المقدمة
تلقى المرشح الجمهوري دونالد ترامب منتصف الاسبوع اول “ملخص تقرير استخباراتي” عبر مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، استغرق نحو ساعتين من الزمن، كجزء من تقليد المؤسسة الأمنية لاطلاع المرشحين الرئاسيين على “موجز” استخباراتي وأمني للاوضاع العالمية.
تزامن اللقاء مع تصريحات ادلى بها ترامب محملا مسؤولية “ولادة تنظيم الدولة الاسلامية للرئيس اوباما ووزيرة خارجيته (آنذاك) هيلاري كلينتون،” مما اثار موجة توترات جديدة داخل المؤسسة ووممارستها الضغط عليه لسحب تصريحه على الفور، زاعما انه كان يسخر من المسألة ليس الا.
الثابت راهنا ان “الحرب الاميركية على الارهاب” ستبقى حاضرة في السياق والخطاب السياسي لحين الانتخابات الرئاسية، يجيرها كل طرف لصالحه مهما استطاع سبيلا. بيد ان قلة من السياسيين يؤيدون اتهام ترامب، حتى وان لم يوفر الدليل القاطع، بالاشارة الى مقابلة اجراها مستشار الأمن القومي الاسبق، زبغنيو بريجينسكي، مطلع عام 1998، اوضح فيها ان ولادة تنظيم طالبان تم في 3 تموز/ يوليو 1979، اي قبل الدخول السوفياتي لكابول بخمسة أشهر، في 24 كانون اول/ ديسمبر 1979. مستطردا ان الرئيس الاميركي جيمي كارتر صادق على مذكرة لتقديم الدعم (العسكري) سراً لمناهضي النظام الحاكم في كابول والذي “سيفضي الى تدخل عسكري سوفياتي” هناك بالضرورة.
سيستكمل قسم التحليل استعراض التيارات والكتل الاجتماعية الاميركية المؤثرة في الانتخابات الرئاسية، ويلقي الضوء على التجمع الديني المتشدد، الانجيليين المسيحيين، الذي لعب ولا يزال دورا هاما في حشد التأييد للحزب الجمهوري بشكل خاص؛ وآفاق نفوذه في تقرير مصير الانتخابات المقبلة.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
مقاتلي داعش الى اين؟
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية آفاق مستقبل المنطقة في حال الحقت الهزيمة بتنظيم الدولة “وخسارته لمراكز الكثافة السكانية التي يسيطر عليها في العراق وسوريا .. وكذلك الشريط الساحلي في محيط مدينة سرت الليبية،” ومصير قواته المسلحة التي تعد “بعشرات الآلاف.” واوضح انه من المرجح عودة البعض منهم الى مواطنهم الاصلية “او البقاء في مواقعهم، بينما سيتوجه البعض الآخر لفتح جبهات جديدة في المنطقة (العربية) او في آسيا الوسطى وجنوبها.” واضاف انه بصرف النظر عن هوية وتسمية التنظيم الجديد “يرجح محافظته على التطرف الاسلامي والتتمسك بالعنف .. وتهديد كافة الانظمة المعتدلة في العالم الاسلامي؛ الى أجل غير مسمى.” واشار المركز الى ان المكونات والعوامل والدوافع “السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية” التي ساهمت في بروز جسم التنظيم “في بداية عام 2011 قد تفاقمت حدتها؛ وواكبتها سوءا التوترات التي عصفت بالجاليات الاسلامية في الغرب نتيجة اعمال ارهابية اقترفتها اقلية صغيرة.”
