المقدمة
المشهد السياسي والانتخابي الاميركي لا يزال يعاني من الانقسامات داخل الصف الواحد، ومن ثم في المستوى العام نتيجة الاصطفافات المسبقة والازمات الاخلاقية المتلاحقة.
شارفت المرشحة هيلاري كلينتون على تخطي عقبة رسائلها الالكترونية، ورمت سهامها باتجاه آخرين، منهم وزير الخارجية الاسبق كولن باول، بتحميله جزء من مسؤولية المخاطبة خارج قيود مؤسسة الخارجية الرسمية؛ مما استدعى ردودا قاسية عليها. باول ليس بالحمل الوديع ايضا، فهو المسؤول عن اختطاف ونفي الرئيس الهايتي المنتخب، جان بيرتراند ارستيد، فضلا عن دوره المركزي في حصار العراق وغزوه والتبشير باستهداف سوريا لاحقا.
فجأة اثمرت جهود مؤسسة يمينية متطرفة، جوديشال ووتش، باستصدار قرار قضائي لاجبار السيدة كلينتون على الرضوخ وتقديم اجابات على استفسارات المنظمة، مما اعاد مسألة الافراج عن مزيد من رسائلها الالكترونية الى الواجهة مرة اخرى، بل اشد وتيرة من السابق، بعد بروز خيوط متشابكة متعددة بين تلقي مؤسسة “صندوق كلينتون” تبرعات مالية كبيرة لقاء فوز اصحابها باجتماع مباشر مع وزيرة الخارجية كلينتون، وما يتركه من انطباعات لتفاعل المال بالقرار السياسي. تقدر ثروة “الصندوق” نحو 120 مليون دولار.
في سياق استعراض المركز للكتل والتجمعات الانتخابية المتعددة في المجتمع الاميركي، سيسلط قسم التحليل الاضواء على قطاع السود من الاميركيين، الذين عادة يصوتون باغلبية كبيرة لصالح مرشحي الحزب اليموقراطي، وارتباط بعض قادته بعلاقات وثيقة مع الزوجين كلينتون. بيد ان موجة الحماس الساحقة التي اجتاحت اوساط السود ابان ترشيح الرئيس اوباما فقدت زخمها مع المرشحة كلينتون، ليس بفعل سجلها الملتبس فحسب، بل للاخفاقات والطعنات المتعددة التي تلقاها السود من المؤسسة الحاكمة بادارة رئيس “اسود.” السؤال المركزي يبقى مسلطا على توقعات الحملة الانتخابية لناحية مشاركة كبيرة من السود ام تقاعسها والاحجام عن المشاركة.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
الحزب الجمهوري وسياسته الخارجية
الانقسام الحاد في صفوف الحزب الجمهوري واولى ضحاياه توجهات السياسة الخارجية اسهم في تدخل معهد كاتو باشارته الى “تحول تدريجي في توجهات شريحة مؤيدي التدخلات الخارجية الى تبني مواقف اكثر تشددا .. فذاكرة جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية تشكلت في حرب فييتنام، اما جيل الألفية فلديه حرب العراق.” واعرب عن اعتقاده ان تداعيات الحروب اسهمت في تكوين وعي جماهيري مغاير للمسلمات السابقة الذي يميل نحو “الابتعاد عن التدين، وتمييع العنصر الابيض (وعليه سيكون اقل قابلية لاطروحات ترامب)؛” موضحا ان تلك التحولات “تبدو وكأنها تهيء فرصة تبني توجه ثالث في مجال السياسة الخارجية.”
