المقدمة
رغم انشغال العامة بتطورات السباق الانتخابي في اميركا، الا ان قضايا اخرى “منتقاة” تزاحم المشهد الاعلامي، آخرها كان “بروز” قضية تسلم ايران لمبلغ 400 مليون دولار نقدا “بالتزامن مع اطلاق سراح سجناء اميركيين محتجزين في طهران،” مطلع العام الجاري، مما اعاد الى الواجهة تنشيط الجدل المعارض للاتفاق النووي الذي تم التوصل اليه.
سيستعرض قسم التحليل توزيع الخارطة الانتخابية الاميركية فيما يخص الصوت اليهودي، ودوره الفاعل الذي يتعدى حجمه الحقيقي في تقرير مصير الانتخابات. كما ستجري مراجعة جهود الحزب الجمهوري لتعديل نسبة حضور اليهود بين صفوفه واطلاق تصريحات مؤيدة “لاسرائيل” للتنافس مع توجهات الحزب الديموقراطي. اللافت في هذه الدورة الانتخابية ان مسألة مستقبل العلاقة “الاميركية الاسرائيلية” لا تحظى بالاولوية التقليدية السابقة بين الجمهور العام.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
جدل مقايضة اميركا لايران
سارعت المؤسسات الاعلامية والمراكز البحثية بالانضمام لحملة اتهام ادارة الرئيس اوباما بالرضوخ لشروط ايران ودفعه “فدية” مالية لها بلغت 400 مليون دولار لقاء اطلاق سراح عدد محدود من الاميركيين المحتجزين في طهران.
واوضح مركز السياسة الأمنية ان السجل التفاوضي لايران لا يبعث على الارتياح “وتصديق (رواية) انه لا يوجد علاقة بين الاتفاق النووي واطلاق سراح السجناء الاميركيين هو ضرب من المستحيل.” ورجح المركز فرضية “حاجة ادارة الرئيس اوباما الماسة لحمل ايران اطلاق سراح الاميركيين كجزء مكون من الاتفاق النووي بيد انه تلقى رفض ايران لحين رفع العقوبات المفروضة عليها ..” وزعم انها ليست المرة الاولى التي “تقدم ادارة الرئيس اوباما على دفع فدية لايران، بل سبقها دفع مبلغ 500،000 لكل فرد محتجز في طهران من طاقم المتجولين على الاقدام عام 2011 عبر وساطة حكومة عُمان.”
Secret Ransom Payment Is More Evidence of the Enormous Fraud of…
“تمدد “اسرائيل
لفت المجلس الاميركي للسياسة الخارجية الانظار الى تنامي الحضور “الاسرائيلي” عبر العالم مرجحا اولوية قضايا اخرى لدى “الدول على امتداد الشرق الاوسط وافريقيا وآسيا (تفوق أهميتها) الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني ووضع مدينة القدس.” واضاف ان لتل ابيب “علاقة وثيقة مع مصر .. نظرا لتشاطرهما القلق من النشاطات الارهابية في صحراء شبه جزيرة سيناء.” واضاف ان علاقات تل ابيب تشهد انتعاشا اقليميا ايضا جسده “زيارة ضابط استخبارات سعودي متقاعد لاسرائيل على رأس وفد من الاكاديميين ورجال الاعمال، مما يشير الى تنامي حاجة الرياض لتوثيق علاقاتها مع (تل ابيب) في ظل مواجهة كليهما تنامي النفوذ الايراني.” واردف انه على الرغم من الأهمية المرافقة لتلك العلاقات “الا ان ما هو اكثر اثارة للاعجاب نجاحات اسرائيل في افريقيا ..”
