المقدمة
الانشغال الاميركي بالسباق الرئاسي بدأ يأخذ نشاطا اكبر مع اقتراب موعد الانتخابات، وكذلك لاستئناف الكونغرس ممارسة اعماله مجدِدا نواياه بالتعرض وافشال اي خطوة قد يتخذها الرئيس اوباما، مراهنا بذلك على نتائج الانتخابات التي يَعتقد انها ستسفر عن تعزيز دور الحزب الجمهوري وتحرره من قيود صيغة التعاون الثنائية.
سيتناول قسم التحليل التطرق للمكونات الانتخابية في المجتمع الاميركي، وتسليط الضوء على الجالية الآسيوية التي نادرا ما تأخذ حقها من الدراسة والاهتمام، والتي تشكل نحو 4% من مجمل الجمهور الانتخابي الاميركي وتميل اغلبيتها لتأييد الحزب الديموقراطي، بيد ان تجذرها في النسيج الاجتماعي والاقتصادي بشكل خاص جدد الاهتمام العام بتأييدها المرشح الجمهوري بنسبة أعلى من السابق، وخاصة في ولايتي نيفادا وفرجينيا اللتان ستشهدان وتيرة تنافس عالية.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
العراق
حثت مؤسسة هاريتاج الحكومة الاميركية الاعداد المكثف لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل، لا سيما وان “هناك مخاوف هائلة من تشكل مأساة انسانية نتيجة العملية.” واوضح ان عليها التقيد ببعض الارشادات منها “الطلب الحازم من الحكومة العراقية للحد من دور مشارك للميليشيات الشيعية؛ بل ينبغي اقصاءها كليا عن عملية تحرير الموصل الا اذا تم نشرها في مناطق تقطنها اغلبية شيعية؛ وضمان توفر العتاد اللازم للعملية لقوات البيشمرغة .. وضرورة التزام بغداد بايصال تلك المعدات لحكومة اقليم كردستان بتوقيت مناسب.”
http://www.heritage.org/research/reports/2016/09/us-must-plan-now-for-the-day-mosul-is-liberated
استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الاجواء السياسية لانجاز تحرير الموصل او الرقة، معربا عن ضيق ذرعه من الادارة الاميركية “لفقدانها رؤية وخطط واضحة.” وحذر الحكومة الاميركية من ان الاستمرار في الوضع الراهن من شأنه ان يضع المناطق المحررة من تنظيم داعش تحت سيطرة “حزب الله والقوات الايرانية وروسيا، والآن القوات التركية التي تفرض حضورها.” ومضى باتهام الادارة الاميركية بأنها “لم تتقدم يوما بمقترحات لحل المسألة الكردية – او البحث عن وسيلة ما لحماية الاقليات الاخرى في سوريا في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الاسلامية ..” واضاف ان الادارة الاميركية الراهنة “لم تواجه يوما حقيقة ان كافة تلك القضايا تجد انعكاسات لها في العراق .. وتتغاضى عن الاقرار بضرورة الحاق الهزيمة تنظيم الدولة في كلا البلدين او تبلور خطره ليتفاقم وينتشر عبر حدود لا توفر حواجز حقيقية تعيق تنفيذ عمليات عسكرية غير نظامية.”
https://www.csis.org/analysis/syria-and-iraq-what-comes-after-mosul-and-raqqa?block1=09071900
سوريا
زعم معهد الدراسات الحربية ان “تنظيم القاعدة يحقق تقدما في سوريا .. اذ شغل حيز الفراغ الناجم عن غياب الولايات المتحدة (عن المسرح) بل انه ينبعث من جديد عبر العالم، مستغلا نقاط الضعف الاميركية؛ واضحت سوريا محور ثقله الراهن.” ومضى بالقول ان للولايات المتحدة “خيارات محدودة تستدعي قيامها باعادة تقييم استراتيجيتها في سوريا وتركيز الجهود على مواجهة خطر القاعدة.” وحذر المعهد الحكومة الاميركية من “الانزلاق وراء انشاء تحالف مع روسيا (والرئيس) الاسد .. خشية اقلاع مجموعات القوى المعارضة عن الاصطفاف الى جانب الولايات المتحدة والتماثل مع التنظيمات المتشددة .. الأمر الذي من شأنه انهاء اي دور محتمل للارتكاز على شركاء من السنة ضد الدولة الاسلامية والقاعدة.” واوضح في تحذيره ان اي ترتيبات او “انشاء تحالف مع روسيا او (الرئيس) الاسد لن ينجم عنه سوى تسريع وتيرة انتصار القاعدة.”
