التقرير الأسبوعي 04-02-2016

المقدمة
تميز انعقاد مؤتمر قمة الأمن النووي نهاية الاسبوع الماضي بشخصيتين، الرئيس الروسي الغائب، والرئيس التركي الحاضر. الاول غاب لدواعي سياسية تتعلق بهيبة روسيا بعد استردادها موقعها القيادي عالميا، كما يعتقد؛ والثاني حضر ضمن جو ازدراء وربما انتقام ديبلوماسي عالي المستوى: لم يفلح اردوغان بلقاء ثنائي مع الرئيس باراك اوباما (وكأنه يكرر غلطته مع استجدائه السابق للقاء الرئيس بوتين)، وقصدت الادارة ان تحصر لقاءه بنائب الرئيس، جو بايدن، لكن في مقر اقامة اردوغان. واستبق عدد من الشخصيات السياسية والعسكرية والاكاديمية الوازنة حضوره باصدار عريضة على شكل “كتاب مفتوح” يعربون فيه عن عظيم قلقهم من تدهور مسالة الحريات في تركيا، واعتقال الصحافيين والمعارضين على السوء.
سيتناول المركز في قسم التحليل انعقاد المؤتمر، الذي حضره نحو أكثر من 50 مندوب ورئيس دولة الى جانب عدد من كبار الشخصيات الرسمية الاخرى، وغاب عنه ممثلو ايران وكوريا الشمالية. اما التمثيل الروسي فكان على مستوى رسمي متدني. البيت الابيض روج له بأنه حقق عددا من الانجازات وفق المهام المرسومة. الخطر الحقيقي، في رأينا، يكمن في تنامي تهديد القوى المتشددة والتكفيرية شن هجوم بستخدام سلاح نووي او اشعاعي.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
روسيا في سوريا
اعرب المجلس الاميركي للسياسة الخارجية عن اعتقاده بفعالية سياسة موسكو في سوريا “وما اعلان (الرئيس) بوتين الانتصار .. اسهاما في توفير الحماية لحليف روسيا فحسب، بل اثمرت ارباحا سياسية.” واضاف ان التدخل الروسي “سمح لموسكو للخروج ولوجزئيا من حالة العزلة الدولية. واردف ان “الدول الغربية لم تخفف اجراءات العقوبات على روسيا، ومع ذلك استطاعت موسكو التموقع كلاعب اساسي في الشرق الاوسط.”

http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3142

يمضي مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تكرار رؤيته “للصراع الطائفي” بالدرجة الاولى، في كل من العراق وسوريا. واعتبر ان عوامل الازمة ثلاثية الابعاد “القتال ضد تنظيم الدولة الاسلامية؛ حرب أهلية طائفية وعرقية على نار هادئة في العراق؛ وحرب أهلية شرسة في سوريا .. تطيح بمستقبل كافة السكان السوريين وفي العراق الذين اضحوا لاجئين او مشردين في الداخل.” واضاف ان وطأة تلك النزاعات ادت “لشلل برامج التنمية في العراق وقلصت حجم الاقتصاد السوري الى نحو 20-35% من معدلاته السابقة.” ودق ناقوس الخطر ايضا من استمرار تدفق اللاجئين عل “الاستقرار والازدهار الاقتصادي لكل من لبنان والاردن وتركيا .. كما ادت لنشوء ازمة في اوروبا والولايات المتحدة حول الارهاب وقبول اللاجئين.”

http://csis.org/publication/comparative-metrics-isis-and-failed-state-wars-syria-and-iraq

