التقرير الأسبوعي 04-03-2015

:المقدمة
تقاسم اليمن ومفاوضات الملف النووي اهتمامات الساسة والنخب الفكرية الاميركية؛ كما تجسد ذلك في اصدارات المراكز المتعددة
سيتناول قسم التحليل العدوان العربي والاسلامي على اليمن، بقيادة السعودية؛ وسبر اغوار الاهداف المبهمة المعلن عنها من الرسميين، عربا واميركيين. كما سيستعرض التحديات التي تواجه تشكيل “قوة عسكرية عربية،” كما اعلنت عنه جامعة الدول العربية في لقاء قمتها الاخير في شرم الشيخ المصرية؛ والدور الاميركي البارز والمضمر في الحملة العدوانية على اليمن. كما سيتناول في قسم منفصل قراءة اولية لموقف اوباما من الاتفاق التمهيدي وردود الفعل الداخلية

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
تداعيات غزو دول الخليج لليمن
سخر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من ميل البعض لتبسيط خريطة النزاع في اليمن لا سيما “حلفاء اميركا الذين يحركهم هاجس الحاق الهزيمة بايران عبر هزيمة الحوثيين واعادة الاوضاع السياسية الى سابق عهدها.” واوضح ان “السعودية، بتحالفها مع الحكومات اليمنية السابقة، سعت لانجاز ذلك دون نتائج مرضية .. بل ان ازاحة الحوثيين” من مناطقهم في شمالي البلاد “امر غير وارد في الحسابات الواقعية”
اعرب معهد كارنيغي عن اعتقاده بضبابية الاهداف السياسية المعلنة، كما وان توقيت القصف السعودي المكثف لليمن “اتى متأخرا بضعة اشهر ليحقق صون نفوذ حلفائها التقليديين في اليمن .. كالميليشيات القبلية التابعة لآل الأحمر، وعدد من القوى السلفية، وحكومة الرئيس المطاح به (عبد ربه منصور) هادي، والذين هزموا شر هزيمة امام الحوثيين.” كما اعرب عن شكوكه بامكانية “تشكيل تلك القوى سدا مقاتلا موحدا .. وتواجههم عقبات متعددة.” واضاف انه في المدى المنظور “لا يتوفر للسعودية حليف قوي يتمسك بالارض وباستطاعته تسخير الغارات الجوية لصالحه .. بل ان التجارب التاريخية تثبت عقم الغارات الجوية ان لم يرافقها قوات برية”
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية اهمية الموقع الاستراتيجي لليمن على الرغم من انه “لا يشابه منطقة الخليج من حيث الأهمية، بل ان استقراره يعد حيويا لاستقرار المملكة السعودية والجزيرة العربية.” واوضح ان التهديد الذي تمثله تشكيلات القاعدة في الاراضي اليمنية يعد “اقوى التهديدات الارهابية التي تواجهها المملكة السعودية .. فضلا عن ان اي تواجد للدولة الاسلامية في اليمن لا يخدم الا مفاقمة الاوضاع المتأزمة”
المفوضات النووية مع ايران
اقر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بصعوبة المفاوضات “وتعقيداتها الدائمة.” واكد المعهد على ان مفاوضات “الحد من الاسلحة تشكل عملية متكاملة، وليست حدثا بحد ذاته .. فضلا عن التوترات البينة داخل كلا الفريقين.” واشار المركز الى المشاحنات الداخلية الاميركية حول الاتفاق وما نشب عنها من “خلاف علني بين الرئيس اوباما ورئيس الوزراء الاسرائيلي؛ وكذلك قلق حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة كالمملكة السعودية ..” واوضح ان نجاح اي اتفاق في المستقبل، لا سيما المتعلق “بالحد من الاسلحة .. قد يكمن في الجوانب السياسية كما في الاسس الموضوعية”
سورية
