المقدمة
الاهتمام الاميركي الاكبر، شعبيا ورسميا، انتقل الى الانتخابات التمهيدية في ولايات متعددة، لا سيما وان حزمة من اثنتي عشر ولاية ستعقد انتخاباتها بالتزامن يوم الثلاثاء المقبل، 1 آذار، وما سيترتب عليها من صقل اللوحة الانتخابية. أهميتها الاستثنائية تتمثل في عدد مقاعد المندوبين عن الحزب الجمهوري التي يبلغ مجموعها 595، اي نحو 25% من العدد الاجمالي 1،237 للفوز بترشيح الحزب في مؤتمره المقبل. بالمقابل، يعوّل الحزب الديموقراطي ايضا على نتائج تلك الولايات التي يبلغ تعداد مندوبيها 1،004 مقعدا من مجموع 2،383 في المؤتمر العام. اضافة لتلك الاهمية تتضمن تلك الولايات 130 مقعدا لصالح الحزب الديموقراطي منفصلة عن عدد المندوبين آنف الذكر، وتعرف “بالمندوبين الفائضين” الذين اعلن غالبيتهم العظمى عن تأييده للمرشحة هيلاري كلينتون.
سيستعرض قسم التحليل آفاق الاتفاق الدولي لوقف الاعمال العسكرية في سوريا، بنظرة فاحصة على الزاوية الاميركية وما تراه من حظوظ للنجاح وصدقية استمراره.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
سوريا
في سياق استعراض اتفاق وقف اطلاق النار اعرب معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى عن عظيم شكوكه بتنفيذ بنود الاتفاق قائلا ان “موسكو ودمشق تتقيدان بخطة السلام (الواردة) في قرار مجلس الأمن 2254، ولكن بشروطهما الخاصة وبصورة مؤقتة فقط .. ووسيلة مرحب بها لدرء الهجمات المضادة” من قبل المسلحين. واوضح ان الاتفاق ينطوي على رسالة قوية من موسكو لأنقرة “اذا لم تسحبي دعمك للمعارضة وتغلقي الحدود، سنقوم نحن بذلك بمساعدة الاكراد السوريين .. نظرا لقناعة بوتين ان انقرة ستواجه صعوبة كبيرة في حشد الارادة السياسية الضرورية لارسال قوات فعلا الى سوريا، وعدم توفر الارادة لدى واشنطن بدعم تدخل عسكري تركي.” واضاف ان موسكو تقدمت بلعب دور “حامي الاكراد” في سوريا عبر مشروع قرار لمجلس الأمن يدين القصف التركي للقرى الكردية في سوريا.” وخلص بالقول ان “القادة الغربيين وجدوا انفسهم امام خيارين: اما قبول ما تقدمه موسكو (وقف اطلاق النار)، او التمسك بهدف يزداد صعوبة وهو الانتقال السياسي المشروط برحيل الاسد .. (فالاول) يعني ان تركيا ستجد نفسها عنئذ معزولة ومرغمة على الحد من دعمها (للمسلحين) وتبقى مسألة ملايين اللاجئين الذين انتجهم الصراع افضل وسيلة ضغط” للرئيس بوتين يستخدمها ضد اعداء الرئيس الاسد.
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/ceasefire-and-elections-in-syria-putin-still-a-step-ahead
اعتبر معهد ابحاث السياسة الخارجية اعلان السعودية بتعزيز حضورها العسكري المباشر في سوريا خطوة ايجابية كونها “قد تشكل من سخريات القدر لمظهر ناجح لسياسة الرئيس اوباما .. بعد حثه السعودية ودول الخليج الانخراط في اللعبة،” العام الماضي. واوضح ان قرار الرياض نضج “عقب فشل نفوذ الولايات المتحدة بالتأثير على سير المفاوضات في جنيف-3.” واضاف ان النتيجة التي خرجت بها الرياض “غياب تام لبديل عن قيادة اميركية للوقوف بوجه نظام الاسد .. والانضمام لأنقره كوسيلة ضغط مشتركة على واشنطن لحملها على اظهار مزيد من الحزم.” وخلص بالقول ان “الاعلان السعودي التركي المشترك” بتدخل عسكري مباشر في سوريا “يشكل سياسة اللعب على حافة الهاوية” للضغط على واشنطن.
