اللجنة العربية لحقوق الإنسان
ARAB COMMISSION FOR HUMAN RIGHTS
COMMISSION ARABE DES DROITS HUMAINS
International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations
تقرير
تهويد القدس وإغلاق مؤسسة الأقصى
تحرير
د. فيوليت داغر
مهمة تقصي حقائق في القدس الشرقية
في النصف الثاني من ديسمبر 2008
إصدار خاص بمناسبة مؤتمر مراجعة ديربان نيسان/أبريل 2009
C.A. DROITS HUMAINS
5 Rue Gambetta – 92240 Malakoff – France
Phone: (33-1) 4092-1588 * Fax: (33-1) 4654-1913
E. mail achr@noos.fr www.achr.nu www.achr.eu
تقدمة
في غمرة هجمة تطرف جديدة على الحرم القدسي الشريف من جانب مستوطنين يسعون لاقتحامه وتظاهرات للمقدسيين لصدهم، بما يعيد للأذهان عملية اقتحام سابقة له من قبل آرييل شارون التي كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الثانية في فلسطين، وفي زحمة التحضيرات لمؤتمر مراجعة ديربان الثاني في جنيف، الذي تنظمه الأمم المتحدة لمتابعة وتقييم التطورات الجارية في العالم في مكافحة العنصرية، تشارك فيه حوالي 350 منظمة غير حكومية من مختلف انحاء العالم، والذي يتعرض للابتزاز الاسرائيلي والأمريكي لمنع التطرق لاسرائيل وممارساتها العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، كون المؤتمر الأول في ديربان قد أدان اسرائيل والصهيونية واعترف بالشعب الفلسطيني كضحية للعنصرية ولنظام الفصل العنصري، تشهد التحضيرات للمؤتمر حملة شرسة على الحضور العربي والفلسطيني ومحاولات عرقلة المنظمات الفلسطينية والدولية المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني لتنظيم فعالياتها على هامشه كي لا يصار لإدانة اسرائيل كنظام فصل عنصري، تصدر اللجنة العربية لحقوق الإنسان بهذه المناسبة هذا التقرير الذي سعى لتقديم صورة عن عمليات تهويد القدس التي تسارعت وتيرتها في الآونة الأخيرة وإطلاق صرخة للوجدان العالمي من أجل إنقاذ هذه المدينة الرمز من التطرف الديني والشوفيني القائم على عنجهية القوة العسكرية ومشاعر العنصرية البغيضة تجاه الآخر.
لمحة عامة
لم تكن هذه المرة الأولى التي أتوجه فيها إلى الأراضي الفلسطينية للزيارة والإطلاع والتواصل مع شعب تقطعت أوصال موطنه بين أجزاء كانت تسمى قبل ستين عاماً فلسطين، فلسطين التاريخية. لم تكن المرة الأولى أيضاً التي أتعرض فيها لانتهاك حقي في الحركة والتعرف عن كثب على أوضاع هذا البلد الذي يواجه الداخل اليه بالصد والمنع بهدف عزله عن أنظار وحشرية نوع من المتطفلين. فهو من ناحية يحظر دخولنا إليه كعرب من جانب حكومات بلداننا العربية بذريعة مناهضة التطبيع مع اسرائيل. ومن ناحية ثانية لا بد أن نتعرض بزيارته للمساءلات والتحقيقات الطويلة والمهينة من طرف رجال أمن حدوده لتجرؤنا كعرب وحتى كأجانب على شد الرحال إليه، خاصة لمن يناصر حقوق الإنسان الفلسطيني أو ينتصر لقضية هذا الشعب. أما عندما كنت أمتنع عن الدخول إليه عن طريق مطار بن غوريون والتف على ذلك، بالذهاب إلى الطرف المصري قاصدة قطاع غزة عن طريق معبر رفح على سبيل المثال، كانت الإجراءات المتخذة من قبل حرس الحدود المصرية أقل ما يقال فيها أنها غالباً غير لائقة أو ودية من طرف بلد عربي شقيق. في حين أن الإسرائيليين وبشكل ملحوظ يظهرون عدم الود مع موظفي الحدود المصرية ويتعاملون معهم باستعلاء وخشونة عندما يضعون أقدامهم على أراضي هذه الدولة، خاصة وأنهم يأتون زرافات ووحدانا للاستجمام أو لأمور أكثر جدية تتعلق بأغراض سياسية أو اقتصادية أو ما شابه.