http://www.cato.org/publications/commentary/battle-gops-foreign-policy-soul
سوريا
رحب معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى بالتحولات الميدانية في شمال سوريا بشكل خاص، لا سيما في منطقة الادارة الكردية هناك (روج آفا – بؤرة الكيان الكردي قيد الانشاء)، البيشمرغة السورية، التي تدين بالولاء للحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني. واوضح ان قوات البيشمرغة “وضعت نصب اعينها السيطرة على المناطق السكانية المختطلة بين العرب والكرد، وحتى بعض المساحات الخالية من التواجد الكردي.” واردف ان العمليات العسكرية السابقة لقضم مزيد من الاراضي السورية، لا سيما منطقة الشدادي جنوبي محافظة الحسكة السورية، الخالية من اي توجد كردي، جاءت ضمن سياسة شاملة “ترمي للسيطرة على آبار النفط وقطع الطريق الواصلة بين الموصل والرقة ..”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/rojavas-sustainability-and-the-pkks-regional-strategy
حث معهد كارنيغي دول الاتحاد الاوروبي على حث خطاها للانخراط الفاعل في المشهد السوري وحجز موقعا “بين لاعبين كبارا آخرين،” لا سيما وان الولايات المتحدة اضحت في وضع “متردد لضمانها أمن المنطقة واستقرارها عبر السنوات السبع الماضية.” واوضح ان روسيا عززت موقعها في غفلة اميركية وانشأت “بنية تحتية عسكرية دائمة في الشرق الاوسط واستعادت دورا ديبلوماسيا اشد أهمية على المسرح العالمي.” ومضى بالقول ان تراجع التدخل الاميركي في سوريا “سيؤدي على الارجح الى تقارب اوثق بين روسيا والولايات المتحدة وسعيهما للتوصل الى حل سياسي.” وعزز اطروحته بالاشارة الى “اضطرار تركيا تعديل سياستها الخارجية؛ مما قد يستدعي الاتحاد الاوروبي الى ضبط ايقاعات سياساته بخطوات مماثلة .. واستغلال نفوذه لتحديد وجهة قضايا الأمن الاقليمية.” وناشد المعهد الاتحاد الاوروبي الاسهام في مجالي “القيام بعمليات عسكرية منفردة من قبل بعض دوله الاعضاء وكذلك الدفع باتجاه دور ديبلوماسي اكبر عبر الممثلية الاعلى للاتحاد.”
http://carnegieeurope.eu/2016/08/18/in-search-of-eu-role-in-syrian-war/j3q3
ليبيا
سلط معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى الاضواء على الانخراط العسكري الاميركي المتزايد في ليبيا، في ظل الانقسام الحاد والتناحر عالي الوتيرة بين قطبي “حكومة الوفاق الوطني،” التي تدعمها واشنطن “ومجلس النواب” لا سيما وان العملية المسماة “برق اوديسي،” اللاحقة لعملية شن حلف الاطلسي عدوانه على ليبيا في آذار 2011 “اسفرت عن شن 74 غارة جوية ضد مواقع ومنشآت متعددة ..” نفذت بعد “فشل ميليشيات مصراتة الاستمرار في تقدمها، وبدأت تعاني من خسائر كبيرة في صفوفها من قبل قناصة” الدولة الاسلامية. واضاف ان البنتاغون اصدر نفيا لمشاركة قوات برية اميركية “الا ان المرجح انها تتولى تنسيق الاهداف من احد مراكز عمل الميليشيا .. وتقدم “القوات الخاصة البريطانية” دعما فعليا في المهام القتالية والاستشارية الى الميليشيات.” واضاف ان جهود الولايات المتحدة الرامية “لمساعدة حكومة الوفاق الوطني تلقت ضربة قوية في 22 آب الجاري بعد عقد مجلس النواب الليبي، بصورة مفاجئة، جلسة مكتملة النصاب القانوني للمرة الاولى، وصوَّت ضد تشكيل مجلس وزراء حكومة الوفاق الوطني.” واستطرد بالقول انه “من السابق لاوانه التنبؤ بالتأثير الكامل الذي سيخلفه التصويت” المذكور، بيد ان “المؤكد الاسهام في مفاقمة الخلافات” بين القطبين في طرابلس ومجلس النواب في شرق البلاد. امام هذه اللوحة شديدة القتامة في ليبيا، رجح المعهد “استمرار الجمود في السياسة الاميركية الحالية القائمة على: دعم السراج وحكومة الوفاق الوطني، والبحث في الوقت نفسه عن صيغة لاشراك مجلس النواب (وخليفة) حتر في العملية السياسية.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-twin-battle-in-libya-against-the-islamic-state-and-for-unity
الصومال
تناولت مؤسسة هاريتاج مسألة “الانتخابات المقبلة” في الصومال، موضحة انها ليست عملية انتخابية بحد ذاتها، بل “مسار انتخابي .. نظرا لأن اختيار الرئيس هو بيد البرلمان الصومالي.” واوضح الازمة البنيوية في المجلس القائمة على اساس المحاصصة القبلية لتمثيل متساوي لاربعة من كبريات القبائل، وما يتبقى من قبائل تحظى مجتمعة على نسبة نصف ممثلي احدى كبريات القبائل، وهي الصيغة المعروفة بـ “4.5” في مجلس العموم؛ اي بلغة الارقام ستحظى كل من القبائل الكبرى الاربع على 61 ممثلا لكل منها، بينما تتقاسم ما تبقى من القبائل 31 مقعدا فيما بينها. اما الصيغة التمثيلية في مجلس الشيوخ فتتوزع وفق معادلة “النظام الفيدرالي،” المستندة الى توزيع متساوٍ للمقاعد ال 54 في الولايات الاربعة التي لم تتوصل لصيغة تمثيلية نهائية بعد. وعليه، فان عملية “اختيار” الرئيس المقبل مرهونة بالتوصل لاتفاق نهائي حول توزيع المقاعد التمثيلية في كلا المجلسين.
