المقدمة
انحسر حجم اصدارات مراكز الفكر والابحاث نظرا لانشغال الساحة الاميركية بجولة الانتخابات التمهيدية، من ناحية، وانتظار نتائج زيارة الرئيس اوباما لدول الخليج واوروبا.
فوز المرشح دونالد ترامب بانتخابات ولاية انديانا اعاد خلط الاوراق داخل الحزب الجمهوري، رافقه انسحاب ما تبقى من منافسين له، تيد كروز وجون كيسك.
سيتناول قسم التحليل “ظاهرة صعود ترامب،” وتشبثه بموقفه امام معارضة بينة من قيادات الحزب الجمهوري، وما قد تنبيء به المرحلة القادمة من تململ القاعدة الانتخابية وربما احجام قطاعات عدة من الحزب الجمهوري المشاركة في الانتخابات الرئاسية العامة، كرسالة احتجاج ضد ترامب وما يمثله.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
“حروب العرب”
اصدر معهد كارنيغي كتابا يعالج فيه “الحروب العربية،” قافزا فيه عن السردية التقليدية بما كان يسمى “الربيع العربي.” ينطلق المؤلف، مارك لينش، من فرضية ان انهيار الدول الوطنية في “اليمن وليبيا .. وتشظي سوريا، والانقلاب العسكري في مصر” تشكل مؤشرا على فترة الاضطرابات المقبلة التي ما لبثت ان بدأت تداعياتها، مفندا ما يتردد في الاوساط الغربية عن تعويلها على “تضافر النظم العربية والسياسات الغربية وعودة العلاقات الى سابق عهدها .. والتي ستبوء بالفشل.” ويعالج المؤلف بنوع من التفصيل “كلفة الخيارات السيئة التي اقدم عليها اللاعبون الاقليميون، ويندد (نظريا) بنزعة التدخل الدولية التي أججت موجات العنف.”
http://carnegieendowment.org/2016/04/26/new-arab-wars-uprisings-and-anarchy-in-middle-east/ixoy
مرشحو الرئاسة
استعرض معهد ابحاث السياسة الخارجية مواقف وتصريحات مرشحي الرئاسة الاميركية حيال السياسة الخارجية الاميركية ومسألة “دمقرطة الشرق الاوسط،” التي اختزلها الطامعون في المنصب الرئاسي بالعمل على “الحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الاسلامية، التعامل مع مخلفات التدخل (الغربي) في ليبيا، والتنافس فيما بينهم حول ما الذي ينبغي فعله بنظام الرئيس الاسد في سوريا.” واوضح ان كافة المرشحين، قبل جولة الانتخابات التمهيدية الاخيرة، طالبوا “بانشاء مناطق آمنة وفرض حظر للطيران في سوريا .. باستثناء المرشح ساندرز.” اما التدخل في ليبيا فقد اجمع المرشحون “باستثناء هيلاري كلينتون على انها مثال على فشل السياسات الاميركية لنشر الديموقراطية .. بيد ان الجميع تحاشى الخوض في كيفية استثمار القوة الاميركية الناعمة كوسيلة لنشر الدمقرطة والدفاع عن حقوق الانسان.” وحث المرشحيْن الاوفر حظا في الحزبين، ترامب وكلينتون، على “بلورة سياسة مقبلة اما تعزز او تقلع عن نشر الديموقراطية التي ارخت ظلالها على ارث الرئيسين جورج بوش الابن وباراك اوباما.”
The Presidential Candidates on Democracy Promotion in the Middle East
ترسيخ “الدولة الاسلامية”
اثار تنامي “الدولة الاسلامية” في باكستان موجة قلق بين النخب السياسية والفكرية الاميركية، واشار معهد هدسون الى تلك الظاهرة بالاقرار ان التنظيم يتمتع ببيئة داعمة له “باستطاعته استغلالها” في عموم باكستان “لا سيما في مناطق القبائل التي تشهد مسرح تمدد للتنظيم.” واضاف ان المناطق المدينية ليست بمعزل عن تأثير التنظيم بل ربما “تشكل تهديدا حقيقيا لاستدراج عناصر جديدة لفكره، خاصة بين الشرائح المثقفة، ليس في المناطق المدينية فحسب، بل في عموم المعمورة.” واوضح ان عداء التنظيم للطائفة الشيعية، في باكستان “قد يشكل عامل اغراء قوي للجهادية في باكستان .. وتمدد التنظيم وخاصة في اقليم البنجاب.” واستدرك بالقول ان الصعوبات المرئية امام التنظيم لبسط نفوذه في المناطق المدينية “لن تعيقه عن حشد عدد مقبول من المنتسبين تمكنه من خلق اضطرابات في باكستان لسنوات عديدة في المستقبل.”
