المقدمة
ستستمر لوحة الانتخابات الرئاسية في تصدر المشهد السياسي الاميركي، مرورا بالتئام مؤتمري الحزبين تباعا في شهر تموز / يوليو، تتوج في شهر تشرين الثاني / نوفمبر المقبل. التقلبات والمتغيرات المستجدة تفرض نفسها بقوة ايضا امام خريطة يتصدرها المرشح الاقوى والمنبوذ عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، ومنافسته عن الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون.
في بعد العلاقات الدولية، تلقت واشنطن الرسمية “اهانة ديبلوماسية” مفاجئة باعلان رئيس الوزراء “الاسرائيلي،” بنيامين نتنياهو، الغاء زيارته المقررة لواشنطن.
سيستعرض قسم التحليل تطور وتداعيات “الاعلان،” لما يمثله من اقرار بتراجع قدرة الادارة الراهنة على التأثير في المسار السياسي، و”ضرورة القفز” عنها وتخطيها للاعداد للمرحلة المقبلة في ظل تسلم الرئيس الجديد مهامه. كما تؤشر على ان الرئيس المقبل، اي كان، سيصطف الى جانب “اسرائيل،” تعززها تصريحات المرشحين المختلفة وبازار المزايدات في صلابة التزامهم بأمن “اسرائيل.”
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
:ملاحظة
وجه مسؤولون كبارا في البيت الابيض اتهامات مباشرة لمراكز الابحاث الاميركية، دون تحديد هويتها، كونها اضحت بؤر ارتزاق مرهونة للسعودية ودول الخليج الاخرى تتلقى منها ملايين الدولارات للانفاق على اجنداتها. واوضح بعض من كبار مستشاري الرئيس اوباما عن وجود شعور واسع النطاق داخل اروقة البيت الابيض بأن بعضاً من اهم مراكز الابحاث المرموقة في شأن السياسة الخارجية منخرطة في تقديم خدمات وتقارير لمموليها العرب و(الممولين) المؤيدين لاسرائيل .. احدهم وصف المراكز بأنها “ارض عربية محتلة.”
الصحفي جيفري غولدبيرغ في مجلة “اتلانتيك،” عدد نيسان/ابريل 2016
القوتين العظميين
زعم معهد الدراسات الحربية ان الولايات المتحدة استجابت لرغبة روسيا السماح لها شن غارات جوية ضد المجموعات المسلحة المدعومة اميركيا في سوريا “ووصفها بوقف اطلاق النار.” واعرب المعهد عن معارضته الواضحة لتلك الترتيبات نظرا “لأن مدينة حلب تشكل المعقل الاخير للمجموعات المعارضة وحلمها بسوريا المستقبل خالية من قمع الاسد الوحشي او مسيطر عليها من قبل القاعدة و/او الدولة الاسلامية.” وفند المعهد “مزاعم روسيا بأن كافة المجوعات المتواجدة في شمال سوريا تتبع للقاعدة او الدولة الاسلامية او حلفائهما .. فقوى المعارضة في حلب تضم مجموعات تدعمها الولايات المتحدة.” ومضى منددا بالاجراء الروسي الذي يشكل “اداة ساخرة لاخفاء هدف (الرئيس) بوتين الحقيقي، الرامي لتعزيز ديكتاتورية وشراسة الاسد كضمانة احتفاظ روسيا بقواعد بحرية وجوية تطل على البحر المتوسط.”
http://understandingwar.org/backgrounder/how-russia-controls-american-policy
سوريا
في تغطية منفصلة، اعرب معهد الدراسات الحربية عن اعتقاده بأن “جبهة النصرة تشكل خطرا اكبر من الدولة الاسلامية .. خاصة عند النظر الى آليتها في تسخير علاقاتها في خدمة المجتمع المدني والسكان المحليين والمجموعات السورية المعارضة .. وتبرع في التلاعب بهم جميعا لتحقيق سيطرتها.” واضح ان جبهة النصرة “ستسخر الشرعية التي فازت بها لتدخل المجتمع السوري بأكمله في اطار تقبله (لتنظيم) القاعدة .. وشرعت في انشاء تعبيرات واطر الحكم في مناطقها لتأطير اراء المجموعات المسلحة والمدنيين في نطاق معتقداتها الدينية.” ولفت المعهد الانظار الى ما تقوم به “النصرة” من حملة واسعة “لتجنيد الاطفال في معسكرات ذات طابع ديني وتلقينهم عقيدتها لضمان مواصلة حربها المستقبلية ضد الغرب.”