http://www.heritage.org/research/reports/2016/08/somalias-milestone-electoral-process-requires-us-scrutiny
ايران
تراجعت الادارة الاميركية عن سرديتها الرسمية فيما يتعلق بتسليم ايران مبلغا ماليا نقديا وصلت قيمته 400 مليون دولار، من رفض ترابط عملية التسليم بافراج طهران عن اربعة اميركيين في سجونها. وادى تراجعها الى حملة دعائية شرسة ضدها. في هذا السياق، اوضحت مؤسسة هاريتاج ان هاجس الادارة الاميركية كان “التوصل لاتفاق مع ايران بأي ثمن – وتسويقه بأبهى صورة ممكنة.” واضافت ان الاتفاق النووي “لا يلبي مصالح الولايات المتحدة الحيوية او الاسهام في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.” واتهمت المؤسسة طواقم البيت الابيض بأنها “قادت حملة دعائية هي انسب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكرملين، للتكتم على الحقيقة ومن ثم التعتيم على كل ما يتبعها.”
http://www.heritage.org/research/reports/2016/08/cash-payment-to-iran
نشاط الديبلوماسية الايرانية في اميركية اللاتينية اقلق الدوائر الاميركية المتنفذة. واوضح معهد المشروع الاميركي ان الانفتاح الايراني الاخير يأتي في اعقاب الزخم الديبلوماسي الناجم عن توقيع الاتفاق النووي وخروج ايران من عزلتها الاقتصادية، كما انه يشكل جملة تحديات على مساعي طهران لا سيما في بلدان “شهدت تحولات سياسية في الارجنتين والبرازيل والبيرو، فضلا عن حالة عدم الاستقرار في فنزويلا.” واضاف ان ايران ما بعد الاتفاق النووي وتحررها من القيود السابقة دفعها “للتفاخر بعلاقاتها التي نسجتها في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة.”
تركيا
اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن الى تركيا بأنها تأتي في سياق “ترطيب الاجواء” المتشنجة بين واشنطن وانقرة، وبقاء “الملف الكردي” حاضرا على جدول الاعمال، لا سيما وان “تركيا تنظر بقلق متزايد للعلاقة المتبلورة بين الولايات المتحدة ووحدات الحماية الشعبية الكردية في سوريا في صراعها ضد تنظيم الدولة الاسلامية على الرغم من التحذيرات التركية المتكررة لحملها على عدم الانجرار وراء دعم الوحدات، التي تعتبرها على علاقة مع حزب العمال الكردستاني ..” واضاف ان الرئيس التركي اردوغان صعد من لهجة خطابه السياسي بالتحدث مباشرة الى واشنطن، في 18 آب الجاري، قائلا ان “نشاطات وحدات الحماية الشعبية في شمالي سوريا يشكل تهديدا لنا .. ونراقب ان كان سيتم ترجمة الالتزامات المقطوعة في منطقة الشمال السوري.” ولم يشأ المركز الجزم مسبقا بنجاح بايدن في مهمته في ظل “تمترس انقرة وراء خطابها التصاعدي ورغبة ادارة الرئيس اوباما المضي في المراهنة على كرد سوريا طمعا في تحرير مدينة الرقة، عاصمة الخلافة الاسلامية، كجزء في سياق اهدافها الشاملة لتدمير تنظيم الدولة الاسلامية.”
https://www.csis.org/analysis/biden-back-turkey-personal-diplomacy-after-coup-attempt?block2
التحليل
السود في اميركا:
كتلة مضمونة لهيلاري ان تحركت للتصويت
تحول السود عن الحزب الجمهوري
اقصاء قطاعات اجتماعية معينة من المشاركة في تقرير مصيرها ظاهرة واكبت بروز النظم الحاكمة عبر التاريخ. بيد ان التهميش والاقصاء في النظام الاميركي تحديدا تعود جذوره ليس لحاجة النظام الرأسمالي ليد عاملة رخيصة فحسب، بل هي في صلب النظام القائم على التفرقة العنصرية.
