2023-10-03-التقرير الأسبوعي

مؤتمر انتخابي تمهيدي لتيار اليمين المحافظ
يكرّس انقسام الحزب الجمهوري

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

التأم تجمع تيار المحافظين في الحزب الجمهوري في مؤتمره السنوي قبل بضعة أيام، معلناً بدء السباق الرئاسي إلى منصب رئيس الولايات المتحدة في العام المقبل، ومؤشّراً على مستقبل الحزب بين التشظي والتماسك في بنيته، وحظوظ مرشحيه المحتملين، وأبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب.

يعرف التيار بمجموعة “العمل السياسي للحركة المحافظة”، وحضور مندوبيه يُعَدّ بالغ الأهمية نظراً إلى تمثيلهم القاعدة الشعبية. وهم أيضاً الناشطون الذين يعوّل على تأييدهم كلُّ من رغب في ترشيح نفسه لدخول السباق الرئاسي.

قوبل حضور الرئيس السابق دونالد ترامب بحفاوة ملحوظة عند اعتلائه المنبر لمخاطبة الحضور الذي ضاقت به القاعة، بحسب المراقبين، على الرغم من الغياب أو المقاطعة لعدد من قادة الحزب البارزين: نائب الرئيس السابق مايك بينس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.

درجت العادة أن يعقد المؤتمر السنوي للمحافظين منذ تأسيسه عام  1973في ولاية ماريلاند القريبة من العاصمة واشنطن، بحضور نحو “10 آلاف عضو”. وعُقدت الدورة الحالية  أيضاً في منتجع بالقرب من واشنطن وحضره نحو 3،500 شخص، كدليل على مدى نفوذ ترامب، وربما هيمنته على مفاصل القرار في الحزب الجمهوري.

في استطلاع للرأي أجراه المؤتمر، الذي هو أقرب إلى مهرجان انتخابي، حصل الرئيس السابق ترامب على 62% من الأصوات، بخلاف توقعات، بل مراهنة مراكز القوى في الحزبين داخل المؤسسة الحاكمة على تهميشه واقصائه عن المشهد السياسي. وقالت كبرى وسائل الإعلام إن ترامب “ألقى بعضاً من أكبر خطاباته المخادعة، مرصّعة بمزاعم بعيدة كل البعد عن الدقة خلال ولايته الرئاسية” (موقع شبكة “سي أن أن”، 5 آذار/مارس 2023).

أمر لافت أيضاً كان رفض نائب الرئيس السابق، مايك بينس، دعوة المؤتمر، وإحجام منظميه عن تخصيص فقرات لقادة آخرين “أكثر اعتدالاً” في الحزب لمخاطبة الحضور. أمّا رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، فرحّب بمشاركة ترامب في المؤتمر، ولا يزال يؤكد على ولائه للرئيس السابق. ومن بين الحضور النائبة السابقة عن الحزب الديموقراطي، تولسي غابارد، التي آثرت طرح رؤيتها المسقبلية لـ “سياسة خارجية مبنية على الحقائق” بالتساوق مع طروحات ترامب، وكذلك حثّت الحضور على العمل على إنهاء الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا.

نجم المؤتمر، بلا منازع، كان الرئيس السابق ترامب، “الذي خاطب الحضور في ليلة الختام، مقدِّماً ربما دفعة إثارة يتيمة” إلى جمهور التيار اليميني (صحيفة “نيويورك تايمز”، 6 آذار/مارس 2023).

وأوضحت كُبرى وسائل الإعلام المرئي والمسموع مبرّر عزوف عدد لا بأس به عن الحضور، وأن مؤتمر المحافظين “يعاني انعدام اهتمام وانعدام حماسة لدى المشاركين، بدليل تراجع مبيعات التذاكر مقارنة بالأعوام السابقة” (موقع “شبكة الراديو العام”، 5 آذار/مارس 2023).

غابت شبكة “فوكس نيوز” اليمينية عن تغطية مؤتمر المحافظين، في ظل اعتراف صاحبها روبرت ميردوخ بأن الشبكة ارتكبت خطأً في تبنيها سردية الرئيس ترامب بشأن حدوث تزوير في سجلات الناخبين. سِجلّ الشبكة في استضافتها الطامحين إلى دخول السباق الرئاسي كان يُعدّ أحد أكبر المؤشرات على شعبية ضيوفها في الأعوام السابقة. وتراجع أيضاً السجال السياسي المعتاد بين أقطاب الحزب، مثل راند بول، علاوة على “غياب” أبرز مراكز الفكر والابحاث اليمينية “مؤسسة هاريتاج” عن المشاركة (صحيفة “واشنطن إيكزامينار” اليمينية، 3 آذار/مارس 2023).

تعهّد ترامب في خطابه الذي استمر نحو 90 دقيقة، جملة قضايا، أبرزها، على الإطلاق، نيته مواجهة أركان “الدولة العميقة، بل طمسها”، وانهاء الحرب في أوكرانيا. وكعادته، طرح وعوداً برّاقة وكبيرة لما ينوي تحقيقه في حال انتخابه رئيساً للبلاد، أي “الرئيس 47” في ترتيب التناوب الرئاسي للكيان السياسي الأميركي.

ووعد ترامب جمهوره بالسعي لإغلاق وزارة التربية والتعليم الفيدرالية، والتي ما برحت هدفاً دائماً في أجندة الحزب الجمهوري منذ تأسيسها خلال ولاية الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومضى ترامب في دغدغة عواطف المحافظين في هذا الصدد، عبر تعهّده “تغيير أسماء المدارس والشوارع من رموز الشيوعيين، وإطلاق أسماء الوطنيين الأميركيين العظام”، بدلاً من ذلك، على الرغم من إدراكه استحالة تحقيق وعده، وازدحام الأجندات السياسية المختلفة بقضايا أكثر جوهرية لعموم الناخبين.

قرّر بعض المناوئين السياسيين للرئيس السابق حضور لقاء آخر يتزامن مع انعقاد مؤتمر المحافظين، تحت رعاية منظمة تعنى بالشأن الاقتصادي للمحافظين أيضاً، هي “نادي للتنمية”، ولم يُدعً إليه الرئيس ترامب. في جولة الانتخابات الرئاسية السابقة، أيدت المنظمة الاقتصادية ترشيح الرئيس ترامب، وتباينت رؤاها مع طموحاته خلال الانتخابات النصفية العام الماضي، على خلفية تعارض تأييد كل منهما لمرشحين يمينيين.

انشقاق المجموعة الاقتصادية، وما تمثله من ثقل سياسي وثقل انتخابي، يؤشران على شرخ عميق في بنية الحزب الجمهوري وتوجُّهه ، في ظلّ حضور الرئيس ترامب مرشحاً منافساً للرئيس جو بايدن، وترويج البعض دخول حاكم ولاية فلوريدا والمؤيد السابق للرئيس ترامب، رون دي سانتيس، السباق الرئاسي على الرغم من تواضع تأييده، في المرتبة الثانية بنسبة 20%، في استطلاع مؤتمر المحافظين.

