المقدمة
تلقت الادارة الاميركية تأنيبا شديد اللهجة من قيادات الكونغرس، منتصف الاسبوع، ليس لفشل سياستها في سوريا فحسب، بل لاحجامها عن تعزيز القوات البرية على الاراضي السورية. وخرج الرئيس اوباما عن طوره “المتردد” المعهود، باعلانه يوم الجمعة (30 اكتوبر) الزج بمزيد من وحدات القوات الخاصة الاميركية، لا تتعدى 50 عنصر، للاشراف على المعارك العسكرية في سوريا الى جانب قوى المعارضة التي تدعمها.
سيستعرض بند التحليل آفاق وانعكاسات انخراط مزيد من القوات العسكرية الاميركية، بينما تمضي واشنطن قدما في جولة جديدة من المفاوضات السياسية لوضع اسس انهاء القتال هناك، وتوجيهها دعوة مباشرة لايران للمشاركة في المفاوضات.
ايضا، ينبغي النظر الى الانخراط الاميركي الاضافي في سياق ذروة التصعيد الروسي بالاغارة على مواقع ومراكز المجموعات المسلحة، وما سينجم عنه من تفاهمات جديدة بينهما يحددها الميدان.
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
تراجع النفوذ الاميركي
رصد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تنامي المشاعر السلبية لسياسات الولايات المتحدة عبر العالم “لافعالها وتقاعسها في آن، ومشاعر الاحباط لتوقعات حلفائها،” حاثا صناع القرار “الاصغاء بعناية لفحوى خطاب القوى المنتقدة لاميركا تروجها في المحافل الدولية المتعددة والتي تتركز على مسألة الأمن.” واضاف ان المنابر العالمية المتعددة “تشهد على حضور روسي فاعل يهاجم السياسة الاميركية لزعزعة استقرار منطقة الشرق الاوسط ومناطق اخرى من العالم النامي، وتحميل الولايات المتحدة المسؤولية كمصدر اساسي لبروز ظاهرة الارهاب.” وذكر صناع القرار بأن روسيا “قد لا تصنف كعدو، لكنها على الاقل منافس وتظهر بدأب عدم ضبط النفس لاثبات ذلك.”
http://csis.org/publication/king-stork-king-log-americas-negative-message-overseas المصدر:
سوريا
اصدر معهد الدراسات الحربية دراسة وبيانا توضيحيا يرقب تغيرات ولاء قوى المعارضة السورية لاعانة صناع القرار والمراقبين على سبر اغوار كل فصيل لناحية “قوته النسبية، اماكن عملياته وانتشاره، مدى مشاركته في عمليات متعددة الاطراف، ومصدر تمويله الخارجي؛” بتركيز ملحوظ على “جبهة النصرة مميزا بين اذرعها المرتبطة بتنظيم القاعدة والمجموعات التي تربطها علاقات عملية متداخلة.” واعرب عن اعتقاده بان تؤدي الغارات الجوية الروسية الى “تقارب بين تلك المجموعات، (بينما هدف) تقليص نفوذ القاعدة يتطلب شرذمتها وتفريقها.” وحذر مرة اخرى من تمادي روسيا في قصفها الجوي نظرا “لنتائجه العكسية وما سيؤدي اليه من ترسيخ تنظيم القاعدة في سوريا.”