كان لا بد من استكمال الصورة عن أوضاع الأراضي الفلسطينية المحتلة بالتعرف عن كثب على مدينة القدس، “العاصمة الموعودة” للدولة الفلسطينية المقبلة، وعلى ما يجري داخلها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني ومن اغلاقات لمؤسسات المجتمع ومنها “مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية”. فهذه المدينة التي هي مهبط الرسالات السماوية والتي ورد ذكرها عدة مرات في القرآن الكريم، تعد من أقدم المدن في العالم، وكان أول من سكنها العرب الكنعانيون ثم اليبوسيون قبل الفلسطينيين.
في هذه المرة بدت لي المدينة أكثر كآبة ووجوه ابنائها أكثر تجهما مما يمكن ان يتوقعه غريب قادم اليها. هو يتأكد من صحة مشاعره عندما يبصر حركتهم المسرعة في بلوغ منازلهم ما أن يهبط الليل، بحيث تخلو الشوارع من حركة البشر وكأنهم ليسوا في مأمن فيها. سائق التاكسي الذي قبل نقلي من المطار للنزل الذي استضافني اخبرني أنه يفعل ذلك استثناءا كي لا يتركني في الليل على قارعة الطريق لأبحث عن آخر يكمل بي المشوار، كون سيارات القدس الغربية لا تدخل عموماً للقدس الشرقية. المسافة لم تكن بالقصيرة، مما اتاح لي رؤية الأبنية على أطراف الشوارع التي اجتزتها، وبالتالي استغراب هذا القدر الكبير من الاختلاف بين جزئي القدس الغربية والشرقية. لا بل هذا التناقض الواضح وحتى الفاضح بين ما يترآى للناظر كمدينة جميلة تنعم بنصيب هام من العناية والثروة، وجزء آخر مهمل ومهمش من مثل الأحياء الفقيرة والمعزولة في ضواحي المدن العامرة.
شاءت الصدف أن زيارتي ما كادت تنتهي، حتى بدأ العدوان الأخير على قطاع غزة والذي دام 22 يوماً. كانت حمم النيران من السماء والبحر والبر تدك المدينة التي اشتدت أوضاعها قسوة مع حصار جائر استمر على مدى سنة ونصف. تعرضت خلاله المنطقة لمنع كل أسباب العيش بهدف مقاضاتها على اختيار ممثليها ولفرض إرادة الإحتلال والمشجعين له والمتواطئين معه. لكن قطاع غزة يتعرض منذ زمن طويل للويل والثبور، حيث تحول لسجن كبير دون سقف، كما وصفته قبل عدة سنوات إثر قيادتي لبعثة تقصي حقائق فيه. هذا السجن كان يتسع وتزداد ضراوة ظروفه مع الحصار، الذي هو أشبه بعدوان لا يعلن اسمه.
الأدهى من كل ذلك هو أن هذا الحصار الذي فرضته سلطة الاحتلال والذي يعد انتهاكاً للمادة 33 من معاهدة جنيف التي تحرم تحت أية ظروف العقاب الجماعي، وافقت عليه ضمنياً أطراف اللجنة الرباعية. فالتزامات سلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحماية الشعب المحتل، عبر توفير الأمان والطعام والمياه والتعليم وحرية الأديان تماماً كالتزاماتها بحماية مواطنيها، تقوضها ممارساتها بحق هذا الشعب. وفي قطاع غزة ذو الكثافة السكانية العالية، وحيث 80% من سكانه لاجئون وأكثر من نصفهم أطفال، كان عليهم أن يجدوا أنفسهم بين فكي كماشة وخلف أسوار ومعابر محكمة الإغلاق دون أي ملاذ آمن للنجاة بأنفسهم من نار جهنم.
عند فشل سلطة احتلال في القيام بالتزاماتها، تنتقل المسئولية للمجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة. وعليه، كان مجلس الأمن قد أصدر القرار رقم 1860 في بدايات العدوان الضاري على غزة، لكنه لم يوقفه. فاسرائيل، التي تدين بوجودها لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، أثبتت مرة أخرى أنها لا تحترم القانون الدولي ولا الأمم المتحدة. لقد تعاملت باستهتار مع قرارها وردت على لسان رئيس وزرائها أن ” دولة إسرائيل لم تقر من قبل لأي هيئة خارجية أن تحدد حقها في الدفاع عن أمن مواطنيها”.
