التقرير الأسبوعي 01-16-2016

المقدمة
شكل خطاب الرئيس اوباما السنوي للأمة، “حالة الاتحاد،” نقطة انعطاف واستقطاب حادة سعى خصومه لاستغلال اوجه قصوره في خدمة مناخ الانتخابات الرئاسية والترويج لسياسة الحزب الجمهوري، على الرغم من خلوه من خريطة طريق واضحة وشاملة، كما يقال.
سيتناول قسم التحليل خطاب الرئيس اوباما المعد بعناية كبيرة، مما اشغل الرئيس عن استقبال العاهل الاردني الملك عبدالله بشكل رسمي على الرغم من انه يزور اميركا بصورة غير رسمية، وابلاغه اعوانه ان مفردات الخطاب ورسالته هي الاولوية ليختتم به ولايته الرئاسية.
سيستعرض قسم التحليل ايضا خطاب وزير الخارجية جون كيري في اليوم التالي لخطاب الرئيس اوباما، اذ صوره على انه يشكل معالم السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الاوسط وسوريا.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
استراتيجية مكافحة الارهاب
اعرب معهد كاتو عن اعتقاده بأن الاستراتيجية الاميركية “لمكافحة الارهاب” تلقى فشلاً نظرا لأن متطلبات “استراتيجية مسؤولة ينبغي ان تتجاوز اهداف تعطيل خلايا الارهاب وعرقلة خططها واحباط قدرتها على استقطاب عناصر جديدة، ويجب ان تتناول عامل الخوف الذي ينوي الارهابيون تثبيته ..” وحذر المعهد من نزعات القادة والسياسيين للافراط بردود الفعل والعمل الجاد على “احباط اي ردود فعل تأتي بنتائج سلبية .. وينبغي معالجة التهديدات الحقيقية بثقة وثبات.” ومضى في تحذيره من ان الردود التقليدية “تستنفذ اموالا طائلة تنفق على تدابير أمنية مشكوك بها، والنيل من الحريات، والتضحية بارواح الاميركيين في خضم الانسياق لمهاجمة تهديدات مبالغ فيها.”

http://www.cato.org/publications/commentary/we-are-terrorized-why-us-counterterrorism-policy-failing-why-it-cant-be

فراغ جيواستراتيجي
وجه معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى اتهاما بالخذلان لسياسة الرئيس اوباما في الشرق الاوسط وانشغاله بهاجس الخشية من “تورط مكلف للولايات المتحدة .. في الحرب السورية،” على الرغم “من توفر عدة خيارات .. ولكنه آثر الاكتفاء بالحد الادنى في كل مرة، والاحجام عن الاجابة على ما سيحدث اذا لم تتصرف” اميركا. وشد المعهد على ان المحصلة العامة للسياسة الاميركية ادت “لفراغ اقليمي بسبب تردد” اوباما الاقدام على “فعل اكثر من اطلاق التصريحات .. مما حفز اطراف اخرى لملء الفراغ، ايران وحزب الله والميليشيات الاخرى العاملة بالوكالة عن ايران، من جهة، والمملكة السعودية وتركيا وقطر من الجهة الاخرى، بالاضافة الى تنظيم الدولة الاسلامية.” وحث المعهد الادارة الاميركية الاسترشاد بالتجارب العسكرية الاميركية السابقة في التدخل “ومن الضروري ان يتحمل شركاء واشنطن المحليين مسؤولية اكبر في صراعات الشرق الاوسط، والرئيس اوباما محق في هذا الصدد.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/how-obama-created-a-mideast-vacuum