http://www.afpc.org/publication_listings/viewArticle/3253
سوريا
دق معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى ناقوس الخطر للنجاحات الميدانية التي يحققها الجيش العربي السوري “وسيطرته على دمشق” التي تعزز وضع الرئيس الاسد، اذ ان “من يسيطر على دمشق يسيطر على سوريا .. ووسع الجيش السوري سيطرته من جرمانا الى جهتي طريق مطار” دمشق الدولي؛” كما ان التقدم في مدينة حلب وضع “المعارضة السورية في موقف صعب.” واضاف ان قوى المعارضة المسلحة “فقدت الأمل في ان ينقذهم اي تدخل خارجي لأن غرفة (مركز العمليات العسكرية) في عمان .. لم تعد تعطي اولوية لدعم هجوم (منسق) ضد النظام السوري بل ضد تنظيم الدولة الاسلامية.” واستدرك المعهد بالقول ان “العاصمة السورية تعتبر هادئة نسبيا، اذ تعمل الخدمات العامة بشكل طبيعي، والمطار الدولي يعمل من جديد، كما ان الطرق الرئيسة المؤدية لحمص ودرعا وبيروت آمنة.” وشدد المعهد على ان الشعور الاستقلالي للرئيس السوري افضى الى “عدم حاجته (لمساعدة) الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدفاع عن مجال دمشق الجوي، (مما) يقلل احتمال رضوخه للضغوط الروسية، ناهيك عن الضغوط الدولية الاخرى.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/damascus-control-emboldens-assad-nationally
مصر
حاضر العلاقات المصرية الاميركية كان محور اهتمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في ظل “التغيرات على امتداد السنوات الخمس الماضية والتي هزت العلاقة الثنائية من اساسها.” واوضح ان “الموقف الاميركي الرسمي ناحية كل من حكومتي محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي لم يؤدي لكسب بضعة اصدقاء.” واضاف ان تفاقم العلاقات “كان حاضرا لدى الطرفين، فالعديد على الجانب الاميركي يعتقدون ان المصريين اضاعوا فرصا ثمينة – اولا لتحقيق انفتاح ديموقراطي حقيقي، وتسخيره لرسم معالم توجه فعال لمعالجة بعضا من الصعوبات المصرية المستدامة، بما فيها مسألتي تفشي الفقر وانتشار التطرف.”
https://www.csis.org/analysis/making-choices?block1
ليبيا
رحب معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى استئناف واشنطن للغارات الجوية في ليبيا لما يشكله من “انتصار لحكومة الاتفاق الوطني .. والتي جاءت ثمرة لطلبها، وبما يتسق مع النهج الاميركي الشامل لمواجهة الجماعة الجهادية،” واعتبر القرار الاميركي “خطوة اضافية (من واشنطن) تتخطى آفاق (الدور) الذي كانت تعترف به سابقا ..” خاصة لناحية “تزامن الغارات مع حادث تحطم طائرة هيليوكبتر في بنغازي ومقتل ثلاثة من عناصر القوات الخاصة الفرنسية في تموز/يوليو.” واوضح انه بصرف النظر عن معارضة “حكومة الاتفاق الوطني” للوجود الفرنسي في بنغازي فإنه دليل على تقديم “الفرنسيين مساعدة غير علنية في المعركة التي يشنها خليفة حفتر ضد القوى الاسلامية.” واضاف ان حكومة طرابلس، برئاسة فايز السراج، اتخذت خطوات ملحوظة للامام .. لارساء مصداقيتها؛ ولا يزال امامها شوطا طويلا، وسوف تشهد كل يوم صراعات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة.” وخلص بالقول ان حادث القوات الخاصة الفرنسية سوف تثبت طمأنة شرائح من المجتمع الليبي حول الضربات الجوية الاميركية بأنها تشكل تحديا سياسيا .. اذ ان اضعاف تنظيم الدولة الاسلامية سيؤدي الى تعزيز حكومة الوفاق الوطني، ويسهم ايضا في تقوية مكانة الولايات المتحدة في ليبيا ..”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/u.s.-strikes-islamic-state-in-libya
