التقرير الأسبوعي 04-06-2018

المقدمة

         أثار إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب العاجل من سوريا ضجة كبيرة داخل المؤسسات العسكرية والاستخباراتية، التي عبرت عن شديد امتعاضها بالدعوة لعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن القومي لبحث المسألة، سادها التوتر واسفرت عن عدم التقيد “بالبعد الزماني” وتوقيت الانسحاب.

         إعلان ترامب تزامن ايضاً مع سلسلة لقاءات عقدها ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، مع مستويات متعددة من الرسميين الأميركيين، سياسيين وعسكريين، ونخب اقتصادية وموافقته العلنية لتمويل ما يطلبه الرئيس الأميركي تحت ذريعة “الحد من نفوذ إيران” في المنطقة؛ وإدراكه ومستشارية عمق المأزق الذي يعاني منه في سوريا واليمن دون إحراز أي تقدم يذكر.

         سيتناول قسم التحليل “أبعاد” إعلان الرئيس ترامب وما إذا كان أحد الخيارات لدق إسفين في التحالف الثلاثي سوريا وإيران وروسيا عبر إثارة زوبعة مقصودة لصرف الأنظار عن الأهداف الاستراتيجية الأميركية كما تراها البنتاغون والدوائر الاستخباراتية المتمثلة بالسعي للإطاحة بالنظام ومجيء سلطة موالية للغرب.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

سوريا:

         أثنى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على إعلان الرئيس ترامب نيته الانسحاب المبكر من سوريا “لكن عليه أن يخطو ابعد من ذلك.” وأضاف أن الولايات المتحدة “ليست ملزمة لتوفير المعونة (للرئيس) الأسد في إعادة تجديد قوته في سوريا، ولا نجد مبرراً كي تتحمل بدلاً من روسيا وإيران كلفة تمويل نظام الأسد.” واستطرد أن تلك الرؤيا تشكل مقدمة “لبلورة استراتيجية أميركية ما للتعامل مع أجزاء كبيرة من سوريا .. أما إخلاء سوريا قبل الأوان فهو أمر مختلف تماماً.” وشدد على نصيحة قائد القوات الأميركية في المنطقة، جوزيف فوتيل، بالتحذير من أن يؤدي الإلانسحاب الأميركي إلى “حرمان الولايات المتحدة من القدرة على ممارسة الضغوط الديبلوماسية .. ورفع الغطاء عن القوات الكردية؛ وتقويض منسوب الثقة المتلاشي لدى شركائنا العرب الإستراتيجيين.”

https://www.csis.org/analysis/taking-all-wrong-steps-syria-iraq-and-fight-against-terrorism

         في تغطية منفصلة، استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ما أسماه “اضمحلال” دولة داعش يقابله صعود محتمل لتنظيم القاعدة “وتموضعه في محور النشاطات الجهادية – السلفية على نطاق العالم، في ظل مؤشرت على احتمال عودته وتجديد نشاطه. لقد أضحت سوريا أهم جائزة.” واستطرد أن تقييمه لنشاط التنظيم يدل على “فشله في الاستفادة وتسخير الحرب السورية لصالحه .. وتفشي تنصل القادة من المسؤولية وصراعات الولاء لأيمن الظواهري؛ الذي كشفت الحرب السورية عن عيوبه وصعوبة اتصالاته مع التنظيمات المحلية هناك.”

https://www.csis.org/analysis/al-qaedas-struggling-campaign-syria

مصر:

         أعرب معهد كارنيغي عن شكوكه قفي صدقية بيانات الانتخابات الرئاسية في مصر التي اسفرت عن “فوز كاسح للرئيس عبد الفتاح السيسي بنسبة 97% من الاصوات (متسائلاً) كيف يمكن للمرء التيقن من عدد الناخبين المصريين المؤيدين للرئيس في سباق خلا من المنافسين تقريباً.” واستنتج أن الإقبال “الكثيف” على مراكز الإقتراع كان انعكاساً “لجهود التحشيد والمشاركة” قامت بها جهات أخرى “لبلورة محفزات” تضمن تأييد الرئيس المرشح “منها صرف مكافآت مالية، توفير الغذاء، بل ضمان رحلات العمرة والحج.”

https://carnegie-mec.org/diwan/75939

المملكة السعودية:

         اعتبرت مؤسسة هاريتاج زيارة ولي العهد محمد بن سلمان لواشنطن ثمرة “جهوده بأنه على عجلة من أمره لحجز موقع قيادي مبكر لجناحه من العائلة الحاكمة وتوطيد مركزه.. بعد أن قام بقفزة كبيرة على أمراء آخرين.” واشادت المؤسسة بالخطة التنموية الطموحة للأمير بن سلمان، رؤيا 2030، لتنويع “مصادر الدخل وفتح البلاد للاستثمارات الأجنبية.”

https://www.heritage.org/middle-east/commentary/what-saudi-arabias-reformer-prince-hopes-achieve-us-visit

تركيا:

         استعرض معهد كارنيغي احتمالات إقدام تركيا على ضم الأراضي التي تسيطر عليها في سوريا مستعيداً نصيحة مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك لكبير دييبلوماسييه، نعمان منعم اينتشوغلو، بالتحذير من “عدم الانجرار في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة والبقاء بعيداً عن الانضمام لمغامرات عسكرية.” وأوضح المعهد أن تلك النصيحة أدت لاستقالة رئيس هيئة الأركان الأسبق، نجيب طورمتاي، في عقد التسعينيات من القرن الماضي، احتجاجاً على رغبة رئيس الوزراء آنئذ، تورغوت أوزال، الانضمام للحملة العسكرية الأميركية ضد العراق. واضاف أن “غريزة القيادات العسكرية التركية بالاقلاع عن التدخل هي ما دفعها لمقاومة قرار وضغوط السياسيين للتدخل العسكري في سوريا، لحين تم القضاء عليها إبان الإنقلاب العسكري الفاشل، تموز/يوليو 2016.”

https://carnegie-mec.org/diwan/75958

ايران:

         دقت مؤسسة هاريتاج ناقوس الخطر لمساعي القرصنة داخل الولايات المتحدة بالتزامن مع توجيه وزارة العدل الأميركية إتهامات لتسعة أفراد من الجنسية الإيرانية للاشتباه في نشاطات قرصنة استهدفت “144 من الجامعات والمؤسسات التعليمية، وهيئات حكومية أخرى.” وأوضحت المؤسسة أن حجم البيانات المقرصنة بلغ ما يعادل “31،000 ساعة فيديو؛ 527،000 ساعة من الموسيقى؛ و 9.6 مليون صورة فوتوغرافية.” وطالبت المؤسةة الأجهزة الرسمية بذل جهود إضافية لاحتواء والقضاء على محاولات قرصنة مستقبلية.

https://www.heritage.org/cybersecurity/commentary/iranian-hackers-attacked-us-systems-here-are-3-steps-countering-them

تناول معهد واشنطن لدراسة سياسات الشرق الأدنى ما أسماه “مصير الريال الإيراني” في ظل انخفاض قيمة العملة الإيرانية “وفق مسؤولين أميركيين،” إذ بلغ سعر الصرف 52،000 ريالاً مقابل الدولار؛ وكذلك على ضوء رفد إدارة الرئيس ترامب طاقمها “بوزير خارجية ومستشار أمن قومي جديدين؛ بالتزامن مع تهديد ترامب أعادة فرض عقوبات نفطية ومالية” ضد إيران. وأوضح أنه في حال قرر الرئيس ترامب “الانسحاب من الإتفاق النووي فإن تدهور الريال مؤخراً سيمنح الولايات المتحدة وحلفائها نفوذاً كبيراً على إيران؛ ومن شأن العقوبات الدولية الجديدة .. أن تسهم بانخفاض إضافي للعملة.” واعتبر المعهد أن تعيين كل من مايك بومبيو لوزارة الخارجية وجون بولتون لمستشار الأمن القومي “ستعزز انتهاج استراتيجية أكثر طموحاً تهدف لتغيير النظام” الإيراني. كما أشار المعهد إلى “توقعات صندوق النقد الدولي، آذار/مارس الماضي، نمو الإقتصاد الإير اني بنسبة 4% العام المقبل.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/vulnerable-iranian-economy-tests-u.s.-policy-resolve

القمة الثلاثية – اسطنبول:

         استعرض معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى قمة اسطنبول الثلاثية الأخيرة بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا لتدشين “علاقة ثلاثية الأطراف .. لكن في الواقع تخيم التوترات على العلاقات بين أنقرة وطهران .. بينما تميل الأولى للتعامل بحذر مع الروس والإيرانيين دون مواجهتهم أو تجاهلهم.” كما أعرب عن إعتقاده إبرام “بوتين واردوغان مزيد من الصفقات .. مما يسمح لتركيا تحقيق مزيد من التقدم على حساب “وحدات حماية الشعب” الكردية مقابل استمرار قبول (انقرة) الضمني للتحركات الروسية.” كما أعتبر ان نجاح الرئيس بوتين في تلك المناورات أسهم “بوضع تركيا في الموقع الذي يريده تماماً .. حليف مستعد للانشقاق عن الناتو، ورفض الانجرار وراء المسار الأميركي القائم على طرد الديبلوماسيين الروس.” بالمقابل، استطرد المعهد، العلاقات التركية مع إيران “تتصدرها الخلافات .. استياء طهران من عملية عفرين؛ وعدم موافقة طهران على نتيجة قائمة على مبدأ (التقسيم الناعم) في سوريا.” وخلص بالقول أن “أيران على استعداد تقديم عرض على أنقرة يشمل ضمان أمن حدود تركيا عبر نشر القوات السورية في المناطق الحدودية .. كما أن طهرا غير راغبة في رؤية أي جندي تركي في سوريا بمجرد مغادرة القوات الأميركية.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/turkish-russian-iranian-summit-limits-to-a-tripartite-entente

 

التحليل

زوبعة الإنسحاب من سوريا

مناورة لإبتزاز مالي أم تخبط

     قلة ضئيلة من المراقبين تفاءلت بإعلان الرئيس ترامب نيته الانسحاب من سوريا، ما لبث أن تراجع عنها ووافق على بقاء القوات الأميركية هناك إلى أجل مفتوح، لا سيما مع تواتر الأنباء بشروع القيادة العسكرية الأميركية بناء قاعدتين عسكريتين في الشمال السوري وإرسال قوات إضافية لهناك.

         وسائل الإعلام “المخضرمة” لم تنطلي عليها “ابتزازات” ترامب الإعلامية، المرة تلو الأخرى. يومية واشنطن بوست، 6 نيسان الجاري، ذكّرت باسلوب الرئيس المبني على مبدأ “الربح والخسارة،” لابتزاز السعودية ودول الخليج النفطية “بتعويض الولايات المتحدة عن كلفة بقائها” هناك. وشارفت على توصيف القوات الأميركية بأنها “مرتزقة” تعمل لدى من يدفع مالاً.

         يشار إلى أن سوريا هي “حصة” البنتاغون ووكالة الإستخبارات المركزية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية بعيدة الأمد بتقسيمها والإطاحة بنظامها وبلقنتها – على غرار ما حل بيوغوسلافيا من تشظيها إلى دويلات متنازعة.

         لا يساور الشك أحد من اعتراض المؤسستين، العسكرية والاستخباراتية، على إعلان ترامب لخشيتها من أن يؤدي الإنسحاب الى “فراغ في سوريا” يسدي فوزاً لخصوم واشنطن. نزل الرئيس عند طلب عقد لقاء عاجل لمجلس الأمن القومي لبحث المسألة، 3 نيسان، ساده توتر كبير بين الحاضرين على خلفية التحذير من الانسحاب السريع “دون مقابل.” وما لبث ترامب، بعد انفضاض اللقاء، بأن أعلن عن بقاء القوات لاستكمال مهمة الحاق الهزيمة بتنظيم داعش.

         تواردت بعض تفاصيل اللقاء العاصف مشيرة إلى “نصائح” وزير الدفاع جيمس ماتيس للرئيس بأن “القتال ضد داعش شارف على نهايته، لكن الإقدام على انسحاب كامل للقوات الأميركية في هذا الظرف ينطوي على مغامرة خسارتنا للانجازات التي حققناها ..”

         أما مرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، مايك بومبيو، فقد شاطر ماتيس وآخرين الاعتراض على الانسحاب قائلاً “انسحاب الرئيس من البلد الذي مزقته الحرب سيعتبر خطأً.”