مؤتمر “الأمن النووي”
غابت السعودية عن حضور القمة بوفد رفيع المستوى، وتساءل معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى ان كان ذلك رسالة “ازدراء واستخفاف” منها بالقمة النووية، التي دشنها الرئيس اوباما عام 2009 عقب تولية مهام رئاسته الاولى. واضاف المعهد ان السفير الاميركي في الرياض، جوزيف ويستفال، التقى مع ولي العهد محمد بن نايف الذي “كان من المتوقع ان يترأس وفد بلاده،” فضلا عن مسؤولين آخرين زاروا الرياض والتقوا محمد بن سلمان. واعتبر المعهد غياب السعودية بأنه يشكل “تناقضا حادا مع مشاركة دول شرق اوسطية اخرى .. واستمرار انزعاج السعودية من واشنطن حول الاتفاق النووي مع ايران، وربما ايضا بالسخط من (تقرير مجلة اتلانتيك) الانتقادات العديدة الموجهة للسعودية.” واستطرد بالقول ان الرئيس اوباما يعد لزيارة الرياض نهاية الشهر الجاري “ومن المقرر ان يجتمع وزير الدفاع آشتون كارتر مع ولي ولي العهد محمد بن سلمان” قبل بدء زيارة اوباما بيوم واحد. وخلص بالقول ان “ثمة كثير من الامور المحيِّرة” تسود العلاقات الاميركية السعودية “وليس هناك متسع من الزمن لسوء الفهم ومؤشرات حملة علاقات عامة يمكن ان تفسر على انها (ازدراء) استخفافات.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/saudi-snub-at-the-nuclear-summit

وجهة نظر الهند في الملف النووي بأكمله كانت محور اهتمام معهد كارنيغي لناحية موقفها “ضد الارهاب الذي لا لبس فيه،” وهي التي تبنت منذ زمن عقد مفاوضات دولية للتوصل الى “اتفاقية شاملة،” تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية، سياسيا وتقنيا. واضاف المعهد ان الهند تخشى “تهديدات الارهابيين الساعين للحصول على اسلحة دمار شامل.” واعتبر المعهد حضور رئيس الوزراء ناريندرا مودي نبأً سعيدا للرئيس اوباما خاصة وان الهند “احجمت وللحظة عن الارتباط ببيانات مشتركة تصدر عن مجموعات دول متشابهة في الاراء، بدافع تباينات اجرائية وليس بالمضمون.” واوضح ان صدور “اعلانات جديدة من (رئيس الوزراء) مودي قد يوصل للهدف ببراعة والحفاظ على الزخم السياسي الناجم عن مسار قمة الأمن النووي.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/saudi-snub-at-the-nuclear-summit

معركة الموصل
حث معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى دول التحالف المشاركة بفعالية لتحرير الموصل “وعقد تفاهمات بينها وبين حكومة الاقليم الكردي وايصال رسائل واضحة المضمون، بأن معركة تحرير الموصل قد تكون مختلفة تماما عن الجهد العسكري الشاق الذي رافق (استعادة) تكريت والرمادي.” واعرب عن اعتقاده بتراجع الاهتمام الجمعي بتحرير الموصل، لا سيما وان “مستقبلها معلق .. تحت رحمة عبودية الدولة الاسلامية، او انضمام اهاليها لجهد المحررين فاتحين لهم ابواب مدينتهم.”

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-liberation-of-mosul-has-begun

“الدولة الاسلامية”
تابعت مؤسسة هاريتاج ظاهرة “نمو تنظيم الدولة الاسلامية في عموم المنطقة،” كمدخل لانتقاد سياسة الرئيس اوباما الخارجية والذي “لم يرتفع لمستوى التحدي (المفروض) في ليبيا.” وحذرت المؤسسة من نجاح التنظيم انشاء موطيء قدم في مدينة سرت الاستراتيجية “والتي قد تحتضن احدى اكبر مجموعات الدولة الاسلامية، وفق بعض التقديرات، ان لم تكن اكبرها على الاطلاق خارج سوريا والعراق.” وشدد على ان التنظيم الليبي “يبدو انه على علاقة وثيقة بالدولة الاسلامية (الام) وقد يمضي للسيطرة على اصول النفط الليبية ..”

http://www.heritage.org/research/commentary/2016/2/brookes-fear-grows-as-islamic-state-spreads