الاقصاء ايضا طال المرأة عبر مراحل تاريخ الكيان السياسي الاميركي، ولم تكسب حقها في دخول المعترك السياسي الا مطلع القرن العشرين ومصادقة الكونغرس على مادة التعديل التاسعة عشر للدستور الاميركي، آب 1920.
دشنت نهاية الحرب الأهلية الاميركية، 1865، حاجة النظام السياسي للانفتاح ومصالحة القطاعات الاجتماعية الاخرى، وبروز المطالبة بانهاء نظام الرق والعبودية، وشهدت العقود الثلاثة المقبلة (1895) بوادر تشكل “حركة الحقوق المدنية” بين السود تحديدا للمطالبة بالمساواة وحق تملك الاراضي. على الطرف المقابل، اقدمت الدولة الاميركية على برنامج اعماري ضخم لترميم ما دمرته الحرب الاهلية في الولايات الاميركية الجنوبية.
الانفتاح الرسمي واجهه اقطاب النظام العنصري ببلورة منظمات وتجمعات ارهابية، اشهرها كو كلاكس كلان ومثيلاتها “القمصان الحمر،” و “عصبة البيض” والتي برزت على المسرح منذ عام 1870 هدفها الابقاء على نظام العبودية والفصل العنصري، من ناحية، نظرا لحاجة عجلة الانتاج الزراعي لايدي عاملة كثيفة وشبه مجانية، وحصر المكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالعنصر الابيض ليس الا.
راوغ النظام السياسي بعد انتهاء الحرب الاهلية كثيرا، وسعى لاستقطاب ما استطاع من السود لتأييده، واصدر “التعديل الخامس عشر” للدستور الاميركي، شباط/فبراير 1870، تضمن حرية التصويت لمواطني الولايات المتحدة – المقصود بها آنذاك الذكور السود حصرا. بيد ان حقيقة الأمر لم تشهد المادة المذكورة تجسيدا حقيقيا الا بعد انقضاء نحو قرن من الزمن، وبقيت حبيسة الادراج طيلة تلك الفترة.
جسد النظام السياسي “العبودية” وشرعنتها مرة اخرى في قضية تدخلت فيها المحكمة العليا عام 1896، بمصادقتها على تشريع الفصل العنصري بمفردة اضحت اشهر من علم، نظام “الفصل لكنه عادل،” واستمر مفعوله قائما لعام 1954 باقرار المحكمة عينها قرارا مضادا للفصل العنصري – “براون مقابل هيئة التدريس؛” وعمليا استمر نظام الفصل معمول به في بعض الولايات الجنوبية لعقد الستينيات من القرن الماضي.
حركة “القضاء على نظام الرق” الاميركية بدأها عناصر في الحزب الجمهوري في الزمن الغابر، وهو الحزب الذي افرز الرئيس الاسبق ابراهام لينكولن، بينما اصطف الحزب الديموقراطي آنذاك الى جانب الحفاظ على النظام العنصري.
وعليه، أيد السود او ما تمكن منهم من حجز مقعد في السلم الاجتماعي آنذاك، الحزب الجمهوري غريزيا. الحزب الديموقراطي لم يسمح للسود المشاركة في مؤتمره العام الا بدرورة العام 1924، مع عودة بعض السود ممن شاركوا القتال في الحرب العالمية الاولى.
التحول الاجتماعي الابرز في توجهات السود لم يظهر الى السطح الا في اعقاب ازمة “الكساد الكبير،” 1929، واعلان الرئيس فرانكلين روزفلت عن مشروع “الاقتصاد الجديد،” ليستقطب قطاعات واسعة من العاطلين على العمل واعادة تشغيل الاقتصاد الاميركي.
