المقدمة
ارخت احتفالات اعياد القيامة والفصح المجيد ظلالها على حجم ونوعية اصدارات مراكز القوى الفكرية والبحثية، واحتلت تفجيرات بروكسيل الاخيرة اولوية عالية لما تتركه من تداعيات على الاستراتيجية الاميركية واجراءاتها الأمنية في الداخل الاميركي.
سيتطرق المركز في قسم التحليل الى موضوعة بالغة الحساسية ويجري تغييبها بوعي عن التداول العام، الا وهي البعد “الاسرائيلي” في حملة الحرب الالكترونية التي اثارتها مؤخرا حادثة صدام شركة “آبل” مع الاجهزة الأمنية الاميركية على خلفية رفضها الاستجابة لطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل توفير “بوابة خلفية” لبرامجها الخاصة بهواتف “آي فون.” ومع استمرار السعي القانوني لمقاربة الأمر، تخلت وزارة العدل ومكتب التحقيقات “فجأة” عن مسعاهما لمقاضاة “آبل،” نظرأ لتقدم “طرف ثالث” قام بالمهمة لصالحها. الطرف الثالث لم يكن سوى “اسرائيل” وترويجها لقدراتها “الخارقة” في اختراق لوغاريتمات التشفير المعقدة.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
روسيا في سوريا
اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى سياسات موسكو نحو الشرق الاوسط بأنها حزمة تميل الى “ردود الفعل على السياسات والافعال الغربية .. لتعزيز نفوذها الاقليمي. فالرئيس بوتين ينطلق من معادلة لا رابح ولا خاسر لتحقيق اهداف ديبلوماسية، ويسعى للحد من النفوذ الغربي من خلال استغلال الثغرات التي يتركها الغرب.” وزعم بالقول ان “موسكو تبدي استعدادها احيانا التعامل مع الاسلاميين، على الرغم من خطابها المتشدد لمحاربة الارهاب.” واضاف ان موسكو “استفادت كثيرا من من العمل في المجالات التي فشلت فيها واشنطن بفرض خطوطها الحمراء .. ومضى بوتين الى تحسين علاقاته مع الاصدقاء والخصوم التقلبيديين في الشرق الاوسط على حد سواء، عبر التجارة وبيع الاسلحة ومجالات الطاقة.”
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/putins-middle-east-policy-causes-and-consequences
سوريا
استعرض معهد هدسون “فشل سياسات الرئيس اوباما في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية .. والتي اضحت حربا لا تمس دول الشرق الاوسط وطوائفه وعشائره فحسب، بل ازمة عالمية الابعاد تستقطب قوى اخرى للمنطقة، مثل روسيا.” وشدد المعهد على ان حالة “الفوضى الناجمة هي نتيجة استراتيجية ادارة اوباما الشرق اوسطية .. وكان يتعين عليها انتهاج خيارات اخرى ان كانت تقصد تقليص الوجود الاميركي في المنطقة.” واضاف ان الرئيس اوباما برر مواقفه بأنه كان يسعى “لتحقيق توازن جيوسياسي جديد في المنطقة. بيد ان ما فعله تمثل في خرق التوازن القائم لصالح نظام ثوري يشن حربا ضد حلفاء اميركا التقليديين وينشر الفوضى الدموية.”
http://www.hudson.org/research/12330-five-years-of-horror-in-syria
مسألة تمثيل قوى المعارضة المختلفة في مفاوضات جنيف كانت محطة اهتمام معهد الدراسات الحربية الذي اعتبر تمثيلها مختلا هناك، اذ ان “وفد المعارضة المشارك لا ينطق باسم معظم قوى المعارضة المسلحة ذات النفوذ داخل سوريا .. خاصة مجموعة جيش الاسلام الدمشقية، وبالتالي لا تستطيع تطبيق قراراتها الذاتية.” واضاف ان “الوسطاء الاقوياء داخل قوى المعارضة هم من سيقرر متى سيستأنف القتال في نهاية المطاف .. فالمجموعات المتناقضة مثل جناح تنظيم القاعدة في سوريا جبهة النصرة لديها العزم والقدرة على افشال اي تسوية يتم التوصل اليها، في المديين القصير والمتوسط.”
