التحليل 10-03-2014

:التحليل

هل تنجح مناورة اردوغان لتسويق الدور البرّي الغائب في “تحالف واشنطن”؟
تقاطع الاهداف في الحرب على داعش
في زمن اشتعال الحروب تعيد القوى والدول المختلفة اصطفافاتها وتتقاطع تحالفاتها مرحليا، وتتضافر جهودها امام عدو مشترك، كما شهدت الحرب العالمية الثانية بتحالف نظم سياسية واقتصادية متناقضة، الاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة. مرحلة التنسيق وتوحيد الجهود آنئذ غابت تماما عن اللوحة الراهنة في محاربة داعش وتجلياتها في الاقليم
بيد ان التحالف وتقاطع المصالح ليست ظاهرة ثابتة ومرشحة الى التبدل والتغيير والتعارض والتناقض في مرحلة اخرى. القاسم المشترك الجامع “لتحالف واشنطن” هو الرغبة لدى البعض لوقف اندفاعة وتحجيم داعش وليس القضاء عليه، كما يزعم الخطاب السياسي الاميركي، في سورية بؤرة الصراع الراهن. اما الاداة الاوفر حظا للقيام بتلك المهمة فيبدو انها اوكلت لتركيا، عضو حلف الناتو النشط المفرط بحماس التدخل، والتي اخرجت الصيغة المطلوبة دون عناء عبر برلمانها الذي يسيطر عليه حزب اردوغان “العدالة والتنمية.”
تقدم داعش بسرعة ملفتة للانتباه في شمالي سورية، ووصل بقرب الحدود التركية الى مسافة لا تتعدى 5 كلم، عند مدينة عين العرب – كوباني. تركيا مثلت الحاضنة والداعمة للعناصر المسلحة بكافة اطيافها وتلاوينها بغية تقويض واسقاط الدولة والكيان السوري. وقد اوضحت صحيفة “واشنطن بوست” مؤخرا ابعاد القرار التركي اذ “ابلغ نائب رئيس الوزراء بولنت آرينك الصحافيين ان الاقتراح (الحكومي) المقدم للبرلمان سيتضمن مروحة واسعة من الخيارات، بما فيها فتح القواعد التركية امام الجيوش الاجنبية والقوات التي في طريقها للانتشار واقامة ملاذات آمنة لللاجئين داخل الاراضي السورية. ترغب الحكومة في نتيجة تصويت واسعة لتفادي اللجوء مرة اخرى للحصول على تفويض برلماني للعمل العسكري”
لتركيا حسابات اضافية تميزها عن الدول المنضوية في “تحالف واشنطن” سيما وعينها على “احباط” عرى الترابط الوثيق بين اكراد تركيا والاكراد في سورية، في الدفاع عن مدينة عين العرب المهددة بالسقوط بايدي داعش. ضرب داعش حصارا على المدينة ادى لفرار ما لا يقل عن 160،000 من سكانها باتجاه الاراضي التركية القريبة، ارفقه باطلاق بعض القذائف التي سقطت داخل الاراضي التركية. استثمرت تركيا اللحظة وحشدت بعض قواتها المقاتلة بكامل تجهيزاتها العسكرية لافشال تبلور وحدة ميدانية بين القوى الكردية بالدرجة الاولى، وادراكها ان داعش لا يضمر نوايا بالاستيلاء على اراضي تركية
دأبت تركيا وبثبات على “المطالبة بانشاء منطقة حظر جوي فوق الاراضي السورية” الحدودية للنيل من السيادة السورية، واتاحة الفرصة لمخططاتها بقضم اراضي عربية جديدة سيما وان قوى المعارضة السورية المسلحة مدينة لها بالكامل. يذكر ان الهدف المذكور ايضا نادت به الولايات المتحدة طويلا على امتداد الازمة، وبرز بقوة عام 2013 على خلفية ازمة الاسلحة الكيميائية السورية وتوثب اميركا لشن عدوان مباشر على الاراضي السورية قبل احباطه ببراعة من اصحاب الشأن
في المستجدات الاخيرة، وبالنظر الى تواضع عدد القطعات البحرية الاميركية المتوفرة في المنطقة، اضحى انشاء تلك المنطقة امرا مستبعدا مقارنة بما كان عليه الوضع العام الماضي وارتفاع سعير العدوان على سورية. حرصت الولايات المتحدة على تفادي الاشتباك مع القوات العربية السورية مسخرة عدد من الاطراف تحمل رسائل لطمأنة دمشق بأنها لن تنقض عليها وعلى الاخيرة العمل بالمثل. ووصفت عمل شبكات اجهزة الرادار السورية بانها “ساكنة” خلال طلعات الاغارة، بيد انها لا تبدي تعاونا معها، وبالتالي لوحظ غياب المسألة من التداول الاعلامي اليومي ولم يسجل اي شكوى من الطرفين