سخر معهد كاتو من قدرة “حلفاء الولايات المتحدة من العرب” مواجهة الدولة الاسلامية بفعالية. واوضح ان “الأعمال التي قامت بها تلك الدول الخليجية، وخاصةً قطر والسعودية، بتدخلها في الأزمة السورية .. والفوضى التي تسببوا بها في سورية لوجدنا أن الأمر أفضل دونهم.” واضاف ان “هذه الدول “الاستبدادية” تنقصها الخبرة في السياسة الخارجية والأدوات العسكرية والاستخباراتية التي تحتاجها.” واوضح ان “اعتماد تلك الدول على ثروة النفط والغاز الهائلة يشوه آلية اتخاذ القرارات في مجال السياسة الخارجية وسبل تطبيقها .. سيما وان بعضها يمول بشكل مباشر المنظمات الارهابية مثل داعش.” وحمل المعهد “حلفاء الولايات المتحدة” مسؤولية تفشي الفوضى ونزعات التشدد، “واثبتوا أنهم غير راغبين ولا قادرين على ملاحقة مواطنيهم الذين يدعمون التطرف في سورية .. بل وغضوا الطرف عن حملات التبرع” التي تجري في بلدانهم لصالح المتشددين في سورية
المغرب العربي
اشاد معهد كارنيغي بالنضج السياسي الذي تمتعت به الاحزاب السياسية الاسلامية في المغرب والذين ادركوا انه “البقاء في السلطة يتطلب دعم قوي من الملك .. كما تشهد عليه العلاقة القائمة بين القصر و(رئيس الوزراء عبد الاله) بن كيران.” واوضح ان الاخير “لا ينازع الملك في صلاحياته، يقابله دعم الملك له في الاصلاحات المقترحة.” واستدرك بالقول ان الاحزاب الاسلامية “تدرك جيدا ان مصير القضايا الهامة يبقى في يد الملك ..” وطبقت شعارها بحذافيره “المشاركة لا الهيمنة”
ايران
ذكّر معهد ويلسون المتشائمين من الاتفاق النووي مع ايران بان “اربعة عقود من العداء بين ايران والولايات المتحدة لن تمحى بين عشية وضحاها.” واوضح ان ما يجمع الطرفين هو المصالح لكل منهما، لا سيما في تقاطع اهدافهما بمحاربة داعش؛ كما ان “الرئيس روحاني وفريقه يحدوهم الأمل في مراكمة التجربة استنادا الى المحافظة على المصالح المتبادلة، بيد ان (المرشد الاعلى) علي خامنئي سيستمر في سعيه لابراز ايران كلاعب اساسي في الاقليم .. مما يضع ايران في مصاف المنافسة مع الولايات المتحدة في عموم منطقة الشرق الاوسط”

التحليل

سراب تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة
عقبات امام تنفيذ قرار الجامعة العربية
اعلان القمة العربية الاخيرة في “شرم الشيخ” المصرية عن “تشكيل قوة عسكرية عربية موحدة قوامها زهاء 40،000 عنصر،” شكل ايذانا بتسليم النظام العربي الرسمي “لقيادة السعودية” ودعما لمخططاتها وتحالفاتها الدولية
على الرغم من اجواء الارتياح التي اشاعها الاعلان، لا سيما بين الدول الخليجية، الا ان الأمر ينطوي على موقف ضعف وليس قوة في الحشد والتحشيد ضد “الخطر الايراني” المزعوم، وخاصة لبدء السعودية غاراتها الجوية على بلد عربي لم يعتدي عليها دون انتظار التئام لقاء القمة. دخول السعودية المباشر أضاف من تعقيدات العوامل الإقليمية واضفى صبغة طائفية على الصراع “مما سيؤدي إلى تعقيده وإطالة أمده،” كما يعتقد
السفير الاميركي السابق لدى الرياض، روبرت جوردان، اوضح ان “السعوديين يخاطرون بتنفير واستعداء الكثير من سكان اليمن بسبب غاراتهم الجوية،” التي استهدفت المواقع الحيوية ومخازن الوقود والغذاء. لقد بدأ “حجم المغامرة التي اتخذها الملك سلمان ونجله الامير محمد يتضح بازدياد اعداد الضحايا” والنتائج المتواضعة في تدمير البنى التحتية اليمنية، ليس الا. وسائل الاعلام الاميركية تقول ان الغارات “بالنسبة لبعض اليمنيين المعارضين للحوثيين تساهم في توجيه غضبهم ضد المملكة السعودية بدلاً من حركة الحوثي .. بل ان الميليشيات المحلية تقاتل بعضها دون الاكتراث” بالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي
سيتم رفد القوة العسكرية، التي لم تتشكل بعد، بقوات برية وجوية وبحرية، اضافة لمختلف انواع الاسلحة والقوات الخاصة، لمواجهة “ايران كمصدر تهديد” لاستقرار الانظمة العربية، بعد ان حمّلها رئيس الجامعة نبيل العربي مسؤولية “التدخل في بلدان عدة؛” دون ان يتحمل عناء تقديم الدلائل والبراهين، باستثناء ما اعتبره بالنيابة خروج اليمن من تحت عباءة الهيمنة السعودية
لم يعد سرا او محض تكهنات تعويل السعودية على مشاركة فعالة من باكستان، والتي لا زالت تحتفظ بـ “8،000” عنصر من قواتها المقاتلة هناك عقب انتهاء المناورات العسكرية المشتركة، قبل فترة وجيزة. بيد ان قرار المشاركة بقوات برية، نيابة عن السعودية، يلقى معارضة غير ملتبسة داخل صفوف القيادات العسكرية والقوى والمؤسسات المدنية المختلفة، خاصة وانها تواجه تحديات متزايدة من طالبان الباكستانية ومشتقات القاعدة الاخرى. وابلغت السعودية رسميا بدعم مخططاتها دون الافصاح عن مشاركة مباشرة
آفاق “القوة العسكرية” سياسيا
مراهنة السعودية وحلفاءها الاقليميين على انخراط قوات عسكرية باكستانية، نيابة عنها، للقتال في اليمن بددته المعارضة المدنية الداخلية وحساسية الأمر داخل القيادات العسكرية. ونشرت صحيفة “الفجر – دون” الناطقة باللغة الانكليزية نتائج استطلاع لقرائها، 31 آذار، شملت نحو 22،000 فرد لعزم تدخل بلادهم رسميا في اليمن. وقالت ان الغالبية العظمى، 77%، من المستطلعة اراؤهم رفضت بشدة اي مشاركة لباكستان في الغزو السعودي لليمن. ربما توقيت النشر هو الأهم، اذ جاء غداة سفر وزيري الخارجية والدفاع الباكستانيين للرياض للتشاور بشأن “الطلب السعودي لمساعدة عسكرية”
معهد ستراتفور الاستخباراتي اوضح استنادا الى “مصادره الخاصة ان السعودية ومصر تستمران بحشد قواتهما (البرية) استعدادا لاشتراكها في معارك استعادة مدينة عدن،” التي اطبقت القوى اليمنية الوطنية سيطرتها عليها منذ الثاني من نيسان الجاري. واضاف ان القوات السعودية المحتشدة على الحدود الشمالية مع اليمن “قد تصدر اليها الاوامر لاختراق الاراضي اليمنية بغية السيطرة على صنعاء؛” مستدركا ان مغامرة من هذا النوع ستثبت كلفتها الباهظة .. اذ لا يعتقد ان تقدم السعودية على اتخاذ هكذا قرار باستخفاف،” في اشارة الى تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة
المغامرة السعودية لم تلقى تأييدا معتبرا بين النخب الفكرية، على الرغم من رفد معظمها باموال وهدايا كبيرة. صحيفة “نيويورك تايمز” وصفت ما يجري “بتدخل سعودي مشؤوم في اليمن .. يهدد بصراع اقليمي واسع النطاق يشمل ايران، ويبدد اي امل بتحقيق الاستقرار.” وحثت الصحيفة الرئيس اوباما على “استخدام نفوذه لتشجيع جميع الاطراف التوصل الى حل سياسي ”
مركز الدراسات السياسية، المناهض لسياسات التدخل، اعتبر غزو السعودية “امتدادا لسياسة الخروج على القانون الدولي التي ارستها الولايات المتحدة بشنها حرب (مفتوحة) على الارهاب.” واضاف ان حجج الولايات المتحدة والسعودية “باحتواء النفوذ الايراني هي كذب ورياء وترمي بعرض الحائط مصالح وحياة الشعوب في اليمن وسورية والعراق ولبنان والبحرين”
بينما اعتبرت صحيفة “واشنطن بوست،” 31 آذار، ان تركيز الحملة الاعلامية، السعودية والاميركية، على ايران شكل “وسيلة فعالة لصرف الانتباه عن التوتر الخطير الجاري بين الانظمة العربية .. وتوفر فرصة سانحة للابتعاد عن المنافسة المريرة” بين مختلف القوى