http://post.understandingwar.org/report/syrian-armed-opposition-powerbrokers
السعودية
استعرض معهد هدسون طبيعة “التحالف الاسلامي بقيادة السعودية، الذي يواجه مأزقا متوازيا في الاراضي السورية .. مشابه للمستنقع الذي تواجهه السعودية في اليمن، مما يطرح ظلالا من الشك حول فعالية الحكومة السعودية.” واوضح انه نظرا لتراكم الاخفاقات السعودية فان “الدولة الاسلامية وقوى اخرى .. باستطاعتها القول ان الدولة السعودية الثالثة قد انتهى مفعولها، وفقدت السلطة الملكية شرعيتها وقدرتها العسكرية لحماية المسلمين.” وخلص المعهد الى رسم صورة قاتمة لمستقبل العائلة المالكة في ظل صراعها “الايديولوجي .. مع ابي بكر البغدادي وامتداداته الاعلامية، (للظفر) بتبوء صدارة الايديولوجية الجهادية لسنوات عدة قادمة.”
اعرب معهد كارنيغي عن رأية بأن الحكومة السعودية ونتيجة لاخفاقاتها المتعددة في الاقليم “والانتكاسات التي تعرضت لها في سوريا” باتت ترسم سياساتها “باللعب على حافية الهاوية .. والاجراءات التي اتخذتها مؤخرا ضد حزب الله والحكومة اللبنانية قد تؤدي في نهاية المطاف الى اضعاف حلفائها وزعزعة الاستقرار” في لبنان. واعتبر المعهد ان لبنان “كان الضحية الاولى للسياسة السعودية الجديدة .. بخلاف سياسة التقارب مع دمشق منذ عام 2008، اذعانا منها بأنه يستحيل وضع حد للتأثير السوري على السياسة الداخلية في لبنان.” واضاف “من الواضح ان المملكة السعودية تسعى لتكبيد لبنان ثمنا باهظا جراء محاولته التوفيق بين علاقاته مع طهران والرياض .. بيد ان حظوظها بالنجاح ضئيلة جدا.” واستدرك بالقول ان “اي نجاح اقليمي محتمل سوف يترتب عنه ثمن معين تدفعه السعودية في لبنان، وحلفائها هناك سيكونون الضحية الاكبر للسياسة (السعودية) .. وفي افضل الاحوال ستؤدي الى تعميق الانقسام السياسي، واضعاف اكثر فاكثر قوى 14 آذار. في اسوأ الاحوال، من شأن سحب الدعم السعودي عن لبنان افساح المجال امام زيادة التدخل السياسي والمالي الايراني.” وشدد المعهد على ان “الولايات المتحدة اعربت عن هواجسها بشأن المناورة السعودية الاخيرة، كما انتقدتها فرنسا.”
http://carnegieendowment.org/sada/?fa=63111&mkt_tok=3RkMMJWWfF9wsRonu6zNcO%2FhmjTEU5z16OwpWaOzlMI%2F0ER3fOvrPUfGjI4IRMpkI%2BSLDwEYGJlv6SgFSrnAMbBwzLgFWhI%3D
الانفاق العسكري الاميركي
حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من تأثير “الاعانات العسكرية لبرنامج الدفاع الصاروخي لاسرائيل والاضرار التي ستلحق ببرنامج الدفاع الصاروخي الاميركي .. عبر توظيف (اسرائيل) لمطالب متزايدة لما يمكن ادراجه تحت بند المساعدات الاجنبية للدفاع الصاروخي.” واوضح مذكرا اعضاء الكونغرس ان “الاستمرار في سياساتهم الراهنة، لتقديم ما مجموعه 145 مليون دولار، ستؤدي الى زيادة كبيرة في الدعم المقدم لاسرائيل .. على حساب برامج اميركية مخصصة للدفاع عن ارض الوطن ولقواتها المسلحة.” وشدد على تحذيره لصناع القرار بأن “كل زيادة مالية لصالح برنامج اسرائيل للدفاع الصاروخي ستعني حرمان برنامج الدفاع الصاروخي الاميركي من تلك الاموال، ومن المرجح ان تؤثر سلبا على جهود الابحاث والتطوير المستقبلية.”
http://csis.org/publication/fy17-budget-squeezes-mdas-research-and-development
“عقيدة ترامب”
سعى معهد ابحاث السياسة الخارجية الخوض في ملامح السياسة الخارجية للمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب “استنادا الى مواقفه المكتوبة وتصريحاته العلنية الممتدة على نحو 20 عاما.” واوضح ان “سجل ترامب يؤشر على بعض المحطات ومعالم تلك العقيدة،” مستدركا ان توصيفه “العقيدة ربما قد يشكل مصطلحا اشد رسمية .. اذ ان لدى ترامب جملة معتقدات تميل الى الانغلاق والنظر الى الداخل كنمط من انماط الواقعية الاحادية.” واستمد المعهد مقاربة من التاريخ القريب بالقول ان “معتقدات ترامب تسير بالتوازي مع تلك التي روجت لها لجنة اميركا اولا قبيل الاعداد للحرب العالمية الثانية.”