المغرب
استعرض معهد ابحاث السياسة الخارجية امكانية عودة الرباط لكنف الاتحاد الافريقي “وتداعياته على السياسة الخارجية الاميركية” في المنطقة، في ظل خلافات مستعصية بين الرباط والجزائر حول وضع الصحراء الغربية. واضاف ان “كلا من الجزائر والمغرب يقدم فوائد استراتيجية هامة للولايات المتحدة على صعد متعددة، ولذا عليها الاستمرار في سياسة الانخراط المزدوج” معهما. واوضح ان “الجزائر بلد قوي واثبت حضوره كشريك في مكافحة الارهاب بينما لم يقطف المغرب ثمار جهوده “الناعمة” في مكافحة الارهاب التي اعلن عنها بشكل واسع.” واضاف ان الرباط اعربت عن “استعدادها وانفتاحها للتعاون وتشجيع الانخراط مع الولايات المتحدة في مجالات تتعدى الشراكة العسكرية .. بينما في الشق المقابل تبدو الجزائر اسيرة اجواء الحرب الباردة وقناعتها بأن (الآخر) بحاجة اليها اكثر من حاجتها اليه.” واعتبر المعهد ان الموقف الاميركي الرسمي من قضية الصحراء الغربية “يتخذ مقعدا خلفيا، يدعم ضمنا مطالب المغرب، وفي نفس الوقت اصدار ايماءة رأس ناحية الجزائر بالاعتراض على مسألتي تقرير المصير وحقوق الانسان.” وشدد المعهد على ضرورة استمرار انخراط واشنطن في تطورات المنطقة واشراك الجزائر والمغرب سويا مع دول الاتحاد الافريقي والساحل ايضا.
Morocco’s New Africa Policy? The African Union, Algeria, and Implications for U.S. Foreign Policy
تركيا
اعرب صندوق مارشال الالماني عن اعتقاده بأن احدى نتائج محاولة الانقلاب الاخيرة كانت “تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية والتضامن بين صفوف النخبة السياسية التركية والمجتمع التركي.” كما اعتبر الدول الغربية “فشلت في تفهم موجات الغضب التركية حيال محاولة الانقلاب، وما نجم عنها من تعزيز الشعور الوطني .. مما يهدد ليس الحكومة التركية فحسب، بل المجتمع التركي بأكمله، ومن ضمنه النخب الموالية للغرب.” وحذر من تمادي الحكومة التركية في اجراءاتها القمعية وملاحقتها للطرف الآخر “والتي لن تحقق الاستقرار الداخلي طويل الأجل او مكانة البلد في المجتمع الدولي.”
http://www.gmfus.org/blog/2016/08/02/coup-attempt-unifies-turkey-could-distance-west
اعرب معهد هدسون عن اعتقاده وخشيته في آن من “ميل بوصلة تركيا نحو روسيا” وما يترتب عليها من ردود فعل اميركية. وشدد على انه لا ينبغي تفسير الموقف الرسمي الاميركي بأنه “منزوع الخيارات .. ويتعين على الولايات المتحدة توسيع نطاق دوائر اهتماماتها ابعد من تنظيم الدولة الاسلامية لتشمل مصالح تركيا الاستراتيجية في سوريا. كما يتعين عليها تعديل لهجة انتقاداتها (للرئيس) اردوغان، الذي اضحى شعوره بجنون العظمة مبررا عقب محاولة الانقلاب.” وحث المعهد الرئيس اوباما وادارته الاتعاظ بتجربة الرئيس السابق جورج بوش الابن حيال باكستان، عام 2007، التي “عملت بعيدا عن الاضواء لتوفير حوافز وكوابح من شأنها التأثير على قرار الرئيس الباكستاني برويز مشرف ونزع فتيل الأزمة.” واوضح بما لا يدع مجالا للشك انه يتعين على السياسة الاميركية “الوقوف الى جانب الحكومة التركية المنتخبة ديموقراطيا، وفي نفس الوقت حث الرئيس ادروغان من خلف الستار على ضبط النفس في مواجهة خصومة الداخليين.” بل الأهم من ذلك كله، يقول المعهد، على الولايات المتحدة “تقديم ضمانات لتركيا حول مستقبل النظام السياسي المقبل في سوريا وفي نفس الوقت توثيق تعاونها (مع تركيا) في مواجهة حزب العمال الكردي.”