واعربت الصحيفة عن شكوكها في “ديمومة” التحالف برئاسة السعودية، “فسرعان ما سيتلاشى” بالتزامن مع “وصول الحملة العسكرية الى طريق مسدود، ولن يتوفر خيار حينئذ الا بين انسحاب او المضي بتصعيد خطير.” وذكّرت الصحيفة السعودية بعقم مراهنتها على “القضاء على الحوثيين اذ فشلت في هزيمتهم عسكريا على مدى العقد الماضي الشاهد على ذلك”
دورية “فورين بوليسي جورنال،” عدد 3 نيسان، تكهنت ان السعودية “تستقوي بمصر” لابلاغ واشنطن رسالة مفادها “ان سياستها لاسترضاء ايران هو توجه احمق؛” واعتبرت شعور السعودية بالتهميش من قبل واشنطن هو احد العوامل الرئيسة الذي حفزها للاقدام على مغامرتها العسكرية
آفاق “القوة العسكرية” عسكريا
تعددت التفسيرات لحقيقة القوة المنوي تشكيلها، وهل سترى النور ام ستلاقي مصير الضحايا الآخرين في قرارات الجامعة العربية. يشار في هذا الصدد الى العقبات المتعددة التي واجهتها دول الخليج في انشاء “قوة درع الخليج،” عام 1984، وقوامها نحو 10،000 جندي موزعين على كتيبتين، مقرها في السعودية رابطت على حدودها المشتركة مع كل من الكويت والعراق. تضخمت القوة لتصبح زهاء 40،000 جندي في الوقت الراهن. التجربة التاريخية تشير الى تعثر القوة وتواضعها في انجاز الاهداف المنوطة بها
غزت السعودية البحرين في شهر آذار 2013، تحت واجهة قوات درع الجزيرة، شاركتها قوات من دولة الامارات. استثمرت دول الخليج النفطية اموالا ضخمة لشراء قطع بحرية حديثة تعينها على “مواجهة التدخل الايراني” المزعوم، مسلحة بافضل ما يمكنها الحصول عليه من اسلحة ومعدات، تشمل زوارق هجومية سريعة مزودة باجهزة استشعار ليلية وصواريخ خفيفة ومدافع ذاتية الحركة. المعلومات العسكرية المتوفرة تشير الى تفوق تلك الزوارق ومعداتها على ما تمتلكه ايران من معدات مماثلة، وتتيح لها البقاء في المياه لمدة طويلة
رغم التسلح بافضل المعدات، عجزت القيادة الموحدة لقوات الخليجية عن بلورة خطة محددة المعالم للرد على اي تهديد بحري محتمل على خطوط التجارة البحرية. واستندت الى نمط دفاعي يعتمد على السير المكثف بقافلة بحرية، والذي يعد سلبيا ليس بوسعه الانتصار في اي مواجهة، واقصى ما يستطيع انجازه هو ابطاء معدل الضرر الذي قد يصيب اساطيل التجارة البحرية
تكثيف القوى البشرية والزوارق الحربية والطائرات المقاتلة متعددة المهام لن يؤتي ثماره في ظل غياب خطة عسكرية واضحة المعالم لمواجهة الاخطار، وهي التي سقطت في غفلة سباق مؤتمر القمة المذكور وتخلفه عن التعبير لوحدة الارادة السياسية، وستظل مصدر قلق للقوة العسكرية المعلن عن انشائها
الحرب على اليمن
دقت دورية “فورين بوليسي جورنال” ناقوس الخطر محذرة مصر من مغبة الانزلاق الى “مستنقع فيتنام جديدة،” سبق لها اختبار قوتها حينما هبت مصر الناصرية لنصرة الجيش اليمني ضد السعودية، 1962 – 1967. كما اوضح عدد من الخبراء العسكريين الاميركيين ان الانخراط في الحرب على اليمن يوازي “مآزق بريطانيا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في افغانستان،” وتساوي نتائجها بهزيمتهم جميعا. يشار الى توارد بعض الانباء عن وجود فعلي لقوات مصرية في السعودية ترابط على حدودها المشتركة مع العراق، شمالا، واليمن جنوبا