المملكة السعودية
خصص معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى حيزا مميزا للتكهن بخليفة العاهل السعودي سلمان، مرجحا انه لن يعتلي “ولي العهد محمد بن نايف” المنصب، بل سيذهب لنجله محمد بن سلمان “ملك صحراء هوليوودي .. رغم الصعوبة التي تكتنف التنبؤ بكيفية حدوث عملية الخلافة.” واستعرض الوضع الصحي للعاهل السعودي بحذر مشيرا الى “تعليق أدلى به مسؤول أمريكي في أيلول/سبتمبر الماضي ومفاده أنه سيُعقد اجتماع في البيت الأبيض بين الملك سلمان والرئيس أوباما و”سيتم تدوين محتواه بدقة”.” ومن بين سيناريوهات الخلافة المحتملة “تعتبر حرب اليمن .. اكثر قضية قد تقضي على المستقبل المهني للأمير الشاب؛ فضلا عن ان واشنطن تعتبر الامير محمد بن سلمان غير مؤهل لتسلم السلطة.” ولفت النظر الى ان الامير الشاب اضحى محط اهتمام ومركز اتصال قادة الدول الاخرى بمن فيهم “وزير الخارجية جون كيري الذي اتصل به بدلا من الملك (سلمان) او الامير محمد بن نايف في محاولته لتهدئة الازمة السعودية – الايرانية المستجدة.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-next-king-of-saudi-arabia

الصراع السعودي – الايراني كان من ضمن اهتمامات معهد كارنيغي وما ينبيء به من تداعيات داخلية شديدة لا سيما “استمرار التهديد للسياسات السعودية من قبل شبكات الاسلاميين السنة، التي يتصدر جهاديوها الطائفيين المشهد السوري وبرزت قوى مستقلة لديها اولوياتها.” ولفت الانظار الى الحملة التي تقودها “السعودية لتجريم تنظيم الاخوان المسلمين التي لا تحظى بتأييد محلي .. (اما) تنفيذ حكم الاعدام بالشيخ النمر واستفزاز الصدام مع ايران فقد لقيا دعما وتأييدا داخل صفوف العناصر الاسلامية.”

http://www.cato.org/publications/commentary/we-are-terrorized-why-us-counterterrorism-policy-failing-why-it-cant-be

ايران
استعرض المجلس الاميركي للسياسة الخارجية قدرات ايران التقنية، لا سيما في مجال الحرب الالكترونية مشيرا الى رصد “الخبراء .. نسبة تدني ملحوظة في الهجمات الالكترونية الايرانية – الأمر الذي يواكب بدقة جهود ايران للتوصل الى توقيع اتفاق نووي مع الدول الغربية.” واضاف انه بعد الانتهاء من توقيع الاتفاق النووي “عززت ايران قدراتها الالكترونية الهجومية، على المستويين السياسي والاستراتيجي.” ونبه المجلس من توفر امكانيات مادية اضافية لايران، من اصولها المجمدة في الغرب، للدفع ببلادها “لتصبح قوة الكترونية معتبرة في مستقبل ليس بعيد جدا .. والتي ستضحي مصدر تحدٍ شديد للولايات المتحدة.”

http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3047

سلط معهد ابحاث السياسة الخارجية الضوء على ما اسماه ظاهرة التعاون النووي والصواريخ الباليستية بين ايران وكوريا الشمالية استنادا الى “ادلة معروفة .. وفي حال قررت ايران توكيل كوريا الشمالية بادارة برنامجها النووي خلال الفترة الزمنية الخاصة بسريان مفعول الاتفاقية المشتركة، يتعين علينا حينئذ احداث تحول جذري برؤيتنا لنوايا الجمهورية الاسلامية.” واضاف ان التعاون المشترك بينهما يمتد لنحو عقود ثلاثة “محوره تطوير الصواريخ الباليستية .. الذي يتنامي تهديده وتتسع دائرة انتشاره جغرافيا.” وحث صناع القرار التوجه لاستصدار اتفاق شبيه باتفاق التعاون المشترك يرمي للتأكيد على عدم “استمرار التعاون بين ايران وكوريا الشمالية لتطوير صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية ..”

http://www.fpri.org/articles/2016/01/foreseeable-foreseen-ignored-iran-advancing-its-missile-program-home-while-offshoring-its-nuclear-program-north-korea

