المقدمة
تتجدد المواجهات بين الرئيس ترامب من ناحية، والمؤسسات التنفيذية الأخرى والإعلامية أيضاً، وجديدها في رصد “فضيحة” داخل جهاز مكتب التحقيقات الفيدرالي من موظفين مناوئين لترامب، وما ينتظره الرئيس من المحقق الخاص روبرت موللر من مواجهة مباشرة محتملة للتوقف عند دوره في عقد صفقات مع روسيا.
لعل الأهم بين تلك الفضائح اللامتناهية هي مصادقة الكونغرس والرئيس على تجديد العمل بقرار يتيح للأجهزة الأمنية التجسس والتنصت على تحركات المواطنين الأميركيين، مما يناقض نص وروح الدستور الأميركي المعمول به.
أما غزو تركيا للأراضي السورية في أقصى الشمال الغربي وملابساته، لا سيما من الزاوية الأميركية الصرفة، سيكون موضوع البحث في قسم التحليل.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
العصا الأميركية
اعتبر معهد المشروع الأميركي أن زيارة نائب الرئيس مايك بينس لمصر والأردن تشكل “مؤشراً على مدى التطور الذي طرأ على السياسة الأميركية في السنة الأولى من ولاية الرئيس ترامب.” واوضح بتوجيه اللوم للرئيس السابق اوباما إذ نجح الرئيس ترامب فيما فشل به سلفه من مهام “القضاء على دولة خلافة داعش ومحاربة الإرهاب الدولي، وعكس مسار الإتفاق النووي مع إيران، وإطلاق جهود جديدة على مسار السلام بين العرب والاسرائيليين ..” وأردف أن نائب الرئيس بزيارته للمنطقة “أكد لمضيفيه على التزام الإدارة” بتحقيق أهدافها ولأمد بعيد.
http://www.aei.org/publication/mike-pence-in-the-middle-east-the-new-point-man-on-foreign-policy/
في تغطية منفصلة، اعتبر معهد المشروع الأميركي نشر وزارة الدفاع لوثيقة استراتيجيتها الجديدة، رغم تصنيف مضمونها سرياً بطلب من الكونغرس، تعيد للأذهان أجواء واشنطن مطلع الألفية الجديدة وتفضيلها الخطاب المتشدد الذي عبر عنه آنذاك السيناتور الجمهوري جون ماكين. ورحب بالوثيقة لوضعها حداً لضبابية السياسة الأميركية وفتح المجال “لنمط تفكير جديد .. وفرصة لتجسير الهوة بين المؤسستين العسكرية والسياسية.”
http://www.aei.org/publication/time-for-the-us-military-to-get-its-swagger-back/
سوريا
انتقد مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إدارة الرئيس ترامب في الذكرى السنوية الأولى لولايتها إذ “لا نلمس ما يمكن اعتباره استراتيجية خاصة بسوريا. وانتقل الزخم السياسي من المفاوضات السياسية بجنيف .. نحو مسار آخر محوره مسألة الأمن، والذي تشكل روسيا فيه اليد الأقوى.” وأضاف أن إعلان وزير الخارجية ريكس تيلرسون لحديث سيلقي به في جامعة ستانفورد، بولاية كاليفورنيا، قد أنعش الآمال لما قد يحمله من مواقف جديدة “بيد أن خطابه كان أدنى مما يمكن اعتباره مواقف استراتيجية، نظراً لعدم توفر اجماع حولها داخل الإدارة.” وأردف أن للاستراتيجية ميزاتها وتتطلب “اتخاذ قرارات وتوفير موارد” لذلك. وحث الإدارة على اتباع “نهج أشد جرأة للتأكيد على مصالحها، كما عليها تعزيز نفوذها على آليات ايجاد حل للأزمة السورية.”
https://www.csis.org/analysis/strategy-syria-tillerson-must-look-leverage/?block2
استعرض معهد كارنيغي سبل تشجيع اللاجئين السوريين إلى ديارهم خاصة “بعدما تلقى تنظيم الدولة الإسلامية “هزائم كبيرة في الشرق من سوريا بتحرير الرقة ودير الزور.” واستدرك بالقول أن ذلك الإنجاز “غير كافٍ بمفرده لتسهيل عودة جماعية .. فضلاً عن ارتفاع منسوب التوتر بين الكرد والعرب وأساليب التدقيق الأمني المهينة التي تطبقها قوات التحالف الدولي (اجتمعت) لتزيد من حدة عدم الاستقرار وعدم التنبؤ” بالمستقبل القريب.