https://www.csis.org/analysis/us-wars-iraq-syria-libya-and-yemen-what-are-endstates?block1
العراق
اجرى معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى مقاربات بين القوى والتنظيمات العراقية التي “تعترف بها رسميا الحكومة العراقية” بغية الفصل للمصنفين بتشكيلات “جيدة” ام غير ذلك. وشدد على ضرورة مراجعة اعتبار قوات “المجلس الاسلامي الاعلى العراقي .. ميليشيات جيدة،” في مواجهة “تشكيلات الحشد الشعبي” المختلفة. ومضى في استعراض ولادة “المجلس .. على يد مجموعة من المنفيين الشيعة العراقيين في ايران؛ وعودة اعضائه للعراق” بعد الاحتلال الاميركي. واوضح ان المجلس تحت قيادة “عمار الحكيم،” منذ عام 2009 شهد انشقاقا داخليات على خلفية “معارضة الحكيم لبعض السياسات الايرانية .. والبقاء في منأى عن عقيدة ولاية الفقيه؛” كما ان الانشقاقات التي ادت لولادة تنظيمات عسكرية مختلفة والتي شكلت “قاعدة لفرق الموت الشيعية لاستهداف السنة .. وطالبت اتخاذ موقف حازم ضد اعتراف بغداد بجماعات “الصحوة” السنية.” ولفت المعهد النظر الى ان تنامي حالة التذمر الشعبي دفعت عمار الحكيم الى انتهاج “سياسة اكثر اعتدالا .. في اواخر 2013،” بيد ان الفيصل، في نظر المعهد، هو مدى تطابق “المجلس الاسلامي الاعلى مع سياسة الولايات المتحدة،” مناشدا واشنطن التحلي بسياسة حذرة “وعدم اعتبار الميليشيات نفسها وعناصرها التشكيلية ككيان موحد .. وادراكها لحدود التعاون” مع مختلف تلك التشكيلات. واثنى المعهد على سياسة “ادارة الرئيس اوباما لاشادتها باجراءات الاصلاحية التي اتخذها الحكيم ومساعيه الرامية لصد التنامي الجامح لنفوذ “وحدات الحشد الشعبي” التي تسيطر عليها ايران.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/should-iraqs-isci-forces-really-be-considered-good-militias
تونس
رحب معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى بتشكيلة الحكومة الجديدة في تونس، مؤكدا انه ينبغي عليها “ادراك ان الولايات المتحدة لا تزال حليفا ثابتا” الى جانبها، وتعلق عليها آمالا كبرى في انجاز “الاصلاحات المعطلة .. التي تستدعي اتخاذها قرارات سياسية صعبة في الاشهر المقبلة؛ واستكمال اصلاح البنك المركزي، وصياغة قانون استثمارات جديد لتخفيف القيود التجارية، وتحرير الاقتصاد.” واشار الى ان الدعم الاميركي تجسد بضمان واشنطن اصدار تونس سندات بقيمة 500 مليون دولار “استنادا الى شروط تطبيق اصلاحات متعددة تنظر الى الاقتصاد بصورة كلية: اصلاح النظام الضريبي، والجمارك، وتنظيم دقيق للاستثمارات ..” كما حث المعهد الادارة الاميركية على النظر الجاد بمبادرة اصدرها الشهر الماضي نحو “121 خبيرا اميركيا في السياسة الخارجية موجهة للرئيس اوباما بزيارة تونس قبل انتهاء ولايته .. لطمأنة تونس بالتزام اميركا المستمر.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/a-national-unity-government-for-tunisia
تركيا
اعتبر معهد كارنيغي سعي الرئيس اردوغان “للابتعاد عن الغرب منذ الحملة الانقلابية .. (بأنه) تكتيك متعمد لتعزيز قاعدة الدعم الداخلي للحكومة والاضطلاع بدرو اقليمي اقوى.” واوضح ان “استدارة تركيا شرقا .. خيار متعمد اتخذته تركيا، ويعود الى ما قبل مرحلة (الانقلاب)؛ بدافع رغبتها تعزيز مكانة الحكومة داخليا واعتماد سياسة خارجية اكثر استقلالية وقوة؛ في اطار البحث (لقادة الحزب الحاكم) عن جهة يلقون اللوم عليها.” واستطرد بالقول انه “في الاعوام الاخيرة، اتقنت الحكومة التركية فن توجيه المشاعر العامة استنادا الى اعتبارات قومية وإثنية ودينية؛ وتأجيج العداء للولايات المتحدة كوسيلة استباقية فعالة” لتفادي الاستحقاقات الدولية المرتقبة “وضمان الاستقرار في الداخل.” وحث المعهد الولايات المتحدة على “تهدئة الاجواء” مع انقرة، ملقيا ظلالا من الشك على نجاح وزير الخارجية الاميركي في زيارته المرتقبة “وينبغي ان يشكل الحفاظ على الشراكة (القائمة) بين تركيا من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة ثانية اولوية .. لاسباب استراتيجية للفريقين.”