فرض منطقة حظر جوي سيواجه بتحرك عدد من الاطراف على الصعيد الدولي والديبلوماسي، ويقين البعض ان سورية سترسل احتجاجا لدى الامم المتحدة بدعم من روسيا والصين وايران ودول البريكس الاخرى، مما سيعرض الخطوة الاميركية الى مزيد من العزلة على الاقل
الخيار المتاح امام الولايات المتحدة في هذا الشأن هو طمأنة تركيا بأن سورية لن تتعرض لقواتها في محاربة داعش، والافضل مواجهتها هناك بعيدا عن الاراضي التركية. تعي تركيا وتخشى بأس سلاح الجو والدفاعات الجوية السورية، سيما بعد اسقاطه احدى طائراتها المقاتلة في عرض البحر قبالة الشواطيء السورية، 22 حزيران 2012؛ واي مواجهة غير محسوبة بدقة ستأتي بنتائج عكسية لاهدافها في تقويض واسقاط الدولة السورية. وتدرك ايضا ان تحركها في تلك المنطقة الحدودية، ان تم، سيصطدم بالوجود الكردي على جانبي الحدود والذي من شأنه تعزيز مكانة القوة الكردية المسلحة، ليس اقلها غريمها الاساس حزب العمال الكردستاني الذي حذر رئيسه المعتقل لديها، عبد الله اوجلان، الحكومة التركية من مغبة التدخل العسكري بحجة محاربة داعش
عند هذا المنعطف، تتباعد الاهداف الاميركية والتركية. اذ شنت الولايات المتحدة غاراتها الجوية ضد داعش دعما للقوى الكردية في العراق بالدرجة الاولى والتي لها المصلحة الاكبر في ابطاء تقدم داعش. توضح بيانات وزارة الدفاع الاميركية ان ما يربو على نصف مجموع الغارات الجوية، الاميركية والبريطانية، كانت لدعم القوات الكردية ومكنتها من اتخاذ زمام المبادرة وشن هجمات لاستعادة عدد من البلدات العراقية بعد سقوطها بايدي داعش
تتمحور الاستراتيجية الاميركية الراهنة حول استدراج اكبر عدد من مقاتلي داعش من الاراضي العراقية باتجاه الاراضي السورية وابعادها عن “تهديد اربيل،” وحصر نشاطها ما امكن داخل سورية. في هذا الصدد، نقلت شبكة “فوكس نيوز” عن مصادر خاصة بها داخل وكالة الاستخبارات المركزية تفيد بأن ضباطها يترددون بالمغامرة في ارسال عناصر استخباراتية اميركية داخل الاراضي السورية خشية مفاقمة الاوضاع بما فيها تعرضهم للاعتقال
اما “حلفاء” اميركا من دول الخليج العربي فقد بدأت تستشعر خطورة داعش على أمنها خاصة في الجزيرة العربية والاردن، وقلقون ايضا من ان تؤتي الغارات الجوية أكلها وتسهم في اضعاف داعش في الاراضي العراقية لخشيتهم من تعزيز دور ايران وحلفائها في المنطقة. وعليه ابدوا حماسة منقطعة النظير لشن غارات جوية واخرى ميدانية داخل الاراضي السورية طمعا في تحقيق مطالبهم بتقويض الدولة السورية
اميركا غارقة في التردد
تعاني الولايات المتحدة من غياب الاجماع الشعبي والسياسي حول سياسة الانخراط مجددا في حرب مفتوحة ليس لها افق “تستمر لعدة سنوات.” فقواعد الحزب الديموقراطي المناهضة للحرب اسمعت صوتها لاوباما وقادة الحزب بان اقصى ما يمكنها التأقلم معه هو ضربات عسكرية ضد داعش دون التفكير بنشر اي قوات برية سواء في العراق او سورية. وتفاقمت الازمة الداخلية عقب اقدام شخص اعتنق الاسلام جز عنق زميلته في العمل في ولاية اوكلاهوما الاسبوع الماضي على نسق اسلوب داعش
من الثابت ان تطورات “الشرق الاوسط” بكل تجلياتها وتنوعاتها ستسهم في نتائج جولة الانتخابات النصفية المقبلة، وما يراه البعض تراجع قدرة الحزب الديموقراطي الاحتفاظ بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ. في هذا السياق، اتهم الحزب الجمهوري عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ عن الحزب الديموقراطي، كاي هاغان، بالتغيب عن نحو نصف عدد الجلسات التي عقدتها اللجنة؛ فضلا عن سكوتها المطبق حول سياسات الرئيس اوباما السابقة حول الارهاب “.. واخفقت في رؤية وتلمس تنامي شبح الدولة الاسلامية.” اذن هي بداية السباق والمزايدة الانتخابية
