المقدمة
تصدرت قرارات التغيير السياسية الدراماتيكية للرئيس ترامب أولويات الإهتمام وحلت مكان سلسلة الفضائح الأخلاقية والمسلكية لشخص الرئيس؛ بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، واستقباله في البيت الأبيض مصحوباً بإهانة ديبلوماسية، وسط ابتسامته الواسعة علامة على رضاه، ندر أن تعرض لها أي زائر أجنبي من قبل.
سيسلط قسم التحليل الضوء على الآثار المترتبة على تعيين الرئيس ترامب لجون بولتن كمستشاره لشؤون الأمن القومي، خلفاً لمرشح المؤسسة التقليدية الجنرال هيربرت ماكماستر. وفي الأجواء أيضاً “فضيحة فايسبوك” للإتجار ببيانات مستخدميها بالغة الخصوصية “لأغراض سياسية وتجارية بقصد الربح.”
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
سوريا:
استعرضت مؤسسة هاريتاج حادث إسقاط سوريا لمقاتلين “إسرائيليتين،” 10 شباط الماضي معتبرة أن الصراع يأخذ أبعاداً جديدة بدخول “طائرات الدرونز” الحلبة “.. إذ أضحت شائعة الاستخدام .. والآثار المترتبة عليها من توسع الأعمال العدائية،” مستدركة أنه ينبغي العودة إلى “دوافع تسلسل الصدام ممثلة بطائرة الدرونز الايرانية.” وحذرت المؤسسة من “انتشار طائرات الدرونز المسلحة عبر العالم .. وخاصة في الشرق الأوسط الذي شهد أول تطبيق عسكري (للتقنية) .. وتنامي الدلائل التي تشير إلى توجه عدد من التنظيمات الإرهابية لتطوير قدراتهم الخاصة بامتلاك الدرونز.”
https://www.heritage.org/middle-east/commentary/middle-east-drone-wars-heat
اليمن:
تناولت مؤسسة هاريتاج أوضاع اليمن مع حلول الذكرى السنوية الثالثة للحرب “بقيادة السعودية وتحالف من دول أخرى في الخليج،” لتذكر بأن “بعض الساسة الأميركيين .. ضاقوا ذرعاً من مساندة الولايات المتحدة للتحالف (السعودي) بنشر قوات خاصة ومشاركة السعودية والإمارات في معلومات استخباراتية؛” توطئة لمشروع قرار في الكونغرس لتقييد حركة القوات العسكرية الأميركية وإنهاء توريدها أسلحة ومعدات للسعودية. وحذرت الإدارة الأميركية من عدم الاصغاء لمشروع القرار المتداول “حتى لو استطاع مؤيدوه حشد دعمٍ كافٍ لإقراره .. إذ أن خروج الولايات المتحدة سيواكبه اندلاع مزيد من الحروب، وليس بسط السلام.” وشددت المؤسسة على أن “إنهيار أي من الأنظمة المحلية الصديقة (لواشنطن) أمر سيء لنا،” معتبرة إيران هي مصدر “التهديد للإستقرار والأمن في الشرق الأوسط .. وتغذيتها للحرب اليمنية.”
https://www.heritage.org/middle-east/commentary/chaos-will-erupt-the-middle-east-if-us-leaves-yemen
السعودية:
حذر معهد كاتو من خطل السياسة الأميركية الراهنة لبيع الأسلحة “إذ أضحت خارج السيطرة .. وبلغت مردودها منذ عام 2002 نحو 197 مليار دولار قيمة أسلحة تقليدية توزعت على 167 بلداً.” واستطرد المعهد أن إدارة الرئيس ترامب شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في مبيعات الأسلحة “بسرعة قياسية؛” لا سيما وأن الدراسات الحديثة تعارض استنتاجات الإدارة عن أهمية المبيعات وتؤكد على أنها “عملية محفوفة بالمخاطر .. ولقيت مصيرها بأيدي دول ذات سجلات رهيبة في انتهاكات حقوق الإنسان؛ بل في عدد من المناسبات وجدت القوات الأميركية نفسها تقاتل خصوماً يستخدمون أسلحة أميركية الصنع.”