فالإنسان في غزة يجرد من كل مقومات الحياة تدريجياً، والمرضى يتركون دون علاج مجدٍ ليواجهوا الموت، والأطفال يكبرون دون ان يعيشوا طفولتهم ويعرفون معناها يوماً. ليس اقل من 350 شخصاً ماتوا خلال الحصار لأنهم لم يتمكنوا من مغادرة قطاع غزة للعلاج بسبب رفض سلطات الاحتلال منحهم تأشيرات بالخروج للاردن او لمصر. ذلك علاوة على الدمار والمعاقين مدى الحياة التي خلفها العدوان باسلحة منها ما كان في طور التجريب وما هو محرم دولياً.
لقد كشف علماء ومنهم مصريون ان اسرائيل استخدمت في عدوانها هذا قنابل انشطارية متضمنة معادن ثقيلة تصيب الجينات وتحدث الفشل الكلوي فيما تحدثه من عواقب وخيمة على من تصيبه. أما قنابل الفوسفور الابيض التي أطلقتها، فقد شاهد العالم على شاشات التلفزة كيف اخترقت لحم الضحايا وشوهت عظامهم وخاصة منطقة الفك. في حين أن اليورانيوم المنضب الذي لجأت له أيضاً في هذا العدوان سيتسبب بحدوث تشوهات جينية وشيخوخة مبكرة وارتفاع بمعدلات الاصابة بالسرطان عند الاطفال خلال الفترة القادمة.
خلف العدوان الأخير على القطاع، حسب مركز الميزان لحقوق الإنسان، 1342 قتيلاً، منهم 109 نساء و318 طفل. أما المقاومين فكان عددهم 235، أي 15.50% من مجموع الضحايا. وبكل الأحوال الحرب ضد قطاع غزة ما زالت مستمرة بأشكال متنوعة ولو أن جيش الاحتلال لم يفلح في تحقيق ما كان يصرح به. أي التخلص من حركة حماس وايقاف اطلاق الصواريخ وفرض اتفاقية جديدة امنية على شعب يواجه بصدوره العارية وبالحجارة والصواريخ المصنعة محلياً رابع قوة عسكرية في العالم تمتلك 250 رأس نووية. وما زالت اسرائيل تحاول عبر وسائل متعددة فرض اعتراف بها، والحصول سياسياً وبمساعدة أمريكية واوروبية وعربية على ما لم تحققه عسكرياً.
ما جرى بغزة ليس بمعزل عما يحدث في مدينة القدس أو في الضفة الغربية أو حتى ما يتعرض له، وخاصة مؤخراً، أهالي الخط الأخضر من العرب الفلسطينيين. فالمظاهر التي تطالعنا عند الانتقال من مكان لآخر على الأراضي الفلسطينية يجدر ربطها ببعضها كون الداء واحد وإن اختلفت الأعراض ومظاهرها. هناك من يربط بين عملية “الرصاص المصبوب” في 27 ديسمبر 2008 ومخطط التهويد الكامل للقدس مستشهداً بالجولة التي قام بها أولمرت قبلها بثلاثة أيام على مواقع بناء جدار الفصل العنصري في القدس الذي يقضم 85% من قسمها الشرقي، وحيث شدد على ضرورة استكمال تشييده قبل بداية 2009.
بكل الأحوال، ما يحدث هنا أو هناك يخدم فكرة وهدفاً أوحد، وهو تأكيد سيطرة الكيان الغاصب على حاضر هذه الأرض والتحضير لمستقبل غير واعد أبداً لأبناء فلسطين، أكان بتمزيق أرضهم وزرع مستوطنات لشعب قدم من أرجاء العالم ليستوطن فيها، مقابل فرض التشريد والتوطين في بلدان الجوار أو أقاصي المعمورة على أهلها، وانكار حقهم في العودة إلى بلدهم أو حتى التجوال داخل حدوده التاريخية. ورغم كل المفاوضات والمباحثات والاتفاقات لم تلد دولة فلسطينية مستقلة. بل قفز عدد المستوطنين منذ اتفاق اوسلو 1993 في الضفة الغربية من 190 ألفاً الى نصف مليون اليوم. كما وقضم 25% من أراضيها بتشييد حائط الفصل العنصري وتوسيع القدس والمستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. وما بقي من 22 % من فلسطين التاريخية بات لا يصلح عملياً لاقامة دولة عليه، بفعل تجزئته وتقطيع اوصاله لكانتونات منفصلة عن بعضها يمنع أهلها من التواصل فيما بينهم.