http://www.hudson.org/research/12453-prospects-of-the-islamic-state-in-pakistan
حث معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى صناع القرار على ابقاء تصويب هدف “تدمير دولة وتنظيم داعش،” والاطاحة جانبا بالاسباب والمسببات التي ادت لصعوده، مؤكدا ان “هزيمته لا تتوقف على حل الازمتين السورية والعراقية.” وزعم المعهد انه “لو تحقق تدمير تنظيم داعش كدولة، سيستمر (الغرب) في مواجهة الحرب الاهلية السورية والشقاق العراقي.” اما كلفة التدمير، وفق المعهد، فهي “عالية جدا، بيد انها لا ينبغي ان تكون عائقا” امام تحقيق الهدف المنشود، تستدعي “تبني قواعد اشتباك اكثر ليبرالية للغارات الجوية .. وقبول مخاطر اعلى من الضحايا المدنيين، ونشر قوات برية اميركية – لوائين يضم كل منهما 5 آلاف جندي.” وشدد المعهد على ان الفوضى الناجمة عن هزيمة “الدولة الاسلامية هي افضل من (خيار) الاحتواء.” واضاف حاثا على التدخل العسكري الاميركي انه “بعد فشل اولاما عام 2013 في فرض الخط الاحمر .. تحتاج الولايات المتحدة الى (اجراءات) لبناء مصداقيتها والرد على التهديدات باستخدام القوة لمواجهة دول مثل ايران وروسيا والصين وكوريا الشمالية.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/leave-root-causes-aside-destroy-the-isis-state
سوريا
استعاد معهد كاتو الازمة السورية بالنظر الى “الاعباء الاقتصادية الناجمة عن نزوح اللاجئين السوريين الى لبنان والاردن وتركيا واوروبا،” مشيرا الى ان الاقتصاد اللبناني شهد نموا بنسبة 2.5% عام 2015 “وهي اعلى نسبة نمو شهدها منذ بداية العقد الحالي، وذلك على الرغم من الخسائر التي لحقت بقطاعي الاستثمار والسياحة نتيجة الحرب السورية.” واضاف ان بيانات البنك الدولي اشارت الى ان “زيادة بنسبة 1% من تدفق اللاجئين السوريين يعادل ارتفاعا في حجم الصادرات اللبنانية بنسبة 1.5% .. نظرا لهبوط معدل الاجور لوفرة اليد العاملة.” واضاف ان السلطات اللبنانية اقدمت على اغلاق “مصالح سورية تجارية في منطقة البقاع، بعد احتجاج ارباب العمل اللبنانيين على تدفق اللاجئين السوريين.”
http://www.cato.org/blog/economics-syrian-refugee-crisis
ايران
لفت مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الانظار الى تبلور علاقات ايران بجوارها في منطقة اوروبا الاسيوية، لا سيما “في منطقة جنوبي القوقاز وآسيا الوسطى.” واعرب عن اعتقاده بأن ايران “تنظر الى ثرواتها الطبيعية في مجالات الطاقة، النفط والغاز الطبيعي والمخزون الهائل، كعوامل اساسية لبسط هيمنتها على المنطقة.”
http://csis.org/publication/iran-reconnecting-eurasia
استعرض معهد المشروع الاميركي نتائج جولة الانتخابات البرلمانية الثانية في ايران، 29 نيسان الماضي، معربا عن اعتقاده ان نتائجها “تدل على حصول مؤيدي الرئيس روحاني من المعتدلين والاصلاحيين النسبة الاعلى في تركيبة المجلس، على الرغم ما عدم تمكنهم من تحقيق نسبة الاغلبية.” واضاف ان النتيجة “تعد نصرا للرئيس وحلفائه، كالرئيس الاسبق علي اكبر هاشمي رفسنجاني، خاصة في ظل العدد الضئيل من الاصلاحيين الذين انطبقت عليهم شروط التنافس.” وخلص بالقول ان الرئيس روحاني “ستبقى ايديه مكبلة في سعيه لاعادة ترتيب الاوضاع المالية للجمهورية الاسلامية.”
