التقرير الأسبوعي 06-12-2015

المقدمة
ابرز قضايا الاهتمام الاعلامي والفكري كانت نتائج الانتخابات التركية، عضو حلف الناتو الوفي، وقرار الرئيس اوباما ارسال بضع مئات من الجنود الاميركيين للعراق لتدعيم القوات الموجودة هناك، فضلا عن الجدل الداخلي في اروقة الكونغرس وصراعه من الرئيس اوباما حول مصادقته على اتفاقية التجارة العالمية – التي تلقت هزيمة مدوية اثناء اعداد هذا التقرير.
سيتناول قسم التحليل مسألتي القوات الاميركية الاضافية للعراق، واستقراء نتائج الانتخابات التركية وتداعياتها على مجمل السياسة التركية، التي لن تستمر كما هي عليه في دعم وتسليح القوى التكفيرية في سورية والعراق – على الاقل في المدى المنظور. المخرج المنطقي، كما يقال، ان يتم التوافق على صيغة تحالف لاقتسام السلطة، بيد ان الأمر لا يزال بعيد المنال نظرا لتموضع وتمترس الاحزاب المختلفة وراء مواقفها، لا سيما حزب العدالة والتنمية الحاكم.
“فورة” القوات الاميركية للعراق تعيد الى اذهان الاميركيين سياسات الرئيس السابق جورج بوش الابن، وهزائم حرب فيتنام عقب تعزيز “اعداد المستشارين العسكريين” الى جانب حكومة سايغون.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

اميركا: قرار المحكمة العليا بشأن القدس
اصدرت المحكمة العليا قرارها حديثا، غير القابل للطعن، يقضي اختصارا باعتبار القدس ارضا محتلة ولا تخضع لسيادة اي دولة. الادارة الاميركية اعربت عن رضاها للقرار ليس في بعده الجغرافي، كما هو في الظاهر، بل لتثبيت مبدأ حصر بلورة وتنفيذ السياسة الخارجية بالسلطة التنفيذية. واعتبر معهد المشروع الاميركي ان القرار يأتي في مصلحة ادارة الرئيس اوباما، لما له من ابعاد في “ترسيم السياسة مع ايران،” دون تدخل سلطات او اطراف اخرى. واضاف ان القرار من شأنه اعطاء الدعم للادارة لناحية العقوبات الاقتصادية على ايران بأنها “تتناقض مع سياسة الرئيس الخارجية.”

اميركا: تحديث معسكر الاعداء
قدم احد اهم الباحثين والخبراء الاستراتيجيين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، انثوني كوردسمان، شهاد امام اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب، موضحا ان معادلة الحرب الباردة كانت شديدة الوضوح لناحية اعتبار “روسيا مصدر تهديد اوحد” للسياسة الاميركية. واضاف ان التغيرات الدولية تشير الى “امكانية اقتناء ايران اسلحة نووية وربما القدرة على تشغيل الصواريخ العابرة للقارات يشكل احد عناصر التهديد للمستقبل والذي يضم ايضا كوريا الشمالية .. فضلا عن روسيا مسلحة باحدث انواع الاسلحة وتنامي القدرات الاستراتيجية الهائلة للصين” وما تنطوي عليه ترسانتهما معا من اسلحة نووية تكتيكية ونوعية. واوضح كوردسمان لاعضاء الكونغرس انه “مع الحذر من تغليب مشاعر الذعر من اسوأ الاحتمالات المستقبلية، هل ينبغي علينا البدء في التفكير بالخروج من قفص ثنائية روسيا بمواجهة اميركا، ام تغيير القفص بغية اجراء عملية تقييم ادق للمخاطر الكونية وقوة الردع المطلوبة ونظام الدفاع الصاروخي والحد من الاسلحة النووية؟”

“ما بعد “الربيع العربي
اشار معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى الى تراجع الآمال باجراء اصلاحات سياسية “بعد انقضاء اربع سنوات على الربيع العربي لا تزال منطقة الشرق الاوسط ملتهبة، ولم تسقط الدول العربية بايدي الاسلاميين كاحجار الدومينو،” وفق توقعاتها السابقة؛ بل انضمت مجموعات جديدة من “المجتمع المدني، من افراد ومنظمات غير حكومية واحزاب سياسية، تنافس مبدأ سيطرة الحكومة الدينية.” واستطرد بالقول ان تنظيم “الدولة الاسلامية ومتطرفين اسلاميين آخرين لا يزالوا بأوج قوتهم في بعض الاماكن، واستمرار تسلط المستبدين التقليديين المستندين الى شرعية دينية في مناطق اخرى.”

