المقدمة
تحاصِر الرئيس الاميركي ترامب الأزمات ويترنح فشلاً في إدارتها وحلِّها أو احتوائها، سواء الداخلية منها أو الخارجية، واتسعت دائرة الاتهامات والشكوك والإدانة مؤخراً لتضم نجله الأكبر محورها عقده لقاءات تجارية الطابع، سياسية المضمون، مع افراد من روسيا إبان حملة الانتخابات الرئاسية.
بالمقابل، لا يزال جمهور ترامب التقليدي يحافظ على لحمته واصطفافه خلف الرئيس، متجاهلاً ومديراً ظهره للحملات الانتقادية الحادة والمكثفة للنيل منه من وسائل الإعلام الرئيسة، بالتعاون مع بعض المصادر في الأجهزة الاستخباراتية.
سيستعرض قسم التحليل تلك الظاهرة الإعلامية التي يمكن تلخيصها بأداء متواضع للرئيس في أحسن الأحوال، بينما يتراجع اعتماد الموالين له خصوصاً وحتى المناوئين تلقي المعلومات من مصادر الوسائل الكبرى الرئيسة، المقروءة والمرئية، وما ينطوي عليها من انعكاسات على التحكم في تشكيل الرأي العام، المحلي والدولي.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
ما بعد داعش
التطرف فكراً وتجلياته كان من ضمن اهتمامات مؤسسة هاريتاج معتبرة القضاء عليه “مفتاح تحقيق السلام في الشرق الاوسط،” موضحاً أن الأمر يتطلب توفر ثلاثة قضايا: وضوح الاهداف المنوي تحقيقها، وفي القمة القضاء على المتطرفين من أمثال داعش والقاعدة؛ يتعين على الولايات المتحدة إحتواء النفوذ المتنامي لإيران؛ ينبغي على إدارة ترامب ضمان إلحاق الهزيمة بداعش والإعداد الحصيف لمرحلة ما سيأتي بعده، وبقاء التركيز على المنطقة الأوسع نطاقاً.
آفة النظام الطائفي
لفت معهد كارنيغي الانظار الى “الأزمات العميقة” التي يواجهها نظام “التقاسم الإثني والطائفي” في كل من العراق ولبنان، واللذين “أفرزا تحالفاً غير مقدس بين الدين والسياسة .. وتسابق الزعامات الطائفية لقطع الطريق على التظاهرات الشعبية،” المطالبة بتوفير خدمات أفضل خاصة “حين رفع المحتجون منسوب الأمل” لإحداث التغيير.” وأضاف انه حين التوصل لقناعة “إستحالة إصلاح النظام السياسي، نجد ضرورة لحراك مدني يستند الى القضايا المطلبية.” وانتقد بشدة الأرضية التي يستند اليها النظام الطائفي في البلدين إذ “يسمح بقيام تحالف بين الدين والسياسة .. على حساب المواطنة والمواطنين؛ مما مكّن النخب التقليدية من خطف التمثيل السياسي؛ وتطبيق نهج الإستلحاق والإستتباع.” اما ردود سلطات البلدين على الاحتجاجات فهي “مثّلت التهديد الأبرز للسلم الأهلي.” وحث المعهد “نشطاء المجتمع المدني في البلدين حول تعريف الإستراتيجيات المتاحة أمامهم؛ في ضوء قدرة النظامين على احتواء الصدمات؛ ويتعين إنشاء تحالفات تقدمية واسعة مع عموم الناس للتغلب على التحديات السياسية المتنامية.”
