التقرير الأسبوعي 07-29-2016

المقدمة
انتهت “احتفالات” انعقاد مؤتمري الجزبين الرئيسيين، وانشداد النخب الفكرية والسياسية والاعلامية لتغطيتها واستقرائها للمستقبل في كلا الحالتين.
سيستكمل قسم التحليل متابعته لمؤتمر الحزب الديموقراطي، بعد تتويجه هيلاري كلينتون رسميا مرشحته للانتخابات الرئاسية العامة، وابعاد خيارها في تعيين السيناتور تيم كين لمنصب نائب الرئيس؛ وكذلك الجدل الذي سبق التئام المؤتمر حول اعتراض قراصنة للمراسلات الالكترونية الخاصة بلجنة الحزب الديموقراطي الرئيسة، اذ سارعت الاجهزة الأمنية الاميركية توجيه الاتهام لروسيا بأنها وراء القرصنة.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
الاستراتيجية الاميركية المقبلة
حث معهد كاتو صناع القرار على أهمية مراجعة “الدور الكوني” للولايات المتحدة والقفز على اركان السياسة الحزبية وادراك ان “النفوذ الاميركي في العالم يبقى بارزا،” مستدركا ان “بروز الصين وحزم روسيا، فضلا عن استفحال التنافس الاقليمي، تسفر عن ان الدور (الاميركي) لم يعد بلا منازع.” واوضح ان السياسة الخارجية ينبغي ان “تنظر في توجهات بديلة تتسق مع تعقيدات القرن الحادي والعشرين .. والقرارت المتخذة ستترك تداعياتها على أمننا القومي، اليوم وفي المستقبل، وكذلك على مسيرة دول اخرى.” وحذر من الاستمرار في التوجه الراهن “الخالي من الجدل والنقاش حول السياسة الخارجية .. من شأنه الحاق الضرر بالمصالح الاميركية؛ وحرماننا من استثمار فرص جديدة لتعزيز أمن وازدهار الولايات المتحدة.”

http://www.cato.org/publications/white-paper/our-foreign-policy-choices-rethinking-americas-global-role

الاستراتيجية في عهد ترامب
اجرى معهد ابحاث السياسة الخارجية مقاربة لسبر اغوار السياسة الخارجية “في عصر ترامب،” مشيرا الى ان “آلية اتخاذ قرار السياسة الخارجية الاميركية تتمحور حول (شخص) الرئيس في نهاية المطاف .. طبيعة شخصيته واسلوب توصله لاتخاذ القرار؛ وآخر رئيسين للبلاد خير مثال على ذلك.” ولم يبخس المعهد دور المؤسسات الاخرى التي لها دور ملحوظ في صياغة اركان السياسة الخارجية “الكونغرس، والوزراء الرسميين، وجماعات الضغط، والهيكلية البيروقراطية، والصحافة الحرة، وعموم الشعب.” واوضح انه في نهاية المطاف “الرئيس هو من يتخذ القرار المنبثق موازنته لكافة تلك الضغوط .. فترامب اوضح بشكل لا يقبل الجدل انه من سيتخذ القرار النهائي بعد استطلاع أراء مستشارية للسياسة الخارجية.” وخلص بالقول انه في هذا السياق فان “ترامب لن يشذ عن مسار من سبقه من رؤساء. وعليه من المفيد الاصغاء بجدية لخيارات سياسته المعلنة واسلوبه في اتخاذ القرار.”