http://www.understandingwar.org/backgrounder/syrian-opposition-guide المصدر:
مصر
تنامي ظاهرة التيارات الاسلامية المسلحة في مصر كانت محطة اهتمام معهد كارنيغي، خاصة وان ” جزء من الازمة مصدره يعود لخسارة الاخوان المسلمين زمام السيطرة .. على الرغم من كونهم الفاعل الاسلامي المهيمن على النشاطات المعادية للحكومة .. بل ايد بعض قادتهم ما اسموه اعمال ابداعية غير عنفية.” واردف ان المقصود هو “ايجاد ارضية تبرر الاعمال العنفية التي لا تؤدي للقتل، بيد ان الاسلوب المذكور يشكل منزلقا في افضل الاحوال واسفر عن تصدع ضار وجدي بالبنية التنظيمية وتنافرها الاستراتيجي.” ومضى بالقول ان تنظيم الاخوان “وجد نفسه مهمشا اكثر فاكثر وفقد قادته السيطرة على الجيل الجديد الميال للعنف المعروف بالاخوان الثوريين وينشيء علاقات تعاون مع مثيله في التنظيمات الاسلامية الاخرى.” واوضح المعهد ان “الانشقاقات التنظيمية الداخلية .. حفزت اجراء الاخوان تعديلات هيكلية والتأقلم مع حملة القمع الحكومية.” من بين التدابير المتخذة “تطبيق التنظيم للامركزية سعيا لاستبدال القادة المعتقلين بعناصر قيادية اصغر سنا نالت شعبيتها وقوتها من المظاهرات الميدانية .. وعبرت عن استيائها من استراتيجيات القيادة التقليدية عديمة الفعالية.”
http://carnegie-mec.org/2015/10/21/egypt-s-escalating-islamist-insurgency/ijgn المصدر:
السلطة الفلسطينية
عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى عن اعتقاده بترابط التوصل لحل “الدولتين الذي تدعمه واشنطن” مع الغموض في مصير رئيس السلطة الفلسطينية المقبل، اذ ان صيغة الحل “الذي يصب في خدمة المصالح الاميركية يتطلب توفر زعيم فلسطيني يشعر بالاستقرار في بيئته ويتمتع بالشرعية اللازمة للاقدام على عقد تنازلات صعبة وضرورية للنجاح.” واوضح ان “الاستقرار الداخلي” يستدعي اجراء “انتخابات حرة نزيهة وديموقراطية كافضل السبل لضمان الاستقرار والحصول على الشرعية.” واستدرك بالقول انه على المدى الطويل “لا يمكن ضمان جدوى السلطة الفلسطينية، بيد ان عملية كهذه مستبعدة في ظل تقرير وشيك لمنصب خلافة رئيس السلطة الفلسطينية.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/palestinian-succession-an-overview-of-institutional-turmoil
تونس
معهد كارنيغي كان من بين المؤسسات الفكرية التي روجت لزيارة رئيس حزب النهضة التونسية، راشد الغنوشي، لواشنطن، مطلع الاسبوع، بدعوة من المعهد الاميركي للسلام، الملحق بوزارة الخارجية الاميركية. واعتبر “كارنيغي” ان تونس بعد الاطاحة ببن علي اصبحت نموذجا للحركات السياسية والاجتماعية في الشرق الاوسط “باعتماد صيغة التعددية في الحكم .. الشرط الاساسي لتثبيت وضع سياسي مستدام وتجديد الاوضاع الاقتصادية في الشرق الاوسط.” واضاف ان “شروط النضال لاحلال الديموقراطية في المنطقة تنطبق على الاسلاميين والعلمانيين على السواء .. بتلازم ثنائية الحق العالمي للمشاركة السياسية سلميا ومناهضة نزعات احتكار الحقيقة او السلطة.” واردف ان “تونس تشكل حالة استثنائية وبروز دورها حاملة منارة تلك التحديات ..”
http://carnegieendowment.org/2015/10/22/arab-world-s-challenge/ijk1 المصدر:
ايران
دعى المجلس الاميركي للسياسة الخارجية انتهاج سياسة متشددة “لاحتواء ايران،” محذرا من تداعيات الاتفاق النووي والافراج عن الاموال المجمدة التي “بدأت تعزز سلوك ايران المدمر في عدد من المجالات .. وحفزها على اجراء محادثات لمزيد من التسلح مع روسيا والصين، واطلقت تجربة اختبار صاروخ باليستي منتهكة بذك قرارات مجلس الأمن الدولي ..” واضاف ان “الاسابيع والاشهر المقبلة ستشهدمزيد من التجليات بالتزامن مع تمتع ايران بفوائد الاتفاق النووي الاقتصادية.” وناشد المجلس صناع القرار “المباشرة في تحديد نقاط الضعف الناتجة عن الاتفاق النووي على الارجح، والخطوات التي ينبغي اتخاذها لتخفيف وطأتها.”