https://www.cato.org/publications/policy-analysis/risky-business-role-arms-sales-us-foreign-policy
حذرت مؤسسة هاريتاج الحكومة الأميركية من الاستجابة لطلب ولي العهد السعودي، عشية زيارته الرسمية لأميركا، لتنمية قطاع الطاقة النووية للرياض. واعتبرت أن الكونغرس أراد إرسال رسالة قوية للضيف الزائر بموافقة “اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية في مجلس النواب” عقد جلسة حول “الآثار المترتبة على إتفاق للتعاون النووي بين الولايات المتحدة والسعودية على منطقة الشرق الأوسط،” ويشترط إبرام الإتفاق على “توفر إتفاقية تجارية نافذة” بين البلدين “تضع شروطاً لضمان عدم انتشار” التقنية وتسمح بموجبها للشركات الأميركية المساهمة القانونية في المشروع، والتي تعرف اختصاراً بـ “إتفاقية 123.” وأضافت المؤسسة أن الولايات المتحدة أبرمت اتفاقية مماثلة مع “48 بلداً بالإضافة لوكالة الطاقة النووية الدولية .. اوكلت مهمة تطبيقها والتحقق من الإلتزام بشروطه لوزارات الطاقة والتجارة والخارجية” الأميركية.
دولة الإمارات:
اعتبر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية قرار الإمارات بالتجنيد الإجباري “تجربة جريئة .. مغايرة لما عهدته سابقاً، وكذلك للتوجهات العالمية الرامية لبناء جيوش تطوعية على درجة عالية من المهارة.” واستطرد بالقول أن قرار الإمارات “رمى لبناء الدولة وليس القوات العسكرية فحسب.” الخوض في دوافع الإمارات للتجنيد الإلزامي رسى على “حالة عدم الاستقرار العميقة للبيئة الإقليمية، وتعزيز الشعور بالهوية الإماراتية، والخشية من تنامي القلق الرسمي لحالة سكون الجيل النامي، وعزمها على استباق تحرك القوى التي أسهمت في صعود الربيع العربي عام 2011.”
تركيا:
تتهيأ المفوضية الأوروبية لإصدار تقريرها السنوي لتقييم “تطور الحالة التركية،” في شهر نيسان/ابريل المقبل. ورسم معهد كارنيغي الاوروبي معايير الاجراءات الرامية “لتوضيح مسار الدول المرشحة للإنضمام (للإتحاد الأوروبي) ومدى التزامها بالشروط التقنية والسياسية للإتحاد ..” أما في الحالة التركية، وفق تقييم المعهد، فقد شهدت “تدهوراً خطيراً في الإلتزام بمجريات القانون مما يجعل من المستحيل الإعتراف بتحقيق أي تقدم يذكر؛ والتقرير المقبل سيقر بانحدار هائل” عن المعايير المقبولة.
http://carnegieeurope.eu/2018/03/14/2018-turkey-regress-report-pub-75794
أصدر معهد المشروع الأميركي حكمه القاطع بأن تركيا “أضحت نظاماً مارقاً بكل تأكيد،” وفق التصنيفات الأساسية المقرة في عهد ادارة الرئيس كلينتون باعتبار الدول المارقة هي التي “تحتضن الإرهاب، وتحكمها عصابة غير ديموقراطية، ولا تمتثل للقواعد الديبلوماسية.” وأوضح أن تركيا في عهد الرئيس رجب طيب إردوغان “احتضنت الإرهاب دون منازع .. دعمها لحماس لا يعرف الخجل، وجبهة النصرة كفرع للقاعدة، وربما حتى داعش.” ومضى المعهد بالقول أن تسريبات لمكالمات هاتفية أجراها السفير التركي لتشاد أحمد قواس أشارت إلى دعم تركي محتمل لجماعة بوكو حرام في نيجيريا.”
http://www.aei.org/publication/yes-turkey-has-definitely-become-a-rogue-regime/
كوريا الشمالية:
شدد معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية على ضرورة توصل “كافة الدول” المجاورة لكوريا الشمالية بالإضافة للولايات المتحدة إلى “تسوية تنهي بموجبها التهديد النووي وتطوير بيونغ ياننغ ونشرها للصواريخ الباليستية العابرة للقارات؛ دون إغفال سلسلة التهديدات التي تمثلها ترسانتها للأسلحة التقليدية والصواريخ قصيرة المدى ..” وحذر المعهد الإدارة الأميركية بأن عليها توسيع مروحة التهديدات “وعدم حصرها بالأسلحة النووية، لا سيما وأن لدى كوريا الشمالية خيار انتاج أسلحة بيولوجية، أو تجاهل تهديد الأسلحة التقليدية على كوريا الجنوبية.”