ليبيا
نوّه معهد واشنطن لاستمرار تدفق “المقاتلين الأجانب” إلى ليبيا وما يشكله من مخاطر أبرزها “ما توفره ليبيا من محطة جهادية مستقبلية في خضم انهيار مراكز الدولة الإسلامية في العراق وسوريا.” وأضاف أن ما يقلق أيضاً “الحجم الضخم للمقاتلين التونسيين وانتعاش جهود التجنيد في القارة الإفريقية.”
الصراع الخليجي
لفت معهد واشنطن الأنظار إلى عودة الصراع بين الدول الخليجية وقطر الى الواجهة مرة أخرى “مع تضافر سلسلة من التطورات قابلة للإشتعال السريع،” منها حادث اختراق مقاتلة تابعة للإمارات الأجواء القطرية، ورصد قطر طائرة نقل عسكرية للإمارات التحليق عبر أجوائها في طريقها إلى البحرين، 3 الشهر الجاري، وكذلك احتجاز الأمير القطري عبد الله بن آل ثاني في عاصمة الإمارات، 14 يناير الجاري. واسترسل المعهد في رصد وسرد حوادث انتهاكات متبادلة للسيادة بين قطر والإمارات، مشيراً إلى تفنيد أبوظبي بأنها تحتجز الأمير القطري عنوة وسماحها له التوجه للكويت، 17 الشهر الجاري، لتلقي العلاج في “مشفى عسكري.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-uae-qatar-rivalry-is-escalating
السعودية وفكر التطرف
استضاف معهد واشنطن ندوة حوارية لمناقشة الأفكار المتطرفة في المنطقة وما “بوسع السعودية ومصر فعله لمواجهته.” وأثنى المشاركون على جهود “بعض السعوديين من خارج أجهزة الحكومة، معظمها شخصيات إعلامية، لمكافحة فكر التطرف.” وأضاف أن اولئك “أعربوا عن تفاؤلهم لسياسات الرياض الجديدة وهو على أتم الإستعداد للمشاركة الدولية بغية تعزيز فاعلياتها.”
إيران
جدد معهد كارنيغي قلق الأوساط الأميركية والغربية من حوادث “القرصنة الإلكترونية والتجسس والانتقام” المنسوبة لإيران والتي صنّفت بأنها “في غاية التطور.” وأضاف أن “الحرب الباردة بين واشنطن وطهران منذ 40 عاما قد انتقلت ساحة مواجهتها إلى الفضاء الإلكتروني.” وأردف أن طهران استفادت من التجارب والدروس السابقة وعززت براعتها في شن هجمات تجسس إلكترونية وأخرى قوية ضد مناوئيها داخلياً وخارجياً؛ تتعدد أهدافها لتشمل منظمات المجتمع المدني الإيرانية واستهداف المؤسسات الحكومية والتجارية في إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة.”
http://carnegieendowment.org/2018/01/04/iran-s-cyber-threat-espionage-sabotage-and-revenge-pub-75134
التحليل
مغامرة إردوغان في سوريا
وحساباته الداخلية الأنتخابية
اصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوامره للقوات المسلحة بالتحرك باتجاه بلدة عفرين السورية، 20 يناير الجاري، في ظل أجواء سياسية وتغيرات متسارعة في الإقليم في سياق أوسع يتمثل بصراع الدول الكبرى على ممارسة نفوذ أوسع في أي مسار للحل السياسي في سوريا.
أردوغان استبق القرار بتعزيز مواقعه في الداخل التركي ولا يزال يشن حملة تطهير في صفوف القوات المسلحة والأجهزة الإدارية للحكومة، على خلفية الإنقلاب الفاشل، 15 تموز / يوليو 2016 ؛ وتجديد “شرعيته عبر احتضان وتبني الخطاب القومي،” الأمر الذي دفع به لنسج تحالفات “تكتيكية” مع قوى أقصى اليمين ممثلة بحزب الحركة القومية.
“العملية التركية،” كما يرمز لها في واشنطن، كانت ثمرة جملة عوامل أسهمت في تأجيجها، أبرزها كان إعلان واشنطن عن نيتها البقاء في الأراضي السورية إلى أجل غير مسمى، يعززه انشاء قوات عسكرية “محلية” قوامها نحو 30 ألف عنصر لرفد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في تطبيق مهام “حماية الحدود.” انطلقت التصريحات التركية منددة بإعلان واشنطن لخشيتها من استمرار الرعاية العسكرية الأميركية لقوات مسلحة جيداً قوامها من الكرد وآخرين انخرطوا في القتال ضد داعش.
وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، سارع بدوره لطمأنة تركيا بمفردات انقلبت عليه وبالاً لاحقا. وقال تيلرسون أن “قوة حماية الحدود” المنشودة غير منوط بها مهمة حماية الحدود؛ مما حدى بطاقم وزارته ومسؤولين آخرين التصريح العاجل لاستيعاب المغزى والقول أن القصد كان على غير ما أوردته وسائل الإعلام.
تجدد الخلاف الأميركي – التركي إثر العملية العسكرية التي أطلقت عليها أنقرة “غصن الزيتون،” وحشدت لها مسلحين رعتهم وسهلت دخولهم لسوريا معظمهم من قوميات الشيشان والإيغور (الصينين) وتركستان وآخرين، كقوة طلائعية تتقدم القوات التركية وتتلقى الضربات الأولى عنها.
رد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو على نظيره الأميركي بأن الأخير “اقترح إنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كلم” على الحدود التركية – السورية؛ وبأن الهجوم يرمي لإخلاء عفرين من “المقاتلين الكرد،” الذين تدعمهم واشنطن بقوة.
من بين العوامل الأخرى التي دفعت تركيا للمغامرة العسكرية، وفق المعطيات السياسية في واشنطن، أن أردوعان أقلع عن دعم هدف واشنطن “بتغيير النظام” في سوريا، مرسلاً تلميحات متعددة برغبته التعاون في المحافظة على وحدة واستقرار سوريا.
على الطرف المقابل، لا يزال أردوغان يراهن على حجز موقع في التسوية السورية “ولعب دور في إعادة تشكيل مناطق النفوذ في سوريا،” على أقل تعديل؛ كما يطمح أيضاً لتسخير تحولاته السياسية بالابتعاد عن الغرب كي يعزز موقعه التفاوضي بين الدول الضامنة للحل: روسيا، إيران، وتركيا.
واشنطن من جانبها أكدت على لسان البنتاغون استمرار تعاونها مع “وحدات حماية الشعب” في سياق محاربة داعش في سوريا، طارحة جانباً التحفظات التركية بالتعامل معها على أي مستوى.
رئيس قيادة القوات الوسطى الأميركية، جوزيف فوتيل، صرح في وقت سابق من الشهر الماضي أن بلاده تعتزم البقاء في منطقة شرقي سوريا، إلى جانب حلفائها من العرب والكرد السوريين، طالما دعت الحاجة للقضاء على الدولة الإسلامية.
التصريحات المتبادلة بين أنقرة وواشنطن دفعت الرئيس الأميركي لتوجيه نقد لأردوغان “معرباً عن قلقه بشأن استخدام لغة ومفردات هدامة وكاذبة معادية لأميركا في تركيا.”
كما أصدر البيت الأبيض بياناً رسميا حث فيه تركيا على “عدم التصعيد والحد من أعمالها العسكرية .. توخي الحذر، وتفادي خطر نشوب صراع مع القوات الأميركية” في المنطقة، في إشارة لتدهور علاقات البلدين لا تخفى على أحد. وأضاف البيان أن الرئيس ترامب في مكالمته الهاتفية مع نظيره التركي أبلغه أن “عملية غصن الزيتون .. تهدد بتقويض أهدافنا المشتركة في سوريا،” واستقرار المنطقة بمجملها.
القرار الأميركي الداعم للكرد في سوريا، وعدم السماح لتدهور العلاقات مع أنقره في نفس الوقت يعبر عن تباين وجهات النظر “داخل المؤسسة العسكرية الأميركية،” صاحبة القرار. يوضح الخبراء في الشأن التركي أنه في حال فوز كفة الرئيس أردوغان باستطاعة واشنطن عرض “صفقة جديدة” عليه من شأنها الضغط عليه ليعدل موقفه مرة أخرى “بالابتعاد عن موسكو،” والعودة إلى حظيرة حلف الناتو.
المؤسسة العسكرية والاستخباراتية الأميركية تراقب عن كثب مجريات الميدان في محيط عفرين، وترصد بدقة “أداء الجيش التركي ..” الذي يشكل ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو بعد القوات الأميركية. كما “ترغب في توجيه إهانة عسكرية لأردوغان،” وفق المتداول أميركيا، بحكم عدم خوض الجيش التركي حروباً منذ سبعة عقود زمن الحرب الكورية، وبرع في تنفيذ الإنقلابات العسكرية – باستثناء المحاولة الأخيرة.
وتعزيزاً لتلك الرغبة، سلمت واشنطن لأصدقائها الكرد أسلحة جديدة متطورة، منها ذخائر مضادة للدروع، والتي جربت ميدانياً ضد القوات لتركية أسفرت عن تدمير بعض الآليات في الهجوم على عفرين.