وعليه، وجدت الاقليات، ومنهم السود، في خطة التنمية الاقتصادية ضالتهم. واشارت الاحصائيات آنذاك عن ميل نحو 71% من السود الى تأييد الحزب الديموقراطي، في حين ان نسبة عضويتهم في الحزب لم تتعدى 44%. وتتالت منذئذ التشريعات والمبادرات الرئاسية لالغاء بعض مظاهر الفصل العنصري، بدءا بالقوات المسلحة في عهد الرئيس ترومان عام 1948، واجراءات مشابهة للحد من الاقصاء العنصري في هيكل القوى العاملة في اجهزة الدولة.
انتخابات ذلك العام،1948، اسفرت عن تصويت 56% من السود لصالح الحزب الديموقراطي، واستمر التأييد تصاعديا منذئذ الى المستويات الراهنة، رغم بعض التراجعات في عقد الستينيات من القرن الماضي والحرب الفيتنامية.
يشار الى ان الاب الروحي لحركة الحقوق المدنية، مارتن لوثر كينغ، ووالده كانا مسجلين في صفوف الحزب الجمهوري، الذي استند الى قاعدة دعم شبه ثابتة خاصة في الولايات الجنوبية، قبل حدوث الهزات الاجتماعية على خلفية الحرب الفيتنامية وتداعياتها الداخلية.
عند هذه المرحلة المفصلية، صادق الرئيس الاميركي ليندون جونسون على “وثيقة الحقوق المدنية،” والتي رفضها عدد من ممثلي الكونغرس الديموقراطيين عن الولايات الجنوبية. بالطبع لا يجوز اغفال دور الرئيس الاسبق جون كنيدي المفصلي في الدفع لاقرار الحقوق المدنية، والذي استكمله خلفه جونسون.
فازت الوثيقة بدعم بارز للرئيس جونسون من ممثلين عن الحزب الجمهوري في الكونغرس. تداعيات “الوثيقة” ظهرت في التحول المباشر لغالبية قطاع السود لتأييد الحزب الديموقراطي وسيطرته على الكونغرس لفترة زمنية طويلة؛ وحصل جونسون على تأييد 94% من اصوات السود ذاك العام.
تقلصت كتلة السود المؤيدة للحزب الجمهوري تباعا منذ عام 1936، من نسبة 28% الى نسبة 6% عام 2012؛ اشدها انخفاضا كانت انتخابات عام 1968 التي انحدرت فيها الى نسبة 3% في عهد الرئيس نيكسون. وعليه باشر الحزب الجمهوري ببلورة “استراتيجية لولايات الجنوب،” لاستقطاب العنصر الابيض بعد تيقنه من خسارته قطاع السود الى فترة زمنية طويلة.
استراتيجية نيكسون اعلاه حافظت على “نقاء” العنصر الابيض في جنوبي الولايات المتحدة وتأييده الحزب الجمهوي، الأمر الذي يسلط الضوء على قاعدة الدعم “الصلبة” من البيض خلف المرشح دونالد ترامب، مقابل تأييد الاغلبية من السود المرشحة كلينتون.
بيد ان التغيرات الديموغرافية والاجتماعية والسياسية في صفوف السود بشكل عام قد لا تذهب تلقائيا لتأييد المرشحة كلينتون، استنادا للبيانات المستقاة من طبيعة التصويت في الانتخابات التمهيدية.
دروس الانتخابات التمهيدية
مشاركة السود بشكل عام في الانتخابات التمهيدية، خاصة المغلقة للحزب الديموقراطي بشكل حصري، شهدت عزوفا ملحوظا في ظل غياب مرشح اسود، وقد يتكرر معدل تقلصها في الانتخابات الرئاسية.
اشارت البيانات الرسمية عن نتائج الانتخابات التمهيدية في الولايات ساحة الصراع، العام الجاري، تقلص نسبة مشاركة السود قياسا الى انتخابات عام 2008: 40% في ولاية اوهايو، 38% في ولاية فلوريدا، 34% في ولاية نورث كارولينا.
واوضح مؤسس منظمة “اصوات السود ذو أهمية،” شارلي كينغ، ان حملة المرشحة هيلاري كلينتون ستواجه عقبة كبيرة في كسب الناخبين الديموقراطيين الذين صوتوا لصالح الرئيس الاسبق رونالد ريغان، فضلا عن انضمام 4 مليون ناخب جديد الذين شكلوا العصب الحساس لنجاح المرشح اوباما.” واضاف ان ادراك تلك الحقيقة يفسر “خطورة حملة منافسها دونالد ترامب.”