اردوغان في واشنطن
استبقت حملة انتقادات واسعة زيارة الرئيس التركي لواشنطن، انضم اليها “مؤيدو تركيا” في المؤسسة الحاكمة، وآخرين. وذهب معهد المشروع الاميركي الى مدى بعيد اشد وضوحا من اقرانه بالقول انه “يستحيل الحاق الهزيمة بداعش في ظل بقاء (اردوغان) في السلطة.” واعتبر المعهد ان اردوغان يرفض الاقرار “بالخطاب الصادر عن السنة لتبرير اعمال البعنف في عموم المنطقة والذي يضاعف معدلات تعرض تركيا ذاتها للارهاب وينال من جهدها في محاربة شمولية الارهاب.” واعتبر المعهد ان اردوغان يعاقب الجهة الخطأ، لا سيما “فرضه حظر على الصحافة، عقب تفجيرات انقره” العام الماضي. واضاف ان اردوغان “يستخدم منبر بلطجيته لوسم الكرد وناشطي حماية البيئة والاكاديميين والصحافيين واعضاء (منافسه) فتح الله غولن بالارهاب دون تقديم الادلة او التزام اجراءات قانونية .. واوعز لقواته الأمنية احتجاز واعتقال اولئك المعارضين لاجندته السياسية او انتقدوا تنامي الفساد بين افراد المقربين.”

Why it’s impossible to defeat ISIS with Erdoğan in power

النظام العربي
اعتبر معهد كارنيغي ان الدول العربية مجتمعة “مرّت في مراحل انتقالية .. منذ اوئل تسعينيات القرن الماضي، محورها قطاع الأمن” الذي اضحى معضلة في سياق “معضلات الاصلاح.” واوضح ان “الحالة السياسية والمؤسسية الهشّة (للدول العربية) تشكل عقبة كأداء ..ودفعت التطورات بقطاعات الأمن الى التورط في الفساد والتواطؤ مع الشبكات الاجرامية والجماعات المسلحة، مما عزز مقاومة هذا القطاع للاصلاح.” واردف ان “قطاعات الأمن اصطفت وفق خطوط طائفية واثنية وحزبية واكدت على استقلالها الذاتي التام .. وحافظت على الانظمة الاستبدادية وحكومات الحزب الواحد، او الحكومات غير التمثيلية.” ومضى ان “مرحلة ما بعد الصراع المسلح .. وتورط قطاع الأمن بحدة في صراعات اوسع نطاقا، يربك عملية الاصلاح ان لم يعرقلها تماما، واصلاحه صعب للغاية.” وختم بالقول ان الدول العربية “تواجه مهاما تبدو عصية على الحل: اعادة بناء مؤسسات الدولة والعقود الاجتماعية في عصر التغيّر العالمية .. من المؤكد ان الفشل سيكون مآل المقاربات التقليدية لاصلاح قطاع الأمن، او التي تختزله في علاقة مبسطة بين اصلاحه وارساء الديموقراطية.”

http://carnegie-mec.org/2016/03/30/dilemmas-of-reform-policing-in-arab-transitions/iw6o

التحليل

قمة الأمن النووي: استعراض اعلامي

يستثني محاسبة “اسرائيل”

