التقرير الأسبوعي 11-17-2017

المقدمة       

       استغل الرئيس ترامب جولته الآسيوية “المطولة” لتعديل بوصلة الإهتمام الإعلامي في مواكبة نشاطاته ولقاءاته بعيداً عن روتين واشنطن الفضائحي؛ وتصدرت التحولات المتسارعة في المملكة السعودية رأس اهتمامات مراكز ومفاصل القرار السياسي الأميركي.

         سيستعرض قسم التحليل انقضاء عام كامل على انتخاب الرئيس ترامب وتناول ما استطاع تحقيقه من انجازات، التي لا تشذ عن سياسات الحزب الجمهوري، خاصة في نطاق السياسة الخارجية، بصرف النظر عن التهويل الإعلامي والمشادات التي تبرز بين الحين والأخر داخل البيت الواحد.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

سوريا

        زعمت مؤسسة هاريتاج ان الرئيس ترامب كانت لديه رؤيا ثاقبة حول السياسة الاميركية في سوريا “قبل تسلمه مهام الرئيس بزمن طويل .. والنواقص والمطبات التي ميزتها.” وبعد أن اصبح صاحب القرار السياسي، فان “موسكو تستمر في تغلّبِها بدهاء على واشنطن عبر تغاضيها عن ترتيبات   خفض التصعيد.” واضافت انه بعد النجاحات الميدانية التي ادت لتقلص “دولة الخلافة .. شرعت روسيا وسوريا وايران وحزب الله بالعمل بالقرب من مجموعات المعارضة المدعومة أميركياً ..”

http://www.heritage.org/middle-east/commentary/deconfliction-agreement-russia-syria-undermines-us-interests-the-region

المملكة السعودية

        أشارت مؤسسة هاريتاج الى التطورات المتسارعة في السعودية وما إذا كان “محمد بن سلمان جاهز لتولي قيادة ثورة من الأعلى، في خضم الهزة المذهلة في الايام الماضية .. مع العلم أن التغييرات تؤتي أكلها ببطء.” وأوضحت أن “محمد بن سلمان يلعب الدور الموجه لعملية التطهير المفاجأة .. وقيادته للتغييرالسريع في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.”

http://www.heritage.org/middle-east/commentary/saudi-arabias-mohammed-bin-salman-getting-ready-lead-revolution-above

        استعرض مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مسببات “الاعتقالات المفاجأة” وانعكاساتها والتي كانت ثمرة لتشكيل “هيئة مكافحة الفساد قبل ساعات من حملة الاعتقالات.” واستطرد بالقول أن “طبيعة الاعتقالات لكبار الأمراء وركائز الاقتصاد المحلي تشير الى نية ولي العهد الأمير محمد توطيد مراكز القوة والولاء والسير قدما بخططه الطموحة للتقدم بالمملكة اقتصادياً واجتماعياً.” وأوضح أن اعتقال “نجلي الملك الراحل عبد الله، متعب وتركي، تؤشر الى حسابات سياسية ذات بعد استراتيجي خاصة وأن جهاز الحرس الوطني بقيادة متعب قد يكون باستطاعته التصدي لبعض تحركات إبن سلمان ضد العائلة الملكية؛ بينما تركي بن عبد الله في منصبه كأمير منطقة الرياض خوّله للعب دور سياسي لحشد التأييد بين صفوف العائلة، وهو نفس المنصب الذي شغله الملك سلمان بفعالية شديدة لعقود مضت.”

https://www.csis.org/analysis/arrests-saudi-arabia-causes-and-implications

        وشاطره الرأي معهد كارنيغي بقوله أن حملة الاعتقالات تؤشر على “عزم ولي العهد إبن سلمان توطيد نفوذه، بدعم والده الملك، داخل صفوف العائلة الحاكمة.. وكبح جماح السلطات القضائية والدينية؛ بخلاف نمط الحكم المعهود بالمماطلة في ترسيخ أسس دولة حديثة.” ومضى موضحاً أن التغييرات السياسية المبتغاة “يقودها ولي عهد طائش وطموح، تفرضها التزامات اجتماعية موروثة لا يمكن تحمل أعباءها قد أضحت أكثر إلحاحاً بفضل تجاوزات السياسة الخارجية للسعودية.”

