التحليل 08-01-2014

:التحليل

العدوان على غزة

في حسابات واشنطن السياسية والانتخابية

          تبرز فعالية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، او تراجعها، عند كل نقطة انعطاف او أزمة دولية من شأنها ان تترك بصماتها على ملفات اخرى، والعدوان الصهيوني على قطاع غزة ليس استثناء عند الغوص في حيثيات ومقومات تجليات السياسة الاميركية، ليس من زاوية الميل لاطلاق احكام على ثوابتها في معاداة الأمة العربية وتطلعات شعوب العالم التواقة للتحرر، بل رصد العوامل والمتغيرات، ان وجدت

          صمود المقاومة الفلسطينية وتوحد ادائها ميدانيا، بكافة فصائلها، نزع الكثير من الاقنعة عن الانظمة والقوى الاقليمية وزاد في وتيرة تعريتها وتبعيتها وانقيادها لقرار السياسة الاميركية المعادية لطموحات شعوبها. وعلى الرغم من أهمية تسليط الاضواء في هذه الايام على العدوان الصهيوني وادواته المحلية والاقليمية، في ظل تسجيل المقاومة انتصارات جديدة ومفاجآت ميدانية لم ترد في عقول واذهان الدِّ اعدائها، الا ان متطلبات التحولات السياسية المرتقبة في المشهد السياسي الاميركي تستدعي ايضا بعض الاهتمام لمعاونة المهتمين في هذا الشأن على استكمال ادوات التحليل الموضوعية في المرحلة المقبلة

          درجت العادة اعتبار مرحلة سيطرة المحافظين الجدد برئاسة جورج بوش الابن بانها شكلت “القفاز الحديدي” لتجليات السياسة الخارجية؛ وفاز الرئيس اوباما بولايتيه الرئاسيتين لتوجهه في استخدام “القفاز الحريري،” او القوة الناعمة، بعد كل ما لحق السياسة الاميركية من عثرات وهزائم وتراجعات على ايدي سلفه. اما المحصلة العامة للحقبتين فتشير بقوة الى انكماش الدور التقليدي للسيطرة الاميركية عبر العالم، وبروز قوى واطراف تتمتع بعناصر القوة الاقتصادية والعسكرية المنافسة، وعزمها على تحدي هيمنة “القطب الواحد”

          يدرك صناع القرار في الاستراتيجية الاميركية ما آل اليه الأمر على المستوى الدولي، يتبادلون الاتهامات بين اقطاب الحزبين الحاكمين، من جانب، وداخل اقطاب كل مجموعة مؤثرة من صقور وحمائم، وتشكيل اجماع حول عدم المساس بهيبة الآلة العسكرية واتخاذ التدابير الكفيلة بضرورة تكيّف عناصر القوة، في المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية، مع متطلبات الازمة المالية. فضلا عن الاجماع بعدم المساس بالميزانيات المقررة والطارئة للكيان الصهيوني، لعل ابرزها موافقة مجلس الشيوخ “بالاجماع” على منح “اسرائيل” مبلغا اضافيا بقيمة 225 مليون دولار، في الساعات الاخيرة قبل انفضاض جلساته يوم الأول من آب وذهاب اعضائه الى قضاء اجازتهم السنوية

          ومن ناحية اخرى، تبرز مسألة السياسة الخارجية مجددا كأحد ساحات الاستقطاب في الخطاب السياسي اليومي، سيما وان المجتمع الاميركي على عتبة خوض انتخابات ممثليه في مجلسي الكونغرس، انتخابات نصفية، في شهر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل

          في هذا الصدد، نود التوكيد على ان نتائج الانتخابات المقبلة سيكون لها انعكاس مباشر على السياسة والعلاقات الاميركية في عموم الوطن العربي. في البعد الشعبي الاميركي، تعاظمت درجة اهتمامه في الشؤون الخارجية منذ غزو الولايات المتحدة لكل من افغانستان والعراق، وتبلور في مطالبته بتراجع الولايات المتحدة عن دورها الأمني كشرطي حماية منتشر في عموم الكرة الارضية