بالعودة إلى استطلاع الرأي المذكور، وكسب ترامب دعم أغلبية معتبرة من قواعد الحزب بنسبة 62%، والهوة الشاسعة التي تفصله عن منافسه في المرتبة الثانية، بفوزه بنسبة 20%، فإن نتائجه تعزّز موقع الرئيس ترامب في قيادة دفّة الحزب المنقسم حالياً، وتنذر بتعميق الهوّة الحالية بين قياداته التقليدية “المؤسساتية” وتيار ترامب الشعبوي، والأعلى حضوراً وتأييداً.

في المحصلة العامة، أثبت الرئيس السابق ترامب فشل مساعي خصومه ومناوئية لإقصائه عن المشهد السياسي، على رغم الجراح التي تلقاها في هزيمة بعض مرشحيه في الانتخابات النصفية. كما أن نسبة تأييده العالية حافظت على تماسكها السابق مع بعض الاختراقات البسيطة، الأمر الذي يقود إلى استنتاج أوساط واسعة من المراقبين أن يحقق مفاجأة فوزه على الرئيس جو بايدن في الجولة المقبلة، كما تدل المعطيات الميدانية والتحولات الديموغرافية وتراجع هيبة الدولة الفيدرالية، نظراً إلى فشلها في معالجة أبسط القضايا المصيرية، كحادثة انزلاق قطار محمّل بمواد كيميائية نفثت سموم احتراقها في مدينة “إيست بالستين” في ولاية أوهايو.

كما شدّ الرئيس السابق ترامب الرحال إلى المدينة المنكوبة لمعاينة الأضرار، في مقابل تغيّب الرئيس بايدن عنها، وانعدام أي نيّات مركزية جادّة في تعويض المتضررين واحتواء الأزمة البيئية الناجمة.

Analysis 03-10-2023

ANALYSIS

CPAC and the Trump 2024 Agenda

 

This week was time for the CPAC (Conservative Political Action Conference) annual meeting, labeled by most media as a group of Right-Wing Radicals.  Stories abound about who was refusing to attend and how the attendance was dramatically down.

Every announced Republican candidate for president was there (and a few who haven’t decided).  Attendance, based on how many participated in the CPAC straw poll, was the highest ever. Although many seats were empty during discussion events on Wednesday through Friday, the hall was full for the speakers on Saturday.

There were some surprising speakers, including former Democratic 2020 presidential candidate Tulsi Gabbard and a former Obama spokesperson, who moderated a discussion on Ukraine.  Former Brazilian president Bolsonaro spoke as well as former British politician Nigel Farage.  The event showcased up and coming politicians – some who are surely being considered as VP possibilities.  These included Kari Lake, Congresswoman Marjorie Taylor Greene, former governor Nikki Haley, and Congresswoman Lauren Boebert.

The media made much of Florida Governor DeSantis and former VP Mike Pence not attending.  However, they probably would not have done well if they had attended.  Governor DeSantis is not known as a “retail” politician type of politician, and he has avoided interviews with conservative media. And CPAC attendees like politicians who mingle with the crowd.  While DeSantis will probably benefit from the campaign money picked up at the Club for Growth event he attended, CPAC attendees are the grassroots people who will be working the streets in 2024.

Despite that, DeSantis came in second place in the straw poll as the attendee’s choice for president. Of course, Trump got 62%, while DeSantis got 20%.  Arizona candidate for Governor Kari Lake came in first place for VP, garnering 20%.  DeSantis got 14%.

Last year DeSantis received 28% last year and Trump got 59%, which indicates that Trump is still relevant in the GOP and DeSantis is seeing an erosion of support in the grassroots.

Tulsi Gabbard was a combat veteran who served two tours in Iraq, advocated a more restrained American foreign policy and pushed to end US financial support for Ukraine.

“I want a strong, well-funded, highly capable military that we rarely use,” Gabbard said.  “I think we need a focused foreign policy based on realism.”

Of course, the star of the show was Trump and the standing room only crowd proved that.  For those who wonder if he is running, he made it clear, when he gave a list of priorities when and if he is “elected 47th president of the United States.”

 

The Trump Agenda

Trump made his agenda clear both in his speech on Saturday and a video released on Friday.

The biggest priority is his fight against the federal bureaucracy, which he calls “the deep state.”  He said on Saturday, “If you put me back in the White House, their reign will be over, and they know it…I will obliterate the deep state.”

He continued, “I will fire the unelected bureaucrats and shadow forces, who have weaponized our justice system.”

Not all his promises are likely to come true.  He promised to close the Department of Education, something that has been on the Republican agenda since it was formed during the Carter Administration.  President Regan promised it, but never could get it through Congress.

Of course, as any politician, Trump also made big promises.  As part of what his campaign calls “Agenda 47,” he promised to bring back America’s boldness “in a very big way” and herald a “quantum leap” in living standards.

“Past generations of Americans pursued big dreams and daring projects…They pushed across an unsettled continent and built new cities,” Trump said in a video released on Friday.  “But today our country has lost its boldness.  Under my leadership, we will get it back in a big way.”

Trump also promised a “Strategic National Manufacturing Initiative” that will mean that the US will no longer have to import goods from China.  The American manufacturing sector is currently struggling through various challenges like inflation, talent scarcity, supply chain problems and economic uncertainty.   He also promised to eliminate China’s most favorite nation status.

In terms of addressing the growing crime in the nation, he promised more support for the police.  “We love and cherish our police.” He spoke.  “They will do the job the way they have to.”  He also promised to bring the National Guard into cities, “Until law and order is restored.”

To change the demographic time bomb that is making America older as the birth rate declines, Trump said he will ask Congress to support “baby bonuses” for young parents to encourage a baby boom.  In addition, he proposed a new initiative to lower the cost of a new car and the cost of building single family homes – high-cost items that discourage starting a new family.

Trump also promised to lower energy costs by once again encouraging oil and gas exploration and development in the US.

Trump ended his speech by advocating conservative social issues like parental rights.  “We will rename our schools and boulevards not after communists, but after great American patriots…We will dismantle the deep state.  We will demolish woke tyranny.”

Some may call this sort of speech extreme right wing, but polls show them popular with the republican base.  That is why Trump is leading his Republican competitors by a large margin and why polls show that Trump may do very well this time against Biden if the latter runs again for president.

Week of March 10, 2023

CPAC and the Trump 2024 Agenda

 

This week was time for the CPAC (Conservative Political Action Conference) annual meeting, labeled by most media as a group of Right-Wing Radicals.  Stories abound about who was refusing to attend and how the attendance was dramatically down.

Every announced Republican candidate for president was there (and a few who haven’t decided).  Attendance, based on how many participated in the CPAC straw poll, was the highest ever. Although many seats were empty during discussion events on Wednesday through Friday, the hall was full for the speakers on Saturday.

There were some surprising speakers, including former Democratic 2020 presidential candidate Tulsi Gabbard and a former Obama spokesperson, who moderated a discussion on Ukraine.  Former Brazilian president Bolsonaro spoke as well as former British politician Nigel Farage.  The event showcased up and coming politicians – some who are surely being considered as VP possibilities.  These included Kari Lake, Congresswoman Marjorie Taylor Greene, former governor Nikki Haley, and Congresswoman Lauren Boebert.

The media made much of Florida Governor DeSantis and former VP Mike Pence not attending.  However, they probably would not have done well if they had attended.  Governor DeSantis is not known as a “retail” politician type of politician, and he has avoided interviews with conservative media. And CPAC attendees like politicians who mingle with the crowd.  While DeSantis will probably benefit from the campaign money picked up at the Club for Growth event he attended, CPAC attendees are the grassroots people who will be working the streets in 2024.

