قمم المتاعب في المسرح الاميركي: هل تكون ابعد من الصور التذكارية؟!

الازمة المالية الاوروبية واستراتيجية حلف الناتو في افغانستان من ابرز الموضوعات التي ستتناولها القمم المقبلة للدول الصناعية الثمانية وقمة دول حلف الناتو وقمة مجموعة 20 الصناعية. مجموعة الدول الثمانية تعقد مؤتمرها، الجمعة 18 أيار/مايو، في منتجع كامب ديفيد بحضور الرئيسين الاميركي والفرنسي ورؤساء وزارات الدول الاوروبية الاخرى. سيغيب عنها الرئيس الروسي الجديد، فلاديمير بوتين، موفدا سلفه ورئيس الوزراء الحالي ديمتري مدفيديف. غياب بوتين يؤشر على ازمة علاقات كامنة مع الولايات المتحدة على خلفية سبل التعامل مع الملفات الدولية وضرورة التمسك بمبدأ سيادة الدول على اراضيها، لناحية سورية ، وكذلك لاتهام الرئيس بوتين الولايات المتحدة بالتدخل في الشأن الروسي الداخلي ودعم مظاهرات ضد حملة الانتخابات الرئاسية.

الازمة الاقتصادية تنذر بكارثة حقيقية في اوروبا، وستكون مدرجة على اولويات جدول الاعمال للدول الثمانية، لكن حقيقة الامر ان الخيارات المتاحة امام الولايات المتحدة بهذا الشأن محدودة للغاية، نظرا ايضا لتراكم العجز في ميزانيتها العامة وحالة التقشف التي تتصدر برامج مساعداتها المختلفة. في المقابل، تنفرد المانيا بوفرة السيولة المالية بخلاف الدول الاخرى، ومن المتوقع تزعم اوباما جهود حثها  لدعم اجراءات التخفيض في الانفاق بغية احتواء الازمة. اذ ان اي مسعى لانقاذ عملة اليورو سيضع المصارف الالمانية في موقع حيوي للتأثير على شروط الاتفاقية المرتقبة. واستنادا الى وصفات النظام الرأسمالي، وخاصة قروض البنك الدولي وصندوق النقد، فسيطلب من متلقي الدعم تخفيض مستوى الانفاق الحكومي في بلدانهم.

الازمة الاقتصادية في اليونان شكلت اكبر تحد للدول الاوروبية، لا سيما وانها تستنزف زهاء 5 مليار دولار شهريا منذ عام 2009. مصادر المساعدة المالية لليونان، من قبل المصارف المالية الدولية المختلفة، تفرض عليها شروطا قاسية للتقشف، مما اثار غضب الشعب اليوناني ونزوله الى الشارع للتظاهر ضد الشروط المالية، وبعضها اتخذ طابع العنف. واسفرت نتائج الانتخابات البرلمانية في اليونان، الاسبوع المنصرم، عن تصاعد موجة الغضب الشعبي ضد التدخلات الاوروبية مما اسهم في احراز تحالف اليسار الراديكالي تأييدا جليا لبرنامجه، لا سيما وان زعيم التحالف، اليكسيس تسيبراس، وصف شروط الدول المانحة بـ “المرض” محملا رئيسة الوزراء الالمانية، انغيلا ميركل، مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع في بلاده. الجولة الثانية للانتخابات النيابة ستعقد الشهر المقبل قد تسفر عن فوز تسيبراس مما يزيد في قلق ومخاوف سبق التعبير عنها لدى بعض الدول الاوروبية. يذكر انه تم سحب نحو 890 مليون دولار نقدا من المصارف اليونانية مطلع الاسبوع الجاري، معززا مخاوف المستثمرين من ضبابية ما يخبؤه المستقبل.

التحديات عينها سيتم تناولها في القمة الموسعة للدول الصناعية، مجموعة العشرين، التي ستعقد الشهر المقبل في المكسيك. مجموعة-20 تشكلت من الدول الصناعية والناشئة والنامية، وتمثل التنوع والواقع الدولي بصدقية اكبر من مجموعة -8 التي تتمركز حول الدول الاوروبية والولايات المتحدة وكندا حصرا، ومن ثم اضيفت اليها روسيا الاتحادية. يبلغ حجم التبادل التجاري بين مجموعة-20 زهاء 90% من مجموع الانتاج القومي العالمي، وهذه الميزة توفر لها حظا اوفر في معالجة ادق للازمات الدولية، لا سيما الازمة الاوروبية، وانعكاساتها على مجمل الوضع العالمي من مثيلتها للنخبة الاصغر مجموعة �” 8.