كما ان صراعات معسكري الحرب الباردة، لاحقا، اسهمت في بروز دولة اليمن الجنوبي والتي انخرطت في حرب طويلة مع جارتها الشمالية، توجت عام 1994 بحرب اسفرت عن توحيد شطري البلاد. جولة الحرب والصراع المسلح الراهنة برزت الى النور عام 2004، ايضا ضد السعودية واركانها المحليين في شمالي اليمن بشكل خاص
اججت الولايات المتحدة حدة الصراعات والحروب في اليمن، عقب هجمات 11 ايلول 2001، واتخذت من الاراضي اليمنية مسرحا ممتدا لطلعات طائرتها المسيرة تلقائيا، الدرونز، وقيامها باغتيال الابرياء المرة تلو الاخرى. وصعدت الولايات المتحدة نطاق انخراطها عسكريا في اليمن منذ افول عام 2004، باشتراك قواتها المسلحة وطواقم وكالة الاستخبارات المركزية في شن غارات مكثفة ضد المدنيين والابرياء. وعلى اثر انكشاف حجم الضرر الذي تتسبب به الغارات الاميركية تنامى حجم المعارضة في الداخل الاميركي، وخاصة بعد مقتل مواطنين اميركيين احدهما من اصول يمنية في ايلول 2011، انور العولقي، وسمير خان. وفي الشهر التالي تسبب غارة اميركية مماثلة بمقتل نجل العولقي، عبد الرحمن، والذي يحمل الجنسية الاميركية
في صدد الحرب الجارية على اليمن، يجمع المراقبون، سياسيون وعسكريون، على ان الغارات الجوية السعودية “استنفذت اغراضها،” ولم تعد بفائدة تذكر. ويحذر هؤلاء السعودية من التغاضي عن الاستفادة من التجارب التاريخية التي اثبتت عقم الغارات الجوية بمفردها لاحراز انتصار، كما دلت عليه تجارب الولايات المتحدة و”اسرائيل،” الأمر الذي اقتضى انخراط قوات برية لتحقيق اهداف متواضعة. ويضيف هؤلاء ان السعودية بقدراتها الذاتية لا تقوى على شن حرب بمفردها وخاصة لعدم توفر “خطة عسكرية متماسكة” لها ولحلفائها
ماذا عن الدور الاميركي
الموقف الرسمي الاميركي “بارك” الغارات الجوية السعودية، معربا عن انخراطه في توفير الدعم الاستخباراتي واللوجستي باستثناء ارسال قوات اميركية. وسائل الاعلام العربية، ومعظمها موالي للسعودية ودول الخليج، افادت مرارا باشتراك طائرات الدرونز الاميركية في الغارات الجوية على اليمن، فضلا عن توفيرها احداثيات دقيقة لطائرات تحالف السعودية لاهداف يتم قصفها تؤدي الى مزيد من الضحايا المدنيين
صناع القرار السياسي الاميركي وضعوا نصب اعينهم هدف ضرورة التوصل الى اتفاق نووي مع ايران ووضع حد لسياسة اقصائها طمعا في ابطاء برنامجها النووي على الاقل؛ وفي الوقت نفسه ابقاء انخراطها العملي في الصراعات الجارية “وادارتها من خلف الستار”
اميركا، والسعودية ايضا، قلقة من امكانية خسارة اعوانها اليمنيين ميدانيا واقصائهم عن التحكم بالممر الاستراتيجي في باب المندب والتسهيلات البحرية المبرمة معها في ميناء عدن. في هذا الصدد، اعرب معهد ستراتفور الاستخباري عن الاضطراب الشديد والخشية من “تحكم القوى المعارضة في مدينة عدن ومينائها،” معربا عن شكوكه في “قدرة السعودية شن حملة ناجحة لاستعادة السيطرة قبل فوات الاوان.” ومنذ الثاني من نيسان الجاري تواردت الانباء عن سيطرة الحوثيين والجيش اليمني سوية على معظم انحاء عدن ومينائها
ما يتبقى من خيارات محدودة لا تبشر بالخير لاميركا التي قد تجد نفسها مضطرة للدخول ميدانيا بقواتها الخاصة بحجة “تدريب” قواتها الحليفة على فنون الحرب غير التقليدية؛ وهي المهمة التي اضطلعت بها قواتها المعروفة بوحدات “القبعات الخضر” قبل نضوج مرحلة الحرب المفتوحة على الارهاب. الأمر الذي يعد بنشوب حرب اخرى في ساحة جديدة ضد اليمن وشعبه