http://www.hudson.org/research/12702-turkey-s-tilt-toward-moscow
التحليل
خريطة الصوت اليهودي في الانتخابات الاميركية
التركيبة السكانية مؤشر هام
حظي السباق الرئاسي لهذا العام بسلسلة اهتمامات، بعضها من خارج السياق المعتاد، تستدعي متابعتها بدقة للتوقف امام “التنبؤات” بتصويت القسم الاعظم من شرائح معينة، سواء لمرشح معين ام للانخراط في عملية التصويت برمتها. في هذا الصدد سنسعى لتسليط الضوء على اليهود الاميركيين، بمختلف توجهاتهم السياسية، وبتركيز ادق حول مدى تجاوبهم، سلبا ام ايجابا، مع الحملات المكثفة من قبل الحزب الجمهوري لاستقطابهم.
درجت العادة على تمحور معظم اصوات اليهود في اميركا قياسا مع مدى تطابق مواقف المرشحين من مسألة “الدعم المطلق وغير المشروط لاسرائيل،” وميل الاغلبية الكبرى منهم لدعم الحزب الديموقراطي. بيد ان الملاحظ في هذه الدورة تراجع تلك “الاولوية” بعض الشيء، بما فيها التردد عن تأييد اكبر للحزب الجمهوري.
رصدت اسبوعية ذي اميركان كونسيرفاتيف، المحافظة، بوصلة توجه يهود اميركا منذ بداية حملة الانتخابات التمهيدية، واوضحت في عددها الصادر يوم 5 كانون الاول / ديسمبر 2015، ان “انخراط اليهود في مجمل العملية الانتخابية هو في تراجع .. بل ان (الموقف من) اسرائيل اضحى اقل أهمية لمعظم اليهود الاميركيين” مقارنة مع توجهات كبار الممولين والاثرياء اليهود وعلى رأسهم “صاحب امبراطورية الكازينو شيلدون اديلسون” وآخرين.
واضافت ان استطلاعاتها لتوجهات اليهود في اميركا تدل على ميل الاغلبية لتأييد سياسة ادارة الرئيس اوباما الشرق اوسطية “ومن ضمنها تأييد الاتفاق النووي مع ايران.” معظم استطلاعات الرأي، منذئذ، تشير الى تنامي قلق اليهود في اميركا من “تهديد تنظيم الدولة الاسلامية (باستهدافه) مراكز وتجمعات لليهود في اوروبا.”
للدلالة على ذلك، نشير الى نتائج استطلاع اجراه معهد بيو للابحاث اوضح فيه ان نحو 40% من اليهود تعتبر الموقف من “اسرائيل” يحظى باولوية اهتماماتها.
جملة من الاسئلة الهامة تلاحق مسألة التعرف عن قرب لتوجهات اليهود في اميركا، في الدورة الانتخابية الراهنة: الحجم الاجمالي؛ نسبة التأييد لكلا الحزبين؛ مدى التجاوب مع سعي الحزب الجمهوري الحثيث لاستقطاب نسبة معتبرة لجانبه وتماهي اساليبه الاستقطابية مع منافسه الحزب الديموقراطي؛ توقعات التوجهات الانتخابية المقبلة ..الخ.
احدث الاحصائيات المعتمدة تشير الى ان نسبة اليهود في المجتمع الاميركي لا تتعدى 2% من مجموع السكان؛ تبلغ نسبة المسجلين في الدوائر الانتخابية والمشاركين 90% منهم “مقابل اقدام نسبة 74% لعموم الاميركيين.” التوزيع الديموغرافي لليهود يشير الى نسبة 70% منهم تقطن في ولايات معدودة “نيويورك، كاليفورنياـ فلوريدا، نيو جيرسي، الينوي وبنسلفانيا.” الولايات المذكورة تلعب دورا حيويا في تقرير نتائج الانتخابات العامة اذ تحظى بــ 167 مندوب من مجموع 270 في المجلس الانتخابي – الكلية الانتخابية، وهي نسبة تتجاوز النصف التي يحتاجها المرشح لاعلان النتائج النهائية للفوز.