http://understandingwar.org/backgrounder/why-most-dangerous-group-syria-isn’t-isis
معركة مدينة حلب شكلت محور اهتمام معهد الدراسات الحربية من البعد العسكري “لما لها من تداعيات على الأمن القومي الاميركي.” واوضح ان قوى المعارضة المدعومة اميركيا داخل المدينة “لن يكن بمقدورها التصدي لمحاولات محاصرة حلب، بل وربما لن تستطع البقاء على قيد الحياة في ظل استمرار الحصار .. ومن سيحالفه حظ البقاء سيرضخ للتسليم لقيادة جبهة النصرة والعناصر المتشددة الاخرى.” وحذر صناع القرار في واشنطن من “الاستمرار في نهج التقاعس عن العمل امام روسيا وتضييق النظام الطوق على حلب، مما سيترتب عليه خسارة الرهان الافضل لنا لانشاء مجموعات معارضة غير جهادية باستطاعتنا العمل معها.”
http://understandingwar.org/backgrounder/american-security-risk-aleppo-why-syrias-second-largest-city-matters-us
عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى عن عظيم قلقله من تمكن “جبهة النصرة السيطرة على اي منطقة آمنة تقيمها الولايات المتحدة بالتعاون مع تركيا وحلفائها الآخرين،” مناشدا صناع القرار “فتح العيون ومشاهدة حقيقة الوضع المتبلور في الشمال السوري والتوقف عن التكهن بـقيام المعارضين “المعتدلين” منازلة الجهاديين بمفردهم .. فالميليشيات المدعومة من الغرب لا تمتلك القوة الكافية لقيامها بتعديل موازين القوى داخل مجموع قوى المعارضة.” واوضح ان “انشاء منطقة آمنة بقرار دولي، يستدعي تخصيص اعداد كبيرة من قوات حفظ السلام لتقويض جهود جبهة النصرة تعزيز مواقعها هناك.” واستدرك بالقول ان النظر في “قوات حفظ السلام ليس مدرجا على جدول اعمال الدول الغربية، بيد انه قابل للتغيير.” ويراهن المعهد على نشوب صدامات مسلحة بين القوى الجهادية المختلفة تبرز فيها قوات “جند الاقصى والحركة الاسلامية لشرقي تركمنستان.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/how-to-prevent-al-qaeda-from-seizing-a-safe-zone-in-northwestern-syria
المملكة السعودية
تأزم العلاقات الثنائية الاميركية – السعودية كانت محور نقاش معهد كاتو متهما الرياض بأنها “دابت على اتخاذ تدابير مستمرة من شأنها تقويض الأمن الاميركي، منذ عقد الثمانينيات” ابان الحرب الافغانية ودعمهما المشترك “للمجاهدين الافغان.” واوضح ان “المسؤولين السعوديين تفاعلوا بقوة مع اجهزة الاستخبارات الباكستانية بغية ايصال الجزء الاكبر من المساعدات المالية والعسكرية للقوى الاسلامية الاشد تطرفا .. ان دعم السعودية للمتشددين في افغانستان كان يتفق مع سياساتها العامة” في الاقليم.