التحليل
ظاهرة ترامب:
نتاج النقمة الشعبية على المؤسسة الحاكمة
ترامب: فاشي عابر ام أصيل
ازدادت معدلات القلق المحلي والدولي من ثبات المرشح دونالد ترامب، وتصدره المشهد الانتخابي في الحزب الجمهوري، وما رافقه من انسحاب ما تبقى من منافسيه. فوزه يعادل هزيمة مدوية للمؤسسة الحاكمة في الحزب الجمهوري، التي ما برحت تستحدث حلولا قصيرة الأجل لاقصاء ترامب، او محاصرته، على اقل تعديل.
ترامب، في واقع الأمر، لا يشكل لغزا عصيا على الفهم بصرف النظر عن الموقف من ارائه السياسية الارتجالية والمثيرة للجدل، وسرعة انسحابه امام العواصف.
اثبت ترامب، بكل بساطة، انه افلح في استثمار جملة تراكمات من الاحباط والنقمة الشعبية لدى قطاعات واسعة ضد اداء المؤسسة الحاكمة لا سيما فشلها في ادارة الازمات الاقتصادية المتعاقبة، وتلاشي امتيازات الطبقات الوسطى من المجتمع. علاوة على ذلك، النبض الشعبي العام لا يزال يعارض مسلسل الحروب والعدوان والتدخل الاميركي في شؤون الآخرين، بخلاف توجهات المؤسسة الحاكمة.
سياسات ترامب المعلنة، ويبدو انه لا يضمر غيرها، هي اصدق تعبير عن الذهنية السياسية في جنوبي الولايات المتحدة، المنطقة الاشد محافظة وعنصرية، التي تجاهر بعدائها للمهاجرين، من اي صنف او لون، وتجد تجلياتها في اعماق الحزب الجمهوري ونزعة العداء للاسلام التي دأبت اوساط عديدة على استثمارها منذ عقد التسعينيات، على الاقل، ومقولة صراع الحضارات.
“كراهية” المؤسسة الحاكمة لترامب، يحيلها البعض الى قلق النخب المصرفية والمالية من مضيه في تحقيق تعهداته الانتخابية التي تطيح بسياسات التوافق بين الحزبين على “عدم المساس بمصالح ومزايا شريحة 1%” من اشد اثرياء المجتمع الاميركي. فضلا عن تشنجات معسكر الحرب ضده لوعوده بتخفيض النفقات التسليحية الى النصف، وعدد آخر من قضايا “البقرة المقدسة” الحيوية للوبيات والشركات الضخمة. بيد ان هذا السياق العاجل لا ينبغي ان يؤدي لاعفاء ترامب من حاضره وماضيه كشخصية انتهازية كبرى تعتاش على عذابات القسم الاعظم من المجتمع.
علق احد اهم مفكري التيار اليميني في الحزب الجمهوري، روبرت كيغان، على ظهور وصعود ترامب، في شهر شباط الماضي، قائلا بمرارة “ترامب ليس ندبة حظ، ولم يختطف الحزب الجمهوري او تيار المحافظين، ان صحت التسمية. بل هو صنيعة الحزب، ووحش فرانكشتاين، دبت فيه الحياة عبر الحزب، وترعرع داخل الحزب والآن اضحى قوة معتبرة باستطاعته تدمير صانعيه.”
جدير بالاشارة الى ان سلم الاجور للعاملين في اميركا لم يطرأ عليه تغيير حقيقي منذ عام 1973، وفق دراسات الاخصائيين الاقتصاديين، مما احال شرائح اجتماعية بأكملها خارج سياق “الحلم الاميركي” بالرفاهية. ولعل اتساع تلك المسافة في السلم الاجتماعي والفرص الاقتصادية هو احد اهم العوامل التي ادت لانسلاخ “سكان الريف من البيض” عن المؤسسة والتحول نحو ترامب؛ مقابل توجه الشرائح المثقفة والمدينية لتأييد المرشح النقيض، بيرني ساندرز، عن الحزب الديموقراطي.
وامتدادا، لا تخشى المؤسسة الحاكمة، خاصة في الحزب الديموقراطي، من بروز ساندرز وتعمل باطمئنان ان منافسته هيلاري كلينتون “ستحمي مصالح شريحة 1%،” الأمر الذي قد يشهد تحولا في مناصري الحزب الجمهوري للاصطفاف خلف كلينتون لاحقا – كما يراهن ساسة الحزبين. بعضهم ذهب بعيدا في توصيفه للفارق بين ترامب وساندرز بالقول انه خيار بين “الفاشية والاشتراكية.”