الانفاق العسكري دون رادع
مشى الرئيس اوباما مزهوا وفي احلى ابهة بين ضيوفه محاضرا فيهم لرص الصفوف “والامكانيات” للانفاق على خطر يتعرض “أمن الاسلحة والترسانة النووية،” وينبغي استنباط آليات عمل تحت بند “مراكز التمييز .. (للاعداد) لتنحية او القضاء على المواد النووية، والمصادقة (العاجلة) على الاتفاقيات المعقودة والشروع بتنفيذها، اعادة تحويل المفاعلات النووية، وتعزيز الاجراءات الرقابية ..”
واضاف البيت الابيض في بيان رسمي تمهيدا لالتئام اعمال المؤتمر بأن “المجتمع الدولي استطاع تعقيد مهمة الارهابيين للحصول على اسلحة نووية اكثر من اي وقت مضى، وله الفضل في شعورنا الجمعي بالأمن المتزايد.”
براءة الادعاء بالحرص على “سلامة وأمن وعدم انتشار” الاسلحة النووية تدحضها وقائع وتوجهات ادارة الرئيس اوباما عينها، وهو الذي كان سباقا في نكث وعوده الانتخابية والانقلاب عليها مبكرا.
في مطلع عام 2010، تعهد الرئيس اوباما في ولايته الرئاسية الاولى بأن بلاده “لن تقدم على تطوير رؤوس نووية او المضي في تنفيذ مهام عسكرية جديدة او (الحصول على) قدرات تقنية جديدة.” وتوسم العالم خيرا، وما لبث ان انقض اوباما على وعده بتبني برنامج لتطوير وتحديث الترسانة النووية الاميركية، قيمته مليار دولار.
الاخصائيين الاميركيين، لا سيما في وزارة الدفاع، بالشؤون النووية حذروا حينئذ من البرنامج الطموح بأنه “سيعد من قبل الكثيرين انتهاكا لتعهدات الادارة بعدم تطوير او نشر اسلحة نووية جديدة.”
معهد “ستراتفور” البحثي (الاستخباراتي) دشن العام الجديد بتحذير العالم بأننا نقف على عتبة “سباق تسلح جديد .. تتزعمه الولايات المتحدة بوتيرة عالية لتحديث وتطوير وتوسيع الاسلحة التقليدية والنووية على السواء.”
ايضا، وفي مطلع العام الجديد، اصدر مركز التقويم الاستراتيجي والمالي “المستقل،” مقره في واشنطن، دراسة مطولة بعنوان “اعادة النظر بآرمجيدون (المنازلة الفاصلة): تخطيط لسيناريو في العصر النووي الثاني.” (“العصر النووي الثاني تعبير اطلقه المؤلف بول براكين).
رمت تلك “الدراسات” وتصريحات عسكريين كبارا الى تهيئة ارضية التبرير العام لزيادة الانفاق العسكري. اذ اعلنت وزارة الدفاع في شهر كانون2/يناير من العام الجاري عزمها المضي في تطبيق خططها “لاستبدال غواصات من طراز اوهايو تحمل صواريخ باليستية باخرى جديدة بدءا من عام 2021. يشار الى ان كل من الغواصات الحالية الاربعة عشر، من تلك الفصيلة، مسلحة بـ 24 صاروخ من طراز ترايدنت-2، وكل رأس مزود بثمانية رؤوس متفجرة، اي ان “كل صاروخ تعادل قدرته التدميرية 36 قنبلة نووية من التي القيت على هيروشيما” عام 1945.
اسطول الغواصات الجديد سيضم 12 غواصة، كلفة الواحدة منها تتراوح ما بين 6-8 مليار دولار، والتي لا تتضمن كلفة الابحاث والتطوير والتجارب، وتستثني ايضا كلفة الرؤوس النووية التي تقدر بنحو 200 رأس، فضلا عن كلفة التشغيل. (المصدر: بيانات وزارة الدفاع وسجلات لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ).
عند الاخذ بعين الاعتبار مطالب سلاح الجو الاميركي بانتاج الجيل المتطور من الطائرات المقاتلة، اف-35، والتي ترتفع كلفتها بصورة جنونية بلغت احدث التقديرات نحو 1200 مليار دولار (1.2 تريليون)؛ اضافة لمائة من احدث القاذفات الاستراتيجية من طراز بي-21، كلفة الواحدة منها 500 مليون دولار، تتضح معالم “سباق التسلح” بنسخته “الاوبامية.”
في مطلع شهر آذار من العام الجاري، مثل كل من رئيس سلاح البحرية والجو، راي مابوس و ديبورا لي جيمس، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب مطالبين بتخصيص مزيد من الاموال “لاقتناء اسلحة جديدة.” عضو اللجنة ترينت فرانكس عاب على القادة العسكريين امامه عدم انجاز الادارة “خطة تقييم مفصلة للقضاء على نوع او اكثر من انظمة الاسلحة النووية الثلاثية، او احداث تغيير كبير في قدرة الولايات المتحدة النووية.” الاجابة الثنائية كانت مبهمة. ( أنظمة الاسلحة النووية الثلاثية تتضمن: القاذفات الاستراتيجية؛ الصواريخ الباليستية العابرة للقارات؛ والصواريخ الباليستية على متن الغواصات).