http://www.cato.org/publications/commentary/washingtons-masochistic-saudi-alliance
العراق
اعتبر معهد كارنيغي ان الحكومة العراقية تواجه تحديا داخليا لاختلال “التمثيل السني، وفقدان الثقة السياسية” والذي اضحت الحكومة بحاجة ماسة له “يعينها على اطلاق صحوة سنية اخرى” لرد الاعتبار لهيبة الدولة. وحذر من ان الاستناد الى “القوة العسكرية وحدها لن يفلح في التغلب على تنظيم الدولة الاسلامية،” مما يستدعي الحكومة المركزية المبادرة لتقديم “ضمانات لتقاسم السلطة .. (منها) ادانة (قوات) الحشد الشعبي المتهمة بارتكاب اعمال عنف؛ اجتثاث تسييس القضاء؛ مساندة اللجنة الانتخابية؛ آلية أفضل في عملية اجتثاث البعث ..” واوضح ان الآمال السابقة المعقودة على حيدر العبادي “فشلت في استرضاء السنة .. وتواصلت جهود تجاهل صوت السنة، خاصة بعد اضفائه الاعتراف الرسمي بقوات الحشد الشعبي كجزء من قوات الدولة الرسمية” وحرمان “السنة” من الاسلحة. واضاف المعهد ان اقرار الرئيس اوباما، نهاية 2015، ببطء تقدم صيغة “الصحوة السنية الثانية” ودعمه لجهود الاستقرار “شكل مسألة حساسة من شأنها التأثير على عودة محتملة للسنة والانخراط” في العملية السياسية. وختم بالقول ان الأمل لا زال معقودا على “حدوث تغيير حقيقي في الجكومة المركزية وتبلور قيادة موحدة لتمثيل صوت السنة .. يهيء لاطلاق صحوة سنية اخرى.”
http://www.cato.org/publications/commentary/washingtons-masochistic-saudi-alliance
ايران
دق معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى اجراس الخطر لما اعتبره “انشاء ايران لحزب الله ثاني في سوريا،” نظرا لانخراط قوات ايرانية ومن حرسها الثوري في صد خطر المجموعات المسلحة عن سوريا. وزعم المعهد انه منذ بدء عام 2014 “اتخذت ميليشيات سورية مختلفة اسم “حزب الله” في سوريا .. (منها) “جيش الامام المهدي،” “المقاومة الوطنية العقائدية في سوريا،” و”الغالبون – سرايا المقاومة الاسلامية في سوريا.” واستعرض المعهد فصائل مقاتلة اخرى نشطت في ريف حلب وبالقرب من الحدود السورية الاردنية، والحدود اللبنانية ايضا. واضاف ان “ايران اتبعت النموذج الذي استخدمته في العراق” على الساحة السورية يستند الى “تطوير ميليشيات من احجام مختلفة .. لنشر القوة الاقليمية.” وخلص بالقول ان “استمرارية الحرب في سوريا سوف تبقي الجماعات الشيعية المسلحة على ما هي، وتستمر ايران .. في تعزيز موطيء قدمها في المشرق في المجتمع الشيعي.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/how-iran-is-building-its-syrian-hezbollah
افغانستان
واكب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية التعديلات التي ادخلتها ادارة الرئيس اوباما على استراتيجيتها في افغانستان، واصدر دراسته المعدلة الخاصة بالمرحلة الانتقالية التي ستمتد لما بعد عام 2017 “عوضا عن الهدف الاول نهاية العام الجاري.” واضاف ان التدقيق في بنود ميزانية الدفاع الاميركية يشير الى ان “الادارة لا تنوي توفير طواقم للتدريب والمساعدة للقوات الافغانية الخاصة او على مستوى الوحدات القتالية كما انها لا تنوي تقليص مجموع القوات الاميركية بنسبة 50% تقريبا مع نهاية عام 2017.” واعرب المركز عن اعتقاده بأن “ميزانية الادارة المقترحة لا يبدو انها كافية للابقاء على قوة قتال افغانية بوسعها تحمل خسائر ميدانية، كما انها لن توفر دعما جويا اميركيا او المساهمة في انشاء سلاح جو افغاني مقتدر.”
http://csis.org/publication/afghanistan-uncertain-impact-year-transition-0
التحليل
جرأة اوباما” في انتقاد الحلفاء”
تستثني اهانات نتنياهو
الدعم المطلق للكيان
استهجنت واشنطن الرسمية عدم ابلاغها الغاء لقاء الرئيس اوباما وبنيامين نتنياهو، المقرر في 17 الشهر الجاري، وعلمت به “عبر وسائل الاعلام.” الرئيس اوباما اعلن مسبقا انه سيقوم بزيارة تاريخية لكوبا يومي 21 و 22 من الشهر الجاري.
البيت الابيض في بيان مقتضب اوضح ان الرئيس اوباما “كان يتطلع لعقد لقاء ثنائي، وفوجئنا بأن علمنا للمرة الاولى عبر تقارير اعلامية ان رئيس الوزراء اختار الغاء زيارته بدلا من قبول دعوتنا.”