Republican Party Foreign Policy: 2016 and Beyond

مصر
اعتبر معهد كارنيغي هيكلية الجهاز الاداري للدولة المصرية تشكل عقبة امام “ادخال اصلاحات اقتصادية ضرورية .. وتحرم النظام من الموارد المالية والاقتصادية اللازمة للحفاظ على قاعدة اجتماعية متينة.” واوضح ان تلك العقبة المركبة “هي محور استمرار ديمومة النظام؛ وتوطيد سلطته من خلال تقليل اعتماده على استخدام القمع الواسع والعنيف .. وارساء استقرار نسبي عقب الاطاحة بحكم الاخوان المسلمين.” واعتبر المعهد ان خيارات الحكومة المصرية محدودة “اما الابقاء على الوضع الراهن وما سيرافقه من تدهور اجتماعي واقتصادي، او اصلاح بيروقراطية الدولة بطريقة قد تفقده القاعدة الداعمة له. وفي الحالتين سيواجه النظام عقبات تحول دون توطيد دعائم سلطته.” كما حث المعهد الحكومة المصرية على “خلق مناخ سياسي اكثر انفتاحا، يسمح لقدر اكبر من حرية التعبير .. مما قد يساعدها على نزع فتيل الاستياء المتصاعد، ولو جزئيا .. وقد يساعد ايضا في بلوغ توافق حول اجراءات تقشفية لا تحظى (بتأييد) شعبي.”

http://carnegie-mec.org/2016/07/21/egypt-s-regime-faces-authoritarian-catch-22-pub-64135

تداعيات الانقلاب التركي
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية انعكاسات الانقلاب العسكري التركي على “الأمن الاقليمي والعلاقات مع الولايات المتحدة،” موضحا ان تركيا ومنذ عام 2011 اضحت “ثالث اكبر مستورد للاسلحة الاميركية، خلف السعودية والامارات .. والتي تمثل نحو 63% من مجمل المشتريات العسكرية التركية.” واوضح ان “فشل الانقلاب لن يفعّل بنود القانون الاميركي الخاص بوقف كافة المساعدات للقوات المسلحة المنخرطة في الانقلاب، كما لن تتأثر الشحنات العسكرية التي في طريقها الى تركيا .. تعادل قيمتها نحو 1،2 مليار دولار.” وحذر المركز من مضي الرئيس التركي اردوغان في حملته استئصال قيادات وكفاءات اكاديمية واعلامية والتي بمجملها “تغامر باستعداء الكونغرس للتحفظ على اقرار المبيعات العسكرية المستقبلية، لا سيما وان عددا من قيادات الكونغرس اعربت عن عدم رضاها من (سلوكيات) اردوغان حتى قبل الاحداث الاخيرة.” واستشهد بما صرح به رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، جون ماكين، قائلا ان اردوغان “اسلامي حقيقي، بل اخطر من ذلك، ديكتاورا قمعيا.”

https://www.csis.org/analysis/security-eastern-mediterranean-after-coup-attempt-turkey’s-reckoning-and-washington’s

وفي السياق عينه، حذر معهد كارنيغي من تبعات الانقلاب وانحسار “فعالية العمل المشترك ضد تنظيم الدولة الاسلامية، والذي يعتمد الى حد بعيد على الغارات الجوية المنطلقة من قاعدة انجرليك ..” ومضى بتحذيره من اي “خرق للعلاقة الراهنة (مع تركيا) ستضعف لحمة حلف الناتو في سياسته الخاصة بروسيا.” واضاف ان الاتفاق الاخير حول ضبط تدفق اللاجئين بين “الاتحاد الاوروبي وتركيا .. سيبقى ضعيف سياسيا؛ وارجاء الاتحاد الاوروبي البت في رفع القيود على المواطنين الاتراك ووجهتهم الى اوروبا، نظرا لرفض تركيا التساوق مع ما تبقى من شروط قليلة.”

http://carnegieeurope.eu/2016/07/18/strategic-consequences-of-turkey-s-failed-coup/j32t

كما حذر معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى من “مفاقمة التوتر الغربي مع تركيا خشية ان يدفع اردوغان الى الارتماء باحضان بوتين.” واضاف محذرا القضاء الاميركي المضي في رفضه البت في طلب تركيا “تسليمها (فتح الله) غولين، الأمر الذي سيوفر لاردوغان الفرصة لالقاء اللوم على البيت الابيض.” واضاف ان الرئيس التركي قد يرتكب خطأ ابتزاز الولايات المتحدة (في قضية غولين) مما سيؤدي بنقل العمليات العسكرية الاميركية ضد تنظيم داعش الى اماكن بديلة منها حاملات الطائرات المرابطة في البحر المتوسط والقواعد (الاميركية) في منطقة الخليج .. وتعريض العلاقات الاميركية التركية الى التفسخ.” واسدى المعهد نصائحه للرئيس التركي بعدم استعداء الاتحاد الاوروبي “لعزمه تفعيل عقوبة الاعدام التي ستعود بالويل على بلاده، منها تعليق الاتفاق بشأن الغاء التأشيرات للاتراك .. كما ان اردوغان قد يهدد بالابتعاد عن الاتحاد الاوروبي” في حال اقرار عاصمة الاتحاد بروكسل الاجراءات العقابية.