http://www.understandingwar.org/backgrounder/al-qaeda-gaining-strength-syria
السعودية
اشار معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى الى الحرب الكلامية الدائرة بين طهران والرياض، في ظل غياب تام للحجاج الايرانيين عن اداء فريضة الحج لهذا العام، معتبرا تصريحات المرشد الاعلى علي خامنئي بانها تشكل “تحديا مباشرا لشرعية العائلة المالكة السنية في المملكة .. والوضع الناجم سيئا كما كان عليه في عام 1987،” في حادثة اطلاق النار على الحجاج الايرانيين في مكة. واعرب المعهد عن ترجيحه لتصعيد السعودية من الاشتباك اللفظي في ظل “تولي ولي ولي العهد (زمام القرار) بدلا من مقاربة تصالحية؛ كما انه من المرجح ان تستشيط الاقلية الشيعية في السعودية غضبا من الحرب الكلامية، وهناك احتمال (كبير) لحدوث خطأ في التقدير، بل نشوب اشتباكات عسكرية مباشرة.” واوضح المعهد ان التصعيد الاقليمي الراهن “يمثل انتكاسة لسياسة الولايات المتحدة” على خلفية نشوتها لتوقيع الاتفاق النووي. كما اعتبر المعهد ان “المناورات العدوانية التي قامت بها وحدات الحرس الثوري (تعزز) احتمالات مواجهة مع القوات الاميركية.” اما الرد الاميركي، برأي المعهد، لتخفيف حدة التوترات “يجب ان يشمل عناصر ديبلوماسية وعسكرية .. (منها) تعزيز الاسطول الخامس بشكل واضح.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/holy-war-of-words-growing-saudi-iranian-tensions
استعرض معهد كارنيغي تدهور الاوضاع الاقتصادية في دول الخليج التي استندت في السابق على “مزيج فريد من السخاء الاقتصادي والبخل السياسي” في صيغة حكم متوازنة استطاعت بموجبها “الحفاظ على رجحان كفة الشرعية .. وتعاملت الانظمة الخليجية مع المعارضة السلمية والاحتجاج باعتبارها تشكل تهديدات حقيقية للأمن القومي،” لا سيما في السعودية والبحرين والكويت وعُمان وقطر، كما يشير المعهد. واوضح ان مشاعر عدم الاستقرار “والأمان (تتفاقم) بسبب الوعود الحكومية بالقيام بعملية اعادة تنظيم اقتصادي جذرية، في مواجهة تراجع عائدات النفط والغاز؛” بيد ان “مزيد من المواطنين الخليجيين مستعدون للقبول بمستويات أقل من الاداء الاقتصادي مقابل توفير الاستقرار .. بديلا عن الفوائد المالية التي يتوقعون الحصول عليها.” واتهم المعهد الدول الخليجية “اصطناع التهديدات الداخلية والخارجية، بهدف تأجيج المخاوف الشعبية على الأمن وبالتالي خفض تكلفة” مشاركة سياسية اوسع. واستدرك بالقول ان “حكام الخليج غير قادرين في الغالب على ادارة التوترات الاجتماعية .. وانتهى الأمر ببعضهم الى تأجيج المعارضة التي رغبوا في قمعها.” ولفت المعهد الانظار الى “الاستراتيجية الطائفية” التي تتبعها تلك الدول، لا سيما السعودية التي “اعلنت عن زيادة بنسبة 40% في اسعار الوقود .. قبل اعدام الشيخ (نمر) النمر باسبوع؛ لصرف الانتباه عن (تدهور) الواقع المالي وسياسات جديدة ملتبسة.”