http://carnegieendowment.org/2015/10/22/arab-world-s-challenge/ijk1 المصدر :
اعتبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى تجربة ايران لصاروخ باليستي “وزهوها بشبكة انفاق سرية تحت الارض” جاءت بهدف “طمأنة التيار المتشدد في الداخل وفي نفس الوقت تحدي المجتمع الدولي بانها لا تزال ماضية لتحقيق الردع النشط وتطوير الصواريخ.” واستطرد المعهد محذرا بانه ينبغي على المراقب “قراءة الرمزية التاريخية (للردع) التي تجد صدىً عالياً في صفوف القيادات العسكرية والسياسية .. وقد تؤشر على استغلالها الاتفاق النووي كاسلوب تفاوضي يؤجل (الهدف الحقيقي) عندما تبرز الفرصة المؤاتية لتحديها ضوابط الأمر الواقع.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/iran-seeks-to-strengthen-its-deterrence-by-showing-off-its-missile-force
تركيا
استقرأ صندوق مارشال الالماني نتائج الانتخابات التركية المقبلة، وبأن البلاد تقف على عتبة “اعادة تشكيل المشهد السياسي،” ستسفر عن نتائج مماثلة للجولة السابقة “والاحتمال المرجح ان تؤدي لانقسام في تركيبة البرلمان مما يجعل التوصل لصيغة حكم تحالفية أمرا ضروريا.” واضاف ان فوز حزب العدالة والتنمية باغلبية المقاعد البرلمانية “احتمال ضعيف، لكنه لن يكفي لمضيه في تغيير الدستور .. مما سيرسل رسالة واضحة لحزب العدالة والتنمية بديمومة النظام البرلماني وعليه التعاون مع الاحزاب الاخرى لحكم البلاد.” واستدرك بالقول ان “مدى تقبل الرئيس اردوغان لدور سياسي مخفض ليس واضحا.”
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/iran-seeks-to-strengthen-its-deterrence-by-showing-off-its-missile-force
التحليل
تعديل ام استدارة اميركية في سوريا
واشنطن تعد لانقاذ جماعتها المسلحة
تدخل في سياق استراتيجية الغزو
تزامنا مع الانفراج السياسي بعقد مؤتمر فيينا حول سوريا، اعلن البيت الابيض عن قرار احادي الجانب بارساله ثلة من القوات الاميركية الخاصة للاراضي السورية، بعد صمت طويل تلقى فيه اهانات قاسية من خصومه الجمهوريين وبعض اركان حزبه الديموقراطي واتهامات بقلة الحيلة والتقاعس وفشل سياسته للتدخل في سوريا.
الاعلان في حد ذاته مثير للجدل، خاصة لناحية توقيته، على خلفية سلسلة لقاءات رسمية غير موفقة لشرح نوايا الادارة في الكونغرس ، آخرها وابرزها كان مثول كل من وزير الدفاع، آشتون كارتر، ورئيس هيئة الاركان، جوزيف دنفورد، امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ.
يشار ايضا الى اختتام دنفورد لجولة في المنطقة شملت العراق، مناشدا الحكومة العراقية عدم الاستجابة لطلب استدعاء القوات الروسية لشن غارات مماثلة على تنظيم الدولة الاسلامية في العراق. تلتها تصريحات قطرية تهدد بالتدخل العسكري المباشر في سورية، اعتبرها البعض بانها جاءت بايعاز من الادارة الاميركية استباقا لمواجهة مع الكونغرس لشراء الوقت وانضاج قرار التدخل، لا سيما لرصد الوسائل الاعلامية التباين في توجهات الرئيس اوباما من جهة، وقادته العسكريين من جهة اخرى.