انعقاد القمتين، الناتو ومجموعة الثمانية الصناعية، في الولايات المتحدة سيوفر زخما دعائيا للرئيس اوباما ينوي استثماره للتعويض عن تراجعات اسهمه الشعبية امام خصمه الجمهوري المفترض، ميت رومني. تبنيه ودعم بعض القضايا الاجتماعية الخلافية، زواج المثليين، زعزع مكانته عند بعض الشرائح الاجتماعية الهامة في الانتخابات المقبلة، المستقلين والمرأة. يرمي اوباما استغلال ما ستوفره منصة استضافة المؤتمرات  الدولية لكبار زعماء الغرب الآخرين من تركيز اعلامي عليه لاستعادة ثقة بعض الشرائح الانتخابية.

حسابات البيدر عادة لا تطابق حسابات الحقل الرغبوية. فاوروبا تعاني من ازمة خانقة وانهيارات بنيوية مرئية تشبه اوضاعها في عقد الثلاثينيات من القرن المنصرم، والتي ادت الى صعود الفاشية والنازية والديكتاتورية. بعض الامل يرجى من بروز الرئيس الاشتراكي الفرنسي الجديد وتطبيق وعوده الانتخابية باستعادة مكانة فرنسا واستقلالية توجهاتها بدل اللحاق والتبعية للولايات المتحدة. سيستغرق الامر بعض الوقت في بلورة رؤية مشتركة بين الرئيس الجديد ونظيره الاميركي الذي استثمر رصيدا هائلا مع السلف الفرنسي الخاسر، نيكولا ساركوزي، في ظل توقيت دولي لا يعمل لصالحه بشكل كبير امام حملة انتخابات واستقطابات شرسة بانتظاره.

الرئيس الفرنسي اولاند لم يخف قلقه من سياسات التقشف الاوروبية، الحلقة المركزية والبارزة في وصفة النظام المالي لانقاذ الاقتصاديات المتعثرة، وسيترك اثرا سريعا على آلية معالجة الانهيارات الاقتصادية. اما الانجاز الاكبر والحاسم المنتظر من اولاند سيترك اثره على حجم استمرار الانخراط الفرنسي في افغانستان، لا سيما وان القيود المالية الاوروبية ستفرض على اللاعبين الاوروبيين اعادة النظر في مجمل المغامرة العبثية، احد مصادر الويلات والازمات الاجتماعية المتصاعدة في بلدانهم.

على الرغم من الوفرة في اداء الاقتصاد الالماني الا انه يواجه تحديات ضخمة في مساعي معالجتة افلاس الاقتصاد اليوناني، وانعكاسات فشل سياسة تجميد الازمات على التوازنات السياسية في الخارطة الالمانية. اذ تلقى الحزب الديموقراطي المسيحي الحاكم صفعة قوية في الانتخابات الاخيرة التي جرت في اقليم ويستفاليا، وانهار مستوى الدعم الشعبي لبرنامجه الى مستوى متدن بلغ 26 بالمئة في عموم الاقليم؛ واعلن حديثا وزير البيئة نوربرت روتغن، المرشح ايضا لمنصب حاكم الاقليم، عن استقالته من منصبه. في المقابل، عزز الحزب الديموقراطي الاشتراكي مكانته على خصمه حزب ميركل بنحو خمسة نقاط اضافية، التي حين حسابها مع شعبية حزب الخضر البالغة نحو 11 بالمئة، بامكان تحالفهما المشترك تشكيل الاغلبية للسيطرة على الاقليم المذكور. من السابق لاوانه الجزم بمصير المستشارة انغيلا ميركل، لكن التوقعات تشير الى انها ستبقى في مكانها بعد الانتخابات القومية المقرر اجراؤها العام المقبل.

جدير بالذكر ان وصفة ميركل لليونان باجراء استفتاء بشأن بقاءه في منطقة اليورو قد اثارت ردات فعل غاضبة في عموم المشهد اليوناني، وتوجيه اتهامات فورية لها بالتدخل بالشؤون الداخلية. ومع تفاقم الازمة الاقتصادية والرفض العام للوصفة الالمانية، اصدر الرئيس اليوناني، كارولوس بابولياس، مرسوما (19 ايار) بحل البرلمان والدعوة لاجراء انتخابات جديدة في 17 حزيران / يونيو المقبل. تجدر الاشارة الى رؤية احد الخبراء الاقتصاديين في جامعة نيويورك، نوريل روبيني، الذي “رجح امكانية افلاس اليونان وخروجها من منطقة اليورو وعودتها الى اعتماد عملتها الوطنية �” الدراخما، خلال العام الجاري او العام المقبل على ابعد تقدير.”