التحليل
تحقيق خاص: نظرة على قدرات “اسرائيل” في الحرب الالكترونية
اختراق ممنهج لاميركا
استيقظ الاميركيون صبيحة يوم 23 من الشهر الجاري على خبر فريد شديد الاقتضاب، نقلته شبكة بي بي سي البريطانية، وغير مسبوق يفيد بتراجع مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة العدل الاميركية، عن دعواهما القضائية ضد شركة “آبل” العملاقة، بعد مقاومتها تيسير دخول الاجهزة الأمنية الرسمية لبرامجها الخاصة بالهواتف الذكية.
الشق الاول في الخبر: “صباح يوم الاثنين، 21 آذار الجاري، ارجأ مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي آي) متابعته القضية القانونية المرفوعة قائلا ربما تمكن “طرف ثالث غير حكومي” من التوصل لطريقة تخترق جهاز الهاتف دون الحاجة لمساعدة شركة آبل.”
ونقلت الشبكة عن مكتب الأف بي آي قوله “يتعين علينا اختبار تلك الطريقة .. ولهذا تقدمنا من المحكمة بتوسل لاتاحة فرصة زمنية اطول لطَرْق هذا الخيار.” واضافت ان “الطرف الثالث عرض تجربته يوم الاحد، 20 آذار .. وعلينا الانتظار.”
الشق الثاني والاهم: “شركة اسرائيلية للهواتف النقالة (سيليبرايت) توفر الدعم لمكتب التحقيقات الفيدرالي لفك شيفرة جهاز الهاتف العائد لسيد رضوان فاروق، الذي اطلق النار برفقة زوجته على موظفين مدنيين في سان بيرنادينو كاليفورنيا.” وعليه، لن تحتاج وزارة العدل واجهزتها الاخرى تعاون شركة “آبل” لاختراق شيفرة الجهاز المذكور “في حال نجاح شركة سيليبرايت.”
واضافت شبكة (بي بي سي) ان شركة “سيليببرايت ابرمت عقدا مع الأف بي آي عام 2013 لتحليل قضايا حاسوبية .. وعقدا جديدا أخرا عقب رفض شركة آبل الامتثال لطلب الجهاز العمل على برنامج خاص لنظام تشغيلها من شأنه اعاقة جهود الغاء محتويات الجهاز ان تعرض لمحاولات متتالية لاستخراج كلمة السر.”
واردفت ان “سليبرايت وفرت خدمات مماثلة لأجهزة الأمن البريطانية، مما اتاح لها القاء القبض على شخص مطلوب عام 2012 بعد استرجاع الرسائل النصية الملغاة من جهاز آي فون.”
هوية تجارية باهداف عسكرية
تأسست شركة “سيليبرايت” عام 1999 في فلسطين المحتلة، ومقرها مستعمرة “بتاح تكفا،” القريبة من مدينة يافا، لتطوير جهاز لاستخراج البيانات المخزنة على اجهزة اتصال محمولة، من بينها الهواتف النقالة والاجهزة اللوحية، والتوصل لاستعادة البيانات الملغاة من قبل المستخدم، وفك التشفير وكلمات السر. ولدى الشركة مكاتب فرعية في ولاية نيوجيرسي والمانيا ايضا، يصل طاقمها التقني الى نحو 500 فرد.
تزعم الشركة ان قدراتها تتمثل في استغلال الذاكرة السريعة المتضمنة في كافة الهواتف النقالة، والتي تستند الى بيانات لوغاريتماتية ترمي لتخزين بيانات الهاتف لاطول فترة ممكنة، حتى بعد اقدام المستخدم على الغائها.
لا تخفي “الشركة” علاقاتها الوثيقة “والعميقة بالجيش واجهزة الاستخبارات الاسرائيلية،” وخاصة “وحدة 8200 للتجسس الالكتروني” التي تعد المصدر البشري للشركة؛ وتضم بين رؤسائها ضباط سابقون، منهم عميت غروس مدير ابحاث الاجهزة النقالة، وشاحار طال المدير العام السابق للوسائل التقنية في الجيش. وما رشح عن نشاطاتها الاستخباراتية اقرارها بامتلاك القدرة على فك رموز الرسائل النصية المرسلة عبر تطبيق “تلغرام،” الذي قيل ان نشطاء الدولة الاسلامية يستخدمونه بكثرة.