http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/if-tensions-increase-with-the-west-erdogan-might-find-a-friend-in-putin

التحليل

مؤتمر الحزب الديموقراطي
الاجنحة واهتزاز الثقة بهيلاري

وحدة لا تحجب الانقسام
جهد قادة الحزب الديموقراطي على تمييز المؤتمر العام بارسائه مظهر الوحدة مقابل الانشقاقات في الحزب الجمهوري وعزوف بعض نخبه عن المشاركة في مداولاته احتجاجا على المرشح دونالد ترامب.
في هذا الشق الضيق ميز الحزب الديموقراطي نفسه باستعادة اللحمة بين التيارات السياسية المتعددة، كلينتون وبيرني ساندرز، خاصة بعد محاولة انصار الاخير تسجيل اعتراضهم داخل المؤتمر، لا سيما حين اعتلائه المنصة ليبايع هيلاري كلينتون. كما نجح الحزب في ابراز التنوع الاجتماعي والعرقي لقاعدته الانتخابية ومنحها حضورا مميزا وافساح مساحة لها في مخاطبة المؤتمر مباشرة. كل ذلك كان بخلاف ما نتج عن مؤتمر الحزب الجمهوري، على الرغم من الاعلان عن اختراق قراصنة لمراسلات قادة اللجنة المركزية للحزب الديموقراطي الالكترونية قبيل ساعات معدودة.
بعض التيارات داخل المؤتمر وخارجه سعت لتسليط الضوء على مضمون تلك المراسلات المهينة بحق المنافس بيرني ساندرز وآخرين، ولم تهدأ العاصفة حتى بعد اعلان الحزب عن اقالة المدير التنفيذي العام، ديبي واسرمان شولتز، قبل انعقاد المؤتمر؛ وظهرت عوارض الانقسام جلية قبيل القاء المرشحة كلينتون خطابها المنتظر في ختام المؤتمر، اذ انسحب بعض المندوبين احتجاجا عليها. يشار الى ان مندوبي ساندرز كانوا كتلة لها بأس وبلغ حجمها قرابة ثلث عدد المندوبين المعتمدين.

اختيار المرشح لنائب الرئيس
اعلنت كلينتون عن خيارها لشخص نائب الرئيس السيناتور تيم كين، وسط توقعات رجحت ميلها لتعيين شخصية حزبية ذو اصول لاتينية. وصف البعض كين بأن توجهاته السياسية تقع في منتصف الطريق بين مطالب بيرني ساندرز والمؤسسة الممثلة بشخص هيلاري كلينتون؛ وبذلك يعتقد انه تم ارضاء قطاع واسع من قواعد الحزب الديموقراطي بأن مطالبه الاجتماعية والاقتصادية سيجري الالتزام بها؛ وكذلك ارضاء تيار المؤسسة الحاكمة كونه احد ممثليها الفاعلين.
سجل تيم كين المهني حافل بالخبرة العامة المطلوبة: حاكم سابق لولاية فرجينيا؛ عمدة سابق للعاصمة ريتشموند؛ وعضو مجلس الشيوخ عن ولايته منذ عام 2013 وعضويته الفاعلة في لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ. ويعتقد ان احد اهم شروط كلينتون لاختيار نائب الرئيس تميزه المهني والشخصي عن منافسها دونالد ترامب. تجدر الاشارة ايضا الى ان كين يتقن اللغة الاسبانية ويتحدثها بطلاقة مما قد يعوض اي خسارة محتملة للدعم في اوساط الجالية ذو الاصول اللاتينية.
توقيت الاعلان عن اختيار كين، يوم الجمعة الماضي، تزامن مع الكشف عن “فضيحة المراسلات الالكترونية” للجنة المركزية للحزب الديموقراطي؛ وتراجع الاهتمام بالاعلان الذي كانت تعول عليه ليتصدر النقاش والاهتمام.