http://carnegieendowment.org/2016/08/29/political-economy-of-sectarianism-in-gulf-pub-64410
اليمن
تعثر المشروع السعودي وتعرض بعض مدنه في العمق الى قصف صاروخي يمني حفز معهد كارنيغي التساؤل عن اهداف الرياض بعد “اصطدامها بحائط مسدود في حربها مع الحوثيين؛ (ف) ماذا تريد السعودية من اليمن؟” معتبرا ان ما تزعم السعودية تحقيقه هناك “لا يزال غير واضح، وما يُحتمل ان تحققه في المستقبل لا يزال ملتبسا.” وعقد المعهد ندوة حوار مطولة اعرب فيها عن اعتقاده بان بعض تبريرات الرياض “للتدخل العسكري غير المعهود .. يوجه ايضا رسالة قوية الى ايران والولايات المتحدة والرأي العام (الداخلي) ونجحت في منع ايران من السيطرة على اليمن سياسيا او عسكريا.” وفي مغزى الرسالة الموجهة للداخل، اوضح المعهد ان “فحواها (يتعلق) بمليارات الدولارات التي أُنفقت على القوات العسكرية والتدريب (س) تعود بثمارها،” وهي بمجملها تعكس “نمط التفكير الجديد والسياسة الخارجية الأكثر اثباتا للوجود هما من بنات افكار ولي ولي العهد ..” وحول مطالب السعودية، اوضح المعهد ان جل ما تريده الرياض “هو استسلام الحوثيين الكامل،” متغاضية عن “ادراج وزارة الخزانة الاميركية ثلاثة اعضاء في حكومة هادي .. على قائمة الارهابيين العالميين.” ومضى بالقول ان “اشتداد الفظائع واستفحال الازمة الانسانية، يحمّل اليمنيين ادارة اوباما مسؤولية الجزء الاكبر من معاناتهم.” وعن التطورات الميدانية اليومية اقر المعهد بأن “مخاوف السعوديين تتعاظم ليس فقط بسبب اشتداد مشاعر الكراهية والعداء للسعودية، وزيادة وتيرة الهجمات في جنوب السعودية، بل أيضاً بسبب الصور ومقاطع الفيديو التي تُنشَر بصورة شبه يومية ويظهر فيها يمنيون مقاتلون حفاة الأقدام يلحقون الهزيمة بالجيش السعودي وأسلحته الأكثر تطوراً. ” واستدرك بالقول ان القلق الاكبر بالنسبة للسعوديين “يتمثل في الصواريخ الباليستية التي تضرب اهدافا حيوية، مثل القواعد العسكرية والمنشآت النفطية .. وصاروخ باليستي محلي الصنع من طراز “بركان 1″ على مدينة الطائف.” وخلص بالقول ان السعوديين “وبعد انقضاء ثمانية عشر شهرا وقعوا تحت الصدمة ولا يفقهون كيف تمكّن اليمنيون من نقل صاروخ بهذه الضخامة واطلاقه على قاعدة عسكرية .. وكيف تمكنوا من تصنيعه وأين.”
http://carnegieendowment.org/sada/index.cfm?fa=64525&mkt_tok=eyJpIjoiTmpCalpXWTBOMkl5TnpJMSIsInQiOiIrYUduam9iREUyNXJ0T1JUT1Y5WUY4TGdUQ0NabnBtRDZHQ1pId3VWaksrSVwvbFpMNjUxTXc2bXpzNEZrQStDdnVOeW9KNEhXajEzNXZraVRmUDhqN2RqZ0s5TVwveDVpZkxpZ1hXNHM0QzBRPSJ9
مصر
اشاد صندوق مارشال الالماني بسياسة الرئيس اوباما تجاه مصر لتحليها “بالواقعية .. بعيدا كل البعد عن توجهات سلفه (بنشر) الديموقراطية؛ وتميز ادراكه حدود ما باستطاعة الولايات المتحدة القيام به في المسائل الدولية.” واستطرد بالقول ان الرئيس اوباما “يجسد مزيجا من التوجهات الواقعية والليبرالية في نظرته العالمية .. وفي نفس الوقت فإن افعاله (او عدمها) كانت عملية وحذرة قبل كل شيء.” واضاف المعهد ان مجمل التوجهات السياسية “تؤشر على حدوث تحول نحو قدر اكبر من الواقعية، او ربما التشاؤمية، في تفكير (الرئيس) اوباما فيما يخص نشر الديموقراطية.”