http://carnegieendowment.org/sada/?fa=64358&mkt_tok=eyJpIjoiTURZMU5XVmlNalJqT0RJdyIsInQiOiJIRHBHb3l0ZEk5d1Q0UmRGQzN3clhabW1WN1NmWGpkTjJhQU56d2pXeWk5d3dmK1kyd1p1Y2ZGYWpnelZqeWRtcEdGbXEzd1wvZUVKRHRuV2FrMm5FeUVGTTloNTlQWWNLVE1zSGRzbFlmY0E9In0%3D
عودة الحرارة لعلاقات تركيا وروسيا لا تزال تشكل قلقا وتوجسا داخل الاوساط الاميركية المختلفة. مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية اعتبر اولى تجليات تحسن العلاقات هي “احياء مشروع السيل” الناقل للغاز الروسي عبر الاراضي التركية بعد تعليق موسكو العمل به نهاية العام المنصرم، وما سينجم عنه من “تعزيز قدرة روسيا على المساومة في مفاوضات تصديرها الغاز الطبيعي.” واستدرك بالقول ان “تفادي الجانبين اصدار بيان قمة مشترك يؤشر على ان تلك الترتيبات اجريت على عجل، اذ لم يحتل المشروع مكانة الاستثمار الاستراتيجي اسوة بمشروع توليد الطاقة النووية أك كويو،” في مرسين جنوب تركيا المطلة على البحر المتوسط. واضاف ان توصل الجانبين الى اتفاق توريد الغاز “من المؤكد انه سيساعد روسيا في مفاوضاتها مع الدول الاوروبية لنيل موافقتها على تمديد خط انابيب السيل الشمالي-2 علاوة على منحها نفوذا اكبر في مواجهة اوكرانيا ..” واضاف انه لو قدر انجاز المشروعين، السيل الشمالي-2 ومشروع السيل (عبر تركيا)، فمن شأنهما “تفادي حاجة مرور الانابيب الناقلة (لاوروبا) عبر الاراضي الاوكرانية،” مستطردا ان حظوظ انجاز المشروعين في المدى المنظور “ضئيلة .. قبل نفاذ العمل باتفاقية العبور مع اوكرانيا عام 2019.”
https://www.csis.org/analysis/turkish-stream-redux
استهل معهد كارنيغي زيارة نائب الرئيس الاميركي، جو بايدن، المرتقبة لتركيا للدلالة على ضرورة توفير ضمانات لتركيا بدعم الغرب وحلف الناتو لها في محنتها الراهنة، نظرا “لحاجة العناصر المؤيدة للغرب داخل ذلك البلد الماسة للاطمئنان بالاستمرار في مواجهتهم مناخ الاتهامات والحرمان من الحقوق التي من شأنها الحاق الضرر بعلاقات تركيا عبر المحيط الاطلسي.” واضح ان المهمة الماثلة امام “واشنطن وبروكسيل اعادة بناء اوجه الثقة،” اذ يتعين على واشنطن “البدء عاجلا وليس آجلا البت في اجراءات تسليم السيد غولين كما تطالب به انقرة .. وباستطاعة ادارة الرئيس اوباما اتخاذ قرارها لتهدئة التوتر في العلاقات الثنائية بدعم الاجراءات القانونية الخاصة بالتسليم.” واضاف ان الاجراءات المنتظرة من الاتحاد الاوروبي القيام بها تبدو “اشد تعقيدا،” وتستدعي مبادرة بروكسيل لاصدار “موقف ديبلوماسي يوضح تأييده” لتركيا “بصرف النظر عن تردد القادة الاوروبيين للقاء الرئيس رجب طيب اردوغان .. وبلورة سردية اوروبية ايجابية نحو ما يجري في تركيا.”