افغانستان ستتصدر جدول اعمال القمتين، ليس لناحية الاهتمام الاميركي فحسب، بل لدور المانيا في ارسال قوة عسكرية خارج حدودها لاول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لافغانستان بقوة بلغت 110,000 جندي، وتعاظم المطالبات الشعبية باعادتهم لبلادهم وحث الجانب الافغاني الارتقاء بمهامه لاستلام زمام الامن بنفسه. قمة حلف الناتو، في شيكاغو، ستحدد آلية الانسحاب التدريجي للقوات العسكرية، لا سيما وان وزير الدفاع الالماني، توماس دي ميزيير، اكد لواشنطن مؤخرا ان بلاده تتمسك بصيغة “الدخول معا، والخروج معا” من افغانستان.

من زاوية الجانب الاميركي، يرى انه يتعين على قمة حلف الناتو تناول مسائل ثلاثة يعتبرها اولوية بالنسبة له:

  • – التوصل لاتفاق مرحلي لعام 2013 بالتزامن مع تحول مهمة القوات الدولية من الدور القتالي الفاعل الى دور المساعد لقوى الامن الافغانية؛
  • – التوصل الى اتفاق حول ماهية قوى الامن الافغانية المطلوبة لما بعد عام 2014، لناحية الحجم والكلفة والاكتفاء الذاتي؛
  • – وضع معالم خطة طريق لدور حلف الناتو في افغانستان لما بعد مرحلة الانسحاب من افغانستان.

النجاحات المرتقبة في افغانستان تعتمد على حجم وكلفة التزام اطراف الناتو المساهمة لاستمرار الانفاق العسكري المطلوب للحفاظ على مهامها هناك، ومنها تحديث البنية العسكرية القديمة والانتقال الى اعتماد استراتيجية دفاعية تستند الى تحديد المهام المطلوبة بالتزامن مع تطور مصادر التهديدات.

         من المتوقع استمرار الولايات المتحدة ممارسة ضغوطها على حلفائها لتخصيص نحو 2% من ناتجها القومي سنويا للانفاق الدفاعي �” ولبى هذه المطالب ستة اعضاء فقط من الحلف. ومما يعقد تحقيق الرغبة الاميركية تفاقم الازمة الاقتصادية والمالية التي تعصف باوروبا وتحدياتها على اطراف الحلف لتلبية ذلك. الامر الذي دفع بعض مكونات الحلف للنظر في تبني استراتيجية “ذكية للدفاع،” التي تعني حقيقة عدم الرغبة في تخصيص مزيد من الاموال للصرف على الشؤون الدفاعية. الامر الذي سيفرض نفسه مرة اخرى على استراتيجيي الحلف للنظر في سبل بديلة لتوزيع حجم المشاركة المالية.

الجزء الاكبر من الاموال الاضافية المخصصة للانفاق العسكري ستذهب لانجاز مشاريع واسلحة الحلف الجديدة، منها نظام جديد للمراقبة الميدانية من شانه توفير صورة اشمل للقادة المعنيين لما يجري على الارض المستهدفة. عدوان حلف الناتو على ليبيا عزز اهمية توفر مثل هذا النظام، مما دفع نحو 13 عضوا العمل للحصول على نمط معدل للطائرة دون طيار من طراز “غلوبال هوك” ومتطلباتها الاخرى من قواعد القيادة والتحكم لتشغيلها نيابة عن اعضاء الحلف الآخرين.

كما ان نظام الدفاع الصاروخي المقترح اميركيا سيأخذ حيزا هاما من نقاشات الحلف، خاصة مع قرب الاعلان على ان النظام شارف على الوصول الى ادخاله الخدمة الفعلية. المرحلة الاولى من نظام الدفاع الاميركي سيتم دمجها في نظم القيادة والتحكم القائمة لدى الحلف لاغراض الدفاع ضد الصواريخ الايرانية �” كما يشاع.

النظام الصاروخي المذكور شكل نقطة خلاف اساسية بين الحلف وروسيا الاتحادية، وهو احد العوامل المسببة لغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قمة الحلف، وارسال مسؤول رفيع المستوى لعرض وجهة النظر الروسية واستمرار التعاون مع الحلف بشأن المهام الافغانية. المبعوث الرئاسي الروسي لافغانستان، زامير كابولوف، والذي يرأس قسم الشؤون الافغانية في وزارة الخارجية الروسية، سيحضر قمة الناتو في مدينة شيكاغو، على الارجح.