          كما اعرب قطاع واسع من الشعب الاميركي عن امتعاضه واحباطه من سياسات الرئيس باراك اوباما التي اعتبرها “امتداد لسياسات الحرب المفتوحة على الارهاب،” التي دشنها سلفه جورج بوش الابن. مشاعر الاحباط الواسعة جاءت نتيجة وعود قطعها المرشح الرئاسي اوباما في مناهضته الحروب العدوانية، وبادله الجمهور بتأييده على قاعدة تميزه عن سياسات بوش، والتي سرعان ما تبنى نقيضها. وتنامت حدة المعارضة العلنية للرئيس اوباما تدريجيا لتبنيه ورعايته شن الحرب على الآخرين بطائرات الدرونز، وانكشاف المدى التجسسسي الذي تمارسه الاجهزة الحكومية على المواطنين الاميركيين، فضلا عن الحلفاء الاوربيين

          حالة الانقسام المشار اليها اعلاه ستفرض على مرشحي الرئاسة لعام 2016 تخفيف وطأة السياسات الخارجية الكارثية، في حال بوش الابن، في الخطاب السياسي، وتنامي مشاعر الكثيرين بعدم الثقة بالمؤسسات السياسية ونخبها على ضوء سياسات الرئيس اوباما، واصطفاف بعض المؤهلين للترشيح الرئاسي، هيلاري كلينتون مثالا، الى فريق المعارض لسياسات اوباما “في سورية وروسيا؛” وصفها بعض العارفين في قيادة الحزب الديموقراطي بأنها “تطمح لرسم دور وسطي بين سيرتي (الرؤساء) بوش الابن واوباما .. تمكنها من اطلاق سهامها نحوهما بالتساوي.” وفي الجانب الآخر، الطامع للترشيح عن الحزب الجمهوري، راند بول، “يلقي الاتهامات على الرئيسين .. اللذين حافظا على المضي بسياسات خارجية فاشلة”

انتخابات تنذر بهزيمة

          هذه المقدمة كانت ضرورية للاشارة الى ان الانتخابات النصفية المقبلة ستجري على قاعدة استفتاء على سياسة القاطن في البيت الابيض، بصرف النظر عن انتمائه السياسي؛ وعليه فهي تنذر بنتيجة قاتمة للحزب الديموقراطي وحرصه للاحتفاظ باغلبية الاصوات في مجلس الشيوخ. ودرجت العادة ان يعطي الناخبون اصواتهم للحزب البديل في ظل الظروف السائدة، او النأي بانفسهم عن المشاركة بمجملها

          وعليه، فان لب المعركة الانتخابية ستجري وفق قاعدة السيطرة على احد مجلسي الكونغرس، في الحد الادنى لكل فريق، بيد ان توجهات القاعدة الانتخابية حافظت على ثباتها بتأييد الحزب الجمهوري ووضعه في موقع مريح للاحتفاظ باغلبية المقاعد في مجلس النواب، وربح صافي مرتقب لنحو 6 مقاعد اضافية في مجلس الشيوخ، مما يؤهله التحكم بالسلطة التشريعية بأـكملها

مفاصل النظام السياسي الاميركي

من المفيد بمكان التذكير بعمل السلطات المختلفة المكونة للنظام السياسي الاميركي الذي يستند الى اتمام العمل بفصل السلطات عن بعضها، ويعرف بالتمثيل الديموقراطي؛ اذ يخول الدستور الكونغرس بمجلسيه سن القوانين والشرائع، السلطة التشريعية؛ اما الرئيس – السلطة التنفيذية – فمهمته تقتصر على تطبيق السياسات المتفق عليها. وعليه، الرئيس لديه صلاحية المصادقة على قرارات الكونغرس، بعد فوزها باغلبية الاصوات، كي تصبح سارية المفعول. ايضا يملك الرئيس صلاحية الغاء مشروع القرار المقدم باستخدام حق الفيتو عليه، مفسحا المجال امام مجلسي الكونغرس اعادة النظر بالصياغة المطلوبة كي تنال موافقة الرئيس