http://www.gmfus.org/commentary/long-game-hard-choices-obama-administration-and-democracy-egypt
المغرب العربي
تناول معهد ابحاث السياسة الخارجية السياسة الاميركية حيال دول المغرب العربي: تونس والجزائر والمغرب، محذرا الحكومة الاميركية من “تمكن دول المغرب انتهاج سياسات تخدم مصالحها والتي ربما تثار على انها ابتعاد عن محور الولايات المتحدة.” واوضح ان مجرد عقد صفقة اسلحة مع روسيا او تقرب من الصين “لا يجوز تفسيره على انه تهرب من (قيود) العلاقة مع الولايات المتحدة.” ومضى بتحذيره من اعتبار التحولات في تلك المنطقة على اساس انها تدل على “ثنائية القطبية لانخراط دول المغرب عالميا، بيد ان عملاق علاقة السياسة الخارجية مع دول المغرب هو الاتحاد الاوروبي ..” واشاد المعهد بركائز السياسة الاميركية التي تتعامل مع المنطقة “ليس وفق كونها كتلة واحدة؛ بل مع كل دولة من دوله على حدة مما يضاعف مكانة المنطقة ككل في التخطيط الاستراتيجي” الاميركي.
Taking Stock of U.S. Policy Options in Algeria, Morocco, and Tunisia
تركيا
لقاء الرئيس اوباما بالرئيس التركي على هامش مؤتمر الدول الصناعية كان محط اهتمام مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، موضحا انهما التزما لهجة ايجابية في توصيف العلاقات الثنائية. وحذر المركز من تداعيات بدء التنفيذ في تسليم تركيا فتح الله غولن، لا سيما وان “آلية البت قانونيا في ذلك الطلب الرسمي ستستغرق زمنا اطول مما ترغب به انقرة، مما يتطلب الجانبين البحث عن حل لتعزيز تعاونهما سويا بالرغم مما يحوم حولها من سحابة عالقة بها.” ومضى من تحذيره لما قد يعترض العلاقات الثنائية من عقبات، ومنها “انخراط الولايات المتحدة في دعم جهود الحزب الكردي الديموقراطي ووحدات الحماية الشعبية الكردية في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية.”
https://www.csis.org/analysis/after-obama-erdogan-meeting-g20
التحليل
توجهات اصوات الجالية الآسيوية في الانتخابات الاميركية
ضمور حق التصويت
الحقيقة الصادمة في المشهد الانتخابي الاميركي ان قلة من المهتمين والاخصائيين يدركون غياب نص “حق التصويت” في أهم وثيقيتين للكيان السياسي الاميركي: الدستور وعريضة الحقوق المدنية. سمحت الولايات الاميركية الفتية للفرد بالتصويت “شريطة توفر الملكية لديه؛” وتدريجيا تم السماح لكافة الرجال الادلاء باصواتهم، اعقبه نضال وصراع مرير اثمر في نهاية الأمر على حصر الممارسة الانتخابية ببلوغ الفرد السن القانونية، الثامنة عشر.
وبرز هذا “الغياب” في انتخابات عام 2000، بين جورج بوش الابن وآل غور، عقب توجههما للمحكمة العليا لحسم النتائج الانتخابية. وجاء في سياق قرار المحكمة ان “المواطن الفرد لا يتمتع بحق دستوري فيدرالي للتصويت على مرشح لرئاسة الولايات المتحدة …،” استنادا للنص الدستوري.
التاريخ السياسي القريب يعيدنا الى سعي محموم للحزب الجمهوري ، تحديدا، لاعادة تعريف وتوزيع الدوائر الانتخابية بصيغة تضمن تفوقه واقصاء الاقليات او المشكوك بولائه للمؤسسة الحزبية.
اما تعليل غياب النص فيعيده بعض الاخصائيين في القانون الدستوري الاميركي الى عزم المؤسسة الحاكمة بقاء سيطرتها وتحكمها بمسار السلطة وصون الامتيازات الاقتصادية وتكديس الثروة والملكية بين نخبها، وايلاء “مسائل الانتخابات الشائكة الى سلطات الولايات المحلية.”