Despite that, DeSantis came in second place in the straw poll as the attendee’s choice for president. Of course, Trump got 62%, while DeSantis got 20%.  Arizona candidate for Governor Kari Lake came in first place for VP, garnering 20%.  DeSantis got 14%.

Last year DeSantis received 28% last year and Trump got 59%, which indicates that Trump is still relevant in the GOP and DeSantis is seeing an erosion of support in the grassroots.

Tulsi Gabbard was a combat veteran who served two tours in Iraq, advocated a more restrained American foreign policy and pushed to end US financial support for Ukraine.

“I want a strong, well-funded, highly capable military that we rarely use,” Gabbard said.  “I think we need a focused foreign policy based on realism.”

Of course, the star of the show was Trump and the standing room only crowd proved that.  For those who wonder if he is running, he made it clear, when he gave a list of priorities when and if he is “elected 47th president of the United States.”

 

The Trump Agenda

Trump made his agenda clear both in his speech on Saturday and a video released on Friday.

The biggest priority is his fight against the federal bureaucracy, which he calls “the deep state.”  He said on Saturday, “If you put me back in the White House, their reign will be over, and they know it…I will obliterate the deep state.”

He continued, “I will fire the unelected bureaucrats and shadow forces, who have weaponized our justice system.”

Not all his promises are likely to come true.  He promised to close the Department of Education, something that has been on the Republican agenda since it was formed during the Carter Administration.  President Regan promised it, but never could get it through Congress.

Of course, as any politician, Trump also made big promises.  As part of what his campaign calls “Agenda 47,” he promised to bring back America’s boldness “in a very big way” and herald a “quantum leap” in living standards.

“Past generations of Americans pursued big dreams and daring projects…They pushed across an unsettled continent and built new cities,” Trump said in a video released on Friday.  “But today our country has lost its boldness.  Under my leadership, we will get it back in a big way.”

Trump also promised a “Strategic National Manufacturing Initiative” that will mean that the US will no longer have to import goods from China.  The American manufacturing sector is currently struggling through various challenges like inflation, talent scarcity, supply chain problems and economic uncertainty.   He also promised to eliminate China’s most favorite nation status.

In terms of addressing the growing crime in the nation, he promised more support for the police.  “We love and cherish our police.” He spoke.  “They will do the job the way they have to.”  He also promised to bring the National Guard into cities, “Until law and order is restored.”

To change the demographic time bomb that is making America older as the birth rate declines, Trump said he will ask Congress to support “baby bonuses” for young parents to encourage a baby boom.  In addition, he proposed a new initiative to lower the cost of a new car and the cost of building single family homes – high-cost items that discourage starting a new family.

Trump also promised to lower energy costs by once again encouraging oil and gas exploration and development in the US.

Trump ended his speech by advocating conservative social issues like parental rights.  “We will rename our schools and boulevards not after communists, but after great American patriots…We will dismantle the deep state.  We will demolish woke tyranny.”

Some may call this sort of speech extreme right wing, but polls show them popular with the republican base.  That is why Trump is leading his Republican competitors by a large margin and why polls show that Trump may do very well this time against Biden if the latter runs again for president.

Analysis 03-02-2023

ANALYSIS

The Ukrainian War a Year Later
Stopping START: does it raise nuclear war stakes?

 

A year ago, most military analysts thought that Ukraine would lose in a matter of days or weeks.

The Ukrainian armed forces have done well, thanks to a determination to fight and generous support from NATO and European allies.  But, at the same time, the world has moved closer to total war as the Ukrainians have had the strategic initiative for most of the year and President Putin has refused to back down.

Now the world must consider the possibility of nuclear warfare.  We saw that in Putin’s state of the nation address, which showed no compromise on the issue of using nuclear weapons. He stated that Russia was suspending its participation in the START treaty that limits the number of nuclear weapons that Russia and the US can field.

However, it was Putin’s threat to not abide by the Comprehensive Test Ban Treaty (CTBT) that should be more worrying.  It is this treaty that prevents the testing and developing of new nuclear devices by stating that any nuclear test must be “zero yield.”  The US has never ratified the treaty, although Russia has signed and ratified the treaty.  However, the treaty has never gone into effect.

In his speech Putin strongly alluded to starting the development and testing of new nuclear weapon designs.  In a defense for such development, he reminded listeners that, “We remember Ukraine’s attempts to acquire nuclear weapons (actually because of the breakup of the USSR, Ukraine did acquire some nuclear weapons that they gave up in return for assurances from the US and UK).

Putin also said, “If the US conducts [nuclear] tests, so will we.”

However, there are charges that Russia has already conducted small nuclear tests.  In 2019, the head of the US Defense Intelligence Agency, Lt. General Robert Ashley, claimed that Russia had “probably been violating the test ban treaty by carrying out low yield tests in the Arctic Archipelago of Novaya Zemlya.

Ashley continued, “Russia’s development of new warhead designs…have been enhanced by its approach to nuclear testing.”

Since fourth generation nuclear weapons can have yields of as low as 1 to 100 tons of TNT, these tests are much harder to detect.  But the designs have unique applications on the tactical battlefield since they reduce collateral damage.

Some of the technologies include petawatt-class lasers, micro-explosions, antimatter as a triggering device, and thermonuclear shaped charges.  Weapons could have enhanced electromagnetic pulse, high energy neutrons, reduced residual radiation, and nuclear drive jets and projectiles.

Bombs that use antimatter isn’t something from science fiction, small antimatter traps the size of an egg have already been developed for microgram amounts of antimatter.

The lower yields and enhanced effects of some aspects of the nuclear device will make them ideal if Russia feels it needs new technology to break through Ukrainian lines.  With the 1 ton to 100-ton yield, they offer an ideal fit between conventional weapons and nuclear warheads.

 

NATO and Russia: Then, Now, and in the Future

The Ukraine War has changed the NATO alliance.  In the days of the Cold War, the US was the major partner and West Germany was the major land army on the continent of Europe.  France under De Gaulle had withdrawn from the NATO military structure, although it was still a NATO member.

The United Kingdom was a former colonial power, who was rapidly reducing its military obligations “East of Suez” and reducing its once formable navy to green ocean navy (a misassumption that Argentina made).

Russia was seen as a major military power with nuclear weapons, a massive tank army, and a seemingly inexhaustible supply of soldiers.

Much has changed in the last year.  Russia is seen today as a weaker great military power with nuclear weapons.  When the Germans invaded the USSR in 1941, the Soviets had 2.9 million soldiers in the Western Military District.  When they invaded Ukraine in 2022, they had 300,000.  Russia is facing a demographic problem and they can’t rely on the Ukrainian forces that were a large part of the Soviet WWII military.  This doesn’t include the losses over the last year that will make it hard to rebuild the army over the next few years.

It will take decades for the Russian Army to modernize and rebuild its forces and reputation.

Meanwhile, the US remains the major NATO partner.   But France and Germany are seen as minor NATO military partners: France is sending light, obsolete tanks to Ukraine and Germany, whose army is now a shadow of former size, is dithering on allowing other countries to ship Leopard 2 tanks to Ukraine.