رؤى فاحصة
استقالة او اقالة المدير التنفيذي للحزب الديموقراطي، ديبي واسرمان شولتز، فاجأ بعض المراقبين لا سيما في توقيته الذي رمى قادة الحزب الى تحميلها مسؤولية ما جرى والانتقال الاعتيادي لاعمال المؤتمر. بيد ان استقالتها المقرونة بصلاحية تنفيذها عقب انفضاض اعمال المؤتمر لم تشف غليل الكثيرين من صفوف الحزب، لاعتقادهم ان المسألة اعمق بكثير من شخص المدير التنفيذي، وكان ينبغي اجراء تحقيق شامل وعاجل واقالة مسؤولين آخرين.
المدير التنفيذي المستقيلة تصنف بأنها من اشد واوفى المؤيدين للمرشحة كلينتون، منذ زمن بعيد، يعززها صلاتها الوثيقة باللوبي “الاسرائيلي” ايباك. وتردد في بداية المؤتمر ان ايباك ناشد كلينتون تعيينها في حملتها الانتخابية بمنصب رفيع.
على الطرف الآخر من الحزب الديموقراطي، قلة من النافذين يعتقدون ان قرصنة المراسلات والكشف عنها جاء ضمن سياق سياسي محكم لاخراج فضيحة كلينتون بالبريد الالكتروني من التداول، بعد اسقاط مكتب التحقيقات الفيدرالي الزامها قضائيا قبل المؤتمر العام. وما يدل على مصداقية الاعتقاد اهتمام وسائل الاعلام الرئيسة وكبار المعلقين بجزئية القاء التهمة على روسيا بأنها وراء القرصنة، بل الاصرار الرسمي على ذلك، تمهيدا لخطاب كلينتون باستعادة اجواء الحرب الباردة بطريقة سلسة.
انصار منافسها بيرني ساندرز يحملونها المسؤولية لسجلها المأساوي السابق في دعم سياسة الاعتقالات الشاملة، خاصة بين صفوف الاقليات والمهمشين، وكذلك لدعمها قرار الحرب على العراق.
داخل المؤتمر، الهاجس الرئيسي للمنظمين في قيادة الحزب هو الظهور بابهى حلل الديموقراطية من وحدة ونقاشات ورؤى متباينة تحت سقف ما يسمح به الحزب؛ بيد انه لم يتسع صدر المنظمين لابراز مؤيدي ساندرز بعض اللافتات التي جرى احتواءها ومصادرتها على الفور. ورد اولئك الانصار على مقاطعة بعض اعمال المؤتمر مما اعطى صورة جلية لجملة من المقاعد الخالية من المندوبين. ويرجح هؤلاء وبعض المراقبين استمرار قطاع المؤيدين بمقاطعة كلينتون وعدم المشاركة في الانتخابات العامة او التصويت لصالح مرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، اذ من المستبعد ان يصطفوا لدعم ترامب.