http://carnegieendowment.org/2017/11/09/remaking-of-saudi-state-pub-74681

        استحضر معهد أبحاث السياسة الخارجية حكايات “ألف ليلة وليلة،” للدلالة على ما يجري في الرياض “بالليلة الثانية بعد الألف .. وسرد شهرزاد حكاية الملك يونان والحكيم رويان .. وحديث القمع في كل قلب.” وأضاف أنه ربما من العسير تحديد حجم القمع الممارس “والناجم عن اعتقال الأمراء .. لكن إبن سلمان استشعر مواطن قوته المتزايدة كوصفة للمضي فيما يراه ممارسة قمعية ضرورية.” في الخيارات المتاحة، وفق رؤية المعهد، بقاء إبن سلمان في الواجهة أو تراجع مكانته، فإن ما ليس مرجحاً “قدرته على استعادة الترتيبات السياسية كما كانت عليه منذ نهاية عام 1953،” أي زمن وفاة المؤسس عبد العزيز بن سعود. واعتبر المعهد أن “تهور” الأمير الشاب قد أدى “لتفكيك مفاصل الدولة القائمة، بمساندة والده الضعيف أو بدونه؛ وربما قام بذلك نتيجة عدم تطابق طموحاته الشخصية مع ما ينبغي أن يتحلى به من حكمة وخبرة ..”

https://www.fpri.org/article/2017/11/1002nd-arabian-night/

التحليل

انجازات شحيحة لترامب في سنته الأولى 

وزيارته الآسيوية

الرئيس الأكثر خلافية

         شرعت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة بشن حملة مكثفة في الذكرى الأولى لإنتخاب دونالد ترامب رئيساً، بما لها وما عليها، تطرح سيناريوهات متعددة، حقيقية ومصطنعة، تترجم ميل بعضها لإقصاء ترامب وعزله ولو في الفضاء الإفتراضي.

لن يجد المرء صعوبة في رصد المسار السياسي والتداعيات الموضوعية التي طرأت على “النفوذ الأميركي،” في الداخل والخارج بعد تسلم ترامب رأس السلطة؛ خاصة وأن التغيرات الدولية تبشّر باللاقطبية أو تعددها وتلاشي التفرد الأميركي بقضايا العالم.

         بعيداً عن مسلسل الفضائح أو التحقيقات القانونية التي لا زالت تلاحق أركان الإدارة الأميركية، إنفرد ترامب بالخطابات النارية والقرارات المفاجأة واستنهاض النزعات العنصرية، وأضحى “الرئيس الأكثر جدلا ً وخلافياً في تاريخ المؤسسة الرئاسية الأميركية .. ورعى حالة الإنقسام الحادة بين الأميركيين بسلوكياته المزاجية الغاضبة ومشاكساته اللامتناهية.” وفق توصيف اسبوعية يو أس نيوز آند وورلد ريبورت، 7 تشرين2 الجاري.

         أوجز أحد أهم أركان الحزب الجمهوري، فرانك دوناتيللي، في الذكرى الأولى، التطورات الاجتماعية بعد اعتلاء ترامب منصب الرئاسة قائلاً “ما يلمسه المرء مدى الغضب الذي يتملك الشعب، وتقلص مساحة القضايا والهموم المشتركة.”

لم يعد سراً حالة الانقسام التي رافقت فريق الرئيس ترامب الاستشاري والذي وصفته واشنطن بأنه “انشطر الى قبائل متنافسة” منذ دخوله البيت الأبيض: فريق “القوميين يدفع الرئيس لتشديد المراقبة وإغلاق الحدود الأميركية، وتمزيق الإتفاقيات التجارية لأسلافه؛ بينما فريق العولمة يشد سياسات الرئيس للتماثل مع حكومة يسيطر عليها الحزب الجمهوري ..”

بعد مضي زمن قصير، تشظى الفريقين والسياسات المنشودة وغلبت “التحالفات الآنية” بين الفريقين لإقصاء المناوئين، ومن أبرز الضحايا كان مستشار ترامب الاستراتيجي الخاص ستيف بانون، ومدير مكتب الاتصالات أنثوني سكاراموتشي وآخرين قبلهما.

ترامب، القاسم المشترك بين الفرقاء، يتطور ويَعبُر مرحلة “ترامب رجل الأعمال ونجم التلفزيون الى ترامب رجل السياسة،” يعزز الانفاقات العسكرية ويطلق تصريحات متطرفة أرفقها بشن غارة جوية على سوريا لإستعراض قوة الرئاسة “وعربوناً لحلفائه من دول الخليج والمنطقة.”

         استشراء مديات “الغضب والإحباط” الشعبي لها ما يبررها، خاصة في تردي الأوضاع الإقتصادية للطبقات المتوسطة والمتدنية إذ بلغ معدل ما تنفقه على المأوى “ضعف ساعات العمل التي كانت سائدة في أميركا في عقد الخمسينيات” من القرن الماضي، وفق دراسات أكاديمية متعددة.