في جانب الحيثيات نقلت يومية وول ستريت جورنال، 8 آذار الجاري، عن مسؤولين اميركيين كبارا ان واشنطن تنوي بحث ملامح تحركات مقبلة لاحياء عملية السلام في الشرق الاوسط قبل نهاية ولاية الرئيس اوباما “ومطالبة اسرائيل بوقف البناء في المستوطنات كليا والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، بينما سيعترف الفلسطينيون باسرائيل دولة يهودية ويتنازلون عن حق العودة.”
واكب الحادثة “العرضية” اتصالات مكثفة على اعلى المستويات، لا سيما العسكرية والاستخباراتية، بين الطرفين تمهيدا للاتفاق على نص “اتفاقية التفاهم” للعقد المقبل تتضمن جملة قضايا لصالح “اسرائيل،” بدءأ بزيادة الدعم والهبات المالية المخصصة، وتحمُّل واشنطن كلفة انتاج منظومة جديدة من الدفاعات الصاروخية .. الخ.
الرهان “الاسرائيلي” يتمحور حول الفوز بمساعدات مالية مباشرة تتراوح بين 10-15 مليار دولار للشؤون العسكرية، بينما اعربت ادارة الرئيس اوباما عن استعدادها لزيادة مساعداتها بنحو 5 مليارات دولار على امتداد العقد المقبل، عوضا عن الهبات الراهنة بقيمة 3،1 مليار دولار سنويا.
ملفت ايضا كان نشر الصحافة الاميركية تفاصيل مقابلات متواصلة مع الرئيس اوباما وكبار مستشاريه واعوانه تهيئة لسردية الارث الرئاسي قبل نهاية ولايته، لعل ابرز قضاياها كانت اقراره بخطأ الغزو الدولي لليبيا والوعي لعدم الانجرار وراء نزعة التدخل العسكري في سوريا، كما رمى اليها “حلفاء الولايات المتحدة من دول الخليج وبعض الدول الاوروبية.”
ونسبت الى اوباما ان حلفاء اميركا في منطقة الخليج “يتطلعون لجر الولايات المتحدة الى صراعات طائفية طاحنة لا تمت بصلة في بعض الأحيان للمصالح الأمريكية.” واضافت ان الرئيس اوباما دأب خلال المقابلات على “وصف بعض حلفاء اميركا، في الخليج واوروبا، بانها قوى جامحة .. تتهيأ لحضورنا واستخدام قوتنا العسكرية في مواجهة حاسمة ضد ايران، بيد ان الأمر لا يخدم المصالح الاميركية او مصالح الدول الاقليمية.”
واوضح اوباما ان مصالح بلاده تقتضي “اخراج الولايات المتحدة من الصراعات الدموية في الشرق الأوسط حتى يتسنى لها التركيز بصورة أكبر على أجزاء أخرى .. مثل آسيا وأميركا اللاتينية.” كما “لم يبدِ تعاطفا كبيرا مع السعوديين” على خلفية ابرام الاتفاق النووي مع ايران، مذكرا الرياض بأنه يتعين عليها ادراك “كيفية تقاسم المنطقة مع عدوها اللدود، ايران.”
ملف المقابلات، في شهرية اتلانتيك، واسع ويمتد على نحو 70 صفحة، تطرق الى جملة قضايا اساسية، خاصة في المستوى الدولي والتحالفات الراهنة والاجندة الاميركية في مواجهة تعدد القطبية الدولية. اللافت في الملف المتكامل خلوه من المرور او انتقاد “السياسة الاسرائيلية” ونقاط التباين والافتراق بينها وبين الاستراتيجية الاميركية، وما آلت اليه من “تجميد مسار المفاوضات،” الذي تعهد بحله وزير الخارجية جون كيري فور تسلمه مهام منصبه في غضون تسعة أشهر.
نتنياهو يتلذذ باهانة اوباما
اتخذت الادارة الاميركية اجراءات فورية “لتطييب خاطر” نتنياهو ورهطته بعدم اجراء اي تعديل في جدول نائب الرئيس جو بايدن لزيارة تل ابيب ولقاء نتنياهو ومسؤولين آخرين. بايدن الذي لا يترك مناسبة الا ويؤكد على “صهيونيته” والتزام بلاده “بأمن اسرائيل،” تزامنت زيارته مع مشهد استمرار انتفاضة اصحاب الارض على الاحتلال بمقتل جندي اميركي “سابق” طعنا في وسط مدينة تل ابيب، قيل لاحقا انه خدم ايضا في العراق وافغانستان.