نتائج “متواضعة” للمؤتمر
وفق دراسة معمقة اصدرها معهد مبادرة التهديد النووي البحثي المستقل رأى ان المؤتمر سيتمخض عنه “اصدار جملة من الوثائق تتضمن تعهدات القادة السياسيين؛ صدور تقارير تقويم منفصلة تخص الدول المعنية؛ ومن المتوقع ان تعيد الدول المجتمعة التزامها (بضمان) الأمن النووي في بيان ختامي يصدر عن اعمال المؤتمر .. كما ستسعى التوصل لابرام التزامات متعددة الاقطاب عبر ما اطلق عليه سلات الهدايا.” (المصطلح من بنات افكار البيت الابيض). المعهد المذكور انشيء من قبل السيناتور السابق سام نان والشخصية الاعلامية تيد تيرنر يصدر نشرات دورية تخص “التهديدات النووية والبيولوجية والاسلحة الكيميائية” حول العالم.
بعبارة اخرى، توقعات المعهد واخصائييه كانت بالغة التواضع وجاءت مطابقة لوقائع ونتائج المؤتمر. ويبقى السؤال اذا ما كان غياب روسيا هو العامل الاهم في تواضع قرارات المؤتمر، كما يتداول في واشنطن.
بعد انفضاض المؤتمر عادت روسيا بقوة الى المشهد “النووي” على الرغم من غياب تمثيل عالي المستوى، وصفته وسائل الاعلام بأنه ثمة “مقاطعة روسية .. تعكس اتساع رقعة الصدع بين موسكو وواشنطن مما قوّض جهود الولايات المتحدة لتقييد انتشار المواد الاشعاعية، بل ادت عمليا لتدمير آفاق توصل الطرفين للحد من التسلح بينهما، ورفعت حتى معدل المخاطرة في مواجهة نووية محتملة لم نشهدها منذ عصر الحرب الباردة.” (نشرة فورين بوليسي الالكترونية).
بعض النخب الفكرية، والمتشددة منها بشكل خاص، كان لها رأي مغاير لتشاؤم الاوساط المقربة من المؤسسة الحاكمة. اذ اعتبر الباحث ريتشارد ويتز، في مؤسسة هاريتاج اليمينية ان “قرار روسيا بالمقاطعة .. قد لا يترك اثرا، سلبا او ايجابا، حول مستقبل عدم انتشار تقنية الاسلحة النووية. اذ لا يزال الاخصائيون الروس منكبون على توفير تقييمات قيمة لدراسات البحث في الأمن النووي.” واضاف ان غياب روسيا بالمحصلة ” لم يسهم في تيسير التوصل لنتائج افضل في هذا المؤتمر .. اذ لا تزال الدول المشاركة تعاني من القدرة على ترجمة مناهضتها لظاهرة الارهاب النووي في برامج ملموسة ومشاريع بوسعها تحقيق تقدم ملموس ومستدام.”
اللافت في قراءة الشق اليميني في المؤسسة الاميركية الحاكمة انه يبدي قراءة موضوعية وواقعية للعلاقات الثنائية مع روسيا، مفندا مزاعم التهور والانحدار نحو حرب باردة جديدة. واضاف التقرير سالف الذكر “مهما تضررت علاقات موسكو وواشنطن، فنحن لسنا على اعتاب المراحل الاولى لحرب باردة جديدة شاملة .. واوضحت الحكومة الروسية ان مؤتمرات القمة (النووية) لم تعد مجدية، والعودة الى تفعيل دور وكالة الطاقة الدولية.”
وذهبت مؤسسة هاريتاج الى طمأنة الداخل الاميركي بالقول ان “ديبلوماسيي كلا الطرفين، الروسي والاميركي، مجمعيْن على استمرار تعاون وثيق لحكومتيهما فيما يخص مسائل هامة تتعلق بعدم انتشار الاسلحة النووية والأمن.” وكادت ان توصف مؤتمر القمة بانه استعراض اعلامي ليس الا، يستغله الرئيس اوباما لتعزيز ارثه السياسي قبل نهاية ولايته الدستورية.
في البعد الداخلي الاميركي، يشار الى عدم رغبة الرئيس اوباما استغلال منصبه للتوصل الى معاهدة تحد من الاسلحة النووية، والتي كان يدعمها خصمه الدائم عن الحزب الجمهوري، السيناتور جون ماكين (عام 2009)، والتي روج لها في مطلع ولايته الرئاسية قائلا انه يتطلع لمصادقة الكونغرس على معاهدة حظر التجارب النووية. وسرعان ما تجاهل وعده واودعه الادراج الموصدة.