التوزع الانتخابي لليهود يشير الى شبه ثبات النسب المؤيدة للحزبين: 61% لصالح الحزب الديموقراطي، مقابل 29% لصالح الحزب الجمهوري وفق احدث البيانات الصادرة عن معهد غالوب لعام 2015. واستدرك المعهد بالقول ان “اغلبية المتدينين اليهود من الذكور .. الذين يشكلون نحو 19% من المجموع العام، تميل للتصويت لصالح الحزب الجمهوري.” وعليه، باستطاعتنا استبعاد عامل القربى في حسم التوجهات الانتخابية، خاصة لاعتقاد البعض ان قرينة ترامب اعتنقت الديانة اليهودية وتزوجت من يهودي، واستمرار دعم الاغلبية منهم للمرشحة هيلاري كلينتون.
ينبغي الاشارة الى توزيع تصويت اليهود في اميركا في الدورة الانتخابية عام 2008، التي تتوفر بياناتها، وفق معهد بيو. اذ تدل الاحصائيات الى تصويت نحو 87% من اليهود لصالح الحزب الديموقراطي؛ وتراجعت النسبة في انتخابات عام 2014 النصفية اذ بلغت 66% لصالح الديموقراطيين.
أهمية تصويت اليهود
عوّل الحزب الجمهوري طويلا على استقطاب شريحة معتبرة من اليهود الاميركيين لصالحه، واعتقد قادته ان حملة 2016 الانتخابية تشكل فرصة سانحة لكسب المزيد الى صفوفه. وسرعان ما تبددت تلك الطموحات بسبب القلق المتنامي من توجهات وعدم ثبات المرشح دونالد ترامب عند موقف محدد.
اوضحت يومية بوليتيكو، في عددها الصادر يوم 16 أيار/مايو 2016، ان “بعض اليهود يعتبرون ترامب لعنة عليهم، بمن فيهم شريحة المحافظين اليهود” عينهم. واضافت اسبوعية ذي اميركان كونسيرفاتيف، سالفة الذكر، انه يتعين على قادة الحزب الجمهوري الاقلاع عن توقعات تشير الى تحقيق اختراق كبير في نسبة دعم اليهود لحزبهم.
تحذير النشرة المذكورة ينطوي على ادراك مسبق رمت لترسيخه لناحية ميل اصوات اليهود في الولايات “الحاسمة” لترجيح كفة دون اخرى. الأمر الذي وجد ارضية صاغية في اوساط قادة الحزب وعدد من نخبه الفكرية والاعلامية الذين سارعوا لاعلان دعمهم للمرشح الخصم، هيلاري كلينتون، وتسجيل امتعاضهم من تصريحات مرشح الحزب دونالد ترامب، عل ذلك يخدمها في الدورات الانتخابية المقبلة.
تعديل الاولويات في توجهات يهود اميركا ذهبت الى تصدر الاوضاع الاقتصادية على ما عداها من اهتمامات تقليدية، مستقبل “اسرائيل،” حسبما افادت اللجنة الاميركية لليهود في نتائج استطلاعاتها لتوجهات اليهود. واضافت ان “القلق من حالة الاقتصاد تقدم بنسبة 5 اضعاف على اسرائيل،” في المرتبة الاولى؛ مقابل 15% اعربوا عن اعتقادهم بأولوية “اسرائيل” لديهم.