رحب صندوق مارشال الالماني بتعزيز علاقات التعاون بين تركيا والاتحاد الاوروبي “كنتيجة لأزمة اللاجئين السوريين .. وعقب توجيه انتقادات للاتحاد خلال العقد الماضي بتراجع نفوذه عند تركيا لحثها على ادخال اصلاحات ديموقراطية.” واوضح ان الجانب التركي استخدم ورقة مساومة بالغة الأهمية بادارته الهجرة غير المنظمة كوسيلة ضغط على الاتحاد الاوروبي ..” واثنى الصندوق على توجهات الاتحاد الاوروبي لتوسيع نطاق سياساته الخارجية “التي اثبتت جدواها .. وانضمام تركيا لذلك الجهد يصب في خدمة استراتيجة الاتحاد وسياساته الخارجية.”
http://www.gmfus.org/publications/eu-turkey-action-plan-imperfect-also-pragmatic
تمدد داعش
استعرض معهد كارنيغي ما اسماه “النزاع لتعاليم الدينية بين الدولة الاسلامية والسعودية،” مرجحا انه “تسابق الطرفين على كسب روح الوهابية ..” واوضح ان الحركات الجهادية والسلفية تقدمت في هذا المضمار “وقدمت نفسها على انها الوريث الشرعي للطريقة الوهابية واستحوذت على مواردها النصية،” كما ان الدولة الاسلامية “تشكل تتويجا لذلك الجهد.” واضاف ان شرعية “الاسرة السعودية الحاكمة مستمدة من دعمها المتواصل (للوهابية)، وان تضررت العلاقة بينهما فان المرجح انتشار الفوضى في عموم الجزيرة العربية.”
http://carnegieendowment.org/2016/02/18/kingdom-and-caliphate-duel-of-islamic-states/iu4w
تناولت مؤسسة هاريتاج ظاهرة تمدد تنظيم الدولة الاسلامية الى افغانستان وليبيا، مرتكزة الى تحذيرات اطلقها رئيس هيئة الاركان، جوزيف دنفورد، بان بلاده تنظر في شن “عملية عسكرية حاسمة” ضد قواعد التنظيم في ليبيا. وشككت المؤسسة في تصريحات وزير الخارجية جون كيري التي اطلقها خلال جولته الاخيرة في اوروبا بأن “قوات التحالف الدولي حققت انجازات ضد داعش في سوريا والعراق، التي ان صحت ستوحي باخبار جيدة، لكنها ليست جيدة بما فيه الكفاية.” واضافت محذرة من “تمدد دولة الخلافة ابعد من حدود سوريا والعراق،” مما يستدعي تكثيف الجهود الحالية مع الحلفاء ضد داعش.
http://www.heritage.org/research/commentary/2016/2/brookes-fear-grows-as-islamic-state-spreads
الجزائر
اشار معهد كارنيغي الى التداعيات الداخلية التي سيتركها تدهور اسعار النفط على برامج التنمية الداخلية في الجزائر، عقب نجاح الدولة في “شراء” الاستقرار الداخلي عبر “الانفاق الاستراتيجي .. وتجاهلها للدعوات المنادية بالاصلاحات السياسية والاقتصادية.” واضاف ان الازمة تتفاقم في ابعادها اذا ما اضيف اليها “خلافة الرئيس بوتفليقة .. والعلاقة الضبابية بين الجيش والطبقة السياسية الهرمة، والشكوك المتزايدة حول قدرة الطرفين” ضبط ايقاعات التوازن بينهما. وانتقد المعهد سياسة الحكومة الجزائرية الراهنة لعدم انصاتها لتوصيات المجتمع الدولي المتمثلة “بخفض الانفاق الاجتماعي، (وتسليم) الاعانات، (والاستمرار) في برامج الرعاية الاجتماعية،” على الرغم من تراجع عائدات الدولة من النفط “وعزوف الاستثمارات الاجنبية” عن التوجه للسوق الجزائري. وحث المعهد الحكومة الجزائرية على “اعادة النظر بفرضياتها السابقة حول ادامة الاستقرار” ونضوج ظروف الاحتجاجات الشعبية التي تتزايد باضطراد.