تركيا وروسيا
استعرض صندوق مارشال الالماني الابعاد والكلفة الاقتصادية الناجمة عن التوتر التركي – الروسي وما رافقه من “عقوبات اقتصادية.” وقال انه من المرجح ان يدفع “الاتراك والروس ثمنا باهظا لتلك العقوبات .. بيد ان الكلفة من من غير المرجح ان تؤدي لتراجعهما.” واوضح ان كلا البلدين يعتبر سورية من اولويات سياساته “بل ان الحكومة التركية تعتقد ان مصيرها يعتمد على الآلية التي ستدار بها عملية انهاء الحرب في سوريا، وتخشى ما تضمره موسكو من اهداف.” واردف انه بالنسبة لموسكو فانها “على استعداد للتضحية (بتداعيات العقوبات) بغية تحقيق اهدافها في سوريا .. بيد ان المخاطر الجيوسياسية عالية.” وختم بالقول ان “الحرب التجارية بين تركيا وروسيا من المرجح ان تستمر” الى اجل غير مرئي.

http://www.gmfus.org/blog/2016/01/12/expensive-fight-russia-and-turkey

تناول معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى اقامة تركيا قاعدة عسكرية لها في قطر “التي كانت تابعة لمحافظة نجد العثمانية والتي كانت تتبع بدورها لولاية البصرة العثمانية” في اطار “بسط نفوذها في الخليج العربي .. واستعداد حلفاء واشنطن في حلف الاطلسي (التبرع) لمواجهة تصاعد النفوذ الايراني، مما سيترتب على انقرة ضمان أمن الإمارة على نحو دائم.” واوضح ان من شأن تلك الخطوة “تعزيز استقلالية قطر عن السعودية، وتوفير الأمن لاولمبياد كأس العالم عام 2022 .. فضلا عن انها ستتيح لأنقرة مجموعة متنوعة من الخيارات في المنطقة، بعض ميزاتها عرضها معداتها العسكرية وربما تعزيز مبيعات عرباتها المدرعة من طراز ألتاي ومعدات اخرى.” اما ايران في نظر المعهد فانها “تعتبر القاعدة (التركية) خطوة عدائية .. ومن غير المرجح ان تؤدي الاشارات الموازية لتطبيع انقرة علاقاتها مع اسرائيل الى تحسين الاجواء بينها وبين ايران.” وخلص بالقول ان التواجد العسكري الاميركي المكثف في الخليج، لا سيما في قاعدة العديد القطرية، “سيصبح العامل الضامن لبسط الأمن بفعل الأمر الواقع للقاعدة التركية.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/turkeys-new-base-in-qatar