يشار الى تكرار الرئيس اوباما لموقفه اينما حل وسنحت له الفرصة بانه قطع عهدا للشعب الاميركي بعدم “تواجد قوات برية” في سوريا. بالمقابل، انتشرت روايات متعددة حول قيام القوات الاميركية بتنفيذ عدد من العمليات العسكرية مباشرة داخل سوريا.
وزير الدفاع كارتر كان متحفظ جدا في شهادته ولم يقل الا القليل، بيد ان اللافت للنظر تصريحه حول “انشاء منطقة حظر الطيران” في سوريا بانها “غير واردة في المدى المنظور من قبل البنتاغون، ومع ذلك تبقى من ضمن الخيارات” المعدة. واضاف مؤكدا ان “الرئيس باراك اوباما لم يسحب او يخرج من التداول خيار اقامة منطقة حظر الطيران في سورية.”
احد ابرز خصوم الادارة وسياساتها المرشح عن الحزب الجمهوري ليندسي غراهام وبخ الثنائي، كارتر ودانفورد، بلهجة قاسية قائلا “تداعت الاستراتيجية الاميركية بالكامل .. روسيا وايران وحزب الله سيمضون في القتال نيابة عن (الرئيس الاسد) اما نحن فليس بوسعنا فعل اي شيء من شأنه دعم القوى التي ترغب بتغيير سوريا الى الافضل عبر الاطاحة بديكتاتور دمشق.”
خلفية ضرورية
توثيق نية الادارة الاميركية التدخل عسكريا في سوريا، وبشكل مباشر، ليس بالامر اليسير او المتوفر. لكن ينبغي الاسترشاد بوثيقة صادرة عن “معهد ستراتفور” الاستخباري عام 2011، ونشرتها ويكيليكس توضح فيه “احتمال” تواجد قوات اميركية خاصة على الارض في سورية منذ عام 2011.
قبل اعلان الادارة بقليل نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال،” 28 اكتوبر الجاري، نبأً نسبته الى “مصدر اميركي مسؤول رفيع المستوى (يمهد) لاحتمال اقدام الادارة الاميركية على نشر عدد محدود من القوات البرية (الاميركية) في سوريا ..” والذي يأتي تصديقا لتصريحات وزير الخارجية القطري، خالد العطية، بان بلاده “قد تتدخل عسكريا في سوريا كرد على التدخل الروسي” هناك.
لم ينقطع سيل التصريحات الاميركية والدول الحليفة بالاشارة الى “احتمال” قيام الرئيس اوباما ارسال قوة عسكرية مؤلفة من 3000 عنصر للقتال المباشر في سوريا، خاصة عقب اعلان الادارة عن فشل برنامجها لتدريب وتسليح عناصر معارضة جديدة بلغت كلفته 500 مليون دولار.
في هذه الاثناء “تسربت” انباء مصدرها وزارة الدفاع الاميركية تفيد بان “قوات أجنبية شاركت مباشرة بعمليات مشتركة مع (المسلحين) منذ بدء الازمة السورية في شهر آذار 2011).
قبيل مثول الثنائي كارتر ودنفورد امام لجنة في مجلس الشيوخ، هللت وسائل الاعلام الاميركية لشريط فيديو منسوب للبنتاغون بشن وحدة من “قوات دلتا” الخاصة عملية مباغتة على معتقل تديره داعش في العراق، اسفر عن “تحرير” 70 معتقلا من الاكراد، وتكبدت القوة الاميركية مقتل احد عناصرها. وتم بث الشريط مرارا وتكرارا على كافة الوسائل المرئية والالكترونية.
تضاربت الرواية حول صحة ودقة ما جرى، وبثت شبكة (ان بي سي) للتلفزة ما اعتبرته توضيح للعملية، نسبته لمصادرها، اسهم في تنامي الشكوك مفاده بان “العملية نفذت بناء على طلب من الحكومة العراقية واولئك الذين أُنقذوا هم من المقاتلين الاكراد ..” بالمقابل، اوردت وكالة “رويترز” للانباء خبرا على لسان “مسؤول اميركي رفيع” يؤكد ان الرهائن وعددهم 69 كلهم من العرب، من ضمنهم 20 عنصر لقوات الأمن العراقية .. وعناصر في تنظيم داعش اعتقلوا لشبهة التجسس.”