Although the UK hasn’t much of an army, they have contributed frontline main battle tanks to the Ukraine.  They are modernizing their navy, which boasts the most powerful aircraft carriers – except for American super carriers.  They have also designed their carriers to operate seamlessly with the American navy.

The biggest change is in Poland, which has earned the reputation as one of NATO’s major partners.  They have a large conventional army with more tanks and armored vehicles than any NATO partner but the US.  They have become the major logistics and training center for NATO’s support of Ukraine.  They have given some heavy equipment like tanks to Ukraine.  And they are expanding their army and inviting the US to move some of its forces into Poland.

The Baltic nations of Latvia, Lithuania, and Estonia have stepped up their participating in NATO, even though their economies are small.

Nations formerly under Soviet control are taking a more aggressive stance against Russia.

The future of NATO will have to consider Central and Eastern European nations as the key to stop Russian expansion.  Note that President Biden visited Poland and Ukraine.  Berlin and Paris were not part of the trip.

Future potential allies will strengthen NATO despite Turkey and Erdogen.  Sweden and Finland will help secure the Baltic Sea while manufacturing modern weapons and holding down the northern flank of NATO.

Today’s attitude towards Russia is much like it was in the coldest days of the Cold War.  It will remain if Putin stays in power.

So, what are the factors that will determine the war in 2023?

Logistics.  Ukraine has managed to substitute modern arms for the lack of soldiers.  Although everyone talks about aircraft and tanks, there are other requirements like longer range artillery and rockets.  To have more mobility, Ukraine needs anti-mine capability so they can break through Russian lines without taking major casualties.

Not all the munitions need to be high tech.  The US has increased the production of Javelin and Stinger missiles, but 155mm artillery shells are being used at a high rate and there is a need to manufacture more than are currently available.

Although the US and other NATO allies are loath to dip too deep into their war reserves, the fact is that logistical support is critical for the Ukraine and the reality is that NATO has two options – give them to Ukraine so they can stop the Russians or use them in the defense of their own sovereign territory.

Although they are controversial, the delivery of cluster bombs would help stop the Russian tactic of massed human waves.

A spreading wars.  The conflict appears to be growing outside Ukraine.  According to intelligence sources, Moldova, which is on the western border of Ukraine, may be attacked to open a western front in the war.  Putin has revoked a decree that recognized Moldavia as an independent nation.  Together with Transnistria, a pro-Russian, breakaway part of Moldova, it is possible that Russia may try to capture some airports in Transnistria and Moldovia and setup an air bridge that will create a second front that will take pressure off Russian forces in the east.

Another front on the Ukraine War is the Chinese threat.  Some analysts are saying that the US must step back in Ukraine, so the US has the resources to fight China.

That has been countered by some analysts.  First, the type of war in the Chinese theater is different from the one in Ukraine.  The Ukraine War is a land battle that requires tanks etc.  A war in the South China Sea requires naval vessels, aircraft carriers, anti-ship missiles, Marines, etc.  These are weapons systems not needed in Europe.

With the support of Japan, South Korea, and Australia, the US can hold while the Ukraine War goes on.  It’s important to remember that if the US pulls back to reinforce the Southeast Asia Theater, Putin will win by default.

Meanwhile, Ukraine is hoping to gain ground in 2023, providing NATO continues to support Ukraine with munitions. But Putin and Russia may have some surprises in the battle fields.

Week of March 02, 2023

The Ukrainian War a Year Later
Stopping START: does it raise nuclear war stakes?

 

A year ago, most military analysts thought that Ukraine would lose in a matter of days or weeks.

The Ukrainian armed forces have done well, thanks to a determination to fight and generous support from NATO and European allies.  But, at the same time, the world has moved closer to total war as the Ukrainians have had the strategic initiative for most of the year and President Putin has refused to back down.

Now the world must consider the possibility of nuclear warfare.  We saw that in Putin’s state of the nation address, which showed no compromise on the issue of using nuclear weapons. He stated that Russia was suspending its participation in the START treaty that limits the number of nuclear weapons that Russia and the US can field.

However, it was Putin’s threat to not abide by the Comprehensive Test Ban Treaty (CTBT) that should be more worrying.  It is this treaty that prevents the testing and developing of new nuclear devices by stating that any nuclear test must be “zero yield.”  The US has never ratified the treaty, although Russia has signed and ratified the treaty.  However, the treaty has never gone into effect.

In his speech Putin strongly alluded to starting the development and testing of new nuclear weapon designs.  In a defense for such development, he reminded listeners that, “We remember Ukraine’s attempts to acquire nuclear weapons (actually because of the breakup of the USSR, Ukraine did acquire some nuclear weapons that they gave up in return for assurances from the US and UK).

Putin also said, “If the US conducts [nuclear] tests, so will we.”

However, there are charges that Russia has already conducted small nuclear tests.  In 2019, the head of the US Defense Intelligence Agency, Lt. General Robert Ashley, claimed that Russia had “probably been violating the test ban treaty by carrying out low yield tests in the Arctic Archipelago of Novaya Zemlya.

Ashley continued, “Russia’s development of new warhead designs…have been enhanced by its approach to nuclear testing.”

Since fourth generation nuclear weapons can have yields of as low as 1 to 100 tons of TNT, these tests are much harder to detect.  But the designs have unique applications on the tactical battlefield since they reduce collateral damage.

Some of the technologies include petawatt-class lasers, micro-explosions, antimatter as a triggering device, and thermonuclear shaped charges.  Weapons could have enhanced electromagnetic pulse, high energy neutrons, reduced residual radiation, and nuclear drive jets and projectiles.

Bombs that use antimatter isn’t something from science fiction, small antimatter traps the size of an egg have already been developed for microgram amounts of antimatter.

The lower yields and enhanced effects of some aspects of the nuclear device will make them ideal if Russia feels it needs new technology to break through Ukrainian lines.  With the 1 ton to 100-ton yield, they offer an ideal fit between conventional weapons and nuclear warheads.

 

NATO and Russia: Then, Now, and in the Future

The Ukraine War has changed the NATO alliance.  In the days of the Cold War, the US was the major partner and West Germany was the major land army on the continent of Europe.  France under De Gaulle had withdrawn from the NATO military structure, although it was still a NATO member.

The United Kingdom was a former colonial power, who was rapidly reducing its military obligations “East of Suez” and reducing its once formable navy to green ocean navy (a misassumption that Argentina made).

Russia was seen as a major military power with nuclear weapons, a massive tank army, and a seemingly inexhaustible supply of soldiers.

Much has changed in the last year.  Russia is seen today as a weaker great military power with nuclear weapons.  When the Germans invaded the USSR in 1941, the Soviets had 2.9 million soldiers in the Western Military District.  When they invaded Ukraine in 2022, they had 300,000.  Russia is facing a demographic problem and they can’t rely on the Ukrainian forces that were a large part of the Soviet WWII military.  This doesn’t include the losses over the last year that will make it hard to rebuild the army over the next few years.

It will take decades for the Russian Army to modernize and rebuild its forces and reputation.

Meanwhile, the US remains the major NATO partner.   But France and Germany are seen as minor NATO military partners: France is sending light, obsolete tanks to Ukraine and Germany, whose army is now a shadow of former size, is dithering on allowing other countries to ship Leopard 2 tanks to Ukraine.