التحليل

أوباما عن حال الاتحاد :
مناشدة للتفاؤل رغم العجز والقلق

“خطبة الوداع” ترسيخ ارث ومنصة انطلاق
حرص الرئيس اوباما في خطابه للأمة على تهدئة وطمأنة الجمهور الاميركي للتحديات الواقعية، اتهمه خصومه بأنه “رسم صورة متفائلة لا تواكب القلق الشعبي” من تدني الاحوال الاقتصادية والهاجس الأمني؛” مع الاشارة الى ان الخطاب الرئاسي السنوي عادة ما يميل بدرجة حادة الى حال التفاؤل وتبرير فعالية السياسات السابقة. الرئيس اوباما من جانبه عانى بشدة من تصلب خصومه الجمهوريين منذ الانتخابات النصفية عام 2012 وتعطيلهم لعدد من برامجه وقراراته ومشاريعه، وتأليب القواعد الانتخابية ضده.
اسلافه السابقين، لا سيما رونالد ريغان وبيل كلينتون، حققا بعض الانجازات الملموسة خاصة على الصعيد الاقتصادي الحيوي، وحظي خطابهما الاخير للأمة بشعبية اكبر مما يلاقيه الرئيس اوباما حاليا دون اغفال عامل الاصطفاف الحاد الراهن بين القوى الاجتماعية المختلفة.
اوباما اضحى يعاني من شبه عزلة بين صفوف القسم الاعظم من الناخبين والذين يعتبرون عهده بأنه “باهت” ولم يستطع تحقيق وعوده الرئاسية التي اطلقها عام 2008. وتشير ابرز استطلاعات الرأي الى معارضة ما يربو عن نصف الناخبين لبرنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباماكير، فضلا عن عدم الرضى من الاداء الاقتصادي ومعارضة نهجه في السياسة الخارجية.
تزامن “خطاب الوداع” مع حادث احتجاز ايران لزورقين حربيين اميركيين وعلى متنهما عدد من البحارة الاميركيين بعد دخولهم المياه الاقليمية لايران في الخليج العربي، وشدد خصوم الرئيس على استثمار الحادث للنيل من سياساته الخاصة بايران وتجديد الخطاب المعادي لابرام الاتفاق النووي معها، ومطالبته باتخاذ اجراءات فورية متشددة من قبل اقطاب هامة في الحزبين.
اوباما واجه تحدي خصومه المفتعل بالقفز عن الحادثة واخراجها من عوامل الصراع الاقليمي، واشاد بالشق الايجابي في تنفيذ ايران احد شروط الاتفاق النووي بالتخلي عن “نحو 90%” لمخزونها من اليورانيوم المخصب وبذلك “تفادى العالم اندلاع حرب اخرى؛” وسرعان ما ترجمه خصومه بانه “تجسيد لضعفه وتردده في الحسم.”

حكاية الخطاب الرئاسي السنوي
تتطور الخطاب الرئاسي سريعا من تقرير تقليدي يقدم للسلطة التشريعية الى حفل علني صاخب بالاستناد الى الفقرة الثالثة من مادة الدستور الثانية التي تنص على “يتعين على الرئيس تقديم معلومات للكونغرس حول حال الأمة من وقت لآخر، ويوصي بالنظر ببعض التدابير التي يراها ضرورية وملائمة.”
آلية التقرير لم تحدد شكله كتقرير سنوي، وفق النص الاصلي، كما لم يحدد ماهيته كخطاب يلقى تحت قبة مجلس النواب. يشار الى ان الرئيس الاسبق جيمي كارتر “سلّمَ” تقاريره السنوية الاربعة بصيغة خطية؛ وكذلك الأمر مع اسلافه الرؤساء هاري ترومان ودوايت ايزنهاور.
منذ انبلاج عهد التلفزة وتطوره الى الصورة الرقمية بالغة الدقة، استغل الرؤساء من الحزبين فرصة “تقرير حال الأمة” كخطاب موجه للشعب “تزينه المفردات المنمقة والشعارات الوطنية حول فرادية الولايات المتحدة وعظمتها، وجدول بقائمة اهداف واعدة تطرح للجدل وان ليس بحكم التطبيق، تستضيف بموجبه شخصيات كبرى مدعوة تأخذ مكانها بجانب مقعد السيدة الاولى تسلط كاميرات التلفزة والصحافة الانظار عليها.” حقيقة الأمر ان الخطاب السنوي نادرا ما يتناول كنه حال الأمة كما كان مقصود به.