يشار في هذا الصدد الى ان النصوص الاصلية للوثائق الدستورية التي حصنت الدورة الانتخابية من دخول عناصر غريبة وابقائها ضمن دائرة ضيقة من النخب والبيض تحديدا، وحصر “حق التصويت” باصحاب الاملاك – اي اقصاء المرأة والرقيق منذ البدء. بل حذر جون آدامز، الرئيس الثاني للولايات المتحدة الفتية، من سعي “المرأة للمطالبة بحق التصويت ..” لتبرير اصطفافه للنص الخاص بملاك الاراضي واصحاب الثروات.
جدير بالذكر ان دساتير دول عدة مثل “افغانستان والعراق وسوريا،” تنص بصريح العبارة وتضمن حق التصويت المقدس لكافة المواطنين دون تمييز – وهي الساحات التي تعاني ويلات الحروب الاميركية “لنشر ديموقراطيتها.”
سلطة المؤسسة تتراجع
استمر المشهد الانتخابي الاميركي واقتصاره على مشاركة البيض من الرجال واصحاب الاملاك حصرا لمنتصف عقد الستينيات من القرن العشرين، غير عابيء بسلسلة من القرارات ومواد التعديل الدستورية الخاصة بذلك. ودشن عهد الرئيس الاسبق ليندون جونسون المصادقة الرسمية على “قانون حق التصويت،” عام 1965، موكلا مهمة تطبيق بنوده على جميع الولايات المكونة في عهدة الحكومة الفيدرالية والتدخل بالقوة عند الحاجة.
وعليه، دخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة وفريدة في انضمام مواطنيها من “الاقليات : السود والاسيويين وذوي الاصول اللاتينية” ومشاركتهم في ترجيح كفة الانتخابات، تحت سقف ثنائية تبادل السلطة بين الحزبين. بيد ان المسألة في محصلة الأمر بقيت في يد “الهيئة الانتخابية” المكونة من اعضاء لم يتم انتخابهم للمصادقة على النتيجة النهائية، بل اختيروا بعناية فائقة لضمان استمرارية تمركز السلطة بيد النخب الاصلية.
الهروب الجماعي لمواطني دول اميركا اللاتينية لتلافي اخطار الحروب “التي رعتها ومولتها الولايات المتحدة،” منذ سبعينيات القرن الماضي تحديدا، ادى لتعزيز ثقل المجموعة ديموغرافيا وتحسس “البيض” من تنامي اعدادها باضطراد. بل اعتبر البعض ان تلك المجموعة ربما تحتل المرتبة الثانية من حيث العدد والنفوذ.
التحولات الديموغرافية في العقود الاخيرة سلطت الاضواء على حضور مكثف للجالية الاسيوية، دول شرقي آسيا تحديدا، والتي نافست الجالية اللاتينية وبلغت معدلات نموها الاعلى بين “الاقليات” الاخرى.
تضم الجالية الاسيوية ستة مجموعات عرقية متباينة من: الصين، الفيليبين، الهند والباكستان، فييتنام، كوريا واليابان. الاصول العرقية تلعب دورا حاسما في توجهات تصويت كل مجموعة على حدة.
تشير الاحصائيات الرسمية الى ان حجم الصوت الانتخابي للجالية الاسيوية يبلغ نحو 10 مليون ونيف، مشكلا نحو 4% من مجمل الاصوات الانتخابية كافة – اي ما يعادل ضعف اصوات الناخبين اليهود في اميركا.
حداثة الحضور الاسيوي الفاعل تجعل من العسير التعرف على كنه التحولات والتوجهات، بيد ان اشهر الدراسات الاحصائية وقياس الرأي العام تشير الى غلبة التأييد للحزب الديموقراطي بنسبة 2 الى 1. الانتخابات النصفية لعام 2014 دلت على ان الحزب الجمهوري حصل على نسبة 50% تأييد من الاسيويين، مقابل 49% للحزب الديموقراطي.
سرعة التحول داخل الجالية الاسيوية اثارت دهشة العديد من المراقبين واخصائيي العملية الانتخابية. استطاع المرشح اوباما آنذاك الفوز بتأييد 62% من اصوات الاسيويين في جولة انتخابات عام 2008، وتصاعدت نسبة التأييد الى 73% في انتخابات عام 2012. التأييد الشعبي العارم للحزب الجمهوري، عام 2010، لم يترجم بتأييد مماثل من قبل الجالية الاسيوية، اذ لم يفز على اكثر من 40% من الاصوات.