Although the UK hasn’t much of an army, they have contributed frontline main battle tanks to the Ukraine.  They are modernizing their navy, which boasts the most powerful aircraft carriers – except for American super carriers.  They have also designed their carriers to operate seamlessly with the American navy.

The biggest change is in Poland, which has earned the reputation as one of NATO’s major partners.  They have a large conventional army with more tanks and armored vehicles than any NATO partner but the US.  They have become the major logistics and training center for NATO’s support of Ukraine.  They have given some heavy equipment like tanks to Ukraine.  And they are expanding their army and inviting the US to move some of its forces into Poland.

The Baltic nations of Latvia, Lithuania, and Estonia have stepped up their participating in NATO, even though their economies are small.

Nations formerly under Soviet control are taking a more aggressive stance against Russia.

The future of NATO will have to consider Central and Eastern European nations as the key to stop Russian expansion.  Note that President Biden visited Poland and Ukraine.  Berlin and Paris were not part of the trip.

Future potential allies will strengthen NATO despite Turkey and Erdogen.  Sweden and Finland will help secure the Baltic Sea while manufacturing modern weapons and holding down the northern flank of NATO.

Today’s attitude towards Russia is much like it was in the coldest days of the Cold War.  It will remain if Putin stays in power.

So, what are the factors that will determine the war in 2023?

Logistics.  Ukraine has managed to substitute modern arms for the lack of soldiers.  Although everyone talks about aircraft and tanks, there are other requirements like longer range artillery and rockets.  To have more mobility, Ukraine needs anti-mine capability so they can break through Russian lines without taking major casualties.

Not all the munitions need to be high tech.  The US has increased the production of Javelin and Stinger missiles, but 155mm artillery shells are being used at a high rate and there is a need to manufacture more than are currently available.

Although the US and other NATO allies are loath to dip too deep into their war reserves, the fact is that logistical support is critical for the Ukraine and the reality is that NATO has two options – give them to Ukraine so they can stop the Russians or use them in the defense of their own sovereign territory.

Although they are controversial, the delivery of cluster bombs would help stop the Russian tactic of massed human waves.

A spreading wars.  The conflict appears to be growing outside Ukraine.  According to intelligence sources, Moldova, which is on the western border of Ukraine, may be attacked to open a western front in the war.  Putin has revoked a decree that recognized Moldavia as an independent nation.  Together with Transnistria, a pro-Russian, breakaway part of Moldova, it is possible that Russia may try to capture some airports in Transnistria and Moldovia and setup an air bridge that will create a second front that will take pressure off Russian forces in the east.

Another front on the Ukraine War is the Chinese threat.  Some analysts are saying that the US must step back in Ukraine, so the US has the resources to fight China.

That has been countered by some analysts.  First, the type of war in the Chinese theater is different from the one in Ukraine.  The Ukraine War is a land battle that requires tanks etc.  A war in the South China Sea requires naval vessels, aircraft carriers, anti-ship missiles, Marines, etc.  These are weapons systems not needed in Europe.

With the support of Japan, South Korea, and Australia, the US can hold while the Ukraine War goes on.  It’s important to remember that if the US pulls back to reinforce the Southeast Asia Theater, Putin will win by default.

Meanwhile, Ukraine is hoping to gain ground in 2023, providing NATO continues to support Ukraine with munitions. But Putin and Russia may have some surprises in the battle fields.

2023-02-03-التحليل

التحليل

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

عام على حرب أوكرانيا:
تقدّم المسار النووي وتوسّع نطاق الحرب

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

حلّت الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا بنظرة أميركية مشبّعة بالتشاؤم، واكبتها رؤى أشد قسوة وسوداوية بين حلفائها الأوروبيين على مستقبلهم، تميّزت بتصعيد مطّرد لتوسيع رقعة الحرب ورفدها بسيل متواصل من المعدّات العسكرية، فضلاً عن تخصيص عدة مليارات من الدولارات الإضافية لتعويض كلفة الحرب ودفع رواتب الطواقم العسكرية الأميركية التي يزداد تعدادها بالقرب من الحدود الروسية.

التشاؤم المقصود من آفاق المرحلة المقبلة أوضحته نشرة “أتلانتيك” الأميركية المقربة إلى قيادة حلف الأطلسي، جراء استفتاء أراء مكثّف أجرته بين النخب الفكرية والسياسية الأميركية، شملت ” كبار المؤرخين، وأختصاصيي العلوم السياسية والخبراء في التطورات الجيوسياسية والمسؤلين السابقين”، إعداداً لدخول الحرب عامها الثاني. وقد أجمعوا فيه على قتامة المستقبل المنظور والإعداد لحرب طويلة الأجل “ربما تستمر لعقد أو أكثر من الزمن” (نشرة “أتلانتيك”، 23 شباط/فبراير 2023).

تجدُد الجدل، بل صراع النخب، حول الاستراتيجية الأميركية في المرحلة الراهنة يأتي على خلفية تراجع الخيارات السابقة المتاحة  أمام صنّاع القرار في انفتاح أكبر على المجتمعات الدولية، تليه هزائم متواصلة لمغامرات الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال، ناهيك بتعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني، وصعود من ينادي بينهم بأنّ العالم اليوم “لم يعد يتقبّل الإملاءات الأميركية”، وما أنتجته من تحوّلات داخلية تحابي توجهات أقل تشدداً في العلاقات الدولية.

الثابت أنّ ذلك “الصراع” الفكري بين النخب الأميركية بين تياري التشدد والانفتاح لم يعمّر طويلاً مع اندلاع الحرب الأوكرانية. وسرعان ما انضمت غالبية الفريق المطالب بأخذ العبرة من المغامرات الحربية الأميركية في الخارج إلى النسق العام لدعم “المغامرة” الجديدة في أوكرانيا، مع بعض الاستثناءات المهمة، يتصدرهم أستاذ العلوم الاقتصادية والسياسة العامة في جامعة كولومبيا جيفري ساكس، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، والأستاذ الجامعي في التاريخ آندرو باسيفيتش.

يسجّل للبروفيسور جيفري ساكس اتهامه المباشر لحكومة الولايات المتحدة بتفجير خط أنابيب الغاز  الروسية إلى ألمانيا “وربما تورط بولندا معها”. واستطرد في انتقاده الثابت لتوجهات واشنطن بأن آراءه “تسير بعكس بوصلة السردية الرسمية، ولا يجوز للمرء التلفظ بتلك الاتهامات في الغرب عموماً، لكن مراسلي كبار الصحف الأميركية، الذين تواصلت معهم، أكّدوا مسؤولية الولايات المتحدة عن التفجير، بيد أن تقاريرهم الموضوعية تغيب عن التغطية الإعلامية” (مقابلة مع شبكة “بلومبيرغ”، 22 شباط/فبراير 2023).

في الشق المقابل من تحولات النخب الأميركية بشأن مواصلة تأييد أوكرانيا، يمكن تسجيل بعض الاحتجاجات داخل قيادات التيار اليميني في الحزبين، وبشكل أكثر صرامة داخل الحزب الجمهوري الذي يعرب قادته عن قلقهم من “تراجع أولويات الأجندة الأميركية أمام نزعة التصعيد العسكري ضد روسيا” (“معهد كوينسي” الليبرالي، 28 شباط/فبراير 2023).