          في ابعاد قرارات التحكم بمفاصل النظام السياسي الاميركي يبرز دور شريحة فاحشة الثراء، 1%، ممثلة للمصالح الاقتصادية والاحتكارات الكبرى، الاوليغارك، وتمارس نفوذها عبر آليات متعددة، احداها يعرف بجماعات الضغط، اللوبي، التي تمارس دورا مرئيا على اعضاء الكونغرس لسن تشريعات وقوانين مرضية لها. ومن بين الآليات ايضا سياسة “الباب الدوار” التي تلغي الفوارق بين ممارسة النشاط السياسي والارتهان لارباب العمل، ليصبح الممثل في الكونغرس من صنع الشريحة الاشد نفوذا في العملية الاقتصادية ويتم توجيهه وفق ما تقتضيه مصالحها الخاصة، لا سيما فيما يخص تبني سياسات اقتصادية ومصرفية محددة والتي عادة تأتي على حساب مصالح 99% مما يتبقى من الشرائح الاجتماعية، ونهب الموارد العامة تحت غطاء الخصخصة والسوق الحرة

الشريحة الضيقة المتحكمة، تستغل ثراءها الفاحش رشوة للسياسيين، وتقف بالمرصاد امام بروز تيارات سياسية جادة خارج صيغة “تبادل الحزبين مقاليد الحكم،” ولا تتورع عن استخدام ما لديها من امكانيات هائلة لتهميش صعود قوى جذرية او ليبرالية تناصبها العداءوسن قوانين جديدة لحرمانها من الحصول على نسبة معتبرة في الانتخابات تمكنها من ارسال ممثليها الى الكونغرس، كما جرى مع “حزب الخضر” وتجمعات سياسية اخرى تمثل المهمشين والاقليات العرقية

فيما يخص اللحظة الراهنة والتوازنات السياسية بين الحزبين، اسهمت سيطرة الحزب الديموقراطي على اغلبية مجلس الشيوخ باستصدار قوانين وتشريعات موازية لاهداف الرئيس اوباما، والتي لولاها لانحصرت خياراته اما في استخدام صلاحية “الفيتو” ضدها او المصادقة عليها بكل ما ينطوي عليها من ثغرات سعى لتفاديها. ويتجلى التراشق بين سلطات الرئيس ومناهضيه في الحزب الجمهوري بحرمانه من المصادقة على تعيينات للتمثيل الديبلوماسي بات يشكو منها علانية

نظرة على انتخابات نوفمبر

تجمع احصائيات استطلاعات الرأي على توثب الحزب الجمهوري لتحقيق نسبة تمثيلية اعلى في مجلسي الشيوخ والنواب، في الدورة الانتخابية المقبلة. يتمتع الجمهوريون بوضع مريح في ولايات ثلاث: ساوث داكوتا، مونتانا، وويست فرجينيا؛ وتفوق نسبي في خمس ولايات اخرى: اركنساس، لويزيانا، نورث كارولينا (التي فاز بها المرشح الرئاسي ميت رومني 2012)، ايوا وميتشيغان

نسبة الاحباط بين الشعب الاميركي لسياسات الرئيس اوباما في ازدياد مضطرد، مما يضاعف التحديات امام الحزب الديموقراطي في الاحتفاظ بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ الراهنة. واسهم استطلاع للرأي اجرته شبكة (سي ان ان) للتلفزة في الدلالة على حجم واتساع قاعدة المعارضة الشعبية للرئيس اوباما وسياساته، اذ اعرب غالبية بلغت 53% تأييدهم لسؤال افتراضي بأنهم سيصوتون لميت رومني في الظرف الراهن. يذكر ان الرئيس اوباما فاز بنسبة 52% من مجموع الاصوات الشعبية في جولة الانتخابات الرئاسية الاخيرة

