخوف والاحباط السميكة التي هدمتها حتى الآن، بل بالتصميم على الصبر والصمود والتفاني وتقديم التضحيات في مدرسة وورشة النضال الجماهيري المتجدد والمفتوح لتدريب الشعوب المقهورة على المبادرة وانتصار الارادة لاسقاط الطغاة المستبدين في الوطن العربي وعلى امتداد العالم.

    يبدو ان التاريخ فعلا يعيد نفسه كلما فاجأت ارادات الشعوب رعاة الامبراطورية والهيمنة في العالم، تتركهم يتساءلون او يعبرون عن سخطهم لفشل اجهزتهم الاستخباراتية المجربة والخبيرة في قراءة حراك الشعوب التواقة الى الحرية والكرامة. وتبقى انتفاضتي تونس ومصر علامات بارزة  تؤشر على تهاوي  محتوم للمشروع الامبراطوري الاميركي وادواته على امتداد الوطن العربي.

  • كاتب عربي