         ما عدا ذلك من تفاصيل كان من نصيب التكهنات والقراءات المتعددة لما تحضره واشنطن؛ واوكلت المؤسسة العسكرية والأمنية مهمة احتواء الجدل إلى رئيس قيادة القوات المركزية، جوزيف فوتيل، الذي تحدث يوم 3 نيسان الجاري أمام “معهد السلام،” الملحق بوزارة الخارجية الأميركية لتبيان “الصعوبات التي لا تزال أمامنا” وينبغي التغلب عليها قبل وضع جدول زمني. وعزز منطق بقاء القوات بأن جهود إعادة الإعمار وإعادة المهجرين إلى منازلهم تنطوي على “دور عسكري.”

         في هذا السياق بالذات، نشير إلى قيام الإدارة الأميركية بتجميد مبلغ 200 مليون دولار كان مخصصاً لدعم الملف السوري، بالتزامن مع توارد الأنباء الأميركية عن تدمير مدينة الرقة بنسبة 80% “.. ومهما قدم الأميركيون من دعم فلن يكفي لأن المدينة مدمرة؛” وفق تقرير الصحيفة المذكورة.

         أما توقيت الرئيس ترامب لإعلانه بالانسحاب فربما كان له دوافع انتخابية، نحو ستة أشهر تفصل عن الانتخابات النصفية المقبلة التي بدأت تلوح بشائر خسارة الحزب الجمهوري لبعض مقاعده في مجلسي الكونغرس، مما يقوض سيطرته الراهنة على السلطة التشريعية بالكامل.

         البعد الآخر للإعلان فله صله بالكلفة المالية التي طالب ترامب السعودية بتحمل بقاء القوات الأميركية في سوريا إذ أن “المشاركة الأميركية في سوريا مكلفة وتفيد دولاً أخرى.

         كما أن البعد الاستراتيجي الأميركي دوره المحوري في تقرير مصير القوات الأميركية، والتي لا ينبغي التغاضي عن مساعي ترامب الحثيثة لإلغاء الإتفاق النووي مع أيران، تمهيداً لتوجيه ضربة عسكرية لها ربما، وإخراج القوات الأميركية من مرمى الاستهدافات العسكرية المحلية والإقليمية. بيد أن الفرضية السابقة لا تفي بالغرض عند الأخذ بعين الاعتبار عديد القوات الأميركية وقواعدها العسكرية المنتشرة على طول ساحل الخليج المقابل لإيران؛ فضلاً عما لديها من قوات فاعلة وقواعد امداد في العراق وسوريا.

كيسنجر دائم الحضور:

         بداية، ينبغي الإقرار بأن الرئيس ترامب، سواء عبر تغريداته المزاجية أو جنحه لتصريحات مثيرة، لا يزال هو صاحب القرار الأساسي في السياسة الخارجية وتوجهاتها، بصرف النظر عمن سيشغل منصب وزير الخارجية. وسبق أن تناولنا الحضور المكثف لهنري كيسنجر على مفاصل السياسة الأميركية وإصغاء الرئيس “لنصائحه.”

         بالنسبة لكيسنجر، العدو الأول هو روسيا وعودتها بقوة إلى المسرح الدولي، وينبغي محاصرتها باستخدام ورقة الصين وبث الفرقة بينهما في قراءة موازية لما فعله إبان الحرب الباردة واستغلاله الصراع الصيني – السوفياتي لمصلحة واشنطن. ولكن لا تكتيك استمالة روسيا مؤقتا كما يرغب ترامب نجح ، ولا التلويح بحرب تجارية مع الصين يساعد في تحقيق تباعد روسي – صيني. وجاءت العقوبات الجديدة المستهدفة للنخبة السياسية والإقتصادية الروسية لدى اعداد هذا التقرير لتزيد من احتمالات التقارب والتنسيق الأوسع بين الصين وروسيا ، وسينعكس تشددا منهما في ملف المفاوضات الأميركية -الكورية الشمالية.

         يزعم بعض العارفين في واشنطن أن دور المحافظين الجدد يتقلص داخل مفاصل القرار السياسي، دون أغفال بعض التوجهات لإعلاء شأن رموزه بين الفينة والأخرى: جون بولتون ومايك بومبيو. لكن الإستراتيجية الأميركية بعيدة المدى تسعى وراء تحقيق إنجازات طويلة الأجل أيضاً ولن تتورع عن “التضحية” بأي مسؤول يقف عقبة في طريقها.