http://carnegieeurope.eu/2016/08/15/turkey-needs-reassurance-of-west-s-friendship/j3o8
افغانستان
استعرض معهد المشروع الاميركي تنامي الحضور الفاعل ميدانيا للقوات الخاصة الاميركية في افغانستان، على خلفية تخفيض البنتاغون موازنات مخصصة لمجموع القوات الاميركية المتواجدة هناك التي “استثنت مجموع القوات الخاصة،” التي ينتظرها “لعب ادوار اكبر” في الساحة الافغانية. واضاف ان الاهداف “المتواضعة الاميركية المعلنة، بتوفير التدريب والاستشارات والدعم لقوات الأمن الافغانية والقيام بعمليات لمكافحة الارهاب، من شأنها تعزيز مواطن قوة” القوات الخاصة.
In Afghanistan, special operators continue to burn both ends of the candle
التحليل
اصوات القطاع “المسيحي” في الانتخابات الاميركية: الغلاف الديني للدولة المدنية
المرشح الامثل
جهود المتنفذين في الكنائس المسيحية الاميركية للتعامل معها ككتلة موحدة تتنافى مع القوانين الاجتماعية التي تؤثر وتتأثر بالتنوعات الديموغرافية والاقتصادية والدوافع السياسية لتوجهات قطاعات المتدينيين من “المسيحيين المتجددين.”
انفرجت اسارير التيارات الاشد عنصرية في المجتمع الاميركي لدخول دونالد ترامب حلبة السباق الرئاسي، لما يمثله من تطابق “فكري” مع معتقداتهم السياسية والاجتماعية، وبشكل خاص لقناعة غالبيتهم بأن “الولايات المتحدة كانت عظيمة واستثنائية قبل تمييع نسيجها الغالب من العرق الابيض بدخول اقليات وملونين ومطالبتهم بمساواة الحقوق.”
ليس عسيرا على المرء تلمس ابعاد خطاب ترامب العنصري، انطلاقا من شعاره المركزي “لنعيد العظمة لاميركا مرة اخرى.” كما ينبغي النظر الى محور تحركاته وتمركزها في الولايات والتجمعات السكانية التي تشهد توترات اجتماعية، اريزونا والاباما بداية، وتحميله “اللاجئين غير الشرعيين” مسؤولية تدهور السلم الاجتماعي وارتفاع معدلات الجريمة؛ فضلا عن ارتباطاته واحجامه عن انهاء علاقاته مع تنظيمات البيض العنصرية – كو كلاكس كلان.
التفاف التيارات المتدينة، من المسيحيين، وراء ترامب شكل استثناء للقاعدة العامة التي كانت تعول على دعم المرشح المتدين مايك هاكابي، بداية، ومن ثم تيد كروز. بيد ان سردية ترامب المجردة من الكياسة الديبلوماسية لاقت رواجا عاليا واقبالا واسعا في اوساط تلك الشريحة، المسيحيين الانجيليين، التي لا زالت تؤيده بنسبة ثابتة، نحو ثلث الجمهور الانتخابي.
تتباهى الدولة الاميركية بنموذج ديموقراطيتها المستند على قاعدة “فصل الدين عن الدولة؛” بيد ان الخطاب والالتزام الديني هو الاشد تأثيرا ونفوذا، كما تجسده تركيبة المحكمة العليا منذ زمن بعيد، اذ غالبية قضاتها هم من اشد المحافظين والداعمين للتيارات الدينية – المسيحية البيضاء بالطبع.