من ضمن مكونات الجالية الاسيوية يبرز ذوي الاصول الفيتنامية كاكبر مجموعة تدعم مرشحي الحزب الجمهوري – اذ تعود ميولهم السياسية الى امتنانهم للقوات الاميركية ابان العدوان الاميركي ومعاداة النظام الشيوعي في بلدهم الاصلي، قبل استدارة النظام في حقبة العولمة نحو واشنطن وتطبيق خططها الاقتصادية. يقطن عدد لا بأس به من تلك المجموعة في ولايات مطلة على خليج المكسيك، واسهمت في ضمان تفوق الحزب الجمهوري في عدد من ولايات الجنوب. كما تشير استطلاعات الرأي بانتظام الى ان الجسم الاكبر الانتخابي المؤيد للمرشح ترامب بينها هو الجالية الفيتنامية.
وساهم تأييد الجالية الفيتنامية باغلبية ملحوظة بفوز السيناتور الجمهوي عن ولاية تكساس، جون كورنين، في انتخابات عام 2014؛ وكذلك الأمر مع عضو مجلس النواب الجمهوري غريغ آبوت الذي نال 52% من اصوات الجالية.
توجهات الجاليات الاسيوية
الادلة المادية والقرائن التي تتعلق بتوجهات سياسية تلك الجالية اما غائبة او غير ناضجة، مما يعقد مسألة التكهن بوجهة تصويت الاغلبية في الانتخابات المقبلة. احدث دراسة متوفرة في هذا الشأن اجرتها “الرابطة الاسيوية وجزر المحيط الهاديء” في وقت مبكر من العام الجاري، اقتصرت على تبيان نسبة التأييد لكلا المرشحين، ترامب وكلينتون، اذ نال الاول اكبر نسبة معارضة. بيد ان التحولات الكبرى الجارية في معسكر الطرفين مؤخرا تحيل التكهنات السابقة الى رؤى غير موثقة، في افضل الاحوال، رغم ميول شعبي متزايد لتأييد الحزب الديموقراطي.
قراءة التحولات تتجلى بشكل اكبر في مدى تأييد الرئيس اوباما بين مكونات الجالية؛ اذ نال اوباما تأييد 67% من عموم الجالية الاسيوية، مقابل تأييد نسبة 40% بين عموم الجسم الانتخابي. اما المكون الآتي من شبه الجزيرة الهندية فقد اعطى تأييده بأغلبية ساحقة لاوباما، بلغت 84%؛ مقابل تأييد 56% من الناخبين الصينيين. اما اكبر نسبة عدم رضى عن اداء الرئيس اوباما فقد سجلت في صفوف الفئة العمرية من 35-64، اذ نال نسبة 29%.
تأييد اغلبية ساحقة من ذوي اصول شبه الجزيرة الهندية للرئيس اوباما يعود ايضا لنسبة تأييدها المرتفعة للمرشحة كلينتون، وهي الاعلى بين صفوف المكونات الاسيوية الاخرى. وتحظى كلينتون بنسبة تأييد معتبرة ايضا بين صفوف حديثي العهد الاسيويين، قدرت بنحو 43%.
من الملاحظ ان نسبة تأييد اعلى لحديثي العهد الاسيويين ذهبت لصالح المرشح بيرني ساندرز، بأغلبية 54%، في مرحلة الانتخابات التمهيدية. يقاس على ذلك تأييد “غريزي” لأغلبية معتبرة ليس لتوجهات الحزب الديموقراطي الليبرالية، نسبيا، فحسب بل لقناعة متجذرة بضرورة قيام الدولة المركزية بمهامها وتوسيغ نطاقها وتقديم خدمات اعلى. الحزب الجمهوري، بالمقابل، ينادي بتقليص دور الدولة في المجتمع وخصخصة ما استطاع من خدمات وما يرافقه من تآكل نظام العدالة الاجتماعية.
حددت مؤسسات الاستطلاعات سلم اولويات اهتمام الجالية الاسيوية بالقطاعات التالية: التربية والتعليم؛ الرعاية الصحية؛ الارهاب؛ فرص العمل؛ وترتيبات التقاعد. نظرة فاحصة على ترتيب الاولويات تدلنا على تباينها بعض الشيء عن اهتمامات الجمهور الانتخابي العام، لا سيما في ايلائه اولوية عالية لحال الاقتصاد، الارهاب، الرعاية الصحية، الهجرة، والتربية والتعليم في اسفل سلم الاولويات.