http://carnegie-mec.org/2016/02/11/running-low-algeria-s-fiscal-challenges-and-implications-for-stability/itu8
ايران
الانتخابات الايرانية الجارية كانت محطة اهتمام المجلس الاميركي للسياسة الخارجية، متهما “الطبقة الحاكمة في ايران باتقان لعبة القط والفأر .. وترويج ديموقراطيتها للجمهور الغربي الساذج.” واضاف ان الأطر الثلاث الحاكمة في ايران “المرشد الاعلى ومجلس الخبراء ومجلس الشورى تحيل الممارسة الديوقراطية الحقة الى اضحوكة.” ومضى بالقول ان السلطات الايرانية المختصة قررت استبعاد 635 مرشحا من مجموع 801 لخوض الانتخابات “لدواعي ايديولوجية يعزز عزم (الاطر) حماية النظام وتوطيد التوجهات الايديولوجية للمتشددين.”
http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3104
افغانستان
يحرص مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على توجيه سهام انتقاداته لسياسات الرئيس اوباما، خاصة في افغانستان، نظرا لتلكئها في اعلان موعد نهائي لانسحاب القوات الاميركية، بل “مددت ببطء الفترة الزمنية التي تنوي الابقاء على قواتها العسكرية هناك.” واضاف ان البيت الابيض “لم يفلح يوما في الانتقال من انجاز الانسحاب الى حل يستند على الظروف الحقيقية لافغانستان والمنطقة. كما انه لم يعلن عن استراتيجية واقعية للتعامل مع حركة طالبان والفصائل الاخرى المعادية للحكومة.” واضاف ان اصرار الادارة على الاكتفاء بدور القوات الاميركية في مهام “التدريب والارشاد .. والاحجام عن توفير الدعم الجوي الاميركي للعمليات لا يشكل استراتيجية عالمية حقيقية.” وعبر عن خشيته من ان الرئيس اوباما “ربما” ينوي ترحيل الازمة الافغانية للرئيس الاميركي المقبل التي من شأنها “ان تصبح حبوبا سامة.”
http://csis.org/publication/afghanistan-uncertain-impact-year-transition
التحليل
سوريا امام الاختبار
واوهام التقسيم الى الانحدار
هدنة الضرورة
توافقت القوتين العالميتين على “تغليب” الحل السياسي في سوريا تجسد بسلسلة اتصالات هاتفية تتوجت بمكالمة بين الرئيسين بوتين واوباما مطالبين “كافة الاطراف الالتزام بالموعد المحدد لسريان مفعول وقف اطلاق النار.”
اصاب الاتفاق بعض القوى الاقليمية والدولية المتضررة بالخيبة، على اقل تعديل، وتبخرت مراهناتها على تفتيت اركان الدولة السورية.
ابرز المتضررين الاقليميين كانت الحكومة التركية وتحالفاتها الخليجية وعلى رأسها السعودية. اما القوى الدولية المتضررة فتضم مروحة واسعة ليس اقلها معسكر الحرب في الداخل الاميركي وحلفائه الاوروبيين، وفي مقدمتهم بريطانيا التي “وعد” رئيس وزرائها سابقا تأييد بلاده لتشكيل “جيش من المعتدلين قوامه 70,000 جندي ومقاتل” لمواجهة الجيش العربي السوري.
فيما يخص تركيا، تحديدا، ينبغي النظر الى جملة تطورات تخص السياسة الاميركية تجاه حكومة حزب العدالة والتنمية، بدءا بتصريحات رسمية اميركية متتالية تستبعد انشاء منطقة او مناطق آمنة وحظر على الطيران السوري، مرورا برفض الادارة للطلب التركي ادراج حزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي) على لائحة الارهاب، وانتهاءً بمشروع قرار صادقت عليه اللجنة القانونية في مجلس النواب الاميركي، 24 شباط الجاري، باعتبار تنظيم الاخوان المسلمين منظمة ارهابية – كرسالة واضحة للرئيس التركي راعي “الاخوان” في الاقليم.
بيد ان معسكر الحرب الاميركي، ممثلا بصقور وزارة الدفاع، سعى لترضية الحكومة التركية باعلان البنتاغون صفقة بيع تركيا قنابل خارقة للتحصينات، BLU-109، قيمتها 683 مليون دولار، 26 شباط الجاري.
ايضا، حافظ معسكر الحرب على وتيرة خياراته العسكرية “والتهديد” بقدرة البنتاغون “تسخير قواتها في سلاحي البحرية والجوية المتواجدة في المنطقة لانشاء منطقة حظر للطيران تمتد من مدينة حلب باتجاه الحدود التركية شمالا .. تستخدم كممر امداد آمن مع تركيا.” (صحيفة واشنطن بوست، 9 شباط الجاري).