في جانب السلطة التشريعية، لا يغيب الخطاب الديني عن المشهد اذ يعمد الممثلون القادمون من مجتمعات محافظة، خاصة في جنوبي الولايات المتحدة، الى تذكير الآخرين بأن “اميركا هي بلد مسيحي، وينبغي المحافظة على هويته تلك.”
حجم الجمهور الانتخابي “المسيحي” تراجع بعض الشيء في السنوات الاخيرة مرده الهزات الاجتماعية والاقتصادية التي لا زالت تعصف بالبلاد، لكنه لا يزال جسما باستطاعته ممارسة نفوذ ملموس.
اشار استطلاع للرأي اجراه معهد بيو، عام 2014، الى ميل اغلبية الناخبين للولاء الديني بشكل اساسي، وافصح نحو 73% عن “مسيحيتهم،” خلال الانتخابات النصفية؛ منهم نحو 36% يدينون بالولاء للمسيحية الانجيلية، مقابل 37% هويتهم مسيحية لكن لا يؤيدون التيار الانجيلي.
حصة الحزب الجمهوري من المتدينين هي الاعلى: 85% من ناخبي الحزب يعتبرون انفسهم مسيحيين؛ 45% منهم ينتمون للمسيحية الانجيلية. ويشكل العنصر الابيض نحو 87% من مجموع المسيحيين الجمهوريين.اللافت ايضا ان 64% من مؤيدي الحزب الديموقراطي تتقدم هويتهم المسيحية على الهوية الوطنية، و”الانجيليين” منهم ليسوا من البيض.
اتباع الكنيسة الكاثوليكية من اميركا اللاتينية يصطفون بنسبة كبيرة الى جانب الحزب الديموقراطي؛ بينما تميل كتلة “الكاثوليك البيض” لتأييد الحزب الجمهوري.
الهوية الانجيلية واصواتها
تجمع المؤسسات الاميركية على تعريف ماهية المسيحية الانجيلية بأن عناصرها “تتردد على الكنائس اسبوعيا بانتظام،” كما اوضح معهد بيو سالف الذكر، ويعولون على دور الدين في حياتهم اليومية؛ يمارسون الصلاة يوميا ويتبعون التفسير الحرفي للكتاب المقدس وبأنه “كلام الله.” في سياق تقسيم المتدينيين على المدارس (المذاهب) المسيحية المتعددة، تعتبر الكنيسة البروتوستانتية الاقرب للمسيحية الانجيلية من الكنيسة الكاثوليكية.
تجدر الاشارة الى ان القسم الاعظم من الناخبين الاميركيين، ذوو الهوية المسيحية، لا يذهبون لصندوق الاقتراع ككتلة انتخابية موحدة، كما ورد سابقا. بيد ان جوهر المسألة، فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، يقتضي الغوص في حصر التفسيرات اللاهوتية المعتمدة – السردية اليهودية وكتاب العهد الجديد – لتشكيل وعي الرعية الدينية لحقيقة “اسرائيل،” وهي عينها التي أسست لدعم “البيض” نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا لعهود طويلة.
يراهن قادة الحزب الجمهوري وحملة المرشح ترامب على تباينات قد تؤدي لانشقاقات داخل “الصف المسيحي” تؤدي لعزوف المزيد منهم عن دعم مرشحة الحزب الديموقراطي. يشار الى ان نحو 80% من “المسيحيين الانجيليين” صوتوا لصالح المرشح الجمهوري السابق ميت رومني، والباقي 20% ايدوا المرشح اوباما، عام 2012. نسبة التأييد لرومني حافظت على مستوياتها السابقة في دعم جورج بوش الابن عام 2004.
بيد ان الانقسام داخل صفوف المسيحيين الآخرين كان اشد وضوحا وتوزع بنسبة متساوية بين المسيحيين البيض. المنتمون للكنيسة البروتوستانتية اصطفوا بنسبة 54% لجانب المرشح الجمهوري ميت رومني، مقابل 44% أيدوا المرشح اوباما؛ وهي نسبة شديد التطابق مع خارطة توزيع الاصوات في دورة الانتخابات عام 2008 التي اسفرت عن تأييد 55% من البيض البروتوستانت للمرشح الجمهوري جون ماكين، مقابل 44% للمرشح اوباما.