         وعليه، من غير المرجح إقدام المستشار الاستراتيجي هنري كيسنجر ازداء النصيحة للرئيس ترامب بتطبيق سياسة خارجية على نطاق العالم بالأدوات التقليدية من المحافظين الجدد، ونظرتهم الثنائية للأمور: إما معنا أو ضدنا.

         وتصدر المحافظون الجدد الموقف بمعارضة قاسية للتقارب مع إيران وروسيا، عند كل مفصل من المسار الديبلوماسي ووضعوا ما استطاعوا من عراقيل لتقويض أي توجه يتعارض مع إدراكهم لمصالحهم. وما اسفرت عنه الحرب على وفي سوريا هو تحقيق أهداف معاكسة بل متناقضة مع تصورات المحافظين: فالتحالف الثلاثي بين إيران وسوريا وروسيا يتعاظم ويزداد تماسكاً؛ وعند الاضطرار تنضم الصين إلى الموقف السياسي الداعم له أيضاً.

         إعلان ترامب عن نية الانسحاب جاء في هذا السياق من الصراع الكوني بالنظر إلى تصريحاته المتتالية دون تقديمه تفاصيل وافية: أعرابه عن تقبله لبقاء الرئيس الأسد في السلطة؛ إعلانه الصريح عن عدم مواجهة روسيا لقاعدتها البحرية على شواطيء المتوسط في سوريا؛ إعلانه أيضاً عن نيته الانسحاب العاجل من سوريا مما وطد علاقاته مع معسكر مؤيديه. وفي الخلفية، بين ترامب بالتوافق مع كيسنجر أو بايعاز منه، فإن الهدف البعيد من وراء ذلك هو محاصرة إيران وتقليص ظروف أعتماد سوريا عليها إلى الحد الذي لن يعود لها مبرر للتحالف معها. فمحاصرة إيران، في المدى المنظور، يلبي متطلبات القوى السياسية الأميركية ويساعدها في مزيد من ابتزاز دول الخليج النفطية لأطول فترة زمنية ممكنة.

         ماذا عن القلق “الاسرائيلي” من إعلان ترامب، سواء تحقق اليوم أو غدا؟ اللوبي “الاسرائيلي” في واشنطن بكافة تشعباته أوضح أن عدم رسو القرار الأميركي “يزعج إسرائيل؛ وهي في حالة من الإرباك.” السفير الأميركي الأسبق لدى تل أبيب، دانيال شابيرو، أوضح أن تصريحات الرئيس ترامب “تثير حالة من الفوضى” في تل ابيب؛ مما يفسر استحضارها “التواجد الإيراني” في الجولان كذريعة لابتزاز واشنطن للإبقاء على تواجدها في سوريا. فضلاً عن تقييد حركتها العسكرية في الأجواء السورية عقب الاشتباكات الأخيرة التي أسفرت عن أسقاط الدفاعات السورية لواحدة من أحدث الطائرات في الترسانة الحربية “الإسرائيلية،” الإف-16.

         كما أن الوجود العسكري الأميركي في بعض المناطق من سوريا وفر غطاء وعنصراً داعماً للغارات “الإسرائيلية” داخل الأراضي السورية؛ وغيابه أو تقليص حجمه سيعيق خططها ومهامها لتقويض الدولة السورية.

         جدير بالذكر أن إعلانات ترامب المتكررة حول سوريا اسفرت عن تهميش  “الحلفاء الأوروبيين” وبمعزل عن التشاور معهم و”تقاتل” قواتها في سوريا دون “الاستفادة” من عطايا السعودية وحصر المكاسب المالية في الجيش الأميركي. حين تجسيد أعلان ترامب في أي وقت مقبل، فإنه سيترك حلفاءه الاوروبيين ليواجهوا مصيرهم وحدهم في سوريا، كما يستنتج من تصريحاته المذكورة. الأمر الذي سيعمق مأزق القادة الأوروبيين أمام جمهورهم الواعي نسبيا والمعارض للنزوات العسكرية الأميركية وإلحاق بلادهم بها.