فالدولة العبرية هي الوحيدة بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لا تملك حدوداً معلنة، بحيث تستمر في ضم الأراضي الفلسطينية دون من يردع. وهي ايضاً الدولة الوحيدة التي لا تملك دستوراً وتعتبر ان كل يهودي على وجه المعمورة هي وطن له. وهي الوحيدة التي اشترطت الأمم المتحدة لقبولها عودة اللاجئين الفلسطينيين وقيام دولة عربية ولم تحترم أي من الشرطين، بل لعلها البلد الوحيد الذي يجعل من الدين والايديولوجية سبباً لطرد شعب من أرضه وإحلال كل من يقول بأنه من الدين اليهودي مكانه. أما اولئك الست ملايين نسمة الذين تشردوا من فلسطين في انحاء المعمورة، فلا يوجد أي اتفاق موقع يقر بعودتهم لوطنهم، وإن كانت الأمم المتحدة قد تناولت عودة اللاجئين الفلسطينيين الى قراهم وبلداتهم التي طردوا منها وأن يتم تعويضهم على ما خسروه.
يذكر رئيس الدورة الثالثة والستين الجمعية العامة للأمم المتحدة بكلمته أمام الجمعية ما قاله البروفيسور جون داجارد، المقرر الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة : “منذ أربعين عاماً والهئيات السياسية التابعة للأمم المتحدة والدول والأشخاص يتهمون إسرائيل بالانتهاكات المستمرة والتنظيمية والجسيمة ضد حقوق الإنسان والقانون الإنساني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي عام 2004، أكدت الهيئة القضائية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في رأيها الاستشاري على أن أفعال إسرائيل داخل الأراضي المحتلة تنتهك بالفعل القواعد الأساسية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني ولا يمكن تبريرها على أساس أنها دفاع عن النفس أو ضرورة. وإذا كانت الأمم المتحدة جادة بشأن حقوق الإنسان فلا يمكنها أن تتحمل تجاهل هذا الرأي خلال مباحاثات اللجنة الرباعية؛ لأن هذا يعد تأكيداً رسمياً بأن إسرائيل جادة بشأن خرق التزاماتها الدولية. كما أن الإخفاق في تطبيق أو حتى الاعتراف بالرأي الاستشاري الذي يتناول القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان يثير التساؤل حول الالتزمات الحقيقية للأمم المتحدة تجاه حقوق الإنسان.”
عمليات تهويد القدس
منذ اتخاذ القرار 303 في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1949 منحت مدينة الديانات السماوية الثلاثة وضعاً دولياً خاصاً، مع التأكيد على حماية الأماكن المقدسة فيها وعلى احترام الخصوصيات الدينية والثقافية والاجتماعية لجميع سكانها. لكن دولة الاحتلال وضعته على الرف ولم تحترم يوماً ما ورد فيه. بل بات حتى القيام بالصلاة في مسجد الأقصى محرم على أبناء القدس الذين تقل أعمارهم عن 50 سنة. وأبناء الطائفة المسيحية ليسوا بمعزل عن الأحكام العرفية التي فرضت منذ احتلال المدينة في 1967. في حين أن هذا القرار الذي يرسم الحدود كان يمكن أن يشكل أساساً لسلام عادل ودائم.