من المتوقع استمرار “تفاقم الأوضاع الإقتصادية والتي أسهمت في ترجيح كفة ترشيح” ترامب العام الماضي، وفق تقديرات يومية نيويورك تايمز، 7 نوفمبر. كما يلحظ المرء بشكل ملموس “تباين المصالح بين الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى مقارنة مع مؤيدي ترامب من الشرائح الوسطى والشرائح العليا من الجمهوريين وأرباب العمل.” استمرار اتساع الهوة بين الفرقاء والشرائح المتعددة ربما يشكل أحد التفسيرات لتعثر جهود ترامب وفريقه في تحقيق أي انجازات ملموسة.

كما أخفق الرئيس ترامب في ترجمة أبرز وعوده الانتخابية، لا سيما الغاء واستبدال برنامج الرعاية الصحية الشامل – اوباما كير؛ بناء جدار الفصل على الحدود المشتركة مع المكسيك؛ وفشله في فرض رؤيته على كل من إيران وكوريا الشمالية والفوز بتنازل ملموس منهما.

         أما التجاذبات شبه اليومية بين المؤسستين الرئاسية والتشريعية (الكونغرس) فلم تسعف أي من الفريقين خاصة وأنهما ينتميان للحزب الجمهوري عينه؛ وترامب، بحكم موقعه الرئاسي المتقدم، يعتبر رئيساً لحزبه أيضاً. لعلها المرة الأولى في تاريخ الكيان السياسي الأميركي يمارس الكونغرس دور المعارض لترشيحات الرئيس لمناصب رسمية رفيعة شاغرة.

         في خانة الإنجازات الصرفة، فاز ترامب بمصادقة الكونغرس على مرشحه للمحكمة العليا، نيل غورساتش، ضامنا بذلك توجهاتها المحافظة في كافة القضايا المطروحة لعقود مقبلة. كما أن دعمه القوي والثابت للمؤسسات الأمنية أثمر انخفاضاً في معدلات العبور غير المرخص عبر الحدود الأميركية (وفق بيانات وزارة الأمن الداخلي).

أزمة النظم الغربية

         في البعد الإستراتيجي، لا تبدو الأزمة التي تعصف بالمجتمع الأميركي خصوصاً، والغربي بشكل عام، عائدة لصعود ترامب وما يمثله من امتدادات ومصالح فحسب، خاصة وأن نهجه وسياساته الملموسة تطابق توجهات “رئيس جمهوري محافظ.” بكلمة أخرى، استطاع ترامب إبطال مفعول بعض الإجراءات والقيود التي فرضها أسلافه، وهي الميزة الملازمة لرئيس يمثل الحزب الجمهوري في العرف السياسي الأميركي.

         الصحافي المرموق إدوارد لوس، مدير مكتب صحيفة فاينانشال تايمز في واشنطن، يرى أن الأزمة بنيوية وهيكلية في النظام “الليبرالي الغربي .. الذي يواجه أخطر تحدياته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،” في كتابه الأخير تراجع الليبرالية الغربية، استنادا إلى ما اعتبره تضاؤل “النمو الإقتصادي الذي يعتبر الصمغ اللاصق الأقوى للديموقراطيات الغربية.”

         وحمّل (لوس) الرئيس ترامب مسؤولية “عدم إكتراثه لتحقيق وكسب تأييد الأغلبية؛ بل يحافظ على الزهو بشخصيته الاستفزازية وعدم رغبته التقيد بالنص .. واستغل سلطاته التنفيذية لتصفية إنجازات أسلافه من الرؤساء.” بل “أضحت التقاليد الليبرالية الأميركية عرضة للهجوم من رئيس البلاد عينه.”

التوجه نحو آسيا

         عوّل الرئيس ترامب كثيراً على جولته الآسيوية ورفع سقف التوقعات للأعلى فيما ينوي تحقيقه مع الرئيس الصيني بشكل خاص، في ملفي كوريا الشمالية والتوترات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فضلاً عن الفوز بعقود تجارية ضخمة “تبرر” سياساته بتوسيع التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والدول الآسيوية لصالح الأولى.