اختراق الشركة للاجهزة الاميركية نمى الى مسامع النقابة الاميركية للحقوق المدنية، عام 2011، من قبل فرعها في ولاية ميتشيغان الذي سعى للحصول على اجوبة من جهاز الشرطة المركزي في الولاية حول استخدام عناصره “معدات تصنعها سيليبرايت لتنفيذ مهام غير قانونية بتفتيش اجهزة الهواتف النقالة للمواطنين.”
في عام 2013 اصدر مكتب التحقيقات الفيدرالي مذكرة داخلية يعلن فيها عن نيته “شراء اجهزة تصنعها سيليبرايت .. وهي احدى القلائل التي تملك القدرة على استعادة سريعة للصور واشرطة الفيديو، وسجل البيانات الملغاة والرسائل النصية بدقة تصل نحو 59% لكافة اجهزة الهواتف النقالة – تتضمن عدة نماذج من اجهزة آي فون.”
سعت الحكومة الاميركية لتخفيف الانتقادات المتوقعة، حول نفوذ شركة “اجنبية” تمنحها صلاحية اختراق البيانات الخاصة، باعادة تركيز الانظار على “الخطر الايراني” في مجال الحرب الالكترونية، ووجهت تهما لسبعة افراد “مدعومين من ايران حاولوا تعطيل عمل سد للمياه في ولاية نيويورك .. واختراق اجهزة الكمبيوتر الخاصة ببورصة نيويورك ومؤسسات مصرفية اخرى لنحو 40 شركة اميركية.” الافراد المتهمون لا يزالوا طلقاء ويجري البحث عن اماكن اقامتهم.
في الوقت عينه، وبالتزامن مع توجيه التهم القضائية، اعدت وزارة المالية الاميركية لائحة باجراءات مقاطعة ضد عدة اشخاص ايرانيين على خلفية اطلاق طهران تجارب على صواريخ باليستية، وصفتها يومية واشنطن تايمز اليمينية، 24 آذار، بانها أتت لتعزيز عزم ادارة الرئيس اوباما عدم الرضوخ لايران امام خصومه السياسيين.
واضافت الصحيفة ان لائحة الاتهام للسبعة تعد “المرة الاولى التي تلجأ اليها الاجهزة الحكومية ملاحقة مواطنين (اميركيين) متهمون بالتعامل مع دولة اجنبية بهدف عرقلة اداء اجهزة البنية التحيتة في الولايات المتحدة.”
اوضحت نائبة رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، دايان فاينستاين، عمق القلق في الدوائر الرسمية بالقول “ان استطاع القراصنة الظفر بالسدود، وشبكة توزيع الكهرباء، والمطارات، ومصادر المياه او المفاعلات النووية، فان حجم الضرر الناجم عنها سيكون هائلا.”
البعد السعودي
لسنا هنا بصدد الاشارة الى تنامي العلاقات “الرسمية” بين الرياض وتل ابيب، اذ انها ليست بحاجة لتقديم الدلائل والقرائن سيما وان اصحابها لا يخجلون من الاعراب عن تلازم علاقتهم ومصيرهم السياسي بالكيان الصهيوني.
الامر الاهم هو الذي يتعلق بالحرب الالكترونية، التي تفتقد السعودية لأي من مكوناتها ومستلزماتها التقنية والبشرية، بينما يقتصر دورها التمويلي تكملة لوظيفتها في خدمة الاستراتيجية الاميركية، واستراتيجية الكيان الصهيوني دون مساحيق تجميلية.
هنا المسألة تتعلق بتضافر الجهود الاميركية “والاسرائيلية” في استهداف اجهزة الطرد المركزية في ايران، ببرامج الكترونية ضارة، اشهرها “ستاكسنت و فلايم.”
المؤرخ الاميركي البارز باري لاندو، صاحب كتاب “شبكة من التضليل: تاريخ التواطؤ الغربي في العراق، منذ شرشل لكندي وجورج دبليو بوش،” ينقل عن تقرير صادر عن “جامعة تل ابيب” مطلع العام الجاري يشير فيه الى السعودية بأنها “الأمل الاخير وخط الدفاع عن اسرائيل .. فالسعوديون يشكلون الأمل النهائي للدولة اليهودية لحماية مصالحها السياسية في العالم العربي.”