أما الهيئة المشرفة والمكونة اليوم من الدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن والتي أنيط بها تطبيق القرار، فقد باتت معطلة منذ 1994 وسريان اتفاقية أوسلو. اسرائيل لم تسمح للأمم المتحدة بممارسة أية سلطة ادارية على القدس، وهذه الأخيرة تعتبر أن اسرائيل قد الحقت القدس بها بالجوء للقوة العسكرية والاحتلال على الرغم من كل قراراتها بما فيها 181 و242 الصادرين عن مجلس الأمن. عملية الالحاق هذه هي في تعارض أيضاً مع قرار الجمعية العامة 303 الذي ينص على أن أي إجراء تتخذه حكومة ما لا يمكن أن يمنع الهيئة المشرفة من الحفاظ على وضعية مدينة القدس كما تبنتها. الأمر الذي يضر بمصداقية الأمم المتحدة بعيون كل شعوب العالم وليس فقط العربية.
الدولة العبرية، التي أعلنت ضم القدس الشرقية سنة 1980 بعد أن كانت قد احتلتها في 1967، ما زالت ترفض الاعتراف ب19 قراراً دولياً يعتبر القدس أرضاً محتلة. وقد فرض الاسرائيليون بقرار صدر عن الكنيست في أواخر 2007 عدم التنازل عن شرقي القدس في أي حل تتوصل له حكوماتهم، إلا إذا حصل على غالبية ثلثي الأعضاء، أي 80 من أصل 120 عضواً. وهذا ما يبدو صعباً جداً اليوم، خاصة مع قدوم حكومة أكثر يمينية وتطرفاً مما في السابق. وحيث أن بعض المؤسسات الاهلية الفلسطينية ما زالت تعمل في مدينة القدس المحتلة، يمنع بالمقابل اي نشاط للسلطة الفلسطينية. نذكر باغلاق مؤسسة بيت الشرق في المدينة لسنوات خلت، بحجة قيام السلطة الفلسطينية بنشاطات مختلفة فيها. ذلك إلى جانب أن الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة يحتاجون لتصاريح خاصة لدخول القدس.
وهكذا، منذ اليوم الأول لاحتلال القدس، شرعت اسرائيل بعمليات التهويد المنظم للمدينة، معملة معاول الهدم فيها. ولم يكد يمضي الشهر الأول على نكسة 1967، إلا وقد أزال الاحتلال 5000 منزل وحارات بكاملها من الوجود، منها حارة المغاربة التي أنشئت منذ عهد صلاح الدين في ساحة البراق. كذلك حولت بعض المساجد لكنس يهودية وأماكن سياحية وتجارية ومرابض إبل، وجرفت بعض المقابر الاسلامية ونقلت رفات بعض الصحابة لأماكن مجهولة. كما وصودرت وثائق المحكمة الشرعية، وهدم مبنى المجلس الاسلامي الأعلى رغم أن صفة الوقفية لا تسقط عنه بالتقادم. وجرت عمليات التزوير والحفر «السرية» تحت المسجد الأقصى وما زالت مستمرة. بدأت تتسارع إجراءات التهويد، وكشف عنتسجيل وتثبيت 120 عقاراً للمستوطنين من خلال وثائق مزورة وبصورة غير قانونية. إلى أن سيطرت سلطات الاحتلال على أكثر من 60 ألف دونم من الأراضي. كما وصادرت ما يزيد عن مائة عقار ومنزل في محيط المسجد، تم تحويلها لبؤر استيطانية شيد فيها حتى الآن أكثر من 50 كنيساً يهودياً. وهي تستكمل بافتتاح العشرات الآخرين والشروع في بناء أكبر كنيس يهودي في العالم.
أي ما يعني، حسب تقرير النائب أحمد أبو حلبية، أن 90% من الأراضي العربية وضعت تحت تصرف سلطات الاحتلال (بين 34% استيلاء، 40% محميات طبيعية، 10% أراضي مجمدة، 6% بنى تحتية وشوارع). علاوة على أن الفلسطينيين الذين يشكلون ما نسبته 34 % من سكان القدس، لا تصرف البلدية على أحيائهم سوى ما بين 5 إلى 10 % من ميزانيتها، بما يجعلهم يفتقرون للخدمات والبنى التحتية المناسبة، علاوة على أن حوالي الثلثين منهم يعيشون تحت خط الفقر.
الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، حيث أكثر من 2200 عقار ومنزل والآلاف من الدونمات مهددة بالمصادرة. كما أن مكتبة الأنصاري، التي هي من أقدم وأهم مكتبات القدس الثقافية العامة، مهددة بالإخلاء والهدم. فسلطات الاحتلال تقوم باستعجال اجراءات الضم ومصادرة لآلاف الدونمات من الأراضي ومئات العقارات بشتى الحجج وباصدار العديد من الأوامر والقرارات وما يزيد عن عشرين قانوناً من أبرزها: قوانين مصادرة أملاك الغائبين، والمحميات الطبيعية، والأرض الخضراء، ومن أجل المصلحة العامة، الخ. والهدف بالطبع تهجير أهالي القدس، بحيث لا يبقى بعد عقد من الآن سوى 12% من عددهم الحالي. أي ربع مليون، مقابل رفع عدد اليهود فيها ليصل لمليون نسمة خلال العشرية القادمة.
فالمسجد الأقصى، الذي تبلغ مساحة ما يشمله من متعلقات ومعالم هامة وآثار 144 دونماَ، لم يتعرض فقط لعمليات السطو عليه والاستيلاء على حائط البراق الذي أسمته سلطات الاحتلال حائط المبكى، بل لهدم تلة باب المغاربة بداية 2007، وإقامة جسر مكانها ومبان وحصون لا علاقة لها بما كان. وقد كثفت عمليات الحفر في ساحات الأقصى، ومن تحته في السور الجنوبي منه وصولاً لأسفل مسجد الصخرة شمالاً، ومن شرقه لغربه. كذلك لشق الأنفاق لتمكين دخول الشاحنات والجرافات، ولطمس المعالم والآثار الاسلامية والزعم بوجود هيكل اسفل المسجد الأقصى. مما بات يهدد أساساته وجدرانه والكثير من العقارات والمنازل في محيطه. ورغم تبيان وجود تصدعات وانهيارات في سوريه الغربي والجنوبي، لم تسمح سلطات الاحتلال لدائرة الأوقاف الإسلامية بترميم ما خرب في ساحته وفي مسجد البراق والمسجد الأقصى القديم والمسجد المرواني والمدارس التي تتبع له.
كان المسجد الأقصى قد تعرض بعد سنتين من الاحتلال لحريق أتى على جزء منه، ومن ثم تكررت المحاولات لحرقه. كذلك تعرض لاقتحامه واطلاق رجال الاحتلال النار على المصلين فيه، بما أردى العديد منهم بين قتلى وجرحى. واحدة من هذه الاقتحامات كانت لشارون في 2000، وأدت لاندلاع الانتفاضة الثانية. أيضاً تعرض حراسه لاعتداءات متكررة ومنعهم من مزاولة عملهم. في حين ما زال الفلسطينيون من سكان قطاع غزة والضفة الغربية يمنعون من الوصول للمسجد والصلاة فيه. بينما توضع تحديدات عمرية لأهالي القدس وفلسطينيي الخط الأخضر مع شرط حصولهم على تصريح اداري من السلطات في مكان سكنهم.
إسرائيل، بخلاف ما يطالبها به المجتمع الدولي وبتناقض مع التزاماتها في خارطة الطريق، تمضي بخطى حثيثة في الاستيلاء اللاقانوني على القدس الشرقية وتشييد المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين وبناء الجدار العازل الذي قطع أوصال القدس الشرقية وعمق المشكلة الاقتصادية لسكانها العرب. علاوة على انتهاج بلدية القدس التشدد في منح رخص البناء لفلسطينيي القدس ومنعهم من الإعمار والتوسع الأفقي والعمودي بالبناء. وإن أعطى ترخيص استثناءاً فكلفته تكون عالية جداً، أي ما يتعدى 25 ألف دولاراً للشقة السكنية. مقابل ذلك يمنح اليهود كل التراخيص والتسهيلات اللازمة برسوم رمزية. الأمر الذي اضطر البعض لتشييد منازلهم دون هذه التراخيص، مما وفر الحجة للسلطات لهدمها. وعليه، أكثر من 400 منزل قد ازيل منذ عام 2004، في حين أن ما لا يقل عن ألف ينتظر أوامر الهدم. ذلك حين لا توضع اليد على المنازل ليقطنها اسرائيليون بعد ان يطرد أصحابها منها.
<<<
لقراءة أو تحميل المقال كاملاً يرجى تحميل الملف المرفق في أعلى هذا المقال
[See attached file [alquds.2doc-20090419-132056