         عزز جولته باستعراض القوة العسكرية وقيام سلاح البحرية نشر ثلاث مجموعات من حاملات الطائرات بالقرب من مياه كوريا الشمالية، بيد أن “الرياح جاءت بما لا تشتهيه السفن” الأميركية وأخفق ترامب في تحقيق تنازلات ملموسة من نظرائه الآسيويين بإستثناء إعلانه عن أرقام عالية لصفقات تجارية، كما حرص بعض مضيفيه على إشباع غروره وشغفه بالمظاهر الإحتفالية: فتلقى ترحيبا حاراً من “صديقه الأقرب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي؛ والقى كلمة أمام الجمعية الوطنية (البرلمان) في سيئوول؛ وأغدق عليه ما بدى متعمداً باستقبالاً رسمياً حاراً الرئيس الصيني (شي جين بينغ) تخلله عرض للأوبرا داخل أسوار المدينة المحرمة ومأدبة عشاء فاخر؛ وحظي بإطراء خاص تخلله الغناء له من قبل الرئيس الفليبيني رودريغو دوتيرتي.”

         سردية ترامب كانت زاخرة في التفاؤل والمبالغة في مدح الذات إذ قال في محطته بالعاصمة مانيلا “لقد كان استقبالاً فرشت فيه السجادة الحمراء، ربما لم يحظى بها أي زعيم من قبل .. وذلك علامة احترام حقيقية، ربما لي شخصياً بعض الشيء، لكن المقصود بلادنا.”

         يشار الى أن ترامب في خطاب القسم، مطلع العام الجاري، شدد على اتباع سياسة حمائية “تضبط  حدودنا من الخراب الذي لحقنا من تصنيع منتجاتنا في الخارج، سرقة شركاتنا، وتدمير فرص العمل لدينا ..”

         أثناء تحليق طائرته الرئاسية في رحلة عودتها أجمع “أخصائيو الشؤون الآسيوية” في تعليقاتهم على أن الجانب الرابح الأكبر كانت “الصين .. أما الرئيس فقد عاد لواشنطن صفر اليدين الى حد كبير؛” ولم يحرز أي تقدم في أي من القضايا التي تهم الشعب الأميركي.

         وذهب فريق المستشارين المرافقين لترامب أبعد من ذلك بالإشارة الى أن كلاً من “الصين وروسيا جددتا التزامهما بممارسة ضغوط على كوريا الشمالية، ولم تلجأ أي منهما لاستغلال فرصة وجود ترامب للتعبير عن التزامات جديدة، ومواكبة تأييد عَرْضٍ قطعه ترامب خلال خطابه في سيؤول لبدء مفاوضات مباشرة مع (رئيس) كوريا الشمالية كيم جونغ أون.”

         في المحصلة النهائية، وحفظاً لماء الوجه، صدر بيان مشترك بين ترامب وجين بينغ يشير الى “توافق البلدين على تفعيل تام لعقوبات الأمم المتحدة الخاصة بكوريا الشمالية .. والتزامهما السعي لتحقيق هدف خلو شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية ..” (نشرة بوليتيكو 14 نوفمبر الجاري).

         عند التوقف والتمحيص في البيان المشترك يتبين أن الإجراءات المتفق عليها جاءت متطابقة مع مواقف الصين السابقة والمعلنة. أما الصفقات التجارية التي بلغت “مئات المليارات” بين الصين وأميركا اعتبرها المراقبون في العاصمة الأميركية بأنها “غير ملزمة.” كما أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون “أبلغ الفريق الصحفي المرافق له في جولته بأن الولايات المتحدة حققت تقدماً طفيفاً مع الصين في المجال التجاري.”

         الصحافي المؤلف إدوارد لوس كان أشد قتامة ووضوحا في توقعاته بالقول إن “استقرار الكرة الأرضية .. سوف يكون بيد شي جين بينغ وقادة آخرين من أقوياء العالم.”

“تويتر” البنتاغون وإقالة ترامب

         في ضوء موجة الفضائح الجنسية الطابع لمسؤولين ومرشحين أو مشاهير في الولايات المتحدة تناولت الاعتداءات الجنسية أو التحرش بالفتيات القاصرات أو النساء، برز بشكل مفاجيء على موقع البنتاغون صباح يوم الخميس، 16 نوفمبر الجاري، تغريدة “لناشط” جاء فيها “.. على دونالد ترامب الإستقالة من الرئاسة؛” كونه مذنب عملياً في سلسلة إعتداءات وتحرشات أيضاً. وسارعت إدارة الموقع لإستدراك الأمر وحذفت المنشور بعد قليل أتبعته باعتذار المتحدثة بإسم وزارة الدفاع، دانا وايت، عبر تويتر أيضاً، قائلة إن “الأمر حدث بالخطأ، والوزارة لا تؤيد محتويات التغريدة” السابقة.