يدرك قادة الحزب الديموقراطي ومسؤوليه عن استراتيجية الحزب الانتخابية عمق المأزق المشار اليه، وامكانية خسارتهم لبعض المقاعد، لكنهم يبذلون جهودهم لتقليص حجم الخسارة الى خمسة مقاعد صافية في مجلس الشيوخ، الأمر الذي يتيح لهم الاحتفاظ باغلبية ضيقة فيه. وهذا يتطلب حشد الجهود والامكانيات الانتخابية وتوظيفها في خدمة المرشحين المرجح فوزهم، وربما انتهاج خطاب انتخابي يشير الى تعارض المرشح المعني مع الرئيس اوباما، وهي استراتيجية مجربة من قبل الحزبين تؤتي اكلها في معظم الحالات، وتتطلب قدرا عاليا من الحذر لعدم الانجرار الكامل وراء النبض الشعبي المعارض. اذ تشير اللوحة الانتخابية الراهنة الى 10 ولايات معارضة لسياسات الرئيس بصورة صارخة، ويركز قادة الحزب الديموقراطي جهودهم على خمسة منها: ساوث داكوتا، مونتانا، ويست فرجينيا، الاسكا واركنساس

انخرط الرئيس اوباما في جولة لجمع التبرعات للحزب الديموقراطي شملت 11 محطة في مناطق متعددة من الولايات المتحدة، بينما حضر نائب الرئيس جو بايدن 5 حملات تبرع، وشاركت زوجة الرئيس، ميشيل اوباما، في حملتين؛ فضلا عن رسائل الدعم السياسي والظهور العلني للرئيس لدعم مرشحين معينيين لا سيما في ولايات اركنساس وكولورادو ونورث كارولينا

بروز زوجة الرئيس في الحملات الانتخابية يؤشر على سياسة الحزب الديموقراطي في اعادة تجييش القاعدة الانتخابية لا سيما بين قطاع المرأة، واستغلال الفوارق الاجتماعية والاقتصادية لما اصبح يعرف بحملة الخصوم في “الحرب على المرأة،” و “المساواة الاقتصادية،” او توزيع عادل للموارد الاقتصادية. يضاف الى ذلك جهود الرئيس والحزب الديموقراطي في محاباة “المهاجرين غير الشرعيين،” وجلهم من دول اميركا اللاتينية، وحل الوضع الشاذ لعدة ملايين منهم واتاحة الفرصة لهم للمشاركة في الانتخابات المقبلة

انضمام بضعة ملايين من الاصوات الانتخابية المرجح ذهابها لصالح الحزب الديموقراطي اثار حفيظة خصومه في الحزب الجمهوري مهددين برفع دعوى قضائية ضد الرئيس وتوجيه تهمة التقصير في اداء مهامه المنصوص عليها دستوريا. المضي بالدعوى سلاح ذو حدين، اذ من شأنه استنهاض القواعد الشعبية المناهضة لسياسات الحزب الجمهوري ومشاركتها بقوة اكبر في الجولة المقبلة

ساكن البيت الابيض، في سرّه، يرحب بارتكاب خصومه تلك الحماقة التي ستضخ دعما اضافيا في تعزيز مواقع الحزب الديموقراطي. علنا، علق احد مستشاري الرئيس للشؤن الانتخابية، دان فايفر، قائلا لصحيفة لوس انجليس “اي خطوة (قضائية) بهذا الشأن ستثير صداما كبيرا مع الحزب الجمهوري وممثليه في الكونغرس .. وستضاعف من ردود الفعل الغاضبة ضد الجمهوريين.” عقلاء الحزب الجمهوري، وهم قلة، يميلون لتوخي الحذر من الاقدام على المضي قدما بالتهديد، مدركين للتوازنات السياسية والانقسامات الراهنة في مجلسي الكونغرس، وتشتيت جهودهم الانتخابية بافتعال معركة جديدة خاسرة سلفا