“الجهاد النووي”
تشكل شبه اجماع دولي حول تنامي شبكات الارهاب وتوسع رقعة عملياتها في انحاء مختلفة من العالم. لسنا هنا في معرض تحليل القوى الداعمة والمؤيدة لتلك الجماعات، التي تخدم اجندات اقليمية ودولية متعددة وعلى رأسها اسقاط الدول الوطنية وخلق الفوضى، بل للاشارة الى خطورة تمكنها من اقتناء معدات واجهزة نووية واشعاعية قد تستخدمها لاجنداتها الخاصة.
سياسة اوباما “للحد من انتشار” الاسلحة النووية عجزت عن الارتقاء الى مرحلة اعلى في التوصل لاتفاق دولي، سيما وان هناك اجماع على خطورة الأمر، وللحد من تعدد ولاءات التنظيمات الارهابية والتكفيرية، والتصدي الجمعي لها لحرمانها من الحصول على مواد مشعة او نووية، مسلحا بقوة القرارات الدولية. المعلومات المتوفرة تشير الى حقيقة مذهلة بتنامي رغبة تلك الجماعات والمنظمات للحصول على عناصر تدخل في صناعة قنابل نووية، منذ عام 2008. وما يدل على ذلك استخدام المجموعات التكفيرية الاسلحة الكيميائية والبيولوجية في العراق وسوريا، دون رادع.
بل ان التفجيرات الاخيرة التي شهدتها بروكسيل، في المطار ومترو الانفاق بالتزامن، ترافقت ايضا مع “مصرع حارس منشاة نووية بلجيكية وفقدان هويته الشخصية،” فضلا عن رشح معلومات تشير الى تعرض منزل احد كبار العلماء النووين البلجيك الى المراقبة والتجسس. وذهبت بعض التقارير الى الاستنتاج بأن تنظيم الدولة الاسلامية ضالع في “مؤامرة” الحصول على نظائر مشعة من احد المفاعلات النووية البلجيكية بغية استخدامها في انتاج “قنبلة قذرة.” واضافت تلك التقارير ان اثنين من الموظفين السابقين في المفاعلات النووية البلجيكية غادرا مقار عملهما للالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية في سوريا.
المعلومات الموثقة جرى نشرها تباعا. وقال الموقع الالكتروني الاميركي ديفينس وان، المقرب من البنتاغون، انه “في شهر أب 2004، اقدم عامل في مفاعل دول-4 النووي لانتاج الطاقة الكهربائية على فتح صمام استنزف زيوت تشحيم لاحد التوربينات .. تسبب في اضرار قدرت بنحو 100 مليون دولار، وربما ضعف ذلك المبلغ.” واضاف الموقع ان السلطات البلجيكية تعرفت لاحقا على هوية الفاعل “الياس بوغلاب، ترك مقر عمله في مفاعل دول-4 للالتحاق بالدولة الاسلامية في سوريا.”
يضاف الى ذلك ما تنشره دوريات صادرة عن تنظيم “القاعدة،” لا سيما نشرتها الانكليزية انسباير، تحث فيه اتباع التنظيم على تنفيذ هجمات “تستخدم فيها خبرات متخصصة واولئك الذين يعملون في مواقع حساسة .. لتعيث دمارا.”
في الولايات المتحدة، تعتبر الاجهزة الاستخباراتية المتعددة ان التهديد “النووي” استطاع التواجد على الاراضي الاميركية. وحذر تقرير صادر عن وزارة الأمن الداخلي، عام 2011، من “تنامي حوادث تسلل الجهاديين لمواقع نووبة ومنشآت بنية تحتية .. بل ان الجماعات المتشددة العنفية، في الحقيقة، استطاعت الحصول على مناصب داخلية.”
واضاف التقرير ان “المعلومات الداخلية الخاصة بالمواقع (النووية)، والبنى التحتية والشبكات وطواقم التشغيل تشكل هدفا ثمينا لخصومنا وقد تضاعف حجم الضرر الناجم عن اي هجوم يستهدف البنى التحتية لمولدات الطاقة.” يشار ان ان الانفاق الاميركي على تعزيز أمن المواقع والمنشآت النووية بلغ ازيد من 2 مليار دولار، منذ حوادث عام 2001، وزيادة عدد الحراس المدججين بالسلاح بنسبة اربعة اضعاف. العنصر الداخلي، من موظفين وطواقم صيانة، هو اشد ما يقلق الاوساط الاميركية والاوروبية على السواء، والذين باستطاعة فرد منهم “سرقة مواد نووية او ارتكاب اعمال تخريبية.”