واضاف كينغ، المستشار الاستراتيجي السابق للحزب الديموقراطي، ان منظمته لا يساورها القلق من نسبة تصويت مرتفعة من السود لصالح الحزب الديموقراطي، بيد ان الخطورة تكمن في نسبة المشاركين التي تطمح كلينتون لتعادلها مع النسبة الكبيرة المصوتة للمرشح اوباما.
احدث استطلاعات الرأي لاركان المؤسسة الحاكمة، اجرتها سوية شبكة (ان بي سي) للتلفزة وصحيفة وول ستريت جورنال، اشارت الى تأييد نحو 81% من السود لكلينتون، وبذلك تتفوق نسبة الدعم على معدل التأييد لها بين اوساط عموم الناخبين الديموقراطيين، 75%؛ 51% للجالية اللاتينية؛ و73% بين صفوف الليبراليين.
التأييد المبدئي لمرشح ما لا يعادله اقبال قوي للناخبين عند انطلاق صفارة التصويت في 8 تشرين الثاني / نوفمبر المقبل.
تنامت مشاركة السود في الانتخابات الرئاسية بتثاقل ملحوظ مقارنة مع مشاركة مجمل القاعدة الانتخابية، وفق البيانات المعتمدة: 10% في انتخابات عام 2000؛ 11% عام 2004؛ 13% عام 2008 و2012. الدورتين الاخيرتين شهدتا اكبر اندفاعة بالمشاركة، نظرا لترشح الرئيس اوباما، وشكلت شبه تعادل مع نسبة مشاركة البيض: 66% للسود مقابل 64% للبيض. يشار الى ان مشاركة البيض في الانتخابات فاقت مشاركة السود بنسبة ثابتة بين السنوات 1996 – 2004، بلغ الفارق بينهما 7 نقاط مئوية.
بيانات الدورة الانتخابية لعام 2012 اشارت بوضوح الى ان مشاركة السود النشطة كانت العامل الحاسم وراء فوز الرئيس اوباما في سبع من الولايات الحاسمة: فلوريدا، ماريلاند، ميشيغان، نيفادا، اوهايو، ويسكونسن، بنسلفانيا وفرجينيا التي بلغ مجموع مندوبيها للهيئة الانتخابية العامة 112 صوتا، من مجمل 270 صوتا، التي كان من اليسير خسارة الانتخابات بدون تأييدها. الدور الحاسم للولايات المذكورة، باستثناء ماريلاند، يتكرر في الدورة الانتخابية الحالية ايضا.
انخفاض مشاركة السود، نظريا، لن يضعضع حظوظ المرشحة كلينتون، بل سيجسر الهوة الفاصلة مع منافسها في عدد من الولايات التي هي بغنى عن اي نسبة خطأ قد تلحق بها. لمزيد من الايضاح، اشارت البيانات المعتمدة الى ان نسبة مشاركة السود في ولاية فرجينيا، مثلا 20% الدورة الماضية؛ وان انخفضت الى نسبة طفيفة لـ 18% كان سيفوز بنسبة 1.6% بدلا من رصيده البالغ آنذاك 3.9%. القلق عينه قد يتجسد في ولايات حاسمة مثل اوهايو وويسكونسن.
اما في ولاية فلوريدا فان اي تقلص، مهما كان ضئيلا، في نسبة مشاركة السود والتصويت لصالح كلينتون قد يؤدي الى خسارتها بالكامل، وهي التي خسرها المرشح الجمهوري ميت رومني بنسبة 49% مقارنة لنسبة منافسه اوباما البالغة 50%. تعاظمت أهمية ولاية فلوريدا في العقود الاخيرة التي تعني خسارتها لاي مرشح خسارة صافية بالمجمل.
عند حسبان نسبة الناخبين البيض من الديموقراطيين والذين سيصطفون لجانب ترامب نكاية بكلينتون، الذين كان يطلق عليهم وصف “ديموقراطيوا ريغان،” تتضح حجم الخسارة التي تنتظر المرشحة كلينتون. لمزيد من الايضاح، نال الرئيس اوباما تأييد 36% من اصوات الطبقة العاملة من البيض عام 2012، والذين من المرجح بقائهم في صف تأييد المرشح ترامب، ان لم يتم تدارك الأمر من قبل الحزب الديموقراطي واستعادة ثقة وتأييد تلك الشريحة.