تجدر الاشارة الى مستويات التعاون الوثيقة بين روسيا وحلف الناتو في الساحة الافغانية، والتي تشكل احد مصادر انتاج المخدرات الرئيسة التي تجد طريقها الى الداخل الروسي عبر الثغرات الحدودية التي تربطها مع جمهوريات آسيا الوسطى. اذ وافقت روسيا على السماح بمرور امدادات الحلف عبر اراضيها القادمة والمتجهة الى افغانستان، وضمان استمرارية دعمها لتلك الجهود يعد حيويا لانجاز مهام الحلف بقيادة الولايات المتحدة، والانسحاب المنظم والآمن للقوات العسكرية عام 2014.

         يتردد ان موسكو على استعداد للسماح للولايات المتحدة استخدام مطار عسكري في مدينة اوليانوفسك، موطن الزعيم الروسي التاريخي فلاديمير لينين، لشحن البضائع غير الفتاكة من والى الاراضي الافغانية.

 اضافة الى ما تقدم من قضايا خلافية بين روسيا وحلف الناتو، هناك ايضا مسالة المراقبة الجوية في محيط بحر البلطيق. منذ مطلع شهر آذار / مارس 2004، اضطلع الحلف بمهام مراقبة الاجواء الجوية لدول البطيق الثلاثة، لاتفيا وليثوانيا وايستونيا. ورغم ظاهر مهمة المراقبة الدفاعي فان روسيا الاتحادية تعتبرها تهديدا لمصالحها وسيادتها على اراضيها.

علاوة على القضايا الخلافية بين حلف الناتو وروسيا الاتحادية، المدرجة على جدول اعمال القمة، برزت الصومال كأحد المناطق ذات الاهتمام العسكري لاوروبا والولايات المتحدة معا. خاصة مع قيام قوة عسكرية تابعة للاتحاد الاوروبي مؤخرا بشن هجوم مباغت على قواعد “للقراصنة” الصوماليين هناك. ووافق الاتحاد الاوروبي حديثا على توسيع نطاق “عملية اتلانتا” التي توفر الحرية للقوات العسكرية تنفيذ هجمات عسكرية على اهداف ارضية وفي اعالي البحار، وهي المرة الاولى التي يشرع فيها الحلف امتداد رقعة عملياته الى اهداف ارضية في دول اخرى. القوة الدولية المهاجمة استخدمت طائرات مروحية بمساعدة سفينتين حربيتين لشن الهجوم مما اسفر عن مقتل خمسة افراد صوماليين.

         تقييم اداء مكونات حلف الناتو في العدوان على ليبيا، وكذلك مطالبة البعض لتدخل اكبر في الازمة السورية ستأخذ حيزا من نقاشات الحلف. لم يستطع الحلف استنساخ نجاحاته العسكرية في ليبيا لارساء الامن والاستقرار المروج له هناك، مما يعقد التجاوب مع مطالب البعض للتدخل في سورية، على الرغم من ان الازمة السورية اضحت مسألة داخلية ضاغطة في تركيا. من المرجح ان تستثني البيانات الختامية للحلف اي جديد حول سورية وترك الامر للدول المعنية التصرف بما تراه مناسب لها.

مصير الحلف كمؤسسة انشئت لمواجهة الاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي في الحرب الباردة يعيد مجددا النظر بالتغيرات الدولية وتاثيرها على بنية وهيكلية الحلف، واعادة تقييم الاهداف من وراء استمراره.

استطاع الحلف عبر امتداد تاريخه نسج علاقات وثيقة مع عدد من الدول، مما سينعكس على حجم المشاركة العالية في قمته في شيكاغو التي سيحضرها نحو 80 مندوب. على سبيل المثال، عملت استراليا، وهي احدى دول الكومنولث، على توثيق علاقاتها مع الحلف وافصحت عن نيتها دخوله رسميا. كما ان دول مجلس التعاون الخليجي ايضا تطمح لتعزيز علاقاتها معه لا سيما مع استمرارية تقديمها لتسهيلات عسكرية مختلفة لقوى الحلف على اراضيها ومياهها، مما دفع البعض الى ترويج ضرورة اعادة النظر بهيكلية الحلف وتوسيعها لمستوى ارقى لمنظمة دولية للتعاون العسكري .

ومن المفارقات ان “اسرائيل” التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الحلف بقيت خارج هيكليته. ويبدو ان الاسباب الحقيقية لعدم حضورها قمة شيكاغو بقيت طي الكتمان، الا انه من المرجح ان تركيا استخدمت حقها للنقض بمشاركة “اسرائيل” في قمة شيكاغو.