“خطبة الوداع” واحداث المنطقة العربية
تشعب خطاب الرئيس اوباما كثيرا في العناوين العامة والانجازات التي تحققت، حتى لو لم تحظى بالاجماع، ليشكل معالم طريق يهتدي بها الرئيس المقبل، اي كان، خاصة فيما يتعلق بشؤون الشرق الاوسط و”حماية المصالح الاميركية الحيوية” هناك.
انتقل اوباما ببراعته الخطابية من الحشو اللغوي لعظمة بلاده والاطاحة جانبا بمزاعم خصومه انها تمر في مرحلة تراجع كقوة عظمى، للتأكيد على ان التهديد الاستراتيجي الماثل امامها “ليس مصدره امبراطوريات الشر بقدر ما هو نتيجة لتهاوي وفشل الدول” الوطنية. ولم يوفق بسرديته للتاريخ بأن “الصراع الدائر في منطقة الشرق الاوسط يعود بنا الى آلاف السنين.” العبارة ليست عابرة او زلة لسان، كما يعتقد للوهلة الاولى، بل تنم عن احساس واصرار داخلي لدى المؤسسة الحاكمة بعدم تحملها مسؤولية ما جرى ويجري من مآسي ليس على صعيد المنطقة العربية فحسب، بل على مستوى الكون بأكمله، جذرها الحقيقي نزعة السيطرة والهيمنة الاميركية على مفاصل القوة العالمية والخيرات الطبيعية.
لم يتوقع احد، في حقيقة الأمر، تقديم الرئيس اوباما حلولا للتحديات والتهديدات العالمية، كما وصفها، وقفز سريعا لاعادة تصويب الاولوية على “محاربة والحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية وتعقب الشبكات الارهابية .. وتوفير الأمن والأمان للشعب الاميركي.” واوضح بما لا يدع مجالا للشك ان مصدر التهديد الحقيقي يأتي من “كل من القاعدة والآن تنظيم الدولة الاسلامية ..” مستدركا ان “داعش .. لا يعد تهديدا وجوديا” لاميركا.
وطمأن الرئيس اوباما شعبه بفعالية ويقظة سياسته التي “تدمر مصدر تمويل داعش، انابيب النفط المتنقلة،” على الرغم من ان الغارات الجوية الروسية حققت انجازات اكبر واشد وطأة ضد التنظيم وخطوطه الخلفية.
استغل الرئيس اوباما فرصة القاء الخطاب المتلفز لارسال جملة رسائل تحدي لخصومه في السلطة التشريعية، من الحزبين، والذين ملأوا امواج الاثير بانتقاد ادارته وتعديها على صلاحيات الكونغرس بدخول حرب طويلة، مما قد يعد انتهاكا دستوريا. وحسم الرئيس الأمر برمي الكرة في ملعب الكونغرس متحدياً قبوله ممارسة صلاحياته واصداره تفويض للرئيس بشن حرب على الارهاب. المسألة بالغة الدقة، اذ “يخشى” الحزب الجمهوري اصدار اي تفويض من شأنه “تقييد” حرية الرئيس المقبل، من خلال التناوب غير المعلن على السلطة، وتنفيذ اجندة الحزب بشن حروب اينما تقتضي “المصلحة الاستراتيجية،” وليس طمعا في تفويت الفرصة على الرئيس اوباما فحسب.
ووبخ اوباما خصومه السياسيون لاعلائهم مشاعر “الضغينة والاشتباه بين الحزبين، والتي اضحت اسوأ من ذي قبل،” مناشدا توخيهم الحذر والاقتداء بالرؤساء العظام مثل ابراهام لينكولن وتيدي روزفلت اللذين بذلا جهودا مضنية لجسر هوة التفرقة في المجتمع بشكل عام.
استغل الرئيس اوباما التركيز السياسي والاعلامي، ولو لليلة واحدة، للرد على خصومه من مرشحي الرئاسة عن الحزب الجمهوري مذكرا بأن “العالم يتطلع الينا لفض النزاعات وتقديم حلول للقضايا الخلافية، وينبغي علينا عدم الركون لاستخدام عبارات قاسية او المناداة بتفعيل قصف جوي شامل، قصف السجادة، ضد المدنيين.” وسخر قائلا ان ذلك الخطاب ربما يصلح للقفز على صدارة شاشات التلفزة “بيد انه غير فعال على المسرح الدولي.”
كما انتقد المرشح الرئاسي دونالد ترامب متحاشيا ذكره بالاسم لتصريحاته التي “تستهدف فئات محددة نظرا لهويتها العرقية او انتمائها الديني .. اذ ان العالم يحترمنا ليس لترسانتنا العسكرية فحسب، بل للتنوع الاجتماعي والانفتاح واحترام كافة المعتقدات والمقدسات.” ورد ايضا على دعوات “الساسة المهينة للمسلمين، لا سيما وان استهداف وتخريب مسجد او تخويف الاطفال لا يجعلنا نشعر بالأمان.”