يشار ايضا الى ما تم تسريبه اعلاميا عن جهوزية خطط اجتياح الاراضي السورية برا انطلاقا من الاراضي التركية، اذ نشرت صحيفة “لا ريبوبليكا” الايطالية في مطلع الشهر الجاري خريطة تبين خطوط العدوان التركي (والسعودي) على الشمال السوري “دون تفسير مرافق.” الخريطة المنشورة توضح الابقاء على خطوط امداد مفتوحة بين تركيا وتنظيم الدولة الاسلامية، وهي المنطقة عينها التي تعتبرها تركيا مهددة من قبل الطيران الروسي والمعارك الميدانية التي تشنها قوات الحماية الكردية لطرد داعش.
في احدث ردود فعل البنتاغون على الاتفاق نقلت شبكة (سي ان ان) للتلفزة، 26 شباط، عن مصادرها العسكرية ان ادارة الرئيس اوباما “تجري سلسلة مشاورات داخلية للنظر في الخيارات العسكرية المتاحة .. تتضمن زيادة في عديد وحدات القوات الخاصة، وانشاء منطقة حظر للطيران او منطقة آمنة بمساعدة دول اخرى.” بعضهم اطلق عليها الخطة البديلة، الخطة-ب، كما جاء على لسان وزير الخارجية في احدث مثول له امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، 23 شباط.
واستدركت الشبكة التلفزيونية في تعليقها على الخطة-ب قائلة انها “مجرد فكرة وليست خطة عمل محددة ولم يتم التوصل لقرار بشأنها.” اما “مصادرها العسكرية” فقد اكدت ان انشاء منطقة حظر للطيران “ينطوي على كلفة عالية وبحاجة الى تخصيص موارد كبيرة، تتراوح بين 15،000 – 30,000 عسكري .. وزادها تعقيدا دخول سلاح الطيران الروسي وراداراته وصواريخه على الخط.”
جدير بالذكر ان الادارة الاميركية بكافة اركانها السياسية والعسكرية لا تبدي حماسة لنشر قوات عسكرية اميركية خارج اراضيها في اي وقت منظور، تعززها التصريحات المتتالية لمعظم قياداتها السياسية.
رئيس الديبلوماسية الاميركية، جون كيري، يتعرض ولا يزال لحملة انتقادات شديدة من خصوم “الحل السياسي” لتناغم خطابه مع مفردات نظيره الروسي، سيرغي لافروف. شككت نشرة “ديلي بيست” الالكترونية بجدوى “استماتة (كيري) التوصل لحل من شأنه الحاق مزيد من الضرر بالسوريين،” (12 شباط) مستدركة بالقول ان “فكرة” الاتفاق تعود لشهر تشرين1/اكتوبر الماضي خلال مفاوضات فيينا حول الازمة السورية.
شدد كيري امام لجان الكونغرس المتعددة، لحثها الموافقة على مشروع ميزانية وزارته البالغة 50 مليار دولار للسنة المالية المقبلة، على تأييد ودعم الحكومة الروسية للاتفاق والذي بدونه لن يكتب له النجاح او ايصال المعونات الانسانية العاجلة للبلدات المحاصرة والمتضررة.
استدرك كيري مرارا بالاشارة لهشاشة التوقعات بنجاح الاتفاق منذ اللحظات الاولى، وانه يتوقع عددا من العقبات تعترض طريق التطبيق “ولا ينبغي تفسير نجاحه تلقائيا بأنه سيترك بصمات ايجابية على المسار التفاوضي برمته؛” بل انه افضل خيار متاح كبديل لخيار الحرب اللامتناهية.
بعض قوى المعارضة السورية المسلحة انتظرت حتى اللحظة الاخيرة لتسليم موافقتها خطيا للجنة الروسية-الاميركية المشتركة المعنية بالاشراف على تطبيق نفاذ الاتفاق. وزارة الخارجية الاميركية اوضحت انها تسلمت “موافقة خطية من 97 فصيل مسلح، لن يعلن عن هويتها لدواعي أمنية.”
كما اعلنت “مجموعة الرياض” لقوى المعارضة، ممثلة بهيئة المفاوضات العليا، عن موافقتها في وقت متأخر قبل انتهاء الموعد المحدد، مما يدل على كثافة الضغوط الاميركية على “حلفائها ومموليهم.”