تهديدات الدولة الاسلامية
استعرض معهد الدراسات الحربية جملة تهديدات قد تنجم عن شن تنظيم الدولة الاسلامية هجمات جديدة في شهر رمضان، سيما وانه “داب على شن هجماته الكبرى في الاعوام الثلاثة الماضية خلال شهر رمضان الفضيل .. كما في حال سلفه تنظيم القاعدة في العراق الذي ضاعف من ارتكاب موجات العنف خلال الشهر عينه.” واوضح انه بالامكان القول ان “تنظيم الدولة الاسلامية يستعد لتصعيد نوعي في عملياته بغية تحقيق اهداف يعتبرها هامة، بل قد “يحيي ذكرى اعلان دولة الخلافة في الاول من رمضان عام 2014، بما يتيح له التفوق على اجواء الاعلان آنذاك .. عبر تحقيق انتصارات عسكرية جديدة، واستهداف مراكز دينية.” وشدد المعهد على ان تنظيم الدولة الاسلامية سيعمد الى “تدشين بدء شهر رمضان وانتهائه بهجمات عسكرية كبيرة في العراق وسورية.”
اعلان الرئيس اوباما الاخير عن الدفع ببضع مئات من الجنود الاميركيين الى العراق اثار انتقادات الاوساط المعارضة، لا سيما معسكر انصار الحرب واللوبي “الاسرائيلي.” ووصف معهد واشنطن تلك التطورات بأنها “اجراءات خجولة .. وستسكشف الادارة قريبا ان مهمتها المعلنة في العراق لقتل المسلحين الاسلاميين ستواجه الحقيقة قريبا بأن مهمة انقاذ دولة منهارة تقتضي اعتماد حملة مفتوحة لمكافحة الارهاب.” وجدد توصيفه “للسياسة الاميركية في العراق بانها تشارف على الشلل،” مناشدا الادارة الاميركية “الالتزام بارسال ما بين 3،000 الى 5،000 عنصر من القوات الخاصة الاميركية” لمهام استشارية ودعم القوات العراقية، كما ينبغي عليها استغلال تلك الخاصية للضغط على الحكومة المركزية في بغداد لتخصيصها مزيد من الموارد لاستقطاب “السنة والاكراد.”

لبنان
اعتبر معهد كارنيغي حزب الله “اقوى حزب سياسي في لبنان” اليوم، بيد انه “يواجه تحديات متزايدة في سورية .. ماديا وسياسيا” معتبرا قراره بالمشاركة في قتال الجماعات التكفيرية هناك كلفه “خسارة الدعم الشعبي في العالم العربي، وانحسار حضوره السياسي من كونه بطلا قوميا عربيا الى مجرد لاعب محلي في لبنان.” واضاف ان الحزب “لا يستطيع الانسحاب من سورية الى ان يتم التوصل الى حل يكون مقبولا بالنسبة الى ايران .. تسوية سياسية تباركها الاطراف الخارجية المؤثرة – السعودية واميركا وروسيا.” واردف ان تداعيات التسوية المقبلة ستفرض نفسها على الحزب “وتقيد حريية حركته .. ومستقبله سينطوي على آفاق اكثر تواضعا.”