التحليل
تعيين بولتون تعزيز لنهج الإبتزاز
تلويحاً بخيار الحروب الإقليمية
“نعم، جون بولتون خطير حقاً.” هكذا استهلت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها، 23 آذار/مارس الجاري، اختصاراً لخشية أركان المؤسسة الحاكمة من النفوذ المتنامي بعودة تيار المحافظين الجدد تسلم زمام القرار السياسي، وما ينتظر العالم من تجديد التهور الأميركي بشن حروب أخرى طالما هددت بها المؤسسة الحاكمة منذ زمن.
بينما دقت إسبوعية ذي نيويوركر، 23 آذار، ناقوس الخطر من تعيين بولتون بأن “الصقور يشددون الحصار على البيت الأبيض .. جون بولتون هو الأشد وقاحة بين الديبلوماسيين الأميركيين خلال القرن الحادي والعشرين.” مستطردة أن من مفارقات التعيين ترفيع وزير الدفاع جيمس ماتيس لمرتبة “صانع القرار الأشد براغماتية” بين أعضاء الفريق الرئاسي؛ متكهنة بأن أيامه أيضاً قد تكون معدودة.
بيد إن السؤال المركزي يتمحور حول ما إذا كان “نفوذ بولتون” استثناءاً أم استمراراً لنزعة التفرد الأميركية بالعالم، أو امتداداً “لوزارة الحرب” التي طالما بشر بها الرئيس ترامب وأسلافه الآخرين؛ وما هي الدوافع التي أدت لإقصاء هيربرت ماكماستر.
أوجز الاستاذ المرموق في جامعة هارفارد، ستيفن والت، خطورة إعلان الرئيس ترامب بتعيين مستشاره الجديد للأمن القومي قائلا إنه يمثل “.. عودة التشينية (ديك تشيني)، وليس انتصارا للترامبية،” مستطرداً أن التعيينات الجديدة، بولتون ومايك بومبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، ليسا من “المنبوذين داخل المؤسسة الحاكمة؛ فهناك عدد غير قليل من مراكز الابحاث المحافظة ووسائل الاعلام، أبرزها وول ستريت جورنال، تمثل أركان المؤسسة، لسوء الحظ.”
يشار إلى أن بولتون مثُل أمام “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ، 11 نيسان/ابريل 2005، ضمن إجراء اعتيادي قبل تنصيبه سفيراً دائماً لبلاده في الأمم المتحدة. بعضاً من زملائه في وزارة الخارجية “اعرب عن سخريته” منه إبان شغله منصب وكيل وزير الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة واتهامه بأنه “مخبر يتلقى أوامره من نائب الرئيس (آنذاك) ديك تشيني عوضاً عن مرؤوسه وزيرة الخارجية كونداليسا رايس.” وبعد نيله “الثقة” بالترشيح للمنصب، وجه أكثر من 60 ديبلوماسيا وسفيراً أميركياً عريضة احتجاجية للجنة العلاقات الخارجية يحذرون فيها من “بولتون المتنمّر (الذي) لا يمكنه القيام بدور فعال للترويج والدفاع عن المصالح القومية الأميركية،” وهو القائل قبل ذلك بأنه يبغض الأمم المتحدة التي “ليس لها وجود.”
اختيار “والت” لصحيفة وول ستريت جورنال لم يأتِ عشوائياً نظراً لدورها البارز في تبرير الحروب الأميركية المتعددة، بل في الخلفية مقال نشرته مذيّل بقلم جون بولتون، 1 آذار/ مارس 2018، بعنوان استفزازي “الأرضية القانونية لشن ضربة استباقية على كوريا الشمالية؛” معللاً أن معلومات أجهزة الإستخبارات الأميركية حول برنامج يونغ بيانغ “مليئة بالثغرات،” ولا ينبغي تفويت الفرصة الملائمة لتدمير ترسانتها النووية والصاروخية. موضحاً بما لا يدع مجالً للشك “من المشروع تماماً للولايات المتحدة قيامها بالرد على “الحاجة” الراهنة التي تمثلها أسلحة كوريا الشمالية النووية عبر شن الضربة الأولى.” (الاقتباس عن الأصل).
ومسترشداً أيضاً بالنزعة العدوانية للرئيس الأسبق ثيودور روزفلت، إبان الحرب العالمية الثانية، لجهوده في “.. توسيع نطاق المياه الإقليمية الأميركية بشكل مذهل تحت مبدأ الدفاع عن النفس والتي تضمنت (جزر) غرينلاند وأيسلندا وحتى بعض السواحل في غربي القارة الإفريقية.”