ويضيف نقلا عن “مصدر خاص رفيع في الحكومة الاسرائيلية” قوله ان “رئيس الموساد الاسرائيلي قصد السعودية عدة مرات للبحث مع نظرائه هناك (تركي الفيصل ولاحقا بندر بن سلطان) ابرام اتفاقية من شأنها تُقدم السعودية على تمويل جهود (اسرائيل) تنفيذ جملة اغتيالات لعدد من كبار علماء الذرة في ايران .. تتقاضى بموجبها مليار دولار.” واستطرد بالقول ان مصدره الرفيع قال ان السعوديين “اعتبروا المبلغ رخيصا مقابل حجم الضرر الذي سيلحق ببرنامج ايران النووي.”
ليس من العسير الذهاب بالقول ان ما يتيسر من امكانيات تقنية لدى “سيليبرايت” سيسخّر (او انه مسخّر عمليا) في خدمة الحكومة السعودية مقابل اموالا طائلة ايضا؛ بل لدول الخليج الاخرى ان لم تكن مجتمعة فباغلبيتها.
القرصنة صناعة ومهنة
في لحظة نادرة من الصراحة العلنية، اوضح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية “الاسرائيلية،” عاموس يادلين، طموحات وخطط جهازه لتسخير التقدم التقني والالكتروني في برامج عسكرية. وقال في نهاية عام 2009 امام “معهد دراسات الأمن الوطني،” احد نخب مراكز الابحاث الصهيونية، “دعوني اوضح لكم امام هذا المنبر المرموق ان مجال الحرب الالكترونية يتطابق تماما مع العقيدة الدفاعية لدولة اسرائيل .. وهو مجال لا نستطيع فيه الاعتماد على دعم خارجي او تقنية ليست من صنعنا.”
تشير البيانات الاقتصادية المتوفرة الى قطاع مزدهر في مجال التقنيات الالكترونية “الاسرائيلية،” بلغت وارداتها عام 2015 وحده نحو 6 مليارات دولار، استقطبت نحو 20% من اليد العاملة في قطاع الاستثمارات الخاصة؛ فضلا عن عائدات التصدير التي تفوق احيانا صادرات “الاسلحة الاسرائيلية.”
جذور برنامج الأمن الالكتروني، بكافة تلاوينه وتطبيقاته، تجد ارضيتها في قطاع المؤسسة العسكرية “الاسرائيلية،” كأكبر واضخم جهاز في الكيان يعززها الاستثمارات المستدامة والعالية في المجالات العسكرية المختلفة، لا سيما في قطاع الاستخبارات. من المعلوم ايضا ان عددا لا بأس به ممن خدم في تلك الاجهزة استفاد من خبرته التقنية لتوظيفها في اعمال “تجارية” الطابع لخدمة اهداف واحتياجات المؤسسة العسكرية. كما ان السياسة “الحكومية تنحاز لتقديم مختلف التسهيلات والاعفاءات الضريبية.”
للاضاءة على نمط العلاقة التبادلية علينا الاشارة الى ابرز برامج “الأمن الالكتروني” الخاص بالشبكات، برنامج “شيك بوينت،” الذي اضحى البرنامج المفضل للحضور الالكتروني الاميركي منذ عقد التسعينيات. يترأس شركة “شيك بوينت” غيل شويد، بعد خروجه من الخدمة الفعلية لاهم الوحدات الالكترونية “السرية – وحدة 8200” في المؤسسة العسكرية “الاسرائيلية” حقق فيها منصبا “رفيعا بالغ السرية.” ويستقطب شويد موظفيه من صفوف الاجهزة العسكرية والالكترونية، احدهم الرئيس السابق لتلك الوحدة، نير ليمبيرت، وآخرين.
في مطلع العام الجاري عقد مؤتمر في تل ابيب “سايبرتك 2016” استقطب الاف الكفاءات التقنية من الخارج، بحضور بنيامين نتنياهو، كان احد محاوره “الأمن الالكتروني للسيارات.” يذكر ان تقنية الالكترونيات الحديثة تدخل في مكونات صناعة السيارات مما يجعلها عرضة للقرصنة والتسبب في تعطيل الكوابح عن بعد وربما مقتل ركابها.