بعض اللافتات التي رفعها مؤيدوا ساندرز كانت ناقدة بشدة لاتفاقية التجارة الحرة، التي ايدتها كلينتون بحرارة. بعضهم تعرض لسحب بطاقة العضوية فيما فضل البعض الآخر مقاطعة المؤتمر بالكامل. لم يكن خافيا على وسائل الاعلام المرئية ملاحظة مقاطعة عدد لا بأس به من المندوبين خطاب الرئيس بيل كلينتون، ثالث ايام المؤتمر، مما حفز المنظمين الاسراع بحشد حضور بديل لمؤيدي ساندرز المقاطعين قبيل خطاب هيلاري كلينتون في ختام المؤتمر.
على الطرف المقابل في الحزب الجمهوري، سلط ترامب ومؤيديه الانظار على “تجاهل” خطاب مؤتمر الحزب الديموقراطي لمسألة الارهاب التي تبنتها حملته كاحد اركانها ومحاورها الاساسية، وسارعت لاستغلال الهجمات الاخيرة التي وقعت في اوروبا واعتراف تنظيم داعش بالمسؤولية عنها، لتعزيز حجتها بأن مرشحها هو الافضل لادارة ملف الأمن وحماية المواطنين.
في الشق الاعلامي البحت، تميز مؤتمر الحزب الديموقراطي بحضور كثيف اعلى من خصمه الجمهوري، وتناوب متحدثون كثر طيلة اربعة ايام بعضهم تعرف عليه الجمهور لأول مرة؛ يمثلون طيفا واسعا من الاهتمامات: مجموعات مناهضة اقتناء السلاح؛ المنادون بتحركات غير مقيدة عبر الحدود؛ المنظمات المؤيدة لتنظيم النسل واخرى تؤيد حق المرأة في الاجهاض. مواقف تلك القوى والمنظمات تعد تقدمية، في سياق المشهد السياسي الاميركي، ومن غير المرجح ان تسهم في تعزيز مكانة كلينتون في بعض الولايات الحرجة، خاصة اوهايو وبنسلفانيا ومتشيغان.
حافظت شبكة (سي ان ان) الاخبارية على صدارتها في التغطية المكثفة لمداولات المؤتمر، وتقدمت على الشبكات الاخرى المنافسة في عدد المشاهدين الذين بلغ تعدادهم 6 مليون ونيف في فترة زمنية قصيرة، من الساعة العاشرة ليلا وحتى الحادية عشرو وخمس واربعون دقيقة.
تلتها في المرتبة الثانية شبكة (ام اس ان بي سي) التي قدر عدد مشاهديها لنحو 5 مليون؛ بينما حصلت شبكة فوكس نيوز الاخبارية على ادنى معدل من المشاهدين، 2.4 مليون.
خارج قاعة المؤتمر انتظم العديد من المحتجين والمتظاهرين ضد سياسات الحزب الديموقراطي الاجتماعية والاقتصادية، لتكاملها مع سياسات الحزب الجمهوري الاقصائية، خاصة من انصار بيرني ساندرز. وشهد مسرح الاحتجاجات حملة اعتقالات قامت بها الاجهزة الأمنية مما قوض ادعاء الحزب بوحدته وتلاحمه.
على الرغم من حرص معاهد ومؤسسات الاستطلاع الاطلالة على اجواء الناخبين بعد المؤتمر العام، من السابق لاوانه الاعتماد على مؤشرات تظهر تقدم دونالد ترامب وتجسيره الهوة مع منافسته هيلاري كلينتون، والتي قيل انها تتراوح عند 43% لكلينتون مقابل 42% لترامب.