القنبلة القذرة
تقنية “القنبلة القذرة” لا تستند الى اقتناء الطاقة النووية الهائلة في التفجير، بل تستخدم المتفجرات التقليدية، بانواع مختلفة، لتلويث مساحات كبيرة بعناصر مشعة، والتي يمكن توفيرها “بسرقتها من مفاعل نووي او حتى المستشفيات.”
تنتشر مشاعر القلق الحقيقي من امتلاك تنظيم الدولة الاسلامية لمواد اشعاعية، خاصة بعد استيلائه عام 2014 على “88 رطل من مركبات اليورانيوم غير المخصب المستخدمة في جامعة الموصل .. مما يعزز التكهنات بانه يستطيع انتاج قنبلة قذرة نظريا على الاقل،” تتضاعف نسبة خطورة انتشار المواد المشعة مع تخلف او استكمال اعمال تنظيف المناطق المعرضة.
مواجهة الخطر “الاشعاعي والبيولوجي” لا يكتمل الا بالتعرف على الجهات “والدول” التي تمارسه ومارسته، ولديها استعداد دائم للاقدام عليه؛ ليس في زمن الحروب الضارية فحسب، بل لتحقيق اهداف سياسية واستراتيجية.
اشهر الغائبين عن المعادلة الدولية لمواجهة تلك الاخطار هي “اسرائيل،” التي تتجدد الدلائل والقرائن ليس في بعد تخزينها لاسلحة الدمار الشامل، نووية واشعاعية وبيولوجية وغيرها، بل استخدمتها في ازمنة متعددة ومنذ عهد الاحتلال البريطاني لفلسطين.
للدلالة، نقتصر الاشارة الى تقرير لهيئة الصليب الاحمر الدولي اعده مندوبها في فلسطين، دي ميرون، لتغطية الفترة من 6 الى 19 ايار 1948، وصف فيه تعرض مصادر المياه الجوفية التي تمد مدينة عكا لداء التيفوئيد على ايدي العصابات الصهيونية؛ وقبلها تعرضت مدينة يافا ومصادر مياهها لوباء التيفوئيد على ايدي تك العصابات. “اسرائيل” استخدمت اسلحة فتاكة مشابهة ضد مصر وسوريا.”
الكيان الصهيوني يمتلك ترسانة ضخمة من الاسلحة النووية، تفوق التزام السياسات الاميركية المتعاقبة بضمان “تفوقه النوعي في الاسلحة التقليدية على كافة جيرانه.”
تحقيق الأمن النووي الحقيقي يبدأ من العمل الجاد لانشاء مناطق خالية من اسلحة الدمار الشامل، كما طالبت بذلك بعض الدول العربية منذ زمن. يتوجب على “الأمن النووي” النظر في الاستغناء التدريجي عن استخدام الطاقة النووية وتغليب مصادر توليد الطاقة البديلة والنظيفة، خاصة لما تشكله الحوادث النووية المحتملة في المفاعلات والمنشآت من اضرار، سواء لاسباب تقنية او بشرية او كوارث طبيعية، كاحد اخطر مصادر الدمار الشامل وتدمير البيئة.