تركيا
اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ان الهزيمة الانتخابية التي تلقاها حزب العدالة والتنمية كان بالامكان تفاديها “لو ان اردوغان اختار عدم الترشح لمنصب الرئاسة العام الماضي .. واضحى عليه لزاما التعامل مع مناخ سياسي مناهض جديد ليس مواليا لرغبته في توسيع صلاحياته الدستورية فحسب بل ايضا للحد من قدرته الاستمرار في ممارسة صلاحيات تنفيذية هائلة بحكم الأمر الواقع.” واوضح المركز انه بصرف النظر عن الترتيبات المقبلة التي يعد لها حزب العدالة والتنمية “فإن الثابت هو افول عصر تفوقه بلا منازع بقيادة اردوغان.”
اعتبر معهد كارنيغي ان حزب العدالة والتنمية بات عليه التفكير بالعمل ضمن بناء تحالفات ةمع احزاب اخرى لم يتعود عليها، ومن المرجح، بنظر المعهد، اقامة تحالف بين الحزب الحاكم وخصمه حزب الحركة القومية، بقيادة مولود باتشيلي “نظرا لتقارب الحزبين عقائديا .. بيد ان الخلاف الرئيس بينهما يتلخص في تعارض رؤيتيهما لحل الازم الكردية.” اما الخيار البديل، في نظر المعهد، فيمثل في اقامة تحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري “تحالف قد يصبح حقيقة” في الزمن المظور.
حذر معهد واشنطن حزب العدالة والتنمية من خطورة الحكم ضمن صيغة تحالف مع احزاب اخرى نظرا للسياق التاريخي في تركيا “اذ لم تكتمل فترة حكم اي تحالف او حكومة اقلية، وعادة ما تدخل البلاد في ازمات سياسية واقتصادية عقب فشل اداء تلك الحكومة والمشاحنات المرافقة بين اعضاء التحالف.” ورجح المعهد انتظام الرأي العام وراء حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة بمفرده “في حال دخول تركيا ازمة عدم استقرار سياسية واقتصادية في ظل صيغة حكم التحالف.” واستطرد بالقول انه بالمقابل فان “احزاب المعارضة تستطيع تحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية التدهور، مما سيعزز حظوظ فوزها في انتخابات استثنائية” ان عقدت.

التحليل

استراتيجية اوباما المزعومة
اقل من احتواء داعش ودن الاحتلال المباشر

خروج في سياق الدخول والسيطرة
في الظاهر، انفرجت اسارير معسكر انصار الحرب، ولو جزئيا، لقرار البيت الابيض الموافقة على ارسال مزيد من القوات الاميركية للعراق، يبلغ تعدادها الاولي 450 جندي، مصادقا على توصية القيادة العسكرية بضرورة توسيع الانخراط العسكري في ميدان المعارك في العراق. المهام المحددة، للحظة، تلخصت بتكليفها توفير الحماية الأمنية للقوى الاميركية والطواقم الديبلوماسية العاملة هناك، وتدريب بعض القطاعات الأمنية والعسكرية العراقية وخاصة منتسبي العشائر، على ان يتم اعادة النظر بما تقتضيه متطلبات الميدان وفق توصيات القادة العسكريين – الاميركيين بالطبع.