كيري يحدد معالم السياسة الخارجية
لم يشأ الرئيس اوباما المرور في خطابه على تفاصيل السياسة الخارجية لبلاده، لنزع فتيل هجوم خصومه في الايام التالية؛ وارجأ المهمة لوزير الخارجية جون كيري الذي اعلن مسبقا عن نيته القاء خطاب مفصل لمعالم السياسة الخارجية يلقيه في اليوم التالي امام حشد منتخب من طلبة وقادة واعضاء “جامعة الدفاع الوطني.”
كيري تناول عددا من القضايا “الاساسية” موضحا ان الجهود الرئيسة منكبة على “التصدي لنواة شبكات داعش في سوريا والعراق، والتضييق على جهود الارهابيين لانشاء فروع تستخدم كمنابر الهام للمجندين للقيام بشن هجمات في مناطق متعددة من العالم، بمن فيها داخل الولايات المتحدة.”
واشاد كيري بما اعتبره سلسلة انجازات تحققت في العراق ضد “داعش .. التي لا يمكن انكارها او التغاضي عنها؛ لا سيما استعادة القوات العراقية باسناد من قوات التحالف معظم احياء مدينة الرمادي، وتحرير تكريت وعودة نحو 100،000 سُني والبدء باعادة بناء بيوتهم.” واستطرد في تعديد الانجازات لتشمل مدينة سنجار والقضاء على بعض قادة التنظيم، وقطع خطوط امداده، وحرمانه من نحو 40% من المساحات التي كان يسيطر عليها سابقا.
فيما يخص الصراعات والتوترات الدولية، اعرب كيري عن أمله في التوصل لعلاقات تعاون افضل مع روسيا مشيرا الى جهود بلاده “تشديد وتيرة غاراتها الجوية في شمال سوريا، لتأييد شركائنا على طول الحدود المشتركة بين سوريا وتركيا .. ونوسع مروحة التعاون مع آخرين في المنطقة، بمن فيهم روسيا.”
إتيانه على ذكر روسيا بالتحديد من شأنه التمهيد لعقد جولة المفاوضات المقبلة بين الاطراف السورية في جنيف، كما كان مقررا في السابق، ومواكبة لتحول سياسي في التوجهات الاميركية بأن “التعاون البناء مع روسيا وايران، فيما يخص سوريا، أمر حيوي على طريق تحقيق تقدم في المفاوضات.”
ايران وملفها النووي احتلت المساحة الابرز في خطابه، بالتطابق مع التكهنات السابقة، خصوصا لبدء تحقق انجازات ملموسة في هذا الشأن في ذلك اليوم بالذات، يوم اعلان روسيا تسلمها 11،000 طن من اليورانيوم المخصب لاخراجها خارج الاراضي الايرانية. وابدى كيري ارتياحا ملحوظا عند اعلانه بأن “ايران ماضية في طريقها لتفكيك مكونات حساسة من منشآتها النووية. بالأمس اخبرني وزير الخارجية، ظريف، ان مفاعل اساسي لتخصيب اليورانيوم اضحى خارج الخدمة الفعلية؛ وخلال الساعات المقبلة سنشهد طمره بالاسمنت المسلح وتدميره.”
اتساقا مع الرئيس اوباما في خطابه الليلة السابقة، لم يشأ كيري تناول اعتقال البحارة الاميركيين من قبل ايران وحجز قاربيهما الحربيين، ربما كي لا يستبق الترتيبات الجارية بالافراج عنهم جميعا في غضون 24 ساعة، وايضا لتفويت الفرصة على الخصوم السياسيين لاستغلال الازمة لتقويض التقدم في الملف النووي.