مجرد انعقاد القمتين على التوالي في الولايات المتحدة يوفر فسحة لمكاسب سياسية باستطاعة الرئيس اوباما استغلالها في حملته الانتخابية، لاسيما لمركزية دوره بين الزعماء الاخرين، لكنها تنطوي على بعض المجازفات والمخاطر ايضا.

 اولها، القدرة على التوصل الى اتفاق بشأن افغانستان، لا سيما ان احجمت القمة عن الموافقة لاستمرارية وجود قوات الحلف هناك على المدى الابعد. مما سينعكس سلبا على ارثه السياسي الذي ينوي استثماره لصالحه. كما ان مسائل اخرى مثل برنامج الدفاع الصاروخي لا زالت بحاجة الى بلورة اجماع عليها، بالاتساق مع التصور والرؤية الاميركية.

لسوء حظ اوباما، فان عددا من القضايا والتحديات ستكون خارج ارادته للتحكم بها، واكبرها تدهور الحالة الاقتصادية في اوروبا بشكل خاص، ترافقها ظاهرة صعود المشاعر الوطنية التي تجسدت في المظاهرات الشعبية اليونانية المناهضة لالمانيا، على خلفية دورها المركزي في ازمة البلاد الاقتصادية وكذلك لمطالبتها تطبيق اجراءات مشددة تقيد حرية الحركة للشعوب الاوروبية داخل بلدانها.

ارتفاع الاصوات المطالبة بالتمسك بالسيادة الوطنية تشير الى ضيق ذرع المواطنين من تبعات الوحدة الاوروبية والكلفة الاقتصادية العالية لدعم الاقتصاديات المنهارة في ايطاليا واليونان واسبانيا والبرتغال، سبقها ازمة انهيار اقتصاد ايسلندا المدمر. العوامل المذكورة ستسبق اي اعتبارات اخرى لحمل دول الحلف اقتطاع نسبة 2% من ناتجها القومي للانفاق على الشؤون الدفاعية لسنوات عدة مقبلة.

الصورة النهائية لما ستسفر عليه الاوضاع الاوروبية تعتمد بشكل كبير على مصير الازمة الاقتصادية العالمية. في الايام الخوالي، كان بالمستطاع التساهل بالقيود السياسية والمالية المفروضة في البلدان الاوروبية، مع استمرار بقاء الاتفاقيات التجارية سارية المفعول.

الخيارات الراهنة المتاحة امام الاتحاد الاوروبي ضيقة وحدودة، وحل الاتحاد برمته سينجم عنه بروز نظم استبدادية كالتي اوصلت العالم الى الحرب الكونية الثانية. اما الاصرار على الاستمرار بمساعي الوحدة سيطلب من مركز الاتحاد الاوروبي، في بروكسل، وزعمائه سوية الالتفاف على المسارات الديموقراطية وتجاهل ارادة الناخبين.

 اولى الضحايا المرئية للازمة ستكون العملة الموحدة، اليورو، لا سيما وان الاقتصاديات السليمة تتحمل وزر عضويتها في المجموعة الاوروبية. اما الدول والاقتصاديات الاضعف لا تتوفر لديها الارادة السياسية لتعديل سياسات الانفاق الحكومي اسوة بالعملة الاقوى؛ فهي تفضل الحل الاقرب المتمثل في تخفيض قيمة العملة.

لا يبشر اي من الخيارات اعلاه بخير لحلف الناتو، فالقيود المالية للاتحاد الاوروبي تحرم الدول الاقل ثراء من التماشي مع اهداف الانفاق العسكري المطلوبة. اما سلوك خيار تشظي الاتحاد الاوروبي، في الوقت الراهن، لن يؤدي الا لمزيد من الانقسامات داخل مكونات حلف الناتو.

 من الصعب التكهن بما ستسفر عنه حقيقة قمة الحلف في شيكاغو، لكن النتيجة المرجحة هي استمرارية حالة المراوحة السائدة منذ عقد من الزمن. فافغانستان ستبقى الجرح النازف لحلف الناتو وتعيق جهوده للتحديث. اما الخلاف بشأن برنامج الدفاع الصاروخي سيؤدي الى استمرار حالة الانقسام بين الحلف وروسيا الاتحادية دون افق للحل. مستويات الانفاق العسكري لن يكون بمقدورها التجاوب مع اهداف الحلف المرسومة للمرحلة المقبلة، ويرجح ان تحل استراتيجية “الدفاع الذكية” محل جهود التحديث للبنية الموجودة. كما ان المناطق الساخنة في العالم، مثل سورية، ستبقى تحافظ على وتيرتها، بالترافق مع سعي اعضاء حلف الناتو تجنب الدخول في تدخلات عسكرية مكلفة.