في الخلفية الأهم، تشكل الخطوة تتويجا للمخطط الاميركي الدائم لفرض وصايته على العراق، الى امد غير منظور، والذي سعت اليه واشنطن باطمئنان منذ بدء الحوار عام 2008، مع حكومة نوري المالكي آنذاك، بغية ابرام اتفاقية أمنية اطلقت عليها وصف استراتيجية في البداية، 16 تشرين الثاني / نوفمبر 2008، لترتيب انسحاب القوات الاميركية من العراق. وبعد يومين، بالتمام والكمال من توقيع الاتفاقية، صرح رئيس هيئة الاركان آنذاك، الاميرال مايكل مولين ان “الانسحاب الاميركي من العراق سيخضع للتطورات الميدانية؛” اتبعه تصريح للناطق باسم البنتاغون، جيف موريل، 18 تشرين الثاني، قائلا ان القوات الاميركية لن تنسحب من العراق ما لم تتوفر الظروف (الأمنية) المناسبة على الارض. واضاف ان “الاتفاقية المبرمة ستؤمن الاطار القانوني الذي يسمح لنا بمواصلة العمليات.”
الجدل الاكبر في تفاصيل “الاتفاقية” ارتكز على طلب الجانب الاميركي استثناء قواتها العاملة والقوى الأمنية الخاصة، بلاك ووتر وغيرها، من سريان القانون العراقي بمعاقبة الجناة والمخالفين على اراضيه. واشترطت “قيام لجنة عراقية اميركية مشتركة بصلاحية مقاضاة الاميركيين،” الأمر الذي ينتهك مبدأ سيادة العراق على اراضيه، فضلا عن تفاصيل اخرى تتعلق بتعريف طبيعة “الجرائم والانتهاكات” المقصودة.
ايضا، اعطى الجانب الاميركي لنفسه الحق في السيطرة على الاجواء العراقية حتى ارتفاع 29،000 قدم، وكذلك الحق في ملاحقة “المنظمات والميليشيات غير الخاضعة لسلطة الدولة،” ميليشيا مقتدى الصدر والتشكيلات المسلحة للمقاومة العراقية المناهضة للاحتلال.
الضغوط الاميركية الهائلة التي مارستها ادارة الرئيس بوش الابن على الجانب العراقي، لجره للتوقيع على الاتفاقية، حفلت بها معظم وسائل الاعلام والصحافة الغربية، لعل اهمها ما كُشف آنذاك في بروكسيل، مقر قيادة حلف الناتو، عن نائب وزير الخارجية الاميركية جون نيغروبونتي “مهددا رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بالاطاحة به ومواجهته مخاطر لا تحمد عقباها ان استمر في رفض التوقيع على الاتفاقية.” واتبع تهديداته بتصريحات مباشرة في زيارة لاحقة لبغداد ولقائه بالمالكي ومسؤولين آخرين بالقول ان “واشنطن لن تسمح بتأخير التوقيع على الاتفاقية، كما لن تسمح لاي طرف كان، سواء في الحكومة او خارجها تعريض أمن قواتنا في العراق ومصالحنا في المنطقة للخطر.”
جدير بالذكر ان ادارة الرئيس بوش الابن اطلقت مصطلح “اتفاقية أمنية،” على نواياها، وما لبثت ان عدلت التسمية الى “اتفاقية انسحاب القوات الاميركية،” ولم تقدمها للكونغرس لاقرارها بمثابة معاهدة بين دولتين – ربما لخلفية اعتقادها ان العراق لم يعد دولة ذات سيادة. ومهدت ايضا الارضية للرئيس المقبل، باراك اوباما، اعلان نيته بترتيب انسحاب مسؤول من العراق، على وقع مشروع عضو مجلس الشيوخ آنذاك جو بايدن لتقسيم العراق الى ثلاثة مقاطعات وفق أسس طائفية وعرقية. عندئذ تنتفي الحاجة الاميركية لابرام اتفاقية أمنية مع حكومة بغداد حصرا.
استعراض خارطة علاقة العراق بالولايات المتحدة اعلاه كان ضروري لتسليط الاضواء على النوايا الحقيقية لاميركا بالعودة للعراق وفق شروط تفضيلية يتسنى فيها ضمان وصايتها وسيطرتها على ارضه واجوائه ومياهه وخيراته الباطنية وسياساته المقبلة الى أمد بعيد.
تصريحات رئيس هيئة الاركان المشتركة، مارتن ديمبسي، الاخيرة باستنساخ تجربة قاعدة “التقدم” العسكرية في محافظة الانبار، كمقر للقوات الاميركية، وانشاء المزيد منها في مناطق عراقية اخرى يعزز النتائج سالفة الذكر.