ترامب يغازل السود
في خطوة فاجأت اغلب المراقبين، استغل المرشح دونالد ترامب وجوده في ضاحية يقطنها اغلبية من البيض بالقرب من مدينة ديترويت للتودد الى قطاع السود طالبا تأييدهم لأن “تجمعات الاميركيين من اصول افريقية تعاني من سيطرة الحزب الديموقراطي .. ماذا ستخسرون بتأييدي. تعانون من فقر مدقع، مدارسكم ليست جيدة، ومعدلات البطالة بينكم مرتفعة، وتبلغ النسبة نحو 58% بين صفوف الشباب.” بالطبع كانت القاعة خالية من اي تواجد للسود، اذا استثنينا بعض الصحافيين وموظفي حملته.
من نافل القول ان ترامب لا يحظى بنسبة تأييد معتبرة داخل تجمعات السود، ومعظمهم يعتبرونه من اشد المتعصبين والعنصريين والذي لا يفوت فرصة او مناسبة دون اهانة وتحقير السود والاقليات الاخرى.
بالمقابل، لم تفلح جهود المرشحة كلينتون بحشد السود او الناخبين البيض للحظة بينما تجرأ ترامب على مخاطبة خصومه طمعا في التأييد. وووجه ترامب انتقادا قاسيا لكل من الرئيس اوباما والمرشحة كلينتون “لفشل سياساتهما في تحسين اوضاع السود طيلة الاعوام الثمانية الماضية.”
مهرجانات ترامب الخطابية “ناصعة البياض” بدأت تشهد حضورا رمزيا لبعض الرموز الدينية من السود، كما شهدنا مطلع الاسبوع في مدينة اوستن بولاية تكساس، واثمرت جهود الاستقطاب بحضور عدد اكبر من السود في اللقاء المذكور، للدلالة على صوابية نظريته بأن السود بغالبيتهم ليسوا في صف المرشحة كلينتون.
خطاب ترامب بدأ يلقى بعض التجاوب بين صفوف المهمشين والعاطلين عن العمل خاصة لانتقاداته القاسية لسياسات “عولمة التجارة” التي ادت الى اقصاء المزيد عن سوق العمل وهروب الرأسماليين خارج الولايات المتحدة طمعا في جني معدلات اعلى من الارباح. يشار الى ان حالة الاقتصاد والرفاه الاجتماعي تحتل أهمية بلغت نسبتها نحو 40% بين صفوف السود بشكل خاص.
تصريحات ترامب لها ما يبررها وان كان صاحب الرسالة لا يتمتع بمصداقية عالية. بيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف بي آي، وصف تردي الاوضاع الاجتماعية واالاقتصادية بين صفوف السود بانها نتيجة “وباء الغش والخداع،” في اعقاب انهيار سوق العقارات عام 2008.
حقيقة الأمر ان ترامب ليس بحاجة لكسب نسبة معتبرة من اصوات السود ليحقق الفوز، وما عليه الا التأثير على قطاع ضئيل لكسب تأييده لا يتعدى حجمه 2-3%، وهي النسبة التي اصطفت لجانب المرشح الجمهوري ميت رومني سابقا.
اشار استطلاع حديث للرأي اجرته “جامعة اتلانتيك فلوريدا” الى تأييد نسبة 20% من الناخبين السود في الولاية للمرشح دونالد ترامب؛ بالمقابل نال ميت رومني تأييد 4% فقط من السود هناك. اما المرشحة كلينتون فقد نالت تأييد نسبة 68% من اصوات السود في فلوريدا، وفق الاستطلاع اعلاه الذي نشر في مطلع الاسبوع. بل ان ترامب تقدم على منافسته كلينتون بنسبة 43% مقابل 41% في فلوريدا.
الاوساط المقربة من ترامب ترجح نجاح مرشحهم في كسب تأييد نسبة “كبيرة” من اصوات السود “الاكبر في تاريخ الحزب الجمهوري” الحديث، وقد تبلغ ازيد من 15% وربما تقترب من 20%. تعليل الفرضية يستند الى “عدم تقيد” المرشح بتقاليد المؤسسة وميله لتسمية الاشياء باسمائها “مهما كانت قاسية وصادمة،” وفق رواياتهم المتعددة.