بصرف النظر عما ستسفر عنه زيارة بايدن وتقديمه وعود واجراءات اضافية بزيادة معدلات الهبات والمعونات الاميركية، العنصر الثابت في هذه الحركة هي اقلاع نتنياهو وآخرين عن التجاوب مع طلبات وحوافز تقدمها الادارة الاميركية، وعقد المراهنة على الرئيس المقبل، وعمل كل ما بوسعه لحرمان الرئيس اوباما من تحقيق اي انجاز يذكر فيما تبقى له من ولايته الرئاسية.
تقرير وول ستريت سالف الذكر، فيما يخص نية اوباما التوجه للأمم المتحدة لفرض اطار للتسوية، لم يجرِ نفيه من قبل الادارة الاميركية، الأمر الذي عزز الشكوك بأن النبأ شكل خلفية “تباين” الطرفين، خاصة لما يتضمنه من طلب بقوة القرار الدولي بوقف المستوطنات.
اميركا روجت لتلك الخطوة عبر فرنسا منذ ايام قليلة باعلان الاخيرة عن عزمها التوجه للامم المتحدة لضخ “دماء جديدة” في مسار التسوية المتعثر، مهدت لها بنية اعلانها الاعتراف بما يسمى دولة فلسطينية. جدير بالذكر ان المبعوث الاميركي الدائم لدى الامم المتحدة، سامانثا باور، اوضحت في شهادة لها امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، العام الماضي، ان الادارة لا تنوي استخدام حق الفيتو لمعارضة قرار أممي ينص على “دولة فلسطينية.”
نتنياهو ومؤيديه في اميركا يخشون صدور قرار أممي، ليس بواقع ترجمته الفعلية من عدمها فحسب، بل لما قد يشكله من قيود على حرية حركة الرئيس الاميركي المقبل وصعوبة القفز عليه امام “اجماع دولي.”
رجح المسؤولون الاميركيون، في المستويين السياسي والعسكري، رفض نتنياهو لقاء اوباما بأنه فضل عدم الظهور بمظهر التوافق او الاستسلام لرغبة الرئيس الاميركي في مرحلة شديدة الحساسية تشهد فيها الولايات المتحدة مزايدات المرشحين لمنصب الرئاسة.
واضاف اولئك ان نتنياهو شبه متيقن من ان الرئيس الاميركي المقبل سيكون “متفهما” لوجهة نظره وسيصطف الى جانب “اسرائيل” غير عابيء بالتبعات السياسية والاعلامية؛ على الرغم من كل المواقف والسياسات المؤيدة التي وفرها اوباما وفريقه. بيد ان الاتفاق النووي مع ايران، الذي ابرم لحاجة اميركية صرفة تخص استراتيجيتها الكونية، لا يزال يشكل “خطيئة” لا يمكن لنتنياهو القفز عنها.
من نافلة القول ان نتنياهو وفريقه المؤيد داخل الحكومة الاميركية سيفعل كل ما بوسعه للحيلولة دون مزيد من التقارب بين واشنطن وطهران، ناهيك عن تطبيع العلاقات بينهما. واستطرادا فان المرشحة هيلاري كلينتون، رغم توجهاتها المؤيدة بشدة “لاسرائيل” تشكل امتدادا لسياسات الرئيس اوباما “وتتحمل” بعض المسؤولية في المفاوضات النووية.
في سياق افراج وزارة الخارجية الاميركية عن “بعض” المراسلات الخاصة لوزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون، جاء في الحزمة المفرج عنها يوم 29 شباط الماضي، رسالة بعنوان “نتنياهو،” مرسلة من قبل احد مساعديها السابقين، سيدني بلومنثال، قال فيها نقلا عن نتنياهو “ان لم نستطع (نحن) النوم، فأن هيلاري لن يكون بوسعها الخلود الى النوم،” في سياق اتخاذ مواقف متشددة خلال مرحلة التفاوض على الملف النووي الايراني.