لذلك يبرز مفاعل ديمونا وغيره من المفاعلات المتقادمة في العديد من الدول الغربية، بما فيها اميركا، كمصدر تهديد دائم وداهم في اي لحظة، يهدد البشر والبيئة في محيطه. تجدر الاشارة الى ان مفاعل ديمونا لا تسري عليه اجراءات الرقابة الدولة من قبل وكالة الطاقة، ومعلومات تشغيله تبقي اسرارا حبيسة الادراج، بموافقة ضمنية من السياسة الاميركية.
في هذا الصدد، نشرت احدى الصحف “الاسرائيلية” تقريرا العام الماضي يفيد باجراء “اسرائيل” تجارب على عدد من نماذج “القنابل القذرة” للتيقن من حجم الضرر والتهديد الناجم عنها.
واوضحت صحيفة معاريف ان التجارب اطلق عليها اسم “الحقل الاخضر،” اشرف عليها طاقم عالي المستوى من مفاعل ديمونا النووي. وزعمت ان البرنامج لقي نهايته عام 2014 “عقب مرور 4 سنوات عليه، جرت اغلب التجارب في موقع مغلق في صحراء النقب.”
تتضمن تقرير معاريف المقتضب صورا فوتوغرافية قالت انها تعود لنحو 20 تجربة تمت على تفجير مواد متفجرة معززة بعنصر اشعاعي. واضافت ان طائرات درونز صغيرة الحجم حلقت في الاجواء وعلى متنها اجهزة لقياس حجم الاشعاعات الصادرة، ومجسات اخرى لتسجيل قوة التفجيرات. وزعمت تقرير الصحيفة ان نسبة الاشعاع العالي في منطقة التجارب “لم تشكل اي خطر حقيقي، باستثناء الحالة النفسية” الناجمة عن التفجير.
وبخلاف زعم مصادر الصحيفة المذكورة، جرت تجارب اخرى على مواد مشعة “تترك” في مناطق مكتظة بالسكان دون ان يرافقها اي تفجير، تحت مسمى برنامج “البيت الاحمر.” واوضحت معاريف ان “المسؤولين الاسرائيليين” وضعوا مزيجا من مواد مشعة مخلوطة بالمياه في نظام التهوية لاحدى البنايات نشبه الى حد ما مراكز للتسوق.

“الأمن النووي” الفعال
بناء على ما تقدم من معطيات، وما تضمنته مناقشات رؤساء الوفود المتعددة لأكثر من 50 دولة، ينبغي ايلاء توفير الأمن والحماية للاسلحة والمعدات النووية اهتماما حقيقيا، يبدأ بالنظر الى الدول التي تنتج اسلحة ومعدات نووية، وتهديدها بقوة القانون الدولي بالمقاطعة، دون استثناءات، في حال استمرارها لانتاج وتطوير تلك المواد.
انجاز أمن نووي حقيقي، لا ينبغي حصره بحماية المعدات النووية فحسب، بل في التوصل الجمعي لاساليب وانماط سياسية تخفف من التوترات الدولية، والتي تستغلها بعض المجموعات “غير المنضبطة” للولوج الى اقتناء سلاح نووي. علاوة على ذلك ينبغي اعادة احياء مطالب بتحقيق مناطق خالية من اسلحة الدمار الشامل، دون تأخير.