عند هذا المفصل، يرجح ان الغرض من اشهار الفيديو، بصرف النظر عن دقة الرواية الرسمية، كان لخدمة شهادة وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان المقررة سلفا، وتأكيد آشتون كارتر بان بلاده “على اتم الاستعداد للانخراط المباشر على الارض في العراق وسوريا.” سبق نشر الفيديو اختتام جوزيف دنفورد زيارته العاجلة لبغداد لحثها على عدم التوجه شرقا بطلب معونة عسكرية من روسيا.
الغرض الآخر لشريط الفيديو هو ارسال الادارة رسالة قوية لحلفائها العرب مغزاها ان “الولايات المتحدة لا تزال شريك يمكن الاعتماد عليه في الحرب ضد الارهاب،” وتهيئة الرأي العام الاميركي لقيام قواتها المسلحة بالقتال المباشر ايضا.
اتضحت معالم السياسة الاميركية كثمرة لجهود “المراجعة” التي اعلنت عنها الادارة الاميركية، ولم يعد خفيا انخراط قواتها العسكرية مباشرة في القتال في سوريا تحديدا، وتكرار تجربتها العراقية بتخفيف الضغط الميداني على قوات الدولة الاسلامية، تحت غطاء الدعم ورفد “مستشارين عسكريين.”
لا احد من المعنيين لديه استعداد الاقرار بحقيقة اطلاق صفة “العدوان” على سوريا، عند الاخذ بعين الاعتبار ان قرار واشنطن احادي الجانب يعتبر انتهاك للقانون الدولي وفاقد للشرعية كونه لم ينتج عن قرار اتخذه مجلس الأمن الدولي، او نتيجة طلب من الحكومة السورية التي لا زالت شرعية معترف بها في الامم المتحدة.
من ابرز ردود الفعل اميركيا كان تصريح المرشح الرئاسي السابق رون بول، والد المرشح الحالي راند بول، معلنا “لا استطيع الادانة بما يكفي من الشدة التصعيد العسكري الاميركي غير الحكيم في الشرق الاوسط. ايا يكن من استنتج استحسان فكرة ارسال قوات عسكرية اميركية الى منطقة تشهد غارات من قبل القوات العسكرية الروسية ينبغي ان يعفى من واجباته.”
عضو الكونغرس السابق رون بول استمر في توجيه نقده اللاذع للسياسة الاميركية مضيفا “هذه الحرب لا تعنينا. نزعة التدخل الاميركية حصدت دمارا بما فيه الكفاية في العراق وسوريا، ناهيك عن ليبيا. آن الاوان للعودة الى الوطن ..”
تعديل الاستراتيجية ام الخطاب
ثمة تطور مثير جرى قبل محادثات فيينا في سياق تصريح المسؤولين الروس عن ضرورة مشاركة جميع الاطراف في الحدث، لم يحظى بالاهتمام المطلوب. الا وهو اعلان روسيا ابرام اتفاق مع الاردن لانشاء غرفة عمليات مشتركة لمكافحة الارهاب بينهما مقرها عمّان. موسكو لم تغفل سياسة الاردن كحليف ثابت وقوي للثلاثي “اميركا واسرائيل والسعودية.” القراءة الاولية تشير الى استشعار السلطات الاردنية خطر تمدد داعش، وهو المرابط على حدودها المشتركة مع العراق وسوريا، مما حفزها اتخاذ خطوة “براغماتية” لدرء الخطر الداهم.