في هذا الصدد، تجدر الاشارة الى تركيز الحملات الدعائية لشريحة الحزب الجمهوري المؤيد “لاسرائيل” تبتعد عن مراضاة واستقطاب العنصر اليهودي والتركيز على كسب اصوات المتدينيين المسيحيين، الشريحة الثابتة في دعم الحزب؛ مع استناد قادة الحزب الى نتائج دراسات حديثة حول توجهات اليهود التي اشارت الى انتظام نسبة ضئيلة لا تتعدى 17% من اليهود، من الفئة العمرية 18-29، في تأييد الحزب الجمهوري.
نفوذ اليهود
من البديهي ان اي محاولة لسبر اغوار اليهود في اميركا لا تستقيم او تحدث توازنا ان تخلت عن التعرض لنفوذ اليهود في صنع القرار السياسي الاميركي، ومن ورائه لعب دور مميز في المصالح الاميركية الكونية – الامبريالية. بيد ان الأمر بحاجة الى فصل خاص وموسع نظرا لتشابك المسألة مع مصالح اقتصادية عالمية، مما لا يتسع لها الحيز ادناه. لكننا نستطيع الاشارة الى جملة من العناوين التي تقرّب الصورة من المشهد الحقيقي.
من الفرضيات المسلم بها تمايز النفوذ الحقيقي عن الحجم الفعلي والديموغرافي لليهود., للدلالة، اوضح المدير السابق للشؤون القومية في اللجنة اليهودية الاميركية، ستيفن ستاينلايت، المسألة مطلع العام 2001: يتمتع اليهود “بقوة سياسية لا تتناسب مع عددهم .. وهي اعظم من (نفوذ) اي مجموعة عرقية او ثقافية في اميركا.” تلاه اقرار عدد من الكتاب اليهود الاميركيين تباعا، وآخرين ايضا.
في المشهد الانتخابي الاميركي، صرح احد الاعضاء البارزين في مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الاميركية، عام 1996، ان اسهام اليهود في حملة انتخاب الرئيس بيل كلينتون بلغت نحو 50% من مجموع اموال الحملة الانتخابية لولايته الرئاسية الثانية. والأمر لا يشذ عن تلك القاعدة في السباق الانتخابي لهذا العام خاصة فيما يتعلق بالمرشحة هيلاري كلينتون.
الكاتب الاميركي اليهودي، الفريد ليلينثال، وضع دراسة مفصلة في الأمر قيد البحث بعنوان الرابطة الصهيونية – ما هو ثمن السلام، عام 1978، للتعرف على مساعي الحركة الصهيونية التأثير في القرار الاميركي “وتنتشر تلك الصلة اليهودية الصهيونية في مناطق المدن الكبرى .. والسيطرة الاعلامية (لليهود) هي اكثر مكونات الصلة اليهودية فاعلية” وتأثيرا.
الاميرال ورئيس هيئة الاركان المشتركة الاسبق، توماس مورَرْ، اعرب عن معارضته الواضحة للنفوذ اليهودي في القرار الاميركي، في مقابلة اجراها في 24 آب/اغسطس 1983، قائلا “لم ار ابدا رئيسا اميركيا .. ايا كان .. يقف في وجههم” اللوبي “الاسرائيلي.” ومضى “ان ذلك يحير العقل، فهم يحصلون دائما على ما يريدون .. وصلت يوما الى درجة الامتناع عن تدوين اي شيء.” واخطر ما جاء في تصريحاته انه “لو علم الاميركيون مدى سيطرة هؤلاء الناس على (قرارات) حكومتنا لحملوا السلاح وثاروا” ضدها.
العامل الديموغرافي لليهود
يجهد بعض الباحثين الى تصنيف توجهات اليهود في اميركا بأنها تميل الى التيار الاصلاحي والاقلية تميل لتيار المحافظين. ووفق تفسير المؤرخ العربي نصير عاروري فإن “الاغلبية الساحقة في الجالية اليهودية في اميركا” تدعم كلا التيارين بنسب متفاوتة نكاية بتيار الارثوذوكس الاقرب لتوجهات المستعمرين في مصادرة الاراضي الفلسطينية، بيد ان “الشعور بالاغتراب لا يزال أمرا مزعجا لقادة الجالية اليهودية في اميركا ..” ويضيف ان هوية “اسرائيل” بالنسبة لعدد كبير من يهود اميركا تراجعت اذ اعتبرها “بعض علماء اللاهوت بأنها تمثل نهاية التاريخ اليهودي.”