المراهنة على سياسات “الرئيس هيلاري كلينتون” سابقة لاوانها، بيد انه من المتوقع ان لا تشذ عن مواقفها المتشددة حيال قضايا الاقليم وازدرائها العمل في اطار مجلس الأمن الدولي لأي من القضايا العالمية، وحضورها الدائم وتكريمها امام المنظمات الصهيونية الكبرى – اذا استثنينا علاقة الزواج التي تربط ابنتها الوحيدة تشيلسي بزوجها اليهودي. بيد ان للمنصب الرئاسي آلياته وقيوده الخاصة.
“الرئيس ترامب،” بالمقابل يحظى بقاعدة دعم وتأييد معتبرة من قبل اليهود الاميركيين، حسبما افادت به احدث استطلاعات الرأي، على الرغم من عدم اجماعها على تأييد عريض له. لترامب مصالح اقتصادية متعددة تشده لمصادر التمويل والمصالح الكبرى، خاصة في وول ستريت، والتي يتصدرها كبار المؤيدين “لاسرائيل.”
كريمة ترامب، ايفانكا، من مطلقته الاولى اقترنت بزوجها اليهودي جاريد كوشنر، المنحدر من عائلة شديدة الثراء في مجال العقارات، واعتنقت الديانة اليهودية عام 2009 وينتميان الى فصيلة المتدينين اليهود من الارثوذوكس – واتخذت اسما يهوديا “يائيل.” للزوجين طفلين ربياهما كيهوديين ملتزميْن.
ترامب لم يدخر جهدا للافصاح عن شديد اعتراضه على ابرام الاتفاق النووي مع ايران، لاسبابه الخاصة، وعزمه التعامل مع تداعياتها بسياسات “صعبة.” الجالية اليهودية ورموزها المؤثرة اخذت علمها بتوجهاته الايرانية، خاصة اشارته المتكررة لتحرر ايران من القيود الدولية واستعادتها لاصولها المالية المجمدة.
الثابت في مواقف ترامب المتحركة انه غير مقيد بضوابط فكرية او ايديولوجية محددة، وينطلق من حسابات عملية تقارب الواقعية. ولذا يأخذ عليه خصومه تردده في الاقدام على اتخاذ سياسات متشددة بالاشارة الى جهوزيته التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون اللجوء لخيار المواجهة الاول.
كبرى الجاليات العربية في مدينة ديبربورن بولاية متشيغان ايدت ترامب بغالبية بلغت 39% على منافسيه الآخرين في الحزب الجمهوري، مكافأة لتصريحاته السابقة الرافضة لنقل مبنى السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس
يستغل خصوم ترامب تصريحاته السابقة بأنه ينوي التزام “الحياد” في شأن الصراع “الفلسطيني الاسرائيلي،” بين ان مزايدات البازار الانتخابي سرعان ما تتبخر وتتلاشى امام ثوابت السياسة الاميركية في المنطقة والتزامها غير المحدود بقاعدتها المتقدمة وضمان أمنها. وعليه لا يجوز التعويل على تصريحات اي من المرشحين لمنصب الرئاسة او مساعديهم في هذا الشأن. الاستراتيجية الاميركية لها آلياتها وضوابطها وقوانينها التي لا تخضع لتوجهات فرد ما، قابل للتغير والتبديل في فترة لا تتجاوز اربع سنوات.
مجمل القول ان هوية الرئيس المقبل لن تحول دون لقائه نتنياهو فور تسلمه (تسلمها) مهام المنصب، وربما في الفترة الزمنية الفاصلة بين اعلان النتائج، نوفمبر 2016، واداء اليمين الدستوري في 21 كانون الثاني 2017. من ابرز عناوين اللقاء، وفق اجندة نتنياهو، تقييم تداعيات الاتفاق النووي مع ايران وسبل تحسين العلاقات الثنائية بما يوفر “لاسرائيل” الكفة الراجحة في المعادلة.
امام هذه اللوحة من المعطيات والمراهنات “الاسرائيلية” على غد افضل مع الرئيس المقبل، لم يجد نتنياهو غضاضة لرفض اللقاء مع الرئيس المنتهية ولايته، ويعمل عن كثب للتمهيد لعلاقة اوثق مع الرئيس الجديد.