انعكاسات فوز الحزب الجمهوري على المنطقة

السيناريو التالي يستند الى فرضية فوز الحزب الجمهوري باغلبية مقاعد مجلسي الكونغرس، النواب والشيوخ، في الجولة الانتخابية المقبلة. من المرجح ان تدفع هزيمة الحزب الديموقراطي الى اصطفاف قادته في الكونغرس الى جانب اللوبي المؤيد “لاسرائيل” وبلوغه مديات اعلى مما هي عليه راهنا – ان كان باستطاعة المرء ادراك ذلك، وابراز مشاعر عدائية اوسع ضد الفلسطينيين تحديدا. في هذا الصدد، يبرز السيناتور اليهودي عن ولاية نيويورك، تشاك شومر، الذي يحتل المرتبة الرابعة في صفوف قادة الحزب الديموقراطي، ولديه فرصة واقعية كبيرة لشغل منصب زعيم الاقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ

زعيم الاغلبية الديموقراطية الحالي، هاري ريد، قد لا يحتفظ بمنصبه او موقعه ويغادر الساحة السياسية، مفسحا المجال لتبوأ شومر منصب المركز الاول في التراتيبية القيادية؛ بل سيصبح اليهودي الارفع منصبا في الحكومة الاميركية. شومر، بدوره، ارسل مذكرة للرئيس اوباما، بدعم عدد آخر من زملائه في مجلس الشيوخ، يناشده التحلي بصلابة الموقف ضد الفلسطينيين. وجاء فيها “لا يمكننا تحمل التهديدات الناجمة عن الصواريخ وشبكة الانفاق التابعة لحركة حماس ذات هدف اوحد وهو قتل واختطاف الاسرائيليين، وينبغي اطلاق قدرات اسرائيل اتخاذ ما تراه ضروري لازالة تلك التهديدات .. اي صيغة لوقف اطلاق النار يتم التوصل اليها تستدعي انشاء وضع يشعر فيه المواطنين الاسرائيليين بانهم غير معرضين لمواجهة الهجمات الارهابية الفظيعة”

في بعد الاصطفافات السياسية، ابدى زعماء الحزب الجمهوري معارضتهم الصارخة لسياسات الرئيس اوباما نحو مصر وقيادتها الجديدة، على وجه الخصوص، وابدوا تأييدهم لاستمرار تدفق الدعم والاعانة للحكومة المصرية الجديدة. في حال فوز الحزب الجمهوري باغلبية مقاعد مجلس الشيوخ، سيصعد السيناتور جون ماكين تلقائيا لمنصب رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة، وسيستغل صلاحياته الموسعة للدفع باتجاه توفير مزيد من الوسائل القتالية لقوى المعارضة السورية المسلحة. بالاضافة الى ممارسة قيادة الجمهوريين السيطرة والتحكم بالمصادقة على تعيين ممثلين ديبلوماسيين للولايات المتحدة، كما تقتضي صلاحياتها الدستورية، والدخول فيمواجهة جديدة مع مرشحي الرئيس اوباما في هذا الشأن – الأمر الذي تحدث به الرئيس بمرارة في الاول من آب الجاري

اما في درجة الميل لدعم “اسرائيل” فمن غير المرجح ان ينافي الجمهوريون سياساتهم السابقة، بل الثابت ان الكونغرس في ظل القيادة الجديدة سيحافظ على سياسات الولايات المتحدة الداعمة “لاسرائيل” بلا حدود، واستمرار دعم الحكومة المصرية الراهنة وفق ما تقتضيه اتفاقيات كامب ديفيد بغية المحافظة على سريان مفعولها قائما

أفاق المواجهة المقبلة بين اوباما والكونغرس

استنادا الى التجارب السابقة بين الحزبين، ليس مستبعدا ان تشهد التجاذبات والاصطفافات المتجددة التهديد باغلاق عمل المرافق الحكومية، مرة اخرى، ثمرة لتضاد رأي الحزبين في توزيع الميزانية السنوية العامة، وسيتسلح الجمهوريون بالنصوص الدستورية التي تعطي الحق للكونغرس لاقرار بنود الميزانية واتخاذ ما يراه مناسبا من قيود وتدابير للتيقن من آليات الصرف كما ينبغي