تاريخ الصراعات في اليمن يدل على ان البلاد عصية على التدخلات العسكرية. الغزو السعودي حقق بعض الضرر وتدمير البنى التحتية، بيد ان الامتحان الحقيقي يكمن في مدى قدرة قيادة الغزو الخلفية، اميركا، استيعاب الدروس وتأييد حل سياسي يبعد شبح الحرب الطويلة والمفتوحة عن اليمن وعموم المنطقة، ويحيل انتصار المغامرة السعودية الى مجرد اضغاث احلام

اوباما و”التفاهم التاريخي” مع ايران
ردود الفعل الاميركية الداخلية

وصف اوباما ما جرى في لوزان بالوصول الى تفاهم تاريخي مع ايران، من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها
واستبق اوباما المعترضين والمشككين بتقديمه مطالعة شاملة تدافع عن التفاهم التمهيدي، مؤكدا ان المفاوضات والمسار الديبلوماسي هو الاكثر ضمانا لسلمية البرنامج النووي الايراني
فنّد اوباما مخاطر المقاربات الاخرى مثل العقوبات التي لم تعرقل تقدم ايران في برنامجها، مذكرا حتى الخيار العسكري لن يكون مفعوله سوى عامل تأجيل او تأخير فقط، لا بل قد يكون الحافز لاتباع مسار نووي تسليحي له ما يبرره
ذكّر اوباما بمبادرات ديبلوماسية جريئة قام بها رؤساء سابقين مثل كنيدي ونيكسون وريغان ضمنت السلام الدولي في مرحلة الحرب الباردة. كما رحب ببدء جدل ونقاش حيوي في اميركا والعالم، في الاسابيع والشهور القادمة، حول عناصر الاتفاق الاساسية، مبديا ثقته بأن الاتفاق سيجسد حقيقة انه اتفاق جيد لأمن اميركا وحلفائها والعالم
كشف اوباما، في معرض طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية، انه تحدث مع العاهل السعودي وسيدعو قادة دول مجلس التعاون الى لقاء قمة في منتجع “كامب ديفيد” هذا الربيع، لمناقشة كيفية تعزيز التعاون الأمني والسعي لحل الازمات المتعددة التي تسبب المتاعب وعدم الاستقرار في المنطقة
اصرار اوباما على انجاز الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني يبدو كمن يحاول تحقيق ما يعتبره انجازا مفصليا او ارثاً فعلياً له كي يستحق جائزة نوبل للسلام التي نالها بناء على نواياه في مستهل عهده

ردود فعل اميركية داخلية
التزم قادة الحزب الديموقراطي “الصمت الحذر،” وعدم ابداء تعليقات حول الاتفاق النووي، بينما اوضح رئيس مجلس النواب، جون بينر، في بيان شديد اللهجة معارضته القوية للاتفاق التمهيدي قائلا “معايير الاتفاق النهائي،” كما نشرها البيت الابيض بالامس، “تشكل فارقا مقلقا بالمقارنة مع الأهداف الأساسية التي حددها البيت الأبيض؛” معربا عن خشيته من إمكانية رفع العقوبات عن طهران في المدى القصير
رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، كان حذرا من توجيه انتقاد صارخ للادارة، معربا عن عن أمله اتاحة الادارة فرصة للكونغرس لمراجعة تفاصيل اي اتفاق نهائي مع ايران “إذا تم التوصل إلى اتفاق نهائي … يجب أن تتاح الفرصة للشعب الأمريكي من خلال ممثليه المنتخبين لإبداء الرأي للتأكد من قدرة الاتفاق حقا على القضاء على خطر البرنامج النووي الإيراني ومحاسبة النظام”
انتقدت يومية “واشنطن بوست،” في افتتاحيتها الاتفاق المعلن نظرا لسماحه ببقاء “البنية التحتية النووية لايران على حالها، رغم تعليق بعض اجزائها لمدة 10 سنوات .. وعليه ستغدو ايران في طريقها الى دولة نووية فور انهيار الاتفاق.” واوضحت ان المعايير التي ارساها الرئيس اوباما، عام 2012، بان “الاتفاق الممكن قبوله مع ايران .. سينص على انهاء برنامجها النووي والالتزام بقرارات الامم المتحدة” التي تدعو ايران لوقف تخصيب اليورانيوم. ووصفت المعلومات الصادرة عن البيت الابيض “بالغموض،” فيما يتعلق بتعليق العقوبات المفروضة على ايران “دون توضيحه ماهية الخطوات او الاسس التي ستقوم عليها عملية التحقق” من امتثال ايران لشروط الاتفاق
