2019-08-11التقرير الأسبوعي

المقدمة       

        تتصاعد حدة ونبرة حملة الحزب الديموقراطي في مجلس النواب للتحقيق في مسار عزل الرئيس ترامب، وتلاشي الاهتمامات العامة بالغزو التركي لسوريا.

        شكل الأسبوع الجاري نقطة مفصلية في مؤشرات الانتخابات الرئاسية المقبلة، عقب صعود ملحوظ لمرشحي الحزب الديموقراطي في بعض الولايات.

        سيستعرض قسم التحليل تداعيات وانعكاسات نتائج الانتخابات المحدودة على سير عملية التحقيق لعزل ترامب من ناحية، وكمؤشر على جولة الانتخابات العامة في العام المقبل.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

سوريا

          استنهضت مؤسسة هاريتاج سردية “الاسلحة الكيميائية” في سوريا بالتزامن مع الغزو التركي للشمال السوري والقضاء على زعيم داعش، أبو بكر البغدادي، مؤكدة أن سوريا “..تستمر في حيازة واستخدام الأسلحة الكيميائية، ولا ينبغي أن يلفها النسيان.” وأوضحت أن وزارة الخارجية الأميركية أوردت في تقاريرها أن الرئيس “الأسد استخدم غاز سام آخر، الكلور، إضافة لغاز السارين في شهر ايار/مايو الماضي خحلال هجوم على المسلحين في محافظة إدلب.

https://www.heritage.org/middle-east/commentary/syria-and-chemical-weapons-the-horror-continues

          حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من “موجة عنف الجهاديين المقبلة” عقب مقتل زعيم داعش وآخرين نتيجة “عمل شاق قامت بها وحدات الاستخبارات العسكرية لدى القوات الأميركية.” ومضى محذراً من عدم التسليم بنهاية التنظيم في اي وقت قريب كما شهدنا في التصريحات المتتالية للمسؤولين الأميركيين، آخرهم كان لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في شهر أيار/مايو 2011 بأن “مقتل أسامة بن لادن وضع تنظيم القاعدة على سكة الهزيمة؛” لكنه استعاد نشاطه الدموي لاحقاً.

https://www.csis.org/analysis/beyond-baghdadi-next-wave-jihadist-violence

اليمن

          زعم معهد واشنطن أن إعلان الرياض بين فريقي جنوب اليمن “لتقاسم السلطة يوفر لهما الشرعية (المطلوبة) ويفضي لجني مكاسب سياسية .. على الرغم من فقدان الثقة لدى الطرفين.” وأوضح أن النص الوارد في “الوثيقة .. تضع كافة القوات العسكرية والأمنية تحت إمرة وزارة الدفاع، وفي ذلك مكسب للرئيس عبد ربه منصور هادي،” والذي سيتولى مهمة ضم ممثلين عن حزب الإصلاح. وأعرب المعهد عن اعتقاده بأن يتولى السعوديون “مهمة تطبيق الاتفاق بالكامل .. لا سيما وأن النص استثنى أي ذكر لدولة الإمارات.” أما في حالة فشل التطبيق، حسب رؤية المعهد، فإنه “يبقى مكسباً سياسياً” لجسر هوة الخلافات والتوصل لصيغة حل للحرب في اليمن.

https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/riyadh-agreement-delivers-political-gains-in-yemen-but-implementation-less

وضعية الضباط في جيوش دول الخليج

          أنجز مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً عالج فيه “أوضاع الضباط في جيوش دول مجلس التعاون الخليجي، والسعودية بشكل خاص، بالنظر إلى العوامل الاجتماعية والثقافية” التي تلعب دوراً في الترقيات الوظيفية والسلم التصاعدي. واشار الى ثغرات في برنامج تدريب الطيارين وخاصة من الأسر الحاكمة حيث لا يهتم هؤلاء وأقرانهم بتعزيز معارفهم وخبراتهم لمواجهة احوال طيران ام مهمات غير عادية او روتينية. وجاء في التقرير أن “التباينات الجارية بين العناصر الميسورة وتلك الأقل ثراءً .. مردها الخلفية المتباينة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمعنيين التي تتحكم بمدى الارتقاء المهني.” وأوضح أن الفئة الميسورة تضم “الكويت وقطر والإمارات” في مواجهة الأقل حظاً في “البحرين وعُمان والسعودية.” وأوضح أن العناصر ذات الدخل المتدني “تميل للأنتساب للقوات العسكرية .. بينما يتم إقصاء الفئات الشيعية من الانضمام في كل من البحرين والسعودية، أما في الكويت فإنهم ضحية تمييز” وسياسات عنصرية.