في بعد التحولات التي طرأت على توجهات يهود اميركا، اشارت يومية نيويورك تايمز الى دراسة اجريت قبل نحو اربع سنوات توضح فيها تقلص اعداد اليهود “الليبراليين والاثرياء المترفين .. لصالح مجموعات الارثوذوكس مثل المجموعة الحسيدية” التي تتخذ من احياء بروكلين في نيويورك مقرا لها.
واضافت ان نحو 40% من يهود مقر المصارف العالمية يميلون لتأييد الارثوذوكس، بينما ترتفع نسبة التأييد بين جيل الاطفال اليهود الى 74%. من المعروف ان تلك الشريحة من اليهود تخشى من الاندماج في المجتمع وتقوقع على نفسها، وبلغت نسبة تأييدها لمرشح الحزب الجمهوري، ميت رومني، 51% مقابل 43% للرئيس اوباما.
العلاقة بين تياري اليهود الاميركيين طردية: تراجع حجم التوجهات الليبرالية يقابله تنامي حجم التيارات المتشددة المعروفة بالارثوذوكس. كما ان كلا مجموعتي التيار الليبرالي، الاصلاحيين والمحافظين، وفق التصنيفات المعتمدة، خسرت نحو 40،000 عضو لكل منها بين اعوام 2002 – 2011.
كما تجدر الاشارة الى ابتعاد يهود اميركا عن التأييد “الاعمى لاسرائيل،” وفق دراسة الصحيفة، وتراجع حجم اليهود الزائرين لفلسطين المحتلة الى نسبة 20%. اما اليهود الاميركيين الزائرين والمقيمين في فلسطين المحتلة، وتقدر اعدادهم بنحو 150،000، فيميلون للتصويت لصالح الحزب الجمهوري؛ وهي الشريحة التي تشعر بالاحباط الشديد من سياسات الرئيس اوباما ويرجح تصويتها للمرشح دونالد ترامب، الذي قوبل بموجة تصفيق عالية عند اعتلائه منصة الخطابة امام مؤتمر ايباك الاخير.
تأييد النخب اليهودية بمعظمها يتجه نحو هيلاري كلينتون، بيد ان مجمل تأييد اليهود للحزب الديموقراطي في تراجع، نظرا لكثافة الانجاب بين صفوف الارثوذوكس مقابل التيارات الليبرالية التقليدية.
للدلالة، تشير البيانات الانتخابية الى تأييد نحو 87% من اليهود لمرشحي الحزب الديموقراطي في جولة الانتخابات النصفية عام 2006؛ اما في دورة عام 2014 للانتخابات النصفية فقد تراجعت نسبة تأييد الحزب الديموقراطي الى 66% بين اليهود. ومن المرجح اتساع الفجوة مرة اخرى في الجولة الحالية “قد” تذهب لصالح المرشح ترامب في الولايات فائقة الأهمية.
يقطن ولاية فلوريدا “الهامة” نحو نصف مليون من الناخبين اليهود، وتحظى الولاية بـ 29 صوت من المندوبين للهيئة الانتخابية، بما يشكل ما ينوف عن 10% من اصوات المندوبين الضرورية لفوز المرشح ترامب.
الرئيس السابق لحملة نيوت غينغريتش في فلوريدا، ستيف ابرامز، اوضح ان نسبة التعديل المطلوب لصالح المرشح الجمهوري “لا تستدعي تحول الاغلبية .. فاصوات اليهود يمكنها تعديل بوصلتها بنسبة تتراوح بين 2-3% كي تؤثر في المحصلة النهائية لاصوات الولاية.”