اتباع الكنيسة الكاثوليكية ايضا انقسموا بنسب متقاربة في دورتي الانتخابات السابقتين: 59% صوتوا للمرشح رومني (2012)، مقابل 52% للمرشح الجمهوري ماكين عام 2008. اما كاثوليك اميركا اللاتينية فقد صوتوا بنسبة الاغلبية المطلقة للمرشح اوباما، 2012.
تفادى ترامب الافصاح الصريح عن انتمائه الديني، بخلاف اقرانه الآخرين تيد كروز ومايك هاكابي، وبالرغم من ذلك فقد اصطفت اغلبية المسيحيين الانجيليين خلفه، وهذا لا يعني ان ترامب يشكل “المرشح الامثل” للمتدينيين، وفق ما افاد مساعد مدير معهد بيو للابحاث، غريغ سميث. واوضح ان نحو 45% من اولئك المتدينيين سيصوتون لترامب نكاية بالمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، والحافز الاساس لمناهضة ترشيحها هو آلية تفكير القطاع المتدين في رؤيته للدورة الانتخابية الراهنة.
واضاف المعهد ان نتائج استطلاع اجراه في شهر حزيران من العام الجاري اظهرت تنامي التأييد لترامب بين صفوف المسيحيين الانجيليين بشكل عام والبيض منهم بشكل خاص، وبنسبة اعلى مما حصل عليها ميت رومني عام 2012؛ خاصة لتوجهاته المؤيدة لقضاياهم في الحق بالتسلح ومكافحة الارهاب ومشروعه الاقتصادي، رغم ضبابيةه وهلامية تفاصيله.
وعليه، من المتوقع ان يصوت لترامب نسبة 78% من تلك الفئة، مقارنة بما ناله ميت رومني من تأييد نسبة 73%؛ مما يدل على دور المعتقد الديني في التوجهات الانتخابية دون اهمال العوامل الاخرى التي تسهم في تحديد رؤيتهم للقضايا العالمية.
ثبات نسبة تأييد شريحة المتدينيين البيض للمرشح ترامب تقودنا الى ادراك هواجس تلك الفئة واعتقاد نسبة النصف تقريبا بأن عقبات عدة تعترض مسارهم في ممارسة شعائرهم الدينية في المجتمع الاميركي، مقارنة من نسبة 18% من الكاثوليك الذين يشاطرونهم القلق.
يشار الى ان ترامب ادرك مبكرا اهمية التودد لشريحة المتدينيين واعرابه عن عزمه الغاء التشريع المتعلق بتقييد رجال الدين من ممارسة السياسة، والذي يعرف بتعديل جونسون في القانون الاميركي. المادة تبناها الرئيس الاسبق ليندون جونسون في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، ابان خدمته في مجلس الشيوخ لحرمان قطاع قساوسة ولاية تكساس من تنظيم معارضة شعبية ضده.
المسيحيين الانجيليين و”اسرائيل”
رصد التوجهات الدينية فيما يخص الصراع العربي – الصهيوني مسألة بالغة الأهمية، وربما تستدعي العودة لها في تقرير قادم؛ فالمساحة المحدودة المخصصة للموضوع بين ايدينا تتحكم بالحيز المتاح، ورصد بعض تجلياتها.
الدعاية الصهيونية المكثفة في العقود الماضية داخل صفوف “المسيحيين الانجيليين” تحديدا ادت لارتفاع معدل التأييد لسياسات “اسرائيل،” بنسبة تعادل او تتفوق على مثيلتها بين الناخبين اليهود – وقد اوضحنا ظاهرة عزوف اليهود الاميركيين عن التأييد الاعمى لتوجهات القادة في تحليل منفصل.