https://www.csis.org/analysis/military-officers-gulf-career-trajectories-and-determinants

ايران

          أعرب المجلس الأميركي للسياسة الخارجية عن اعتقاده بتنامي الغضب الشعبي في إيران استناداً إلى بعض الانجازات التي حققتها “الحركة الخضراء” الاحتجاجية  “بكشفها عن مدى السخط الشعبي البطيء لملايين الإيرانيين.” وأضاف أن منسوب عدم الرضى “يتعمق بصورة غير مسبوقة، واستمر تجدد احتجاجات شعبية مستدامة لنحو سنتين شملت معظم البلاد وضمت قطاعات شعبية متعددة.” وأردف أن مطالب المحتجين “شملت كافة مناحي الحياة  بدءاً من المصاعب الاقتصادية العميقة وصولاً إلى أولويات سياسة خارجية في غير موضعها .. والأهم انها تعكس رفضاً متنامياً لمجمل الجمهورية الإسلامية.”

https://www.afpc.org/publications/articles/the-new-faces-of-iranian-protest

الصراع الأميركي الروسي

          اصدر المركز الأمني لأميركا الجديدة دراسة استعرض فيها مدى جهوزية القوات الأميركية، لا سيما قطعاتها البحرية، في حال نشوب صراع مع روسيا، استناداً إلى هاجس أميركي مزمن بأنه ينبغي التصدي “لصعود روسيا” على المشهد العالمي. وأشارت الدراسة إلى “الجهود الأميركية لتحديث والحفاظ على حجم القدرات العسكرية المطلوبة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، بضمنها ارسال تعزيزات لاوروبا؛ تعتمد بمجموعها على سلامة خطوط الشحن البحرية، والتي تعاني من عدد من التحديات الخطيرة.” وتستطرد الدراسة بأن الولايات المتحدة باستطاعتها “تسخير قدرات الحلفاء التجارية وفي البحار لتجسير الثغرات المحتملة.”

https://www.cnas.org/publications/reports/not-enough-maritime-capability

 

التحليل

دلالات نتائج الانتخابات

الأميركية المحلية على السباق الرئاسي

          شهد مطلع الشهر الجاري سلسلة احداث في الأميركيتين، الشمالية والجنوبية، أشرت على تراجع التيارات اليمينية الحاكمة مقابل فوز منافسيها في القارتين.

الأرجنتين شهدت تحولاً ملحوظاً بفوز مرشح اليسار (تيار بيرون) ألبيرتو فرنانديز ونائبته الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز دي كوشنر، خصوم واشنطن، شارك فيها “أكثر من 26 مليون ناخب .. فاز مرشحوه بالأغلبية الساحقة في مجلس الشيوخ” الذي ستترأسه نائبة الرئيس كريستينا.

كما فاز الرئيس البوليفي وحزبه “الحركة الاشتراكية” المناهض بشدة لهيمنة واشنطن بولاية رئاسية ثانية، 24 أكتوبر، ولجأت الولايات المتحدة لإسقاطه عبر انقلاب لم يكتب له النجاح، تبعه هبوط طائرته المروحية اضطرارياً في أعالي جبال الأنديز وسط تكهنات بمسؤولية أعوان واشنطن في الجيش بمحاولة لاغتياله.

وفي الاوروغواي، جنوبي الحدود البرازيلية، فاز مرشح “الجبهة العريضة” للرئاسة، دانيال مارتينيز، ذو برنامج الاشتراكية الشعبية، بنسبة مريحة.

لعل العنصر الأهم كان أثناء إعداد التقرير وهو إفراج المحكمة الفيدرالية العليا في البرازيل عن الرئيس السابق المحتجز لولا دي سيلفا، أحد أركان دول البريكس. عقب مغادرته السجن ألقى كلمة أمام حشد لمؤيديه دعاهم فيها للتظاهر ضد الفاشية الحاكمة، وسيقوم بجولة في مختلف انحاء البرازيل لاستعادة زمام المبادرة التي حُرم منها لنحو عام ونصف خلف القضبان بتهم فساد ملفقة.