محرر صفحة الرأي في صحيفة “واشنطن بوست،” والمقرب من الاجهزة الاستخبارية الاميركية، ديفيد اغناطيوس، رحب بالاتفاق على الرغم من انه “ليس اتفاقا نهائيا.” ووجه كلامه لفريق المتشككين وخصوم الاتفاق بأن الادارة الاميركية رسمت “قائمة دقيقة للبنود التي يتعين على ايران الالتزام بها،” والتي جاءت بعنوان “معالم خطة عمل مشتركة.” ولفت اغناطيوس الانتباه الى “التباين الواضح” بين الوثيقة الاميركية المنشورة وبين “البيان المقتضب الذي ادلت به وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي، فيديركا موغيريني، ونظيرها الايراني محمد جواد ظريف”
واضاف اغناطيوس ان البيان المشترك المشار اليه نص على عزم “البدء بصياغة النص وملحقاته استنادا الى الحلول التي تم التوصل اليها” في لوزان “مما يعني ان هذا الاتفاق لن يخدم مصلحة ايران على الاطلاق
في جانب الترحيب بالاتفاقـ اوضحت الصحيفة ان الاتفاق لا يمكن وصفه بالمثالي، ويمثل “افضل بديل واقعي .. بل البنود المبدئية الواردة تتجاوز في الواقع توقعات الكثيرين، وهو ما يجعله انجازا مبشرا للغاية لولا مسألة انه لم يتم التوقيع عليه”
من اهم ما جاء في تقرير “واشنطن بوست،” اقرارها بتطلعات الولايات المتحدة للتوصل الى صيغة اتفاق “اكثر صرامة .. والحد بشكل محسوب من العقوبات مقابل الحصول على تنازلات كبيرة من ايران.” لكن “يبدو ان الولايات المتحدة تراجعت عن موقفها بشأن هذه المسألة الرئيسة”
صحيفة “نيويورك تايمز” اوضحت ان الرئيس اوباما “سيواجه صعوبة في اقناع الكونغرس،” نظرا لقلق ساسة الحزبين العميق مما اعتبروه “مجازفة سياسية” للرئيس اوباما “الذي باءت طموحاته لإعادة تشكيل العالم بفشل متكرر .. والتهديد باحباط الاتفاق الذي دفع به لدرجة انه تخلى عن (اعتبارات) الأمن الاميركي والاسرائيلي”
واستدركت بالقول ان تواضع انجازات السياسات الاميركية المتعددة “حيرت الرؤساء الاميركيين على مدى عقود .. وساهمت اخفاقات سياسة الرئيس اوباما في اعلاء صدارة الملف الايراني الذي اضحى بالنسبة له السبيل لاعادة تشكيل المنطقة
واضافت ان الاتفاق يعزز من “احتمال حدوث مصالحة بين واشنطن وطهران بعد عداء دام لنحو 36 عاماً .. والذي من شأن الاتفاق وما سيعقبه من ترتيبات احداث تغيير في سياسات الشرق الاوسط وتزويد (الرئيس اوباما) بإرث اقوى من اي رئيس آخر في العصر الحديث”
واعتبرت عزم الرئيس اوباما التوصل لاتفاق بأنه “رهان بكل ما يملك على الاتفاق النووي وليس لديه شيء يخسره .. واثبات انه جدير بجائزة نوبل للسلام” التي اعترف بنيله لها قبل الاوان”
صحيفة “يو اس ايه توداي” رحبت باتفاق الطرفين “وتمكنهما منن التوصل لاتفاق شامل (نهائي) بحلول الثلاثين من حزيران / يونيو المقبل .. وبما يضمنه من نقل مخزون ايران من اليورانيوم المخصب للخارج، وتخفيض اجهزة الطرد المركزي” لديها. واوضحت ان “اتفاق الاطار .. يقابله رفع العقوبات الدولية المفروضة على ايران”
من جهة اخرى، انتقد كافة المرشحين المحتملين للرئاسة عن الحزب الجمهوري الاتفاق التمهيدي مما يعزز من واقع ان حسابات السجال الانتخابي بين الحزبين سيضيف الى الصعوبات التي سيواجهها اوباما والحزب الديمقراطي في حملتهم لتسويقه داخليا