في شهادة كارتر المذكورة اكد على ان الادارة الاميركية “لن تدخر جهدا لتوفير الدعم لشركاء باستطاعتهم شن هجمات ضد داعش، او القيام بتنفيذ تلك المهام مباشرة، سواء عبر الغارات الجوية او عمل مباشر على الارض.” الهدف المرئي في خطاب وزير الدفاع ان الأمر يخرج عن نطاق “محاربة” الارهاب ويرمي لانقاذ الجماعات المسلحة من هزيمة ماحقة.
في معرض توضيح البيت الابيض لقراره بايجاز تدخل القوات الخاصة، والذي اتخذ بالتشاور مسبقا مع قادة الكونغرس من الحزبين، قال الناطق الرسمي، جوش ايرنست، 30 اكتوبر، ان التدخل في “سورية يختلف قانونيا” عن التدخل الاميركي في العراق – عندما ارسالت قوة عسكرية اضافية مؤلفة من 3000 عنصر. واضاف “تهديد الأمن القومي (الاميركي) انبثق من سوريا .. وعانى منه العراق.” واستدرك بالقول “انطلاقا من حرص الولايات المتحدة وحلفائها في التحالف الدولي على الأمن القومي للعراق اجيز العمل (العسكري) خاصة وان ما يتوفر من قرائن تشير الى ان الحكومة المركزية في سوريا اما انها غير قادرة او غير راغبة القيام بمعالجة الأمر على عاتقها.”
وفي سعيه لطمأنة هواجس الداخل الاميركي من الانخراط مباشرة في حرب طويلة، اوضح البيت الابيض ان وحدة القوات الخاصة “المتجهة الى سوريا ليس لديها تفويض بمهمة عسكرية .. بل افقها هو التدريب وتقديم الاستشارة والمساعدة” للقوى الحليفة. وزير الدفاع كارتر ايضا ذكر اعضاء الكونغرس بان ادارة الرئيس اوباما “على استعداد لمواصلة توفير مزيد من القدرات ودعم القوة النارية لمساعدة نجاح شركاءنا العراقيين.”
ووجه البيت الابيض رسالة اضافية للداخل الاميركي تنفي مسبقا “اي تغيير على الاستراتيجية الاميركية،” امام العهد الذي قطعه الرئيس اوباما لمواطنيه بأنه لن يرسل قوات برية تخوض القتال في سوريا. “قلنا بوضوح شديد انه كانت فعلا حالات شهدت انخراط قوات عسكرية (اميركية) على الارض داخل سوريا.” لكن تبريره لم يكن موفقا مما اضطره للقول “ما نقوم به (في سوريا) هو مواصلة العمل المكثف بعناصر استراتيجيتنا الواعدة والتي حققت بعض التقدم. ذلك بالطبع يعني تغيير. نقوم بتصعيدها.”
“التغيير والتصعيد” في الاستراتيجية الاميركية يشمل مناطق اوسع في سوريا، بعيدا عن الحدود الشمالية مع تركيا، تتلخص في “ثلاثية: الغارات والرقة والرمادي” كما جاء في اقرار وزير الدفاع كارتر امام اعضاء مجلس الشيوخ. وقال ان الاستراتيجية الاميركية تضع نصب عينيها “مدينة الرقة معقل داعش في الشمال السوري وسنعزز جهود دعمنا للمجموعات التي تقاتل الجهاديين .. التصعيد سيشمل الحملة الجوية، ومن ضمنها انخراط طائرات مقاتلة اضافية اميركية واخرى تابعة للحلفاء.”
مما لا شك فيه ان الغارات الجوية الروسية والانجازات الميدانية التي حققها الجيش العربي السوري، في مدة زمنية قصيرة، شكلت عاملا ضاغطا بقوة على القرار السياسي الاميركي بالتصعيد العسكري، وفي الخلفية تمدد الغارات الروسية الى الاراضي العراقية كما تطالب به بعض القيادات العراقية.