مطلع الشهر الجاري أيضاً أجريت انتخابات محلية في بعض الولايات الأميركية لعدد محدود من المناصب، منها حكام الولايات ومجالس الكونغرس المحلية، اسفرت نتائجها عن خسارة كبيرة للحزب الجمهوري ومؤيديه في ولاية فرجينيا، مما حفز التكهنات الانتخابية للعام المقبل بصعود مرشحي الحزب الديموقراطي في مراكز حيوية. كما حقق الحزب الديموقراطي فوزاً بمجلسي الولاية، الهيئة التشريعية، لأول مرة منذ عقد التسعينيات من القر ن المنصرم.

من العلامات الفارقة في الانتخابات المحلية لولاية فرجينيا فوز مرشحة “مسلمة من أصول هندية” لمقعد في مجلس نواب الولاية، مما حمل يومية نيويورك تايمز على وصفها بأنها “علامة فارقة .. تعكس زيادة انخراط المرأة المسلمة في السياسة.” الفائزة بالمنصب غزالة هاشمي هاجرت للولايات المتحدة برفقة والديها وهي بعمر 4 سنوات، حصلت على شهادة الدكتوراه في اللغة الإنكليزية.

الولاية الحيوية الأخرى هي كنتاكي معقل رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، إذ فاز المرشح الديموقراطي (آندي بيشير) بمنصب حاكم الولاية، والذي شغل والده منصب آخر حاكم ديموقراطي للولاية لفترتين متتاليتين. يشار إلى أن الرئيس ترامب فاز بأصوات الولاية بفارق 30 نقطة مئوية في جولة الانتخابات الرئاسية لعام 2016.

اللافت في نتائج هذه الولاية، التي تميل بغالبيتها للحزب الجمهوري، برنامج الفائز بيشير الذي ركز على سياسات الرئيس ترامب بتقليص حجم الخدمات الصحية ورواتب التقاعد للمسنين؛ بينما حافظ مجلسي كونغرس كنتاكي على أغلبية للحزب الجمهوري.

ولاية الميسيسيبي، أقصى الجنوب، حافظت على تأييدها لمرشحي الحزب الجمهوري، في ظل حرص الرئيس ترامب على زيارتها في الحملات الانتخابية لتأييد مرشحي حزبه.

وحقق الحزب الجمهوري تقدماً ملحوظاً بعد فوز مرشحيه لمناصب مجلسي ولاية نيو جيرسي، بيد أن أغلبية المقاعد لا تزال تصب في صالح خصومه الديموقراطيين. الفوز المحقق كان محدوداً في منطقة جغرافية جنوبي الولاية تميل بغالبيتها للتيارات المحافظة.

انتخابات مدينة سياتل بولاية واشنطن، أقصى الشمال الغربي، شهدت منافسة حادة بين رؤوس الأموال الضخمة التي ضختها شركة أمازون تقدر بعدة ملايين من الدولارات لدعم مرشحها لمجلس البلدية ضد العضو “الاشتراكية” كشاما سوانات التي عارضت بشدة التسهيلات المقدمة للشركات الكبرى حلال توليها منصبها.

كما شهدت مدينة هيوستون بولاية تكساس انتكاسة أخرى للمرشح الديموقراطي لمنصب عمدة المدينة، بفارق بسيط بين المرشحين مما سيضطرهما إعادة جولة الانتخابات الشهر المقبل، وفق قوانين الولاية الناظمة للعملية الانتخابية.

عند السعي لاستقراء النتائج الأولية لتلك الانتخابات المحدودة من العسير البناء على استنتاجات تؤيد الحزب الديموقراطي بشكل خاص، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار تعدد المشارب والعوامل التي أدت لفوز مرشحيه، بعضها يعود للآلية الحزبية المنظمة وبعضها الأخر لطبيعة المرشح، كما شهدت ولاية كنتاكي.

المحصلة العامة لنتائج الانتخابات في هذه المرحلة المبكرة لا تدل على تحول كبير في المزاج العام من مسار التحقيقات الجارية في مجلس النواب لعزل الرئيس ترامب، على الرغم من توجيه بعض معاونيه السابقين تفسيرات تدعم التهم الموجهة إليه فيما عُرف بفضيحة “أوكرانيا غيت.”

أحدث استطلاعات الرأي ايضاً لا تدعم فرضية عزله، إذ جاء في استطلاع أجرته شبكة فوكس نيوز أن 51% تؤيد مسار التحقيق لعزله، وهي أعلى نسبة سجلت في هذا الصدد، لكنها لا تؤشر على أغلبية ساحقة كما يرغب الحزب الديموقراطي.