من أبرز “الاحتجاجات” المرصودة جهود تصدّرها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، التيار الليبرتاري المحافظ، راند بول الذي استطاع “تعطيل” موافقة المجلس على صرف “حزمة مساعدات لأوكرانيا” (إلى حين)، تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، في شهر أيار/مايو من العام الماضي، وانضم إليه 10 أعضاء من الحزب نفسه.

وعلّل بول اعتراضه على الحزمة الضخمة بأنها “تهدّد أمننا القومي”. وقد جرى نقاشها في مجلس الشيوخ على خلفية مشهد نقص إمداد حليب الأطفال وتوفره في الأسواق الأميركية.

ووصف أحد أبرز المحللين السياسيين في شؤون أوروبا الشرقية، داليبور روهاك، الذي يتبع لفريق المحافظين الجدد، ظاهرة “بدء التصدع” في تماسك قيادة الحزب الجمهوري بأن “انشطار الحزب الجمهوري على خلفية توجهات السياسة الخارجية الأميركية كان جلياً أمام الجميع” منذئذ. وقد جسّده تصويت الكونغرس على “مساعدة” أوكرانيا بمبلغ “113 مليار دولار” العام الماضي.

تتبّع إرهاصات تيارات الحزب الجمهوري وفّر فرصة فريدة، وربما غير مسبوقة، للمهتمين بالتوقف عند خلافات حقيقية بشأن تحديد سلّم الأولويات التي ينبغي معالجتها في الحقبة الحالية، وكذلك على المدى المتوسط. بعض الرموز المعروفة تعارض من موقع “أيديولوجي” كحافز أول، مثل راند بول، ومن ثم تتبلور المعارضة على خلفية الرؤى السياسية المتعددة (“معهد كوينسي”، واشنطن، 23 شباط/فبراير 2023).

وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى إلى جسارة بعض ممثلي الحزب في مجلسي الكونغرس في التصدي للتيار التقليدي “المتشدد”، كما يطلق عليه، وخصوصاً من قبل مجموعة ممثلين مؤيّدين للرئيس السابق دونالد ترامب وتسجيل بعض النجاحات الملموسة.

ولا يجوز التغاضي عن أهمية الجدل السياسي الحاد إبّان انتخاب رئيس مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، كيفين مكارثي، وما قدّمه من تنازلات قاسية لكسب تأييد تلك المجموعة محدودة العدد، وما قد يرافقها من مواجهات مقبلة بين تيّارات المؤسسة الحاكمة عند طرح “حزم مساعدات جديدة لأوكرانيا” للتصويت، والتنازلات التي قد تضطر تلك القيادات العليا تقديمها إلى أقلية أثبتت حضورها وثقلها السياسي بشكل أكبر من حجمها العددي.

علاوة على ذلك، لوحظ “تبدّل” فكري في توجه أحد أبرز مراكز اليمين السياسي الفكري في الآونة الأخيرة، ممثلاً بـ “مؤسسة هاريتاج”، التي أرست معالم توجهات المستقبل، مطالبة بـ “عدم تقديم شيك مفتوح” لأوكرانيا، ومحذرة من نزعة صنّاع القرار في الحزبين إلى “تهميش مصلحة أميركا” لمصلحة أوكرانيا (بيان صحافي، “مؤسسة هاريتاج”، 10 أيار/مايو 2022).

تجدر الإشارة أيضاً إلى تراجع في حماسة المزاج الشعبي العام لتقديم دعم متواصل لأوكرانيا، يقابله انكشاف اهتراء البنى التحتية في الصمود أمام حوادث “شبه عادية” مثل اصطدام قطارات وتسببها بانبعاث غازات سامة ناجمة عن حادثة بلدة “إيست باليستاين” في ولاية أوهايو حديثاً، أودت بالثروة الحيوانية ولوّثت مياه الشرب، مع تحذير الهيئات الصحية من انتشار أمراض سرطان متعددة بين سكان المنطقة.

بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا، قام الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة “مفاجئة” إلى كييف، في سياق استراتيجية واشنطن الثابتة بـ “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وُصفت بتصرف رئاسي “متهوّر”، مهّدت لها نشرة مختصة بالشؤون الدولية بأن ” الأوان آن للإعداد (التخطيط) لانهيار روسيا” (نشرة “فورين بوليسي”، 7 كانون الثاني/يناير 2023).

رحلة بايدن رُتّبت على عجل، وكانت خارج سياق التواصل والتسلسل الإعلامي المعهود، وهي “المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يزور فيها رئيس أميركي منطقة اشتباك مسلّح خارج تغطية حماية عسكرية أميركية”، ما دفع بعض وسائل الإعلام الرئيسية إلى وصفها بأنها “تسلّل من واشنطن إلى كييف تحت جنح الظلام من دون ملاحظة أحد” (موقع “أم أس أن” الإلكتروني، وشبكة “إيه بي سي” للتلفزة، وموقع “ميليتاري تايمز”،  20 شباط/فبراير 2023).

زيارة عاجلة “تمت بترتيب مسبق مع السلطات الروسية”، حرصاً على سلامة شخص الرئيس، بحسب ما تسرّب من تقارير تباعاً، كانت ترمي إلى “تجسيد التزام الغرب” بدعم أوكرانيا، في ظل “تبخّر وعود المساعدة الغربية في مؤتمر ميونيخ للأمن” (نشرة “ديفينس نيوز”، 23 شباط/فبراير 2023).

المساعدات المالية والعسكرية الموعودة لأوكرانيا، اصطدمت بجدار صلب من عدم اليقين داخل أروقة مؤتمر ميونيخ، وخصوصاً بين “طواقم الأمن القومي المتعدد الجنسيات، والصحافيين أيضاً”، بحسب نشرة “ديفينس وان”، على الرغم من كلمة متلفزة وجهتها نائب الرئيس الأميركي كمالا هاريس، أعلنت فيها تعهّد بلادها “دعم أوكرانيا مهما طال الأمر”.

وازداد المطالبون بتحديد دقيق للسياسة الأميركية بشأن أوكرانيا، وخصوصاً من قيادات عسكرية معتبرة ونخب سياسية مرموقة، من بينهم رئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميللي، اشاروا بالمجمل إلى حالة من الجمود العسكري يرافقه تقدّم ميداني حثيث للقوات الروسية، ما يحتّم على الغرب مواجهة مباشرة للحقائق المتجددة.

وقالت النشرة العسكرية، “ديفينس وان”، نيابةً عن حضور مؤتمر ميونيخ للأمن، أن على زعماء الدول المختلفة “مخاطبة الجمهور بشأن إجماع الرؤى للمرحلة الحالية وما تواجهه أوكرانيا من حقيقة استنزاف متواصلة. وليس هناك من خيار أمام الغرب إلا دخول المعركة مباشرة ضد روسيا انطلاقاً من أوكرانيا، وتوفيره أسلحة ومعدات متطورة مدعومة بأسلحة الجو المختلفة لتلك المهمة”.

ومضت محذرة قادة حلف الناتو من حالة “التردّد اتخاذ القرار المناسب الذي ستنجم عنه إطالة أمد الحرب وازدياد ضحاياها”، وأعربت عن قناعة المجمّع العسكري والاستخباري بهزيمة أوكرانيا،  على الرغم من طمأنة رئيس هيئة الأركان، مارك ميللي، أقرانه إلى البدء بهجوم شامل في الربيع المقبل.