على الشاطيء المقابل من المحيط الاطلسي، تقدم حزب الحرية اليميني في النمسا الى المرتبة الاولى في الانتخابات، وحصل مرشحه الرئاسي نوربرت هوفر على اعلى نسبة تأييد، 36.4% من جمهور الناخبين، بتبنيه سياسة متشددة ضد موجات اللاجئين الى اوروبا، تقدر اعدادهم بنحو 100،000 لاجيء سياسي في النمسا وحدها. منصب الرئاسة النمساوي تناوب عليها الحزبين الرئيسيين، الحرية والخضر، منذ نحو 65 عاما.
حركة المعارضة للمؤسسات الحاكمة تمتد الى مناطق متعددة من دول الاتحاد الاوروبي، وغير محصورة في النمسا او اليونان فحسب، بل تشهد فرنسا والمانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا اضطرابات سياسية، كما بريطانيا ايضا.
سعى الرئيس اوباما في زيارته الاخيرة لبريطانيا، وخلافا للاعراف الديبلوماسية المعتمدة، التدخل في قرار وتوجه اغلبية بسيطة من المجتمع البريطاني التي تعد للتصويت على الانسحاب من الاتحاد الاوروبي، مما اثار موجة ردود فعل قاسية “لصلافة الاخ الاكبر.” دول اخرى تترقب قرار بريطانيا لتتبعها في الخروج من قفص الاتحاد، وعلى رأسها اليونان واسبانيا والبرتغال، وتمرد مقاطعة كاتالونيا في اسبانيا التواقة للاستقلال عن مدريد.
صيف العام الجاري يعد بكونه موسم استياء وضجر من النخب السياسية في الولايات المتحدة واوروبا على السواء.
بروز ترامب
غني عن القول ان معظم وسائل الاعلام والنخب السياسية عاملت ترامب باستخفاف وازدراء كبيرين، منذ البداية، ليس اقلها لخبرته السطحية في الحياة السياسية والعمل مع القوى العالمية، وعدم تقيده بالاصول والاحكام المطلوب اتباعها من قبل اي مرشح رئاسي، وعلى رأسها التزام الحكمة والكياسة الديبلوماسية.
وسرعان ما اخترق ترامب كافة التوقعات وبرز مرشحا مميزا عن الحزب الجمهوري، يحظى بشعبية واسعة وبين قطاعات متعددة.
من اهم العوامل التي ادت لبروز “ظاهرة ترامب” ثلاث محطات داخلية بحتة:
الاولى، تنامي معدلات عدم الثقة الشعبية من الهياكل والمؤسسات الحكومية بشكل عام، اذ اشارت استطلاعات الرأي مطلع العام الجاري ازدياد نسبة الناخبين الجمهوريين الساخطين على الحكومة بمعدل 3 اضعاف عن قاعدة الناخبين الديموقراطيين، 32% مقابل 12%. وتتسع الفجوة ضد المؤسسة بين اشد مناصري الحزبين، 42% من الجمهوريين مقابل 11% من الديموقراطيين. اما مقدار السخرية والازدراء للنخب السياسية فقد بلغت معدلات غير مسبوقة: 89% بين الجمهوريين، 72% بين الديموقراطيين.
وعليه، ياستطاعتنا القول ان مشاعر عدم الثقة تطال كل شيء له علاقة بالحكومة الاميركية، الرئيس اوباما ومنافسيه في الحزب الجمهوري على السواء، مقابل نسبة متدنية لا تتعدى 19% لا تزال تعول على دور ومكانة الساسة والحكومة في المجتمع، وتمثل ادنى نسب على امتداد ستة عقود من الزمن – وفق بيانات معهد بيو.
ترامب، كما اسلفنا، ولج باب الاحباط ودفعه على مصراعيه ليجد آذانا صاغية ونفوسا تواقة للنيل من سيطرة التيارات السياسية التقليدية، واستطاع الحفاظ على نسبة دعم بين الناخبين الجمهوريين لا تقل عن الثلث.