كان ملفتا للمراقبين موقف الجالية الاسيوية من مسألة اقتناء السلاح الفردي: اذ أيد نحو 50% من الفئة العمرية الاعلى، 65 فما فوق، ادراج المسألة ضمن سلم الاولويات؛ بينما الفئة العمرية البالغة من 18-34 عاما أيدت المسألة بنسبة 25%. الجيل الآسيوي المولود في الولايات المتحدة لا يولي مسألة اقتناء السلاح أهمية عالية، مما قد يعطي مؤشرات ادق حول توجهات الجيل الناشي الاميركي بشكل عام في هذه المسألة “المفتعلة.”
نفوذ الجالية الآسيوية
استنادا الى ما تقدم لتأييد الجالية مناصفة تقريبا بين الحزبين، استنادا الى احصائيات عام 2014، فان تودد الحزبين لنيل الكفة الراجحة من التأييد تتعاظم اهميتها لاستمالة اكبر عدد ممكن، مع ادراك الطرفين لتدني مشاركة اعضاء الجالية ضمن مناطق سكناهم، فضلا عن الحاجز اللغوي الذي يفصل حديثي العهد عن المشاركة الفاعلة.
ديموغرافيا، تميل الجالية الآسيوية للتمركز في المدن الكبرى، التي يصنف ولاؤها تحت لائحة الحزب الديموقراطي، مما سيقلص نية اعتماد الحزب المنافس على التحرك بحرية داخل تلك الدوائر، مع الاخذ بعين الاعتبار انخفاض مستوى المشاركة في التصويت. بيد ان التغيرات الاخيرة تشير الى تنامي الوجود الآسيوي في ولايتي فرجينيا ونيفادا اللتان ستشهدان منافسة قوية بين الحزبين، وبذلهما جهودا ملحوظة لكسب ود القسم الاعظم من الجسم الانتخابي.
الحواجز اللغوية المتأصلة بين ابناء الجالية الآسيوية تعد الاعلى نسبة بين صفوف الجاليات الاخرى، اذ تشير الاحصائيات الرسمية الى نسبة متدنية لا تتعدى 35% تتقن التخاطب باللغة الانكليزية، بينما يستخدم جمهور اكبر، 77%، لغات اخرى غير الانكليزية للتخاطب اليومي.
تتضح الهزة اللغوية بشكل اكبر عند النظر الى مصادر الاحداث والانباء التي تستند اليها الجالية الآسيوية، بشكل عام: 43% من الناخبين الاسيويين يعتمد على وسائل اعلام وصحف “اجنبية” كمصدر ثقافي واعلامي؛ وتتسع الفجوة اكثر بالنسبة للجالية الصينية اذ تبلغ نسبة اعتمادها على مصادرها الاصلية نحو 60%؛ وتقاربها الجالية الكورية بنسبة 58%؛ وتتفوق عليها الجالية الفيتنامية بنسبة 72%. اما الجالية القادمة من شبه الجزيرة الهندية فتنخفض نسبة اعتمادها على مصادرها الأم بنسبة كبيرة، 3%.
من نافل القول ان الجيل الناشيء في صفوف الجالية يلجأ الى شبكة الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي لتلقي مصادر معلوماته.
ميول التصويت الآسيوي
من غير المرجح ان تفلح جهود الحزب الجمهوري في التعويل على نسبة تأييد تقارب او تماثل النسب التي تمتع بها عام 2014، 50%، في الدورة الانتخابية الجارية. يعود ذلك الى تبني المرشح ترامب وبرنامج الحزب الجمهوري موقفا متشددا بل معاديا للهجرة، وقد تتحول تلقائيا نسبة التأييد الى المرشحة كلينتون.
الجمهور الآسيوي في ولايتي نيفادا وفرجينيا بالتحديد يميل لتأييد التوجهات المحافظة، اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، وربما تذهب أغلبيته للاصطفاف الى جانب المرشح ترامب مما قد يعدل الكفة الراجحة العامة لصالحه نظرا للأهمية الاستثنائية لهاتين الولايتين في النتيجة العامة.