خطابات المتحدثين
حافظ الرئيس الاسبق بيل كلينتون على تصدره المشهد داخل المؤتمر، بعد غياب طويل عن الخطب العامة آخرها كان للترويج لحملة الرئيس اوباما لولاية ثانية في عام 2012، مما اسهم في الحاق الهزيمة بمنافسه ميت رومني.
الأمر هذه المرة يتعلق بزوجته المرشحة، ولجأ الى سرد قصص وروايات واحداث شخصية تخللها بعض المرح في مسعى لتأهيلها انسانيا ورد على الحملات المعادية التي تتهمها بالعجرفة.
رمي كلينتون لارساء صورة جادة في اذهان الجمهور بأن المرشحة عقيلته هي من النوع “الطامح للتغيير .. انظروا ان كنتم جادين في احداث تغيير من الاسفل للاعلى، وهي عملية شاقة، فان هيلاري هي خياركم لادارة التغيير وتحسين حياة الناس.”
واسرف كلينتون في تعداد مزايا زوجته منذ صقل وعيها مبكرا لتبني مطلب المساواة والعدل ابان فترة دراستها الجامعية؛ وابرز انجازاتها كان عملها سويا مع رئيس الاغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ آنذاك توم ديليه لتخصيص موارد مالية لبرنامج تبني اطفال خارج اطار الرعاية بالتبني.
وتصدى الرئيس الاسبق لاتهامات خصومه الجمهوريين للمرشحة كلينتون، والتي احتلت جزءا كبيرا من مؤتمر الحزب الجمهوري، بأنها غير صحيحة بل ضرب من الخيال في سعي الخصوم لتهميشها. بيد ان الرئيس كلينتون لم يتطرق الى اي من تفاصيل القضايا ضدها خاصة تلك المتعلقة بحادثة مقتل السفير الاميركي في بنغازي، او “ادارتها” لحزمة واسعة من الرسائل الالكترونية. الأمر الذي سيلاحقها في الفترة الحرجة المقبلة خاصة بين صفوف الناخبين المستقلين.
القت السيدة الاولى، ميشيل اوباما، خطابا ايضا في المؤتمر اثبت قدرتها الخطابية بعد تأهيل استمر نحو 8 سنوات، شددت فيه على الفرصة التاريخية الاولى لانتخاب امرأة كرئيسة للولايات المتحدة.
ايضا تنادى الرئيس باراك اوباما ليخاطب الحضور وجمهور الناخبين، ليس لتعداد مزايا المرشحة كلينتون فحسب، بل للحفاظ على سجله وارثه الرئاسي وتسليمها الامانة التي ستتمسك بها لتحقيق ما لم يستطع انجازه امام سلطة تشريعية معادية ومعطلة. واشار بعض المعلقين الى اطلالته على اتهامات ترامب المزمنة باسلوب بلاغي رصين اعتبر افضل رد على اتهامات الحزب الجمهوري له طيلة السنوات الثمانية الماضية، لا سيما مطالبته بابراز شهادة ولادته. وبلغ به الحماس لهيلاري بالاشادة الى خبرتها الطويلة والمكثفة لتبوأ منصب الرئيس “افضل مما كان عليه وضعه الذاتي (في البداية) وكذلك افضل من بيل كلينتون نفسه.”
أتت ذروة الاشادة بهيلاري لختامها بخطاب طال انتظاره، وهي التي لا تحسب من بين الخطباء البارعين، لكنها حافظت على مهنية الاداء والظهور بمظهر لائق لمنصب الرئيس. ومدت يدها لمنافسها السابق بيرني ساندرز والاشادة بانجازه في طرح القضايا الاجتماعية والاقتصادية على راس الاولويات، وحرصها على تبنيها وتطبيقها. وسارت على ذات المنوال لمن سبقوها في الخطاب بالاشارة الى المعتقدات والبرامج التي تنوي انجازها، وابتعدت كل البعد عن التطرق لاتهامات خصومها وظلال الشك التي ترافقها على خلفية بريدها الالكتروني.
في خطوة مدروسة بعناية ذكرت حرصها على “أمن اسرائيل،” كاحد ركائز سياساتها وتوجهاتها المقبلة، مما ارسى انطباعات متعددة بأن الملاحظة جاءت من خارج السياق والاولويات الداخلية ومحاربة الارهاب.
الايام والاسابيع المقبلة ستلقي نظرة على مدى تفاعل الجمهور مع خطابها وتوجهات الحزب الديموقراطي، وما ستؤول اليه الفضائح السياسية المتلاحقة.