الخطة البديلة – باء
في معرض استعراض كيري امام لجان الكونغرس اوضح ان “الخطة-ب” تنطوي على امكانية تقسيم سوريا “في حال فشل اتفاق وقف الاعمال العسكرية، او تعثر مسار الحل السياسي الانتقالي” في الاشهر القليلة المقبلة.
بيد انه احجم عن الادلاء بمزيد من الايضاح والتفصيل، مذكرا الكونغرس ومن يعنيهم الأمر بأن ادارة الرئيس اوباما “تتوفر لديها خطوات بديلة” بطابع عسكري، عندما تقتضي الضرورة. البعض اعتبر التلويح بـ “خطة تقسيم سوريا” طرح استرضائي للمشككين في الداخل الاميركي ونظرا لضبابية بعض النصوص “المقصودة.”
سرعة رد الجانب الروسي ممثلا بتصريحات وزير الخارجية ونائبه بالنفي اصاب تصريحات كيري في مقتل، اذ شددت الخارجية الروسية على ان الطرفين لم يتناولا بحث اي خيار بديل عن اتفاق وقف اطلاق النار. واستطرادا، ان مضي اي طرف بخطوات احادية الجانب ينبغي عليه ان يتوقع عواقب خياراته.
في البعد القانوني الصرف، استخدم بيان الاتفاق مصطلح “وقف الاعمال العدائية،” عوضا عن “وقف اطلاق النار.” التعبير الثاني ينطوي عليه تحديد آفاق وضع ثابت ونهائي يتضمن خطوات محددة ينص عليها القانون الدولي. علاوة على ذلك، فان الخلافات الكبيرة القائمة بين راعيي الاتفاق، روسيا واميركا، لم يتم حصرها والاتفاق بشأنها؛ ابرزها تحديد وتعريف ماهية الجماعات “الارهابية” التي تحصرها بداعش والنصرة، اميركيا، وبقية الفصائل التي لا توافق على الاتفاق، روسيا.
سوريا بدورها اعلنت التزامها بنصوص الاتفاق والاحتفاظ بحقها في الرد على اي اعتداء يتعرض لها سكانها واراضيها من اي طرف كان – في اشارة ضمنية لتركيا والسعودية ومجموعاتهما الارهابية ومشتقات تنظيم القاعدة؛ وطالبت ايضا الدول الراعية بوقف دعمها للفصائل المسلحة “خشية تعريض الاتفاق للانهيار.”
وسائل الاعلام الغربية، وعلى رأسها وكالة “رويترز” للانباء زعمت ان “تحديد مواقع جبهة النصرة ضربا من المستحيل،” امعانا في سريان ضبابية الاتفاق.
تركيا، من جانبها، اقرنت موافقتها الحذرة على الاتفاق باستخدام حقها في تعقب “وحدات الحماية الكردية،” معتبرة نفسها “غير ملزمة بالتقيد بنصوصه ان تعرض أمنها للخطر” لا سيما في منطقة اعزاز الحدودية.
تشكل جبهة مدينة حلب مركز ثقل الاهتمام الاميركي نظرا لأهميتها البالغة في ظل تقدم الجيش السوري ومحاصرته الحثيثة للمسلحين، الأمر الذي شكل حافزا وركنا اساسيا في انتقال التحرك السياسي الاميركي من خانة المراهنة والتردد الى الدخول في اتفاق يمهد لحماية ما تبقى لها من وكلاء.
اشد ما تخشاه الاوساط السياسية في واشنطن “استعادة قوات الحكومة السورية لمدينة حلب بشكل تام، مما سيقصم ظهر فصائل التمرد. حينئذ، من شأن اتفاق وقف اطلاق النار ان يؤدي لتجميد مكاسب الحكومة في محلها، واتاحة الفرصة (للرئيسين) الاسد وبوتين املاء شروط التفاوض.”
اوضح احد المسؤولين الاميركيين السابقين، رافضا الكشف عن هويته، مدى المخاوف الاميركية في حال “سقوط حلب وما سيسفر عنه من كسر شوكة المتمردين، فان الحكومة السورية وبدعم روسي قد يفضلان تجاهل الاتفاق برمته والمضي لاستعادة كافة اراضي البلاد. (الرئيس) الاسد يفكر حقا ضمن هذا الاطار كما ابلغ وكالة الانباء الفرنسية بعد ساعات معدودة من اعلان الاتفاق قائلا ان قواته ستستعيد السيطرة على كافة انحاء البلاد.”