للدلالة على تراجع دعم اليهود، اوردت وكالة خدمة الاخبار اليهودية في تقرير لها ان “نواة الناخبين الانجيليين يتعبرون تأييد اسرائيل احد العوامل على رأس قائمة الاهتمامات، وربما في مرتبة الخمس الاولى، عند تأييد مرشح رئاسي بعينه في الانتخابات التمهيدية.”
اللوبي “الاسرائيلي” المؤثر، ايباك، يؤكد في ادبياته ان “تجمع المسيحيين الانجيليين يلعب دورا حيويا في بلورة العلاقات الاميركية الاسرائيلية.” يضاعف اللوبي مساعيه لطلب ود قادة تلك المجموعة من القساوسة وتجنيدهم لحشد الدعم الشعبي “لاسرائيل،” واصدر سلسلة ادبيات موجهة تحت عنوان “الكنيسة الخاصة بك وايباك،” التي ترصد مديات الدعم والتأييد لبرامج اللوبي وتوضيح مبررات الدعم بانها “تعود الى التقيد بالتعاليم الانجيلية ونسبة التردد على نشاطات الكنيسة.”
جدير بالذكر ان نسبة تأييد “اسرائيل” داخل المجتمع الاميركي تخضع لتقلبات السياسات المتبعة والتطورات الاقليمية. في اوجة التحشيد الاعلامي ضد الملف النووي الايراني، اعرب نحو 64% من البيض الانجيليين عن تأييدهم “لاسرائيل،” مقارنة مع تأييد نسبة 39% بين صفوف بقية المجتمع.
تتبع الكنائس الانجيلية توجهات مؤسسة سياسية بلباس اكاديمي لاهوتي، تدعى لايف واي ريسيرتش LifeWay Research، تزعم ان مهمتها تكمن في “تنوير الكنيسة للاحداث المعاصرة بنظرة مقاربة.” اوضحت “المؤسسة” في نشرتها الصادرة في آذار / مارس 2013 ان نحو “72% من البيض الانجيليين يؤيدون اسرائيل في نزاعها مع الفلسطينيين، مقارنة بنسبة تأييد 49% لها بين مجموع الاميركيين.” كما اوضحت رفض 50% تقريبا من الفصيلة عينها لقيام دولة فلسطينية مستقلة؛ مقارنة مع رفض 33% بين صفوف اليهود الاميركيين.
على الطرف المقابل، تتنامى مشاعر عدم الارتياح من السياسات “الاسرائيلية” بين قطاعات واسعة من الشعب الاميركي، وبعض كنائسه المؤثرة. اذ صوت المجلس الاداري للكنيسة اللوثرية الانجيلية الاميركية لمقاطعة “اسرائيل،” الاسبوع الماضي، وحث اتباعه على ممارسة الضغط على ممثليهم في الكونغرس ولدى الادارة الاميركية واشتراط تقيد “اسرائيل بقواعد حقوق الانسان، ووقف اعمال توسيع رقعة المستعمرات الحالية” كمقدمة لتلقي المساعدات الاميركية المالية والعسكرية والاقتصادية.
يعد موقف الكنيسة متقدما في سياق السياسة الاميركية وخضوعها لاملاءات مجموعات الضغط واللوبي “الاسرائيلي،” وتحفيز مواقف مماثلة من الكنائس الاخرى، وجاء ثمرة سلسلة من الجهود والمواقف السابقة لممارسة الضغوط وادخال توازن على مسار السياسة الخارجية لاميركا، وتأييدها انشاء دولة فلسطينية.
يذكر ان للكنيسة اللوثرية شبكة كنائس عاملة تتبعها وتشرف عليها في فلسطين، كما تلعب دورا فاعلا في تقديم الدعم للاجئين السوريين.
مهّد المرشح ترامب ارضية تأييده داخل صفوف المسيحيين واخضع خطابه السياسي مؤخرا للهجة متصالحة مع التيار الديني، دشنها بخاتمة خطاباته “يبارككم الله.”