العراق
تناول مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية المهام المطلوب إنجازها في العراق “بعد الهزائم المتتالية التي لحقت بداعش؛ وعلى رأسها بسط الاستقرار” في عموم البلاد، بيد ان “العراق لن يفلح في تحقيق ذلك بمفرده. فهو بحاجة للتقنية من الخارج وضخ الدعم المالي لعدة سنوات.” اما الدول الخارجية “تقع على بعضها مسؤولية أخلاقية لتقديم الدعم، شريطة تحقيق قادة العراق توجهاً موحّداً وإثبات قدرتهم على توظيف الدعم في قنواته الصحيحة.” وحذر “القادة العراقيين من المضي قدماً في تصدير اللوم والمسؤولية” على عاتق أطراف خارجية “بصرف النظر عن أخطائها.”
https://www.csis.org/analysis/after-isis-creating-strategic-stability-iraq/?block2
النزاع الخليجي
حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الحكومة الأميركية من الانزلاق في الأزمة واضطرارها للاصطفاف مع أي طرف في ظل “اختزال الأزمة الى فرض الحظر ومواعيد نهائية (لقطر) من جانب السعودية والإمارات.” واردف ان استمرار أجواء التوتر أدت “لتوقع حدوث تنازلات صعبة للغاية؛ فالإنذارات نادراً ما تؤتي أُكلها كأدوات تفاوضية.” وحث الحكومة الأميركية على العمل “لإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه .. وعليها البدء بتوضيح دورها بأنها تحافظ على مصالح كافة شركائها، وعرض تقديم الدعم أينما كان ضرورياً، وكذلك توفير الضمانات الأمنية.” واستدرك بالقول ان تلك الصيغة “تبدو وكأنها وليدة أفكار الثنائي تيلرسون – ماتيس وهي الصحيحة بكل تأكيد.” وحذر من ميل السياسة الأميركية لمعالجة “أحد أبعاد الاستراتيجية الاميركية بمفرده وكذلك تضييق مروحة الاهداف الى محاربة التطرف الإسلامي والذي من شأنه إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية وتشتيت دول الخليج العربي .. وبالمحصلة تقوم بتوفير العون والراحة للعدو.”
https://www.csis.org/analysis/american-strategic-interests-gulf-states
المملكة السعودية
اوضح معهد كارنيغي تعثر السياسة السعودية قبل ان تبدأ في أعقاب حرصها الدقيق على “تقديم نفسها في صورة سمسار النفوذ الوحيد في المنطقة .. غير أن الأسلوب الذي تعتمده القيادة في السعي لتحقيق هذه الأهداف قد يؤدي إلى عرقلة خططها الاقتصادية الداخلية.” وأوضح ان من بين “التحولات الأكثر أهمية إبعاد ولي العهد محمد بن نايف .. وفرض الإقامة الجبرية عليه تقوِّض السردية التي يروج لها النظام الملكي عن الإنتقال السلس والاستقرار الداخلي.” كما أن استقرار المملكة بدأ يتعرض للشكوك “مع تراجع الإنتاج النفطي .. وحصار قطر الذي يزيد من حدة التشنجات السعودية مع الدولتين الحليفتين لقطر، إيران وتركيا، وقد يؤدي الى اصطدام السعودية بتحديات مشابهة لتلك التي تواجهها في حربها الباهظة الكلفة في اليمن والتي تترتب عنها أضرار واسعة.” وحذر المعهد من عدم قدرة “الرياض احتواء التأثير السلبي للتوريث وأزماتها الإقليمية، وتضييق مروحة خياراتها؛ ومن شأنها مجتمعة التسبب على المدى الطويل بتقويض جوهر الدافع الذي يحرك السعودية – ألا وهو أن تكون قوة إقليمية عظمى.”