الاعداد لخطاب الوداع
اوكلت مهمة الترويج لمحتوى الخطاب لرئيس طاقم موظفي البيت الابيض، دينيس ماكدونو، الذي يتمتع بثقة عالية من قبل الرئيس اوباما، لا سيما وهو الذي ينسب اليه التحدث مع اوباما على انفراد، في باحة البيت الابيض، للموافقة على “صفقة” الاسلحة الكيميائية السورية مقابل وقف العدوان الاميركي المباشر. ماكدونو استبق الخطاب بالافصاح عن لهجة “واجراءات رئاسية جريئة” يعد لها الرئيس اوباما.
وعقد ماكدونو لقاء صحافيا على مأدبة افطار لطمأنة المشككين بمبادرة الرئيس واقدامه على اتخاذ قراراته الخاصة نظرا لاحجام او فشل الكونغرس استصدار تشريعات محددة، لا سيما فيما يخص تعديل نظام الهجرة، وملفات اخرى يعتبرها البيت الابيض من اولوياته.
وقال امامهم بصفة الجمع “سنقدم على اتخاذ قرارات رئاسية جريئة على امتداد ما يتبقى من زمن في العام الاخير للرئاسة، انني على ثقة تامة بذلك .. انطلاقا من الالتزام التام بضوابط العملية الجارية والتي تحدد ما يمكن المرء فعله” بصورة تضمن عدم تدخل الكونغرس لاحقا لاخراجه من الخدمة.
كان لافتا لتفاعلات ماكدونو المفعمة بالتفاؤل ان الرئيس اوباما يعول على تحقيق الحزب الديموقراطي فوزا انتخابيا يعينه على التصدي للحزب الجمهوري، خاصة وان عددا من مرشحيه للانتخابات الرئاسية اطلق وعودا بابطال مفعول قرارات الرئيس اوباما فور تسلمه مهام المنصب.
في ظل خريطة صراع وتحدي متواصل بين الرئيس اوباما وخصومه من الحزبين، اضحى مستقبل ارثه السياسي وما يمكنه من توريثه لخلفه المرشح الديموقراطي يعتمد على حكمة وتعقل استخدامه لحقه الرئاسي في اصدار “اوامر رئاسية” تتخذ مفعول القانون عوضا عن استصدار تشريعات بذلك، قبل مغادرته البيت الابيض. وعليه، ستحدد تلك الاجراءات المنتظرة ليس وجهة الارث السياسي فحسب، بل ديمومة القرارات الرئاسية التي عادة يلجأ اليها الرؤساء الاميركيين عند الضرورة.
على ضوء ما تقدم من خلفية، باستطاعة المرء القول ان الرئيس اوباما يعد “لمنصة انطلاق” لفترة رئاسية ثالثة، ان جاز التعبير، والذي لا يسنده الدستور، بل في سياق التوطئة لفوز رئيس من الحزب الديموقراطي يحافظ على “انجازات” الرئيس اوباما المجسدة بقراراته الرئاسية.
اوباما يدرك قبل غيره قلق القواعد الانتخابية للحزبين وميلها للاقلاع عن دعم قرارات رئاسية خارج السياق المتعارف عليه بين توافق السلطتين، التشريعية والتنفيذية. وجسد ذلك في اشارته اثناء الخطاب الى “خشية الاميركيين من التحديث وتطوير الاساليب،” على خلفية تفجر ازمة الاجهزة البيروقراطية للدولة بملاحقة مجموعات معينة: هيئة الضرائب المركزية ضد منظمات محسوبة على تيار المحافظين؛ هيئة ادارة شؤون المحاربين القدامى واهمالها العميق لرعاية المرضى مما ادى لوفاة عدد منهم وهم في حالة الانتظار؛ فضلا عن تقلبات سوق الاسهم والخسائر التي لحقت المساهمين دون ان تطال كبار اصحاب رؤوس الاموال.
ادارة حالة الغضب الشعبي الواسعة قد تفضي الى تقليص آفاق ولاية الرئيس اوباما متفوقة بذلك على القرارت الرئاسية المرتقبة، او السياسة الخارجية، او الزهو ببعض الانجازات في عملية تشريع القوانين.