اشتباكات اعلامية اميركية للتمويه
عشية الاعلان رسميا عن ارسال 450 جندي اميركي للانضمام للقوات المتواجدة في العراق اوضح الرئيس اوباما للكونغرس في كتاب عاجل “استحالة” تحديد مدة مكوث القوات الاميركية الاضافية هناك، يوم 11 حزيران. وجاء في المذكرة ان الولايات المتحدة تحتفظ بقوة قتالية قوامها “16،750 جندي عامل على الاقل، منتشرة في 12 دولة ومنطقة: افغانستان، كوبا، جيبوتي، مصر، العراق، الاردن، كوسوفو، نيجر، الصومال، سورية، اليمن، والمنطقة الوسطى من افريقيا.” المجموعات القتالية الاكبر منتشرة في ثلاث دول: افغانستان والعراق والاردن، وفق المذكرة المذكورة.
كما سعت ادارة الرئيس اوباما استغلال الآلة الاعلامية الضخمة للترويج لبعض الانجازات التي حققتها الغارات الجوية ضد الدولة الاسلامية، بالترافق مع قرار ارسال 450 جندي اضافي. واوضح نائب وزير الخارجية، توني بلينكن، 3 حزيران، ان تنظيم داعش “خسر ما ينوف عن 10،000 مقاتل نتيجة مباشرة للغارات الجوية الاميركية في العراق وسورية، على امتداد 9 أشهر.”
واطلقت الادارة العنان لاستراتيجيتها الجديدة، للرد على الانتقادات المختلفة، ورغم تواضع عدد القوات الا ان مجموع القوات الاميركية في العراق سيفوق 3،550 عنصر، رافقتها بالاعلان عن ايصال اسلحة “جديدة” لحكومة العراق واخرى لاقليم كردستان وميليشيات اخرى – استبقت زيارة رئيس مجلس النواب العراقي، سليم الجبوري (ممثلا لسنة العراق، حسب الوصف الرسمي).
وزارة الدفاع الاميركية بدورها “استبعدت مزاعم مشابهة” قبل بضعة اشهر عن خسائر عالية في صفوف داعش بالقول “ببساطة ليست ارقام ذات مغزى.” الناطق باسم البيت الابيض، جوش ايرنست، لم يشأ مناقضة بلينكن بتأكيده على خسارة تنظيم داعش 1،000 قتيل في معركة عين العرب وحدها.
السيناتور الاميركي المتطرف، جون ماكين، صوب سهام انتقاداته نحو الرئيس اوباما لتواضع خطواته الذي “يعتمد تكتيكات حرب فيتنام الفاشلة لمواجهة الدولة الاسلامية في الشرق الاوسط،” مطالبا الادارة بتعزيز اجراءاتها وتصعيد غاراتها الجوية، وتكثيف عديد القوات الخاصة الاميركية في الميدان “لتوجيه وارشاد الغارات الجوية ضد الدولة الاسلامية.”
واوضح ماكين بحكم خدمته في سلاح الجو واسقاط طائرته من قبل المقاومة الفيتنامية، ان ما نشهده “يذكرنا بحرب اخرى، في زمن اخر يبعد عدة سنوات، حين استند وزير الدفاع آنذاك، روبرت مكنمارا، على استراتيجية مشابهة،” اي ارسال بضعة آلاف من المستشارين العسكريين الى فيتنام.
وسخر ماكين من احصائيات الادارة لقتلى داعش قائلا “خلال مفاخرتها بمقتل 10،000 عنصر من الدولة الاسلامية، فاتها الاقرار بأن عدد المنضوين لصفوف الدولة اعلى من قتلاهم ..”
وزير الدفاع الاميركي الاسبق، دونالد رامسفيلد، ادلى بدلوه ايضا في سياق المعارك ضد داعش لصحيفة “التايمز” اللندنية، 6 حزيران، محذرا من “الحالة الرثة للدول الغربية في تعاملها مع تفشي التطرف الاسلامي” في المنطقة. وزعم رامسفيلد ان “الرئيس جورج بوش الابن اخطأ في ترويج الديموقراطية للعراق .. بل كان هدفاً غير واقعي.”
وسرعان ما تراجع رامسفيلد عن تصريحاته للتايمز التي صدرت صفحاتها الاولى بعنوان عريض “بوش كان على خطأ في العراق، يقول رامسفيلد.” واوضح لصحيفة “واشنطن بوست،” 10 حزيران، انه “مثبط من عدم دقة توصيف المانشيت .. ويتضارب في المضمون مع المقابلة” التي جرت في مكتبه الخاص بواشنطن.
ربما لا ينبغي اصدار حكم على صدقية رامسفيلد، ميزة لم يعهدها طيلة سجله المهني، بل يرجح ان تصريحاته تأتي في سياق تأييد اطراف بارزة في معسكر الحرب لقرار الرئيس اوباما في العراق، ومطالبته القيام بالمزيد.