تجدر الاشارة الى البعد العملياتي للغارات الجوية الروسية النشطة باستخدام نحو 40 مقاتلة مختلفة، بمعدل 40-80 طلعة جوية مسلحة يوميا، تعادل نصف القدرات الاميركية على شن غارات جوية، خاصة عند الاخذ بعين الاعتبار حجم طائرات سلاح الجو المنخرطة وتقلص عدد الغارات الاميركية وانخفاض معدل اهدافها في سورية.
خيارات تصعيدية اخرى
السؤال الجوهري داخل اروقة صناع القرار الاميركي هو ما المطلوب توفيره وتطبيقه لتعديل سير العمليات الحربية، بعيدا عن ديبلوماسية وزير الخارجية جون كيري الذي يكشف عكس ما تضمره الادارة بقوله في محادثات فيينا ان القوات الاميركية في سورية “لا تستهدف (الرئيس) الاسد، بل محاربة داعش.”
واشنطن في حيرة من امرها على الصعيد الاعلامي والشعبي، على الاقل، خاصة للانجاز الروسي الكبير ببضع مقاتلات، لا يتجاوز عددها 40 طائرة، ومساواته بحجم العمل الاميركي في العراق عبر “الصدمة والترويع،” الذي سخرت له بضعة آلاف من الطلعات الجوية المكثفة. ضمن أفاق تلك المعادلة البسيطة فان موسكو ربحت الحرب الاعلامية واضفت مزايا تفوق سلاحها الجوي على مثيله الاميركي، فضلا عن البعد المعنوي بأن روسيا حليف حقيقي يمكن الاعتماد عليه مقابل تردد وغموض رؤيا في واشنطن.
تستحضر واشنطن خيار “انشاء مناطق آمنة” في سوريا، استجابة لرغبة تركيا وضغوط داخلية لابرز خصومها السيناتور جون ماكين واقرانه المتشددين. وذهب ماكين ابعد من ذلك بمطالبته انخراط قوات عسكرية اميركية لانجاز المهمة، يرافقها تغطية وحماية جوية. تعقيدات الساحة السورية لا تبشر خيرا لدعاة “المناطق الآمنة،” بل تستبعدها اكثر فاكثر مع بقاء نشاط القوات العسكرية الروسية في الاجواء السورية برمتها.
الخيارات العملية المتبقية لواشنطن تتمحور حول محاكاة الغارات الروسية، وربما تكثيف الطلعات الجوية الاميركية دعما للاكراد في الشمال السوري، الأمر الذي تجسد مؤخرا في “تطهير” بلدة تل ابيض من داعش وسيطرة القوات الكردية عليها.
ينطوي على ذلك الاعداد لاحتمال التدخل عسكريا لانقاذ طواقم طيارين اميركيين اسقطت طائراتهم بفعل ما في اراضي سورية. البيت الابيض اوضح مجددا توفر خطة طواريء بهذا الشأن اعدتها وزارة الدفاع “للبحث عن وانقاذ طيارين عسكريين اميركيين .. في اطار خوض عمليات عسكرية ضد الدولة الاسلامية” وما تستدعيه من توفير حماية جوية للقوات الارضية.
دعا قادة عسكريون اميركيون سابقون، ابرزهم رئيس هيئة الاركان السابق مارتن ديمبسي، بان الانخراط الفعال يستدعي تدخل مباشر طويل الأجل في سوريا والعراق “يمتد لعقود ثلاثة من الزمن؛” بعضهم طالب بقوة عسكرية يتراوح تعدادها ما بين 10،000 الى 30،000 عسكري. صانع القرار السياسي استند الى رؤية البنتاغون لاعداد الشعب الاميركي لمعركة طويلة “تتخذ انماطا متعددة،” منها المشاركة المباشرة والفعلية باعمال حربية. البعد الآخر في الحرب الاميركية الطويلة يتعلق بطمأنة حلفاء واشنطن الاقليميين التزامها باستراتيجية الحفاظ على عروشهم والحيلولة دون جهود الاطاحة بهم، وفي نفس الوقت عقد تحالفات تتطلبها المصالح الاميركية قد تتعارض مع مصالح الحلفاء.