المحطة الثانية، ترامب كان معروفا وليس طارئا على المشهد السياسي الاميركي، وتميز بعدم توجهه لجمع تبرعات مالية لحملته، في البداية، معلنا انها بتمويل ذاتي، بخلاف اقرانه الآخرين من المرشحين والسياسيين. بل اخترق التغطية الاعلامية ببراعة والتي رافقته في كافة محطاته مجانا واضحى يملي عليها احيانا ما يعتقده قضايا هامة بالنسبة لحملته.
ارتكب ترامب عدد من الهفوات والاخطاء السياسية، بيد ان الوسائل الاعلامية حاذرت الدخول في مواجهة معه بخلاف الحملات السياسية الاخرى. تباهى ترامب بانجازاته الاقتصادية كتذكرة أمان لدخول المشهد السياسي، مذكرا بكتابه الصادر عام 1987 بعنوان “فن الصفقة،” ابان عهد الرئيس الاسبق رونالد ريغان. واستغل ترامب تلك الخلفية المتواضعة، وحضوره على الشاشة التلفزيونية للترويج لمشروعه الاقتصادي، للنيل من منتقديه.
المحطة الثالثة، براعته في تقنين غضب القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري ضد تكلس المؤسسة الحزبية. بل انحاز بعض التيارات الحزبية لجانبه مبكرا مما وفر له حماية سياسية ضد قادة الحزب.
لا يجوز اغفال دور رموز المشهد الاعلامي للمحافظين في دعم ترامب، عن دراية او بخلافها، خاصة لعدائهم المتأصل للمهاجرين والاقليات وما يسمونه هجرة فرص العمل خارج البلاد سعيا وراء اليد العاملة الرخيصة. بل هم مصدر الانتقاد لقيادات الحزب الجمهوري لتقاعسهم عن مناهضة سياسات الرئيس اوباما.
ابرز تلك المنابر والشخصيات: المعلق على الراديو راش ليمباو؛ المرشحة لنائب الرئيس السابقة سارة بيلين؛ المعلق التلفزيوني شون هانيتي؛ والشخصية دائمة الحضور لدى المحافظين آن كولتر. وبلغ الأمر بالاخيرة مبلغه احتفالا بانسحاب المنافس تيد كروز، ذو اصول كوبية، من السباق بعد خسارته ولاية انديانا قائلة “استطاع اميركي هزيمة مهاجر.”
في سياق الانفاق المالي، حافظ ترامب على شح انفاقه بخلاف منافسيه وخصومه، مستندا الى الدعم الاعلامي الهائل ومعظمه مجانا، مكنه من تفوق مناوراته على حملات خصومة الانتخابية التقليدية، سالفة الذكر.
ايضا، استطاع التغلب على العقبات التي وضعتها قيادات الحزب الجمهوري في طريقه للترشيح في وقت مبكر. يشار الى ان الحزب راهن بداية على المرشح جيب بوش، الذي اضطر للانسحاب المبكر من السباق بعد اداء باهت محرج؛ ثم راهنت على السيناتور ماركو روبيو الذي لم يكن افضل حالا من سلفه وقدوته السياسي بوش. واسقط بيد قيادة الحزب بعد نتائج ولاية انديانا، الاسبوع الماضي، واقرارها على مضض بحتمية ترشيح دونالد ترامب.
تبارى عدد من قيادات الحزب السياسية والفكرية ورموز التمويل في اعلان عدم رضاهم عن ترامب ونيتهم عدم المشاركة في الانتخابات، على اقل تعديل، بل ان بعضهم اشار بوضوح الى الادلاء لصالح المرشحة هيلاري كلينتون نكاية بترامب. بيد ان الولاء الحزبي “الاعمى” يجد صدارته بعد فترة قصيرة من تلاشي الغضب والاحباط وسيدلي اولئك باصواتهم الى جانب مرشحهم اللدود دونالد ترامب.
بيانات استطلاعات الرأي قد تسهم في حسم قرار بعض المترددين لصالح ترامب، لا سيما وان النتائج الاولية تشير الى امكانية فوزه على منافسته كلينتون، بنسبة 2 %، كما اشار استطلاع راسموسين مطلع الاسبوع الجاري.