ماذا بعد؟
تتباين وجهتي نظر الطرفين، الاميركي والعراقي، لطبيعة المهام الموكلة والاهداف المنوي تحقيقها في المدى الآني والقصير. العراق يشكو من تخلف واشنطن عن تزويده باسلحة تم التعاقد عليها ودفع ثمنها، وفي المحصلة الابطاء في التنفيذ. كما يشكو ايضا من تداخل منطقة طيران القوات الاميركية مع القوات العراقية المتواضعة وهي في طريقها لاستهداف مواقع تنظيم داعش، وعزمها على استعادة مدينة الرمادي والتحضير لاستعادة مدينة الموصل من تحت سيطرة داعش.
الجانب الاميركي اثار غبارا كثيفة حول عدم توفر “الارادة والعزم” للقوات العسكرية العراقية لمواجهة داعش في معارك حقيقية، والدلالة على انسحابها “طواعية” في كل من الموصل والرمادي. وعليه، تنوي واشنطن تشديد تحكمها وسيطرتها على القرار الميداني، وامتداداته السياسية والجغرافية، في المشهد الداعشي. اميركا لم تتقدم باستراتيجية متكاملة لاستعادة المدينتين، واكتفت بارسال بضع مئات متواضعة من القوات للاشراف على اداء قوات عراقية حديثة التدريب وتشكو من قلة الخبرة الميدانية، وزجها في اتون الحرب “المتواصلة” ضد تنظيم الدولة الاسلامية.
اوضحت البنتاغون، في سياق مهام القوات الاضافية، ان المطلوب تجهيز قوة عراقية مقاتلة قوامها 10،000 مقاتل “من عشائر الانبار،” اي مضاعفة العدد الراهن المتوفر، وتجنيد ما ينوف عن 3،000 مقاتل جديد لملء الفراغ الناجم عن اختلال هيكلية الفرقة العراقية الثامنة، المنوطة بمهمة الدفاع عن الانبار، ومقرها مدينة الحبانية.
الاستناد الى لغة الارقام وحدها يقود الى التضليل والاستنتاجات الخاطئة، خاصة عند النظر الى الفترة الزمنية الدنيا المطلوبة لاعداد وتدريب مجندين حديثي العهد، والتي تتراوح بين 6 الى 12 شهرا، وضمان استيعابهم واستخدامهم الاسلحة الجديدة بفعالية مقبولة؛ فضلا عن توفر عدد كاف من ضباط الصف ذوو خبرة قتالية لادارة المعارك.
الخبراء بالشأن العسكري يلفتون النظر الى تكرار الرئيس اوباما اخطاء القيادة النازية في المانيا ابان الحرب العالمية الثانية، حين اضطرت لتجنيد عدد كبير من الشباب لتعويض النقص في الجبهات القتالية بعد اخضاعهم لفترة تدريب قصيرة مكثفة. الرئيس اوباما، وفق رؤية اولئك، واركان ادارته “يعلقون آمالا كبيرة على نجاح خطة التدريب والاستيعاب بوتيرة مسرعة، لدخول اتون المعارك والحاق الهزيمة بجيش (داعش) يقر له اعداؤه بخفة حركته وسرعة تكيفه وحسن قتاله في ساحتي العراق وسورية.”
ولا يستبعد اولئك الخبراء ان تواكب استراتيجية اوباما الجديدة هزيمة اسلافه في فيتنام.

الانتخابات التشريعية التركية: زلزال يهدد سياسات اردوغان

المراقب لردود افعال النخب السياسية والفكرية الاميركية، حول نتائج الانتخابات التركية، يستطيع التوصل بيسر الى شبه اجماع بأن ما حدث لا يشكل هزيمة لمستقبل حزب العدالة والتنمية سياسيا، بل اعتبر زلزال يقض مضاجع الرئيس اردوغان وليس انتكاسة في سياق تحولات في الرأي العام التركي الذي رفض منح اردوغان صلاحيات رئاسية موسعة – ليصبح الحاكم بأمره.
العامل الفارق في نتائج الانتخابات كان الاداء الباهر غير المتوقع لحزب الشعوب الديموقراطي، بحضور كردي كبير في صفوفه، وتخطيه للتوقعات الاولية التي كانت تشير الى فوزه بنحو 50-60 مقعدا برلمانيا الى حصوله على 80 مقعدا، من مجموع 550، برئاسة قائده الشاب صلاح الدين ديمتراس.
حزب اردوغان الحاكم نال 43% من مجموع الاصوات مما يحرمه من تشكيل حكومة بمفرده، كما اعتاد عليه منذ ما يزيد عن عقد من الزمن؛ وهو امام مفترق وفاصل سياسي قاسي: اما التحالف مع حزب او احزاب اخرى مضطرا، او الدفع باتجاه انتخابات مبكرة كما كان يروج داخل اوساطه، وهي المهلة الدستورية المحددة بفترة 45 يوما لتشكيل حكومة. الخيار الثالث هو تشكيل حكومة باغلبية احزاب المعارضة، خطوة قد تدفع اردوغان وفريقه المغامرة بها انطلاقا من مسلمة عدم قبول التحالف ومشاركة اي طرف آخر السلطة.
التداعيات المباشرة لصيغة الحكم المقبلة تنذر بافول سيطرة وهيمنة العدالة والتنمية، اذ ان “حكومة تقوم على التحالف” لن يكون بوسعها الاستمرار بدعم الجماعات المسلحة والتكفيرية في سورية، كما اوضح ديمتراس غداة فوز حزبه.
تباين السياسات الاميركية والتركية، فيما يتعلق بسورية، اصبح متداولا في وسائل الاعلام. اذ اوضح مدير الاستخبارات القومية، جيمس كلابر، لاعضاء الكونغرس ان لدى تركيا اولويات تبعد عن الاولويات الاميركية لا سيما هاجسي المقاومة الكردية والاطاحة بالحكومة السورية. الجانب الاميركي، علنا على الاقل، يحيل الاولوية للحد من تمدد قوات تنظيم الدولة الاسلامية.
رشحت حديثا بعض التفاصيل لتعزز تباين الموقفين، ابرزها تصريح للرئيس اوباما مطلع الاسبوع يؤكد فيها استمرار تقاطر الالاف من المقاتلين الاجانب الى سورية والعراق، دون الاشارة الواضحة للتسهيلات التركية؛ و”معاقبة” انقرة لواشنطن بعدم السماح لها استخدام قاعدة انجيرليك الضخمة لشن غاراتها الجوية على مواقع داعش في الشمال من سورية.
المأزق البارز في معادلة الحكم التركية لن يتم تجاوزه بيسر وسرعة، نظرا لتشبث كافة الاطراف بمواقفها وتبادلها عدم الثقة فيما بينها. القوى المعارضة يجمعها معارضة حزب العدالة والتنمية واردوغان تحديدا؛ وكلها لم يحظ بتجربة الحكم بصيغة تحالفية تتطلب تقديم بعض التنازلات واستيعاب الآخر، الأمر الذي فشل فيه اردوغان فشلا ذريعا واستمر للحظه في استخدام لغة سياسية متعجرفة ضد خصومه.
يرجح البعض ان تصرفات الرئيس اردوغان ومناهضته للمتظاهرين في ميدان التقسيم، ايار 2013، واستمرار حكومته اعتقال البعض والتضييق على الصحافيين كانت اشارة البدء لمرحلة افول نجم اردوغان واحلامه في استعادة امجاد لا تصلح للقرن الحادي والعشرين.