ومن المرجح ايضا ان يقدم مجلس النواب سن تشريعات جديدة تحد من نفوذ الرئيس الرئيس اوباما في مجالات متعددة: صلاحيات تجسس وكالة الأمن القومي، برنامج الرعاية الصحية الشامل، تحديد صلاحيات هيئة الضرائب؛ وسترسل الصيغ المقرة الى الرئيس للمصادقة عليها ووضعه في موقف حرج ليس امامه من خيار الا الانصياع او استخدام صلاحية الفيتو. بالمحصلة، ستتعطل المرافق الحكومية، باستثناء وزارة الدفاع والاجهزة الأمنية والاستخبارية، كما اسثنيت في التجارب السابقة

جبان البيت الابيض مشارك في مذابح قطاع غزة

          لا نجد ضرورة في ابراز الثوابت لمعاداة الولايات المتحدة تطلعات الشعب الفلسطيني والامة العربية في التحرر والتخلص من التبعية والوكلاء المحليين. الرئيس الاميركي، منذ بدء العدوان، اصطف الى جانب العدو الصهيوني كما هو متوقع، وبالاتساق مع ركائز السياسة الاميركية. استعادة جملة التصريحات الرسمية الاميركية والاجراءات الميدانية، لا سيما لناحية التسليح والتمويل والدعم السياسي للعدو الصهيوني، لن يقدم جديدا  في هذا الشأن

موقف حلفاء الولايات المتحدة الاقليميين يفضح اصطفافهم لجانب قوى العدوان ويدل على حقيقة الموقف الاميركي، لمن لا يزال يكابر ويجافي الحقيقة. لعل ادق توصيف لضلوع اولئك وتواطؤهم في العدوان جاء في تعليق الصحافي البريطاني في يومية “الغارديان،” ديفيد هيرست، مؤخرا واصفا ردود فعل المسؤولين السعوديين بانها بمثابة “دموع التماسيح”

          وتجدر الاشارة الى ما نوه له عدد ضئيل من اصحاب الضمير باثارة البعد الاقتصادي في العدوان على غزة، نستعرضها من باب الاستزادة والتذكير

          سواحل قطاع غزة تحوي بداخلها مخزونا هائلا من احتياطات النفط والغاز لطبيعي، سبق لشركة بريطانية، بي جي جي، الحصول على موافقة من السلطة الفلسطينية، عام 1999، وان فازت بعقود التنقيب عن الغاز لمدة تصل 25 عاما. واسفرت اعمال التنقيب الاولى للشركة عن التوصل الى تقديرات لحجم المخزون بمعدل 1،600 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي؛ ولم تحسن السلطة الفلسطينية استغلال الأمر لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الجانب الاقتصادي، وابقت المخزون رهينة تجاذبات القوى الكبرى والاقليمية ومن بينها “اسرائيل”

          بروز حركة حماس بعد الانتخابات النيابية دفعها لرفض شروط الاتفاقية الموقعة مع الشركة البريطانية، مما اثار حفيظة اطراف كثيرة تضررت من ذاك الاجراء: فلسطينية واقليمية ودولية. وفي هذا الصدد يستطيع المرء تفهم اجراء “اسرائيل” بحرمان الصيادين في قطاع غزة من الابحار خارج دائرة ضيقة حددتها باقل من 3 كلم؛ واطلاق العنان لاستغلال الثروة الطبيعية المكتشفة لصالحها

          يضاف لذلك البعد ما ورد في الاسبوع الرابع من العدوان الصهيو-اميركي على غزة من سماح الادارة الاميركية “لاسرائيل” التزود بذخائر من المخزون الاستراتيجي الاميركي المقام على اراضي فلسطين المحتلة، المعروف “المخزون الاحتياطي للذخير الحربية – اسرائيل،” منذ عقد التسعينيات من القرن المنصرم ويتبع قيادة القوات الاميركيةفي اوروبا. يتضمن المخزون “قذائف صاروخية وعربات مدرعة وذخائر مدفعية،” وغيرها من الاسلحة والذخائر غير المعلنة. الاجراء يدل على ضراوة المعارك والغارات الجوية والبرية والبحرية على قطاع غزة، من ناحية، وحقيقة الدرو الاميركي في ادامة أمد العدوان وتكبيد مزيد من الخسائر البشرية، في الجهة المقابلة