لماذا خسرت قيادة الحزب الجمهوري
استاذ السياسة الدولية في جامعة تافتس، دانيال دريزنر، اوجز المشهد السياسي ومراهنات قادة الحزب الجمهوري بالقول “استند قادة الحزب الى فرضية الثقة الزائدة بالنفس ادت بها للانتظار والمراهنة على تهور ترامب وتدمير حملته الانتخابية بنفسه، بيد ان المرشح الملياردير حافظ على فوزه المتتالي نظرا لعدم توفر تحالف جدي من الجمهوريين لكبح جماحه، حينما كانت هناك فرصة متاحة. وبالنتيجة، فقد هاجم المرشحون “المعتدلون” بعضهم بعضا حتى تشاركوا بالسقوط نحو الهاوية، ولم يبقى سوى (تيد) كروز و(جون) كاسيك في السباق واللذين فقدا كل حظوظهما للفوز بترشيح الحزب.” واضاف دريزنر ان مراهنة قادة الحزب على نجاح مناورات سياسية داخل المؤتمر تؤدي لاقصاء ترامب والدفع بمرشح بديل دفنتها رياح انتخابات انديانا.
مصير تيد كروز السياسي، بعد هزيمته وانسحابه، مبهم الى حد بعيد، لكنه لا يخفي نيته الوثوب الى المنصب الشاغر في المحكمة العليا خاصة ان حالف الحظ دونالد ترامب بالمنصب الرئاسي ولديه صلاحية ترشيح من يراه مناسبا. لكروز سجل حافل بالعمل القضائي فقد شغل منصب مساعد لاحد قضاة المحكمة العليا سابقا، ورافع امامها، وهو المرشح الامثل لاشد التيارات المحافظة في الحزب الجمهوري خلفا للقاضي انتونين سكاليا.
المرشح لنائب الرئيس
قد يلجأ ترامب للبحث عن شخصية متمرسة سياسيا تعوضه نقص خبرته في هذا المضمار.
من بين الشخصيات والكفاءات المحتملة: رئيس مجلس النواب الاسبق نيوت غينغريتش، ومنافسه السابق حاكم ولاية نيو جيرسي كريس كريستي، بيد ان الاخير لا يحظى بدعم التيار المحافظ الاقوى داخل الحزب. اما غينغريتش فيشفع له سجله السابق ودهاءه السياسي وشعبيته الطاغية في صفوف الحزب الجمهوري والذي وصفه ترامب بانه “سيعينه على اصدار تشريعات جديدة، ولديه الكفاءة لتبوء منصب الرئيس.”
ايضا، من بين المرشحين للمنصب حاكم ولاية فلوريدا ريك سكوت الذي كان من اوائل مؤيدي ترامب وساعده في الفوز باصوات الولاية مطلع شهر آذار الماضي. سكوت يشاطر ترامب ثراءه وحظوظه العملية والذي تنطح لقيادة الحزب الجمهوري في الولاية وكسب منصب حاكمها بالرغم عنها؛ فضلا عن ان ولاية فلوريدا هي احدى الولايات المتأرجحة التي يعد الفوز فيها حيويا لمنصب الرئيس.
بعض المراقبين ينظر بعين العطف الى منافس ترامب السابق ماركو روبيو، الذي انسحب من السباق مبكرا ولم يعد له حظوظ قوية في منصب الممثل عن ولاية فلوريدا. ونظرا لاصوله الكوبية فقد يؤدي خدمة جليلة لترامب ليشكل جسرا لحشد الجالية الناطقة بالاسبانية والتي استعداها ترامب مبكرا.
وقد يلجأ ترامب الى القفز عن كل ذلك والتمسك برئيس حملته الانتخابية السيناتور السبعيني المتشدد جيف سشينز، عن ولاية الاباما، لمنصب نائب الرئيس وفاء له.
بعض الاعلاميين المخضرمين عن الحزب الجمهوري، بيل او رايلي، ناشد ترامب اختيار حاكم ولاية نيو مكسيكو، السيدة سوزانا مارتينيز، لمنصب نائب الرئيس لضمان فوزه في الانتخابات العامة.
مارتينيز هي اول امرأة من اصول لاتينية تشغل منصب حاكم ولاية، وأيدت المرشح ماركو روبيو مبكرا، وانضمت للجوقة المناهضة لترامب في تلك الآونة. بيد ان الخيارات السياسية لا تعرف حدودا مصطنعة.
من المرجح الا يقدم ترامب على اختيار مرشحه لمنصب الرئيس قبل انعقاد مؤتمر الحزب الجمهوري في شهر تموز / يوليو المقبل، وسيستغل الفترة الزمنية لايلاء الأمر دراسة معمقة، كما يعتقد، ويميز نفسه عن خيار جون ماكين المتسرع في اختيار سارة بيلين عام 2008.