فضيحة البريد الالكتروني
المقصود باحدث اكتشاف هو مضمون الرسائل الالكترونية بين قيادات اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي، بلغت نحو 20،000 رسالة متبادلة، من ابرز محتوياتها توجه قادة اللجنة لاقصاء ومحاصرة بيرني ساندرز وترجيح كفة هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية. فضلا عن مراسلات تحرج اصحابها في شأن التبرعات المالية، واوصاف مهينة لذوي الاصول اللاتينية، واشتراط المتبرعين على الوفاء بالتزامهم مقابل تعيينهم في مناصب رسمية عليا. وما خفي كان اعظم.
كان لا بد لقادة الحزب التفتيش عن كبش فداء يمكن الاستغناء عنه، ووقع الخيار على رئيسة اللجنة الوطنية، ديبي واسرمان شولتز، لحرف الانظار عن قضايا أهم واشد حساسية كفضائح بريد السيدة كلينتون الالكترونية، والهاء العامة باجراء شكلي لا يسمن ولا يغني من مكاسب، يسري مفعوله عقب انفضاض المؤتمر.
لاضفاء مصداقية على اجراء قيادات الحزب سحبت ميزة ادارة المؤتمر من رئيسة اللجنة وحرمتها من اعتلاء منصة المؤتمر لدرء تصرف قد يحرج الحزب فيما يخص بالسماح للمتحدثين مخاطبة المؤتمر. بل وصل التحريض الشكلي ضدها الى اسكات مندوبي ولايتها فلوريدا محاولاتها التحدث لهم وباسمهم، والتشويش عليها.
امعانا في استيلاد كبش فداء روج الرسميون الاميركيون وقادة الحزب الى ضلوع روسيا في عملية القرصنة، دون ادنى حرج لتقديم دليل مادي يعزز ارضية الاتهام، لاحراج الحزب “وخدمة حملة ترامب،” الذي بلغ به الحماس الأعمى مناشدة روسيا بالكشف عما لديها من ادلة تدين منافسته كلينتون.
احدى القضايا البارزة في المراسلات الالكترونية التعرض لديانة بيرني ساندرز اليهودية والتشهير بها والتي تغاير منطق السياسة بالكامل، ويعيد الانظار الى ان الفاعلين هم من كبار المتنفذين في قرار الحزب الديموقراطي لابعاد مسألة تعامل كلينتون ببريدها الالكتروني ابان تصدرها وزارة الخارجية، واخراجها من التداول، كما اسلفنا. السبب هو ان المؤسسة الحاكمة بجناحيها، الديموقراطي والجمهوري، تُفضّل ان يتم تسليم البيت الابيض لهيلاري كلينتون، كما صرح بذلك علنا بعض قادة الحزب الجمهوري الغاضبين.
اما الولايات المتحدة نفسها لا تتورع عن التدخل والتأثير على سير عمليات انتخابية في مناطق مختلفة من العالم، تحت غطاء الحرية والديموقراطية وتجويفه من مضمونه.
سبق وان وجهت اميركا اتهامات القرصنة لروسيا، حقا او باطلا، وينسب الأمر عادة الى “مسؤول أمني او رسمي كبير،” دون الحاجة لتقديم اي ادلة. تجسد العام الماضي باتهام روسيا اختراق اجهزة وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الاميركيتين، وعثورها على “ادلة” تشير الى منشأتين ورائهما روسيا، كوزي بير و فانسي بير، مصدرهما حساب بريدي اسمه “غوسيفر 2.0.” وتجددت الاتهامات لتلكم المنشأتين في بريد اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي. ورد سابقا ان “غوسيفر” عرف عن هويته بأنه من رومانيا ولا يتقن التخاطب باللغة الروسية.
هوية القرصان او القراصنة لا زالت في خانة التكهن، ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن “مسؤولين اميركيين كبارا” قولهم ان الانظار لا تنصب على شبكة ويكيليكس التي نشرت مضمون الرسائل المذكورة، بل تعقب اختراقات روسية تقف وراءها الحكومة الروسية (29 تموز الجاري).
واضافت الصحيفة ان الاعتقاد السائد لدى اوساط المسؤولين الاميركيين ان مجموعة “كوزي بير” اخترقت اجهزة الحزب الديموقراطي في صيف العام 2015، والاخرى “فانسي بير” نجحت في اختراقها في شهر نيسان الماضي. واستطردت الصحيفة ان كلا من وكالة الاستخبارات الدفاعية ومكتب التحقيق الفيدرالي، اف بي آي، احجما عن التصريح بضلوع المنشأتين المذكورتين وارتباطهما بالحكومة الروسية واجهزة استخباراتها.
ونبهت الصحيفة الى ان مجمل ما يعتبر من ادلة حول اعمال القرصنة مصدره “تصريحات مجموعتين اميركيتين تختصان بالأمن الالكتروني، “فاير آي” و “كراودسترايك،” واللتان لديهما عقود مربحة مع الحكومة الاميركية.
شبكة ويكيليكس وعدت بنشر المزيد من الادلة الدامغة ضد هيلاري كلينتون، والتي من شأنها ان تحيلها الى القضاء في ظل نظام قضائي محترم؛ وما علينا الا الترقب والانتظار للملفات المقبلة التي تردد انها تتضمن معلومات اولية صريحة بادانة السيدة كلينتون وآخرين.