ووجّه الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد بيترايوس، خطاب استغاثة إلى الغرب بالتحرك الفوري لتبني “تدريب طواقم طيارين على مقاتلات أف-16 أس”، كدليل على استنتاجه وآخرين بأن “الحرب لن تنتهي مع حلول فصل الصيف المقبل”.

وخلصت النشرة  بالقول أن ذلك السيناريو المرئي “سيخدم الرئيس بوتين حصراً، الذي باستطاعته إنهاء الحرب” اتساقاً مع اهدافه المعلنة.

لا يخفي خبراء الشؤون العسكرية أبعاد التصعيد الخطابي والعسكري الأميركي، ويقولون أنّ أحد أهدافه هو استدراج روسيا إلى استخدام سلاح نووي منخفض القدرة الإشعاعية في المعركة الدائرة، وما يترتب على ذلك من تدخل مباشر لواشنطن وحلفائها لتسديد المزيد من الضربات داخل الأراضي الروسية.

عند هذا المنعطف الخطر، أعلنت روسيا تجميد التزامها باتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، فيما أعربت واشنطن عن خيبة أملها من القرار الروسي، معلنة استعدادها للتفاوض مجدداً بهذا الشأن.

التكهن بدخول السلاح النووي من عدمه، في الحرب الأوكرانية ليس مسألة هيّنة، وأركانها غير متوفّرة، باستثناء الخطاب التصعيدي من واشنطن سياسياً وعسكرياً، وهي التي تتخذ من أوكرانيا والأراضي البولندية منصة انطلاق لإدامة أمد الحرب، لكن باستطاعة المرء الاستنتاج بأن البشرية برمتها مقبلة على سباق تسلح نووي يخلو من الضوابط والقيود السابقة، تواكبه سيادة فريق الحرب في صنع القرار الأميركي والتحكّم في مستقبل العالم أجمع.

2023-02-03-التقرير الأسبوعي

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

عام على حرب أوكرانيا:
تقدّم المسار النووي وتوسّع نطاق الحرب

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

حلّت الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا بنظرة أميركية مشبّعة بالتشاؤم، واكبتها رؤى أشد قسوة وسوداوية بين حلفائها الأوروبيين على مستقبلهم، تميّزت بتصعيد مطّرد لتوسيع رقعة الحرب ورفدها بسيل متواصل من المعدّات العسكرية، فضلاً عن تخصيص عدة مليارات من الدولارات الإضافية لتعويض كلفة الحرب ودفع رواتب الطواقم العسكرية الأميركية التي يزداد تعدادها بالقرب من الحدود الروسية.

التشاؤم المقصود من آفاق المرحلة المقبلة أوضحته نشرة “أتلانتيك” الأميركية المقربة إلى قيادة حلف الأطلسي، جراء استفتاء أراء مكثّف أجرته بين النخب الفكرية والسياسية الأميركية، شملت ” كبار المؤرخين، وأختصاصيي العلوم السياسية والخبراء في التطورات الجيوسياسية والمسؤلين السابقين”، إعداداً لدخول الحرب عامها الثاني. وقد أجمعوا فيه على قتامة المستقبل المنظور والإعداد لحرب طويلة الأجل “ربما تستمر لعقد أو أكثر من الزمن” (نشرة “أتلانتيك”، 23 شباط/فبراير 2023).

تجدُد الجدل، بل صراع النخب، حول الاستراتيجية الأميركية في المرحلة الراهنة يأتي على خلفية تراجع الخيارات السابقة المتاحة  أمام صنّاع القرار في انفتاح أكبر على المجتمعات الدولية، تليه هزائم متواصلة لمغامرات الحروب الأميركية في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا والصومال، ناهيك بتعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني، وصعود من ينادي بينهم بأنّ العالم اليوم “لم يعد يتقبّل الإملاءات الأميركية”، وما أنتجته من تحوّلات داخلية تحابي توجهات أقل تشدداً في العلاقات الدولية.

الثابت أنّ ذلك “الصراع” الفكري بين النخب الأميركية بين تياري التشدد والانفتاح لم يعمّر طويلاً مع اندلاع الحرب الأوكرانية. وسرعان ما انضمت غالبية الفريق المطالب بأخذ العبرة من المغامرات الحربية الأميركية في الخارج إلى النسق العام لدعم “المغامرة” الجديدة في أوكرانيا، مع بعض الاستثناءات المهمة، يتصدرهم أستاذ العلوم الاقتصادية والسياسة العامة في جامعة كولومبيا جيفري ساكس، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، والأستاذ الجامعي في التاريخ آندرو باسيفيتش.

يسجّل للبروفيسور جيفري ساكس اتهامه المباشر لحكومة الولايات المتحدة بتفجير خط أنابيب الغاز  الروسية إلى ألمانيا “وربما تورط بولندا معها”. واستطرد في انتقاده الثابت لتوجهات واشنطن بأن آراءه “تسير بعكس بوصلة السردية الرسمية، ولا يجوز للمرء التلفظ بتلك الاتهامات في الغرب عموماً، لكن مراسلي كبار الصحف الأميركية، الذين تواصلت معهم، أكّدوا مسؤولية الولايات المتحدة عن التفجير، بيد أن تقاريرهم الموضوعية تغيب عن التغطية الإعلامية” (مقابلة مع شبكة “بلومبيرغ”، 22 شباط/فبراير 2023).

في الشق المقابل من تحولات النخب الأميركية بشأن مواصلة تأييد أوكرانيا، يمكن تسجيل بعض الاحتجاجات داخل قيادات التيار اليميني في الحزبين، وبشكل أكثر صرامة داخل الحزب الجمهوري الذي يعرب قادته عن قلقهم من “تراجع أولويات الأجندة الأميركية أمام نزعة التصعيد العسكري ضد روسيا” (“معهد كوينسي” الليبرالي، 28 شباط/فبراير 2023).

من أبرز “الاحتجاجات” المرصودة جهود تصدّرها عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، التيار الليبرتاري المحافظ، راند بول الذي استطاع “تعطيل” موافقة المجلس على صرف “حزمة مساعدات لأوكرانيا” (إلى حين)، تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، في شهر أيار/مايو من العام الماضي، وانضم إليه 10 أعضاء من الحزب نفسه.

وعلّل بول اعتراضه على الحزمة الضخمة بأنها “تهدّد أمننا القومي”. وقد جرى نقاشها في مجلس الشيوخ على خلفية مشهد نقص إمداد حليب الأطفال وتوفره في الأسواق الأميركية.

ووصف أحد أبرز المحللين السياسيين في شؤون أوروبا الشرقية، داليبور روهاك، الذي يتبع لفريق المحافظين الجدد، ظاهرة “بدء التصدع” في تماسك قيادة الحزب الجمهوري بأن “انشطار الحزب الجمهوري على خلفية توجهات السياسة الخارجية الأميركية كان جلياً أمام الجميع” منذئذ. وقد جسّده تصويت الكونغرس على “مساعدة” أوكرانيا بمبلغ “113 مليار دولار” العام الماضي.