وكذلك الامر في شيطنة النواب عن الحزب الديموقراطي في ولاية نيو هامبشير، مثلا اذ اتهم خصم النائبة جين شاهين والرئيس اوباما سوية “بالذهول والحيرة” حيال خطر الدولة الاسلامية على الاراضي الاميركية. الخطاب السياسي للرئيس اوباما الموجه للعامة لم يحقق مراميه، اذ ينظر اليه جزء كبير من الناخبين بان رده يتسم بالضعف، وعند بدئه الغارات الجوية اعتبرها معظم المعنيين من الخبراء بأن فعاليتها محدودة
امام هذا التناقض لجأ اوباما لالقاء اللوم على الاجهزة الاستخبارية بتقصيرها في لفت انتباهه مبكرا، مما استدعى ردود افعال غاضبة فورية واتهامه “بعدم الاكتراث للتقارير الاستخبارية المقدمة للبيت الابيض،” واضطرت للكشف عن بعضها، لعام 2012، دون تعريض تصنيف السرية للخطر
استدرك اوباما التداعيات المحتملة سريعا واعلن عن ارساله نحو 2000 عنصر من قوات سلاح مشاة البحرية، المارينز، الى الكويت كمحطة انطلاق لنشاطاتها المختلفة في عموم المنطقة، يعززها تجهيزات عسكرية خاصة بها تشمل طائرات النقل الضخمة من طراز سي-130 وطائرات عمودية هجومية
من بين المهام الاساسية الموكلة لتلك القوة انجاز عملية اجلاء الرعايا الاميركيين من بغداد ان استمر داعش في اندفاعه بالقرب من بغداد، سيما وانها تضم الفوج الثامن في سلاح المارينز الذي انجز اجلاء ما ينوف عن 150 فرد من الرعايا الاميركيين بطرابلس في حزيران الماضي، ونقلهم براً لتونس في رحلة استغرقت نحو 6 ساعات على متن 40 سيارة ذات دفع رباعي، برفقة طائرات مقاتلة: اف-16، ام في-22ب اوسبري، وناقلة نفط من طراز كيه سي-130 ج. يذكر ان السفيرة الاميركية دبوره جونز احجمت عن استخدام الطائرات العمودية من طراز ام في-22 في عملية الاجلاء بدافع الخطورة
تعول الاستراتيجية الاميركية على تلك القوة من المارينز، والتي سيتم رفدها بمزيد من القوات والتجهيزات تباعا، للدفاع عن دول الخليج ان تعرضت لتهديد داعش. اتخاذ الكويت مقرا لها اتى بدافع ضمان عدم وقوع حقول النفط في الجزيرة العربية بايدي داعش، ولطمأنة الدول الخليجية القلقة من تنامي النفوذ الايراني
يجمع اطراف “حلف واشنطن” على ضرورة التصدي لداعش وتتباين المواقف في العداء والقضاء عليه. فالدول الخليجية كانت دوما جاهزة لتمويل مغامرات واشنطن وترمي لتوظيف التنظيم او مشتقاته وتفرعاته لانجاز هدفها المركزي في تقويض الدولة السورية، وهو الهدف الاوحد الذي يحقق اجماع كافة اطراف الحلفبعض الدول الاوروبية المشاركة، الدانمارك وفرنسا وبلجيكا وهولندا، توفر مساندة ودعم للقوات الاميركية فوق اجواء العراق حصرا، في تباين واضح مع دول الخليج المشاركة والاردن ايضا. دخول تركيا المتأخر وانضمامها للحلف يفاقم حالة الانقسام بين الاطراف المتعددة. نواة تحرك تركيا وهاجسها هو التصدي والحد من تطلعات الاكراد وتحجيم داعش وادامة دوره في خاصرة سورية للحيلولة دون نهوضها وابقائها ممزقة وضعيفة. تركيا ايضا تطمح للعب دور اقليمي بارز الامر الذي يتباين مع تطلعات آل سعود للعب الدور الاكبر
من نافل القول ان الرئيس اوباما يدرك بتمايز خطابه السياسي عن سياساته العملية، وهو الذي فاز بالانتخابات لمعارضته لشن الحروب والتزامه بانهاء حربي افغانستان والعراق، وما لبث ان وجد نفسه امام غالبية غاضبة من الشعب الاميركي لانزلاق الاوضاع في المنطقة الى مديات خطيرة؛ فضلا عن معارضة قواعده الانتخابية بشدة لمغامرات عسكرية جديدة في العراق وسورية. من شأن اي زلة سياسية من قبله ان تطيح بسيطرة حزبه الديموقراطي على مجلس الشيوخ وما سيترتب عليه من تجميد لاي مبادرة او اجراء قد يتخذه بعد موسم الانتخابات في تشرين الثاني المقبل
فيما يخص “داعش” فان التحالف الذي انجزته واشنطن بالتهديد والترغيب لا يستند على اسس متينة وعلاقات اطرافه هلامية باستثناء الحلفاء الاوروبيين والاستراليين التقليديين. ويبقى عرضة للانهيار جراء التطورات المتسارعة