وأشار استطلاع موازٍ أجرته جامعة مونماوث، بولاية نيوجيرسي، إلى فقدان ثقة الأغلبية المطلقة من المستطلعة آراؤهم، 73%، في مسارات التحقيق؛ بينما أعرب نحو 60% من الديموقراطيين عن رغبتهم بإزاحة ترامب بصرف النظر عن طبيعة الحقائق والملابسات. في قراءة أخرى لتلك النتائج، نستطيع القول إن أغلبية الآراء تشير إلى مقارعة الرئيس وهزيمته في الانتخابات المقبلة.

تلك النتائج ينبغي أن تنعكس على إجراءات التحقيق الجارية في مجلس النواب، في ظل مناخ ديموقراطي سليم. بيد أن تشبث الحزب الديموقراطي بالتحقيق بغية العزل لا يمثل النبض العام من ناحية، ويضعه في مغامرة العزل وما يرافقها من انقسامات واصطفافات حادة داخل المجتمع بأكمله، عوضاً عن تحشيد الإمكانيات الانتخابية لهزيمة الرئيس ترامب في الانتخابات المقبلة.

إصرار قادة الحزب الديموقراطي المضي بإجراءات التحقيق يعود للرغبة في التوصل لبعض التفاصيل التي يمكن البناء عليها لإقصائه، وهي مغامرة غير محسوبة النتائج بدقة لعدم توفر أدلة تدعم تلك الرغبة بعد مضي نحو ثلاث سنوات على مساعي الإطاحة بالرئيس ترامب. بل أن قراءة واقعية لنتائج استطلاعات جامعة مونماوث، أعلاه، تقود المرء للاستنتاج بأن الغالبية الشعبية لا تثق بتصرفات وخطط الحزب الديموقراطي في مجلس النواب.

أما المرشح “الأقوى” لدى الحزب الديموقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن، أضحى يعاني من صعوبات متعددة وهفوات في الأداء أسهمت في تراجع نسبة التأييد الشعبي من ناحية، وتقلص حجم التبرعات المالية من مصادر مؤيدة للحزب بشكل عام.

الدخول المحتمل لعمدة نيويورك السابق، مايكل بلومبيرغ، لحلبة السباق الرئاسي يؤشر على تبلور قناعة شبعه قاطعة داخل مراكز القرار في الحزب الديموقراطي بأن المرشح بايدن في طريقه ليصبح عبأً علية وينبغي انقاذ ما يمكن إنقاذه بعيداً عن تأييد المركز للمرشحيْن البارزين، بيرني ساندرز واليزابيث وارين.

في مواجهة تلك اللوحة في معسكر الحزب الديمقراطي، لا تزال قاعدة مؤيدي الرئيس ترامب تحافظ على تماسكها وتأييدها له، على الرغم من سيل الاتهامات والانتقادات الموجهة له. بل تميل قاعدة مؤيديه إلى “إهمال” الحملات المناوئة له وتبني سرديته بأنها ثمة “أنباء مفبركة.”

عند الأخذ بتلك المعطيات بعين الاعتبار، يمكننا القول أن قادة ومراكز قرار الحزب الديموقراطي أقلعت عن المنافسة الانتخابية الصرفة نتيجة “ضعف” مرشحيها المفضلين، واعتمدت أسلوب التحقيق والمضي به إلى النهاية كاستراتيجية بديلة.

يبدو أن الحزب الديموقراطي غير عابيء بنتائج التحقيق الحقيقية، خاصة وأن مسار ثلاث سنوات متواصلة لم يكشف عن انتهاكات صارخة قام بها الرئيس تستدعي اقصاءه، بل يمضي في إهمال ما يمكن أن تنجزه أغلبيته العددية في مجلس النواب وتركيز جهودها لسن تشريعات تحظى بتأييد العامة وتدعم حظوظ مرشحيه، وهي الخطة “السرية” لكسب الانتخابات كما يدل المسار التاريخي للانتخابات الأميركية.

الانطباعات الراهنة حول توقعات المراقبين لنتائج الانتخابات المقبلة تدعم فوز الرئيس ترامب نظراً لتماسك قواعده الانتخابية، مقابل انقسامات متعددة داخل صفوف خصومه، خاصة اذا لم تبرز فضائح او انتهاكات جديدة دامغة تطاله، فضلاً عن دروس التاريخ السابقة التي تشير إلى نجاح الرئيس بولاية ثانية في معظم الانتخابات الرئاسية الأميركية، باستثناء حالتي الرئيسين جيمي كارتر وجورج بوش الأب.