جاءت اشارة عابرة لاهتمام “اسرائيل” بتقنية الكترونيات السيارات في مقال نشر عام 2014 اوضح ان “القيادات العليا تولي اهتماما عاليا لتلك المسألة منذ عدة سنوات؛” تتعلق بتطبيقات مختلفة لقرصنة الاجهزة السيارة، بل ان “بعض المنظمات ودول اخرى باستطاعتها الحاق الضرر باهداف وشخصيات محددة عبر شبكة الانترنت.”
واستفاض مصدر المقال بالاشارة “الافتراضية” لرغبة جهاز استخباراتي معين التخلص من شخصية ما في بلد اجنبي “عبر السيطرة على اجهزة التحكم الالكترونية في سيارة يقودها، عادة ما تكون حديثة العهد. حينئذ ما عليك الا اجراء اتصال عن بعد مع اجهزة الكمبيوتر بداخل السيارة، ومعرفة كيفية تتبع اي جهاز محمول في حوزة السائق، حتى لو كان خارج الخدمة او معطلا. باستطاعتك حينها متى ستحاول السيارة السير في منحدر منخفض والتحكم بابطال عمل نظام الكوابح حالا. عندئذ تكون قد حكمت على نهاية كل من كان بداخل السيارة.”
من نافل القول ان اعضاء تلك المؤسسة الالكترونية يستغلون ميزاتهم الاقتصادية الى ابعد حد، للانخراط في صفقات “تجارية” مع نظم متعددة لا سيما في دول العالم النامي في منطقة آسيا الوسطى بشكل خاص، جورجيا واذربيجان مثالا، بما يمكنها من الحصول على بيانات حصرية غير مقيدة لمعلومات تخص اتصالات مواطني تلك الدول ونشاطاتها المتعددة على شبكة الانترنت، دون رقيب.
يشار الى ان “بعض تلك الشركات الاسرائيلية” وجهت لها تهم مساعدة جهود وكالة الأمن الوطني الاميركية في التلصص والتجسس على المواطنين الاميركيين.
هيكلية اجهزة الحرب الالكترونية
بالاشارة الى “وحدة 8200” عالية السرية فانها تتخذ مقرا لها في صحراء النقب، وتطورت تدريجيا من جهاز اشارة ملحق بالجيش “الاسرائيلي” الى ابرز الاجهزة في مجال الحرب والقرصنة الالكترونية. احدى الشركات الاميركية المختصة بتقييم صلاحية الشركات والمنشآت الاخرى اعتبرت “وحدة 820 من بين مجموعة من ستة لكبار الاجهزة المبادرة للهجمات الالكترونية في العالم.”
من ضمن اولويات الوحدة المذكورة ما يعرف “بجرف المعلومات والبيانات، والتعامل مع كم هائل منها يقدر بالملايين للتوصل الى معلومة تعتبرها مهمة، والتعرف على عادة التكرار في البيانات مما يؤشر على مسار غير سوي ضمن تصنيفاتها.”
تشتهر تلك الوحدة ايضا بقدرتها على انتاج البرامج الضارة – الفايروسات. وقد اوضح المتعاقد السابق مع وكالة الأمن الوطني، ادوارد سنودن، لمجلة دير شبيغل الالمانية ان “اسرائيل ساعدت الولايات المتحدة في انتاج فايروس ستاكسنت .. عام 2010” ضد اجهزة الطرد المركزية في ايران.
جهود “وحدة 8200” للتجسس وتجنيد الفلسطينيين لا تعرف حدودا لها، ولا تقتصر على العناصر المصنفة “معادية لاسرائيل” فحسب، بل لافراد عائلاتهم واقربائهم وجيرانهم، وكل من قد يشكل مصدرا للمعلومات تخص “الحالة الصحية والوضع المالي والمسلك الشخصي” للفرد.
رئيس الاركان غادي ايزنكوت كافأ “وحدة 8200” بتطوير وضعها الميداني الى “قيادة سايبيرية،” بقرار اصدره مطلع الصيف الماضي، ، يخولها بموجبه “الاشراف على كافة الانشطة العملياتية في الفضاء الافتراضي.” ونجح بعض المنتسبين اليها باجتياز دورة تدريبية في نهاية العام الماضي، امتدت اربعة اشهر.
وفق تلك الرؤيا، من المتوقع ايلاء “القيادة السايبيرية” مهاما هجومية ودفاعية في آن، بتنسيق وثيق مع الوحدات الميدانية الاخرى لاختراق اجهزة التحكم والسيطرة للطرف المعادي.