كما اشاد بولتون، خريج كلية الحقوق في جامعة ييل المشهورة، في مقاله المذكور بالهجمات “الإستباقية لاسرائيل في تدمير مفاعلين نووين، اوزيراك في العراق عام 1981 والمفاعل السوري تحت الإنشاء بخبرات من كوريا الشمالية عام 2007.”
هواجس بولتون وما يمثله من امتدادات داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية لا تقتصر على كوريا الشمالية، بل تشمل إيران واي دولة أخرى تتخذ موقفاً مناهضاً لسياسات بلاده التوسعية.
من نافل القول أن بولتون لم يتوقف يوماً عن الإدلاء بمعارضته الشديدة للإتفاق النووي مع إيران، وتحيّن الفرص للطعن به وحشد التأييد لإلغائه من جانب واحد. وهو القائل مراراً أن “المعاهدات الدولية لا تلزم (الولايات المتحدة) قانونيا.” بل حافظ على نهجه للمطالبة بقصف ايران طيلة العقد الماضي؛ لكنه احتفظ باستخدام السلاح النووي ضد كوريا الشمالية!
حساسية تعيينه في موقع محوري ينبغي أن تأخذ بالحسبان العد النهائي للرئيس ترامب باتخاذه قرار بشأن الإتفاق النووي بموعد أقصاه 12 أيار/مايو المقبل. هناك شبه إجماع على أن تعيين بولتون بالذات مؤشر على نية الرئيس ترامب الإعداد لخيار الحرب ضد إيران تتويجاً لإلغاء الاتفاق النووي معها.
نسج بولتون أوثق العلاقات مع التيارات السياسية المتشددة، ليس في الداخل الأميركي فحسب، بل على المستوى الدولي. فيما يخص إيران، حافظ بولتون على علاقة مميزة مع فرع المعارضة الإيرانية في الخارج الممول من الإستخبارات المركزية، منظمة مجاهدي خلق، وذراعها الأميركي “المجلس الوطني للمقاومة في إيران.” وخاطبها في مؤتمرها السنوي، 20 حزيران/يونيو 2017، متوعداً أن “اللقاء المقبل والاحتفال سيكون في طهران قبل حلول عام 2019.”
جدير بالذكر في هذا الصدد سجل بولتون الطويل في ازدراء القوانين والمعاهدات الدولية، وكان رأس الحربة عام 2001 في ترتيب انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ الباليستية مع روسيا، ممهداً الأرضية لبلاده بنشر نظام الدفاع الصاروخي “الوليد” دون قيود، ومدشناً “العصر الأميركي الجديد” بتغيير النظم العالمية عبر شن الحروب عليها؛ مؤكداً على ذلك أواخر عام 2001 بأن بلاده “مهمتها تغيير النظم” وليس التفاوض معها.
في البحث عن دوافع الرئيس ترامب إقالة مستشاره السابق هيربرت ماكماستر، القادم من صلب المؤسسة العسكرية، أبرزها معارضته لقرار الرئيس الغاء الإتفاق النووي من جانب واحد وخشيته سابقاً من ويلات الحرب ضد كوريا الشمالية، وفق تفسير اسبوعية ذي أتلانتيك، 22 آذار الجاري، والتي انقلب عليها سريعاً أثناء تسلمه ملف إعداد “إستراتيجية الأمن القومي،” بالزعم أن “كوريا الشمالية تطور اسلحة نووية ليس للدفاع عن نفسها فحسب، بل لقتل ملايين الأميركيين.”
يشار ايضاً إلى توجهات ماكماستر العدوانية منذ تسلمه مهام منصبه وحثه الرئيس ترامب على “.. ضرورة العمل لحرمان كوريا الشمالية امتلاك القدرة النووية عوضاً عن احتوائها،” مما دق إسفيناً بينه وبين وزيري الدفاع والخارجية، جيمس ماتيس وريكس تيلرسون على التوالي، وفق المجلة المذكورة أعلاه.
تتكهن بعض الدوائر السياسية المقربة من البيت البيض أن ما قد يعتبر “الشعرة التي قصمت ظهر البعير” تجلت في “تسريبات” من داخل مجلس الأمن القومي بمناشدة الرئيس ترامب عدم تهنئة الرئيس الروسي على فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، وخياره بإجراء محادثة هاتفية بعد مضي يوم واحد على إعلان النتائج، والإعلان عنها أثناء استقباله لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في البيت الأبيض.