ماذا بعد
لا يضمر المسؤولون الاميركيون، السابقون والحاليين، بالغ قلقهم من الانجازات المضطردة للجيش السوري وحلفائه، مضى احدهم موضحا لوسائل الاعلام حديثا، مع تحفظه عن الكشف عن هويته، انه “بفضل المساعدة الروسية، فان الجيش العربي السوري يقف على اعتاب تحقيق نصر كبير في حلب – نصر قد يسهم في بقاء الرئيس الاسد في السلطة.” واضاف ان “روسيا والاسد لن يسمحا للاتفاق اعتراض انجاز نصر كامل. في افضل الاحوال، قد يقدما على انهاء الاعمال العدائية من اجل تعزيز انجازاتهم الاخيرة ليس الا.”
الاطراف الاقليمية المتضررة، تركيا والسعودية بشكل اساسي، لن تستسلما بسهولة للالتزام بالاتفاق، خاصة في ظل تصريحات تصعيدية متتالية للرئيس التركي اردوغان يؤكد فيها عزمه “القضاء على التهديد الكردي على وحدة تركيا،” واكبها ايضا تصريح نائب وزير خارجيته، نعمان كورتولموس، في 23 شباط الجاري، مؤكدا ان بلاده “ستستمر في شن الهجمات في الايام المقبلة – ان اقتضت الضرورة.” بيد ان خيارات الثنائي (التركي والسعودي) مجتمعة تقيده بعدم القفز على “رغبات” الراعي الاميركي، في المرحلة الراهنة.
التدقيق الاولي في بنود الاتفاق يشير بما لا يدع مجالا للشك “موافقة” واشنطن على استمرار ملاحقة داعش والنصرة “وآخرين،” لاعتبارات جيوسياسية وضرورات الاستراتيجية الاميركية الشاملة التي تبذل قصارى جهدها للحد من بروز الصين وروسيا شرقا، وربما ما حفزها للموافقة على وضع ترتيبات في الشأن السوري بعد نفاذ مراهنتها على الوكلاء المحليين. اما الوكلاء الاقليميين، تركيا والسعودية وآخرين، فليس امامهم من خيار سوى التأقلم مع المتغيرات الدولية. الثنائي الاقليمي المذكور يعزي نفسه بأنه ينتظر قدوم الرئيس الاميركي الجديد ليستعيد نشاطه واحياء خيار التدخل العسكري.
“الخيار البديل،” سالف الذكر يتأرجح اميركيا في مرحلة سياسية متأخرة، امام رفض روسي مقرون باصرار سوري على استعادة السيطرة على كافة مناطق البلاد. لو افترضنا جدلا حقيقة خيار التقسيم فأن اول الرابحين سيكون الطرف الكردي بكافة تشعباته وامتداداته. وربما هذا ما يفسر “حماس” التنظيمات الكردية التعاون مع روسيا لاعتقادها بأنها أهل للمراهنة، وكافأتها موسكو بفتح مكتب تمثيل لها في موسكو يتمتع بمرتبة ديبلوماسية.
من يتابع التصريحات الروسية منذ بدء الحرب الكونية على سوريا يلحظ بوضوح اصرارها على التمسك “بوحدة وسيادة الاراضي السورية،” وهو ما ضمنته للقرارات الدولية المتعاقبة ذات الصلة، وتردد صداها على لسان وزير الخارجية الاميركي، جون كيري، الذي دأب على استغلال اي فرصة متاحة للتشديد على “ضرورة المحافظة على وحدة وسيادة ومؤسسات الدولة السورية.”
على ضوء ما تقدم، باستطاعتنا القول ان “مشروع التقسيم” ذهب ادراج الرياح بعد التحولات السياسية والمتغيرات الميدانية، وتفاقم مأزق الدول الاقليمية الداعية لذلك، خاصة تركيا التي كانت تطمح لتواصل منطقة مدينة حلب بالموصل في العراق تحت سيطرتها.
واستطرادا على ما سبق فان ما ينطبق على “وحدة” الشمال السوري ينطبق ايضا على هضبة الجولان السورية المحتلة، وتبخر مراهنة “اسرائيل” على انشاء “منطقة عازلة” هناك على غرار تجربة سعد حداد الفاشلة آنذاك في الجنوب اللبناني المحتل.