السفير الأميركي السابق لدى أنقره، أريك إيدلمان، أوضح لشبكة (سي أن أن) للتلفزة أن “العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا متوترة جداً منذ زمن،” موضحاً أيضاً أن “هذه التوترات تتعمق في تركيبة النظام الذي يحاول أردوغان فرضه على تركيا والذي تعاديه أميركا.”
نظراء السفير من ديبلوماسيين سابقين أيضاً أعربوا عن حقيقة القلق من توتر علاقات البلدين والخشية من “انزلاق الحرب بين تركيا والأكراد .. إلى مواجهة سياسية بين تركيا والولايات المتحدة.”
ماذا بوسع الولايات المتحدة فعله لحمل أردوغان على تعديل موقفه. يجيب الديبلوماسيين السابقين باحتمال قيام واشنطن بفرض عقوبات على تركيا “على خلفية شرائها منظومة دفاع صاروخي روسية من طراز إس-400، والتي تنتجها شركات روسية مدرجة على قائمة العقوبات والمقاطعة الأميركية؛ إلى جانب تشديد الضغوط على البنك التركي الذي أدين نائب رئيسه بتجاوز العقوبات المفروضة على إيران.”
العملية العسكرية
في البحث حول أهداف أنقرة من العملية العسكرية أعرب معهد الدراسات الحربية في واشنطن عن اعتقاده بأنها من أجل “حماية الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا؛ عزل مدينة عفرين؛ السيطرة على قاعدة منغ الجوية العسكرية (بالقرب من بلدة إعزاز السورية)؛ حماية خطوط الإتصالات البرية؛ وانشاء موقع عسكري متقدم لقواتها كمنصة تواجد في منطقة تخفيف تصعيد مستقبلية مع القوات السورية والروسية.”
حتى اللحظة يبدو أن الداخل التركي، بسياسييه ورموزه ومؤسساته، يقف داعماً للعملية بل يقف “موحداً في دعم أردوغان .. للقضاء على الإرهابيين والحفاظ على وحدة التراب التركي.”
حتى زعيم المعارضة كمال كليش دار أوغلو صرح بأنه يدعم العملية؛ وكذلك المرشحة الرئاسية المحتملة، ميرال أكشنير، زعيمة “حزب الخير” التي تطمح لمنافسة أردوغان في جولة الانتخابات المقبلة. كما رصد دعم “البطريركية الأرمنية” في اسطنبول للعملية العسكرية. المعارضة اليتيمة أتت من أوساط “حزب الشعوب الديموقراطي” الذي يؤيده الأكراد.
العامل الروسي
وجهت القيادات الكردية المتعددة سهام انتقاداتها لموسكو متهمة إياها بخيانة الأكراد بعد إتخاذها خطوة تراجعية مما سمح للقوات التركية بالتوغل ومهاجمة عفرين.
ما جرى خلف الكواليس تناولته الأوساط الأميركية والعالمية وهو على تباين تام مع السردية الكردية.
الثابت أن روسيا عرضت على الكرد التوصل مع دمشق لنيل “حكم ذاتي في إطار الدولة السورية؛” لكن القيادات الكردية “فضلت العصفور الأميركي الطائر في السماء على العصفور الروسي في اليد.” ويزيد الخبراء الأميركيين أن موسكو ربما لم تكن ترغب في اعتراض القرار التركي كون النتيجة “ستؤدي إلى معطيات مفيدة لروسيا.”
ما يمكن أن تؤدي إليه عملية تركية ناجحة بأفق معروف يمكن تلخيص أبرزها بالنقاط التالية:
إلغاء الأوهام الكردية بإنشاء جيب كردستان سوري؛ الضغط الميداني المترتب عليها ستدفع الكرد للتفاوض جدياً مع دمشق والتي بجانب موسكو بإمكانهما تقديم ضمانات أمنية من محاولات تركية مستقبلية.
لتاريخه تبدو العملية العسكرية التركية محدودة النتائج الميدانية مما سيعزز من احتمال مرواحتها في المكان بانتظار تعزيز خيار عودة الحكومة السورية للسيطرة على اراضيها في تلك المنطقة، ولجوء اردوغان الى قبول المخارج الروسية لمأزقه العسكري واالإدعاء بتحقيق نجاحات ميدانية لاستثمارها في الداخل التركي في الانتخابات القادمة، ويبدو أن ابرز اهداف الحملة كان التحشيد القومي الداخلي لدعم اردوغان.