تتبّع إرهاصات تيارات الحزب الجمهوري وفّر فرصة فريدة، وربما غير مسبوقة، للمهتمين بالتوقف عند خلافات حقيقية بشأن تحديد سلّم الأولويات التي ينبغي معالجتها في الحقبة الحالية، وكذلك على المدى المتوسط. بعض الرموز المعروفة تعارض من موقع “أيديولوجي” كحافز أول، مثل راند بول، ومن ثم تتبلور المعارضة على خلفية الرؤى السياسية المتعددة (“معهد كوينسي”، واشنطن، 23 شباط/فبراير 2023).

وهنا تجدر الإشارة مرة أخرى إلى جسارة بعض ممثلي الحزب في مجلسي الكونغرس في التصدي للتيار التقليدي “المتشدد”، كما يطلق عليه، وخصوصاً من قبل مجموعة ممثلين مؤيّدين للرئيس السابق دونالد ترامب وتسجيل بعض النجاحات الملموسة.

ولا يجوز التغاضي عن أهمية الجدل السياسي الحاد إبّان انتخاب رئيس مجلس النواب عن الحزب الجمهوري، كيفين مكارثي، وما قدّمه من تنازلات قاسية لكسب تأييد تلك المجموعة محدودة العدد، وما قد يرافقها من مواجهات مقبلة بين تيّارات المؤسسة الحاكمة عند طرح “حزم مساعدات جديدة لأوكرانيا” للتصويت، والتنازلات التي قد تضطر تلك القيادات العليا تقديمها إلى أقلية أثبتت حضورها وثقلها السياسي بشكل أكبر من حجمها العددي.

علاوة على ذلك، لوحظ “تبدّل” فكري في توجه أحد أبرز مراكز اليمين السياسي الفكري في الآونة الأخيرة، ممثلاً بـ “مؤسسة هاريتاج”، التي أرست معالم توجهات المستقبل، مطالبة بـ “عدم تقديم شيك مفتوح” لأوكرانيا، ومحذرة من نزعة صنّاع القرار في الحزبين إلى “تهميش مصلحة أميركا” لمصلحة أوكرانيا (بيان صحافي، “مؤسسة هاريتاج”، 10 أيار/مايو 2022).

تجدر الإشارة أيضاً إلى تراجع في حماسة المزاج الشعبي العام لتقديم دعم متواصل لأوكرانيا، يقابله انكشاف اهتراء البنى التحتية في الصمود أمام حوادث “شبه عادية” مثل اصطدام قطارات وتسببها بانبعاث غازات سامة ناجمة عن حادثة بلدة “إيست باليستاين” في ولاية أوهايو حديثاً، أودت بالثروة الحيوانية ولوّثت مياه الشرب، مع تحذير الهيئات الصحية من انتشار أمراض سرطان متعددة بين سكان المنطقة.

بالتزامن مع الذكرى الأولى للحرب في أوكرانيا، قام الرئيس الأميركي جو بايدن بزيارة “مفاجئة” إلى كييف، في سياق استراتيجية واشنطن الثابتة بـ “إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا”، وُصفت بتصرف رئاسي “متهوّر”، مهّدت لها نشرة مختصة بالشؤون الدولية بأن ” الأوان آن للإعداد (التخطيط) لانهيار روسيا” (نشرة “فورين بوليسي”، 7 كانون الثاني/يناير 2023).

رحلة بايدن رُتّبت على عجل، وكانت خارج سياق التواصل والتسلسل الإعلامي المعهود، وهي “المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يزور فيها رئيس أميركي منطقة اشتباك مسلّح خارج تغطية حماية عسكرية أميركية”، ما دفع بعض وسائل الإعلام الرئيسية إلى وصفها بأنها “تسلّل من واشنطن إلى كييف تحت جنح الظلام من دون ملاحظة أحد” (موقع “أم أس أن” الإلكتروني، وشبكة “إيه بي سي” للتلفزة، وموقع “ميليتاري تايمز”،  20 شباط/فبراير 2023).

زيارة عاجلة “تمت بترتيب مسبق مع السلطات الروسية”، حرصاً على سلامة شخص الرئيس، بحسب ما تسرّب من تقارير تباعاً، كانت ترمي إلى “تجسيد التزام الغرب” بدعم أوكرانيا، في ظل “تبخّر وعود المساعدة الغربية في مؤتمر ميونيخ للأمن” (نشرة “ديفينس نيوز”، 23 شباط/فبراير 2023).

المساعدات المالية والعسكرية الموعودة لأوكرانيا، اصطدمت بجدار صلب من عدم اليقين داخل أروقة مؤتمر ميونيخ، وخصوصاً بين “طواقم الأمن القومي المتعدد الجنسيات، والصحافيين أيضاً”، بحسب نشرة “ديفينس وان”، على الرغم من كلمة متلفزة وجهتها نائب الرئيس الأميركي كمالا هاريس، أعلنت فيها تعهّد بلادها “دعم أوكرانيا مهما طال الأمر”.

وازداد المطالبون بتحديد دقيق للسياسة الأميركية بشأن أوكرانيا، وخصوصاً من قيادات عسكرية معتبرة ونخب سياسية مرموقة، من بينهم رئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميللي، اشاروا بالمجمل إلى حالة من الجمود العسكري يرافقه تقدّم ميداني حثيث للقوات الروسية، ما يحتّم على الغرب مواجهة مباشرة للحقائق المتجددة.

وقالت النشرة العسكرية، “ديفينس وان”، نيابةً عن حضور مؤتمر ميونيخ للأمن، أن على زعماء الدول المختلفة “مخاطبة الجمهور بشأن إجماع الرؤى للمرحلة الحالية وما تواجهه أوكرانيا من حقيقة استنزاف متواصلة. وليس هناك من خيار أمام الغرب إلا دخول المعركة مباشرة ضد روسيا انطلاقاً من أوكرانيا، وتوفيره أسلحة ومعدات متطورة مدعومة بأسلحة الجو المختلفة لتلك المهمة”.

ومضت محذرة قادة حلف الناتو من حالة “التردّد اتخاذ القرار المناسب الذي ستنجم عنه إطالة أمد الحرب وازدياد ضحاياها”، وأعربت عن قناعة المجمّع العسكري والاستخباري بهزيمة أوكرانيا،  على الرغم من طمأنة رئيس هيئة الأركان، مارك ميللي، أقرانه إلى البدء بهجوم شامل في الربيع المقبل.

ووجّه الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، ديفيد بيترايوس، خطاب استغاثة إلى الغرب بالتحرك الفوري لتبني “تدريب طواقم طيارين على مقاتلات أف-16 أس”، كدليل على استنتاجه وآخرين بأن “الحرب لن تنتهي مع حلول فصل الصيف المقبل”.

وخلصت النشرة  بالقول أن ذلك السيناريو المرئي “سيخدم الرئيس بوتين حصراً، الذي باستطاعته إنهاء الحرب” اتساقاً مع اهدافه المعلنة.

لا يخفي خبراء الشؤون العسكرية أبعاد التصعيد الخطابي والعسكري الأميركي، ويقولون أنّ أحد أهدافه هو استدراج روسيا إلى استخدام سلاح نووي منخفض القدرة الإشعاعية في المعركة الدائرة، وما يترتب على ذلك من تدخل مباشر لواشنطن وحلفائها لتسديد المزيد من الضربات داخل الأراضي الروسية.

عند هذا