http://carnegie-mec.org/#alislah-althwrh-althqafh-kyf-nqawm-alsltwyh-alarbyh
حصار قطر
استعرض معهد واشنطن “أسوأ السيناريوهات” للسياسة الاميركية على خلفية الأزمة الخليجية، التي “لا يلوح في الأفق أي علامات على انحسارها.” وحذر الحكومة الأميركية من “مواصلة تأرجحها بين ميل الرئيس الاميركي (الاصطفاف) تجاه الرياض وتخوفات كبار مسؤوليه من الخطوة السعودية، وبالتالي لن تجد واشنطن وسيلة للتوسط في الأزمة والتوصل الى حل وسط، ومن الممكن أن تتوسع هذه المحنة وتنتشر.” كما حذر بلاده ودول الحصار من امكانية “لعب قطر اوراقها الديبلوماسية مع بعض الاطراف النافذة مثل روسيا وإيران .. إضافة لطفح كيل أنقرة من مطالبة السعوديين والإماراتيين بإغلاق القاعدة التركية في قطر.” وواصل تحذير الإدارة الاميركية من “احتمال لجوء قطر الى روسيا أو إيران لالتماس الدعم العسكري .. وهو أمر يتماشى بالكامل مع حقوق قطر السيادية. ومن المنافي للمنطق هو الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة قد تحاول التصدي عسكريا لمثل هذه الخطوة حتى لو أدى ذلك الى تواجد القوات الروسية في الخليج ..”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/qatar-crisis-worst-case-scenarios
وفي جانب موازي أعرب معهد واشنطن عن اعتقاده بترتيبات متقدمة “لأبو ظبي والرياض” لانقلاب مضاد يؤدي للإطاحة بأمير قطر الحالي واستبداله بشخصية أخرى من سلالة آل ثاني، مؤكداً أن الأمير الأب، حمد، لا يزال يدير الديبلوماسية القطرية وهو “رجل قوي وخطر .. ولا يستطيع أن يقاوم أي فرصة من أجل إزعاج الدول الخليجية العربية المجاورة.” واستطرد بالقول ان الأمير الأب “كان يخطط مسبقا” للاستقلال عن السعودية مشيراً إلى إقامته “مشروع الأمن الغذائي .. عوضاً عن مواجهة خطر إغلاق مضيق هرمز” كما أمِلَت الرياض.
تركيا
أعرب معهد المشروع الاميركي عن عظيم قلقه من “انزلاق تركيا” الى الحكم الديكتاتوري في ظل ولاية اردوغان، مسترشداً برواية الكاتب البريطاني جورج اورويل، 1984، الذي حذر بأسلوبه الروائي من “.. التفكير المزدوج الذي يجعل الحكومة قادرة على الترويج (لسرديتها) وفرضها كحقيقة موازية للواقع.” ووجه المعهد سهام انتقاداته أيضا “لبعض المؤسسات الأميركية التي يبدو أنها تجد خطأً ضئيلا في نظريات اردوغان، أو لجوئها لفرض رقابة ذاتية على منتجاتها الفكرية لضمان استمرارية تدفق التبرعات من مؤسسات قريبة من اردوغان او تحت سيطرة اقرباء له.” ووصف التحولات في ظل اردوغان بأنها “مأساوية، فالمسألة لم تعد محصورة بحرية التعبير بل حرية التفكير .. وحملة الاعتقالات الموسعة لمجرد شك في ماذا يفكر الفرد.” وتوقع المعهد بمستقبل سوداوي للبلاد إذ أن “الزمن في تركيا يسير الى الوراء، والبلاد تبدو وانها تزداد غرقاً في (اوصاف رواية) 1984.”
http://www.aei.org/publication/is-turkey-the-most-orwellian-country/
إيران
دق المجلس الأميركي للسياسة الخارجية ناقوس الخطر من “القدرات العسكرية الموسعة لإيران .. إذ الى جانب تصنيعها الأسلحة لاستخدامها الذاتي، تقوم طهران بإنشاء مرافق لتصنيع الأسلحة في لبنان لحساب حزب الله.” وزعم المجلس أن منشأة شيدت في شمالي لبنان “تنتج صواريخ فاتح-110، يصل مداها الى 190 ميلاً، باستطاعتها تهديد معظم (أراضي) اسرائيل.” وأضاف ان تمدد إيران في التصنيع العسكري “يمثل تهديدا متنامياً لحلفاء واشنطن في القدس والرياض وأماكن أخرى ..” وحث الإدارة الأميركية على “الإقدام على تبني الخطوة المقبلة – ترسيم معالم استراتيجية من شأنها مواجهة نظام بغيض وفي نفس الأوان ممارسة سلطتها الأخلاقية بالوقوف إلى جانب ملايين الإيرانيين الذين يريدون أكثر من الإطاحة به.”
http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3558
التحليل
منابر اليمين المحافظ
درع الحماية الحصين لترامب
جمهور لا يلتفت للفضائح
عانى الرئيس الاميركي ترامب من ازدراء مواقع تأثير تقليدية في أركان المؤسسة الحاكمة، ومنابرها الاعلامية بشكل رئيس، منذ بدء حملته الانتخابية؛ ولا زال يدفع الثمن السياسي لفوزه الذي فاجأ كافة التيارات والقوى، بما فيها ترامب وفريقه. هو لا يترك مناسبة إلا ويذكر الجمهور بخطأ حسابات وتوقعات الأخطبوط الإعلامي، محفزاً انصاره ومؤيديه الى الاقلاع عن اللحاق بركب سردية المؤسسة الرسمية يتهمها بالفبركة والتزييف.
استغلت المؤسسة الإعلامية بعض الثغرات في تصريحات وأقوال الرئيس ترامب كمؤشر على تدهور شعبيته، بتسخيرها السلاح الأقوى في الوعي الجماعي – استطلاعات الرأي بكل ما يرافقها من دوافع سياسية مرجوة، فضلا عن عدم حصافة وغياب المصداقية عن بعضها المتداول.
للدلالة، تلجأ مؤسسات إستطلاع الرأي الخاصة الى عينة عشوائية من اصحاب الرأي استناداً لمواصفات مسبقة ومعدة بعناية. يشار ايضاً الى التقسيم الاداري والانتخابي الذي طرأ على الخريطة الانتخابية منذ آخر احصاء سكاني، عام 2010، وتوزيع الناخبين على دوائر تحابي الحزب الجمهوري في مناطق الكثافة السكانية، ثمرةً لتخطيطٍ دقيق وتمويلٍ وفير. لذا فإن العينات المستطلعة تخضع أيضاً لتلك المواصفات وباستطاعة أي من المعنيين تطويع النتائج لتخدم أهدافاً محددة، في أغلب الاحيان.
مناسبة هذه المقدمة نتائج الاستطلاعات الأخيرة نُشرت نتائجها في الاسبوع الثاني من تموز الجاري، وتشير الى “ثبات مؤشر الرضى عن سياسات ترامب عند نحو 40 نقطة مئوية.” واستطرادا، يمكن الاستنتاج بأن الأغلبية، نحو 60%، غير راضية عن ادائه. وتقفز معظم الوسائل الإعلامية عن حقيقة ارتفاع طفيف في “شعبية ترامب” في شهر شباط الماضي، من 16% الى 17.9%.
وانفردت اسبوعية نيوزويك، 12 تموز، بالإشارة الى “ارتفاع مؤشر الرضى عن سياسات ترامب بين صفوف مؤيديه ومناصريه.” وواصلت أن منسوب الارتفاع الطفيف، 39,3%، او اعتراض الأغلبية، لا يعد استثناءً للقاعدة؛ ولم يسبقه لتلك النسب المتدنية إلا الرئيس الاسبق جيرالد فورد، بسب تداعيات فضيحة ووترغيت وملابساتها، لإصداره قرار العفو الرئاسي عن بطلها الرئيس المستقيل نيكسون.
حقيقة الأمر ان ترامب وحزبه الجمهوري تعرضا لنكساتٍ سياسية منذ مطلع العام الجاري أخذت فعلها في تشكيل الوعي العام: سيل لا ينقطع من الاتهامات بعلاقات مشبوهة لترامب مع روسيا؛ فشله وحزبه في الوفاء بوعد الغاء برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباماكير؛ مؤشرات مبهمة ومتباينة لتوجهات السياسة الخارجية؛ ملابسات قوانين الحد من الهجرة وما رافقها من تجليات وممارسات عنصرية فجة؛ والجدل الغاضب الذي رافق إقالة ترامب لمدير مكتب الأف بي آي، جيمس كومي.
يجهد المرء في ايجاد تفسير منطقي لثبات مؤيدي ترامب عند ذات النسبة التي فاز بها، تقريبا، بينما تضخ وسائل الاعلام بكثافة وتركيز عناوين واتهامات لترامب بعلاقات مشبوهة مع روسيا.
أحد أبعاد التفسير نجده في تباين نوعية التغطية الاعلامية الاميركية في الداخل مقابل ما تنشره في الخارج، شبكة سي أن أن بفرعيها المحلي والدولي. فضلا عن البون الواسع بين اهتمامات الشعب الاميركي، بشكل عام، والشعوب الأخرى التي تتأثر مباشرة بالسياسات الاميركية.
بعض تجليات نوعية المصادر الاخبارية التي يعتمد عليها الاميركيون نجده في استطلاع لأداء الشبكات الاعلامية، 26 حزيران – 2 تموز الجاري، مبيناً صدارة شبكة فوكس نيوز (اليمينية) بين المشاهدين وتفوقها على الشبكة الإخبارية الأولى، سي أن أن، التي جاءت في المرتبة الثالثة عشر. الاستنتاج المنطقي يقودنا الى أن الأغلبية تحجم عن مشاهدة ومتابعة القنوات الإخبارية الصرفة وتميل للارتكاز على شبكة فوكس فيما تطمح إليه من معلومات.
ويشير بعض الإعلاميين الى زاوية أخرى في تراجع شعبية الشبكة الرائدة في عالم التلفزيون مردها تصدرها للحملة السلبية على الرئيس ترامب، بعض سردياتها عانى من المبالغة وعدم الدقة؛ والأهم ما يجري تداوله من شريط مصور يضم عدداً من كبار منتجي برامج الشبكة عينها يقرون فيه بوعيٍ تام أن بعض برامج تغطية ترامب كانت كاذبة.
حال الشبكة المرئية ليس استثناءاً في بيئة إعلامية شديدة التنافس والاحتكار، وما ارتكبته من “أخطاء” تعرضت لها أيضا الوسائل المقروءة الكبرى: نيويورك تايمز و واشنطن بوست، دفعت أثمانها في تراجع أعداد قرائها وربما مدخولها المالي من الاعلانات.
منابر منظمة بتمويل وفير
الانكفاء النسبي عن وسائل الاعلام الرئيسة أدى بالجمهور المتابع الى الالتفاف حول منابر اليمين والمحافظين لتلقي الاخبار، لا سيما شبكة فوكس، التي سجلت مليوني مشاهد يوميا في الاسبوع الأول من الشهر الجاري، والى صحيفة واشنطن تايمز، فضلاً عن الانتاج الغزير في النشرات الاسبوعية والمدونات الالكترونية. يشار الى أن تلك المجموعة من الموارد الاعلامية التابعة لليمين تسير في فلك مهني منظم استطاعت التصدي بنجاح لحملات الاتهام للمرشح ترامب، وتعبئة قواعد مؤيديه.
اداء الوسائل الرئيسة انعكس سلباً عليها في قضايا سياسية حساسة. افادت نتائج استطلاع رأي مؤخراً ان نسبة 25% من الاميركيين تشك في خرق الرئيس ترامب للقوانين الاميركية، على خلفية اتهامه بالتعاون مع روسيا.
ارتفاع اعداد المشاهدين والمستمعين للوسائل اليمينية يضم ايضا شبكات وبرامج الراديو. من أبرز المعلقين وأشهرهم من المحافظين الاذاعي المخضرم راش ليمبو، اذ تصل دائرة جمهور مستمعيه الى 26 مليوناً في الاسبوع. بالمقابل، فإن أعلى نسبة جمهور برامج الراديو للتيار الليبرالي لا تتجاوز مليوني مستمع، وفق الاحصائيات المتوفرة.
يعد راش ليمبو الأب الروحي لبرامج الراديو الحوارية، ويستند الى خبرة طويلة شارف على اسدال الستارة عن 30 عاماً متواصلة في المهنة. برنامجه يُبث عبر 600 محطة راديو، لثلاث ساعات يوميا، من الاثنين للجمعة من كل اسبوع.
خطاب ليمبو اليمني يرسي بوصلة التوجهات السياسية بين اقطاب اليمين والمحافظين. في الانتخابات الرئاسية الأخيرة رفض ليمبو، مثلاً، الانسياق وراء المؤسسة الحزبية التقليدية وأحجم عن توجيه انتقادات للمرشح ترامب، بخلاف منافسيه الآخرين. الأمر الذي وحّد الناخبين الجمهوريين وعزّز والتفافهم وراء ترامب.
يعاون ليمبو في تشكيل الرأي العام عدد آخر من ركائز اليمين: المذيع شون هانيتي، الذي يظهر على شاشة فوكس وكذلك له برنامج إذاعي يصل الى مسمع 12.5 مليون متابع؛ غلين بيك، مارك ليفن، ومايكل سافج والذين يخاطبون جمهورا يتراوح تعداده بين 5 الى 7 مليون فرد.
كما أن موارد الشبكة الالكترونية جرى تسخيرها بفعالية عالية خدمةً لخطاب اليمين المحافظ. على سبيل المثال يعد درادج ريبورت الالكتروني مصدراً أساسياً للمتابعين، وهو عبارة عن ملخص للأنباء يجري اعداده من مصادر متعددة، يصل معدل زواره نحو مليار شهرياً. ويحرص الموقع على نشر روابط الأخبار والمحررين لفائدة جمهوره. يشار الى أن الموقع كان من أوائل الوسائل الإعلامية في نشر فضيحة الرئيس الأسبق بيل كلينتون مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي – “بعد قرار أسبوعية نيوزويك التحفظ على القضية.
هناك أيضا سلسلة من المواقع الالكترونية التي تندرج تحت امبراطورية اليمين، من أبرزها: انفو وورز، علامته التجارية الترويج لنظرية المؤامرة، يخاطب الجيل الناشيء بالدرجة الاولى ويصل جمهور متابعية لنحو 5.5 مليون في الشهر؛ وكذلك بريتبارت الذي كان يرأسه مستشار ترامب ستيف بانون.
فعالية وشهرة المواقع أعلاه جاء ايضا على حساب المنابر التقليدية للمحافظين، لا سيما اسبوعية ناشيونال ريفيو التي تخاطب النخب الفكرية والثرية، تراجع جمهورها الى 2.7 مليون في الشهر. حافظت الاسبوعية على بقاء مسافة بينها وبين ترامب، بل انتقدت تصريحاته الشعبوية خلال الحملة الانتخابية.
الموارد المخصصة لتلك المنابر مجتمعة تخاطب الفرد الاميركي بالدرجة الأولى، ولا تكترث لمخاطبة الجمهور العالمي كما هو الأمر مع المنابر الرئيسة مثل شبكة سي أن أن وكبريات الصحف، نيويورك تايمز و واشنطن بوست. وهنا يكمن أحد عوامل فعاليتها في عصر صعود الخطاب الشعبوي والتقوقع الداخلي.
في السياق الأشمل، تمضي المؤسسة الحاكمة بأخطبوطها الإعلامي في تشكيل الرأي العام العالمي لخدمة المصالح الاميركية، ومن غير المتوقع ان يطرأ تغيير جوهري على ذلك البعد. أما في الداخل فقد برز اليمين المحافظ بقوة أكبر واتساع أشمل وموارد أوفر كقطب مركزي وهام في منظومة الاستراتيجية الاميركية العليا، يحشد مناصريه بفعالية للاصطفاف خلف مؤسسة الرئاسة، ويُؤمن حصانة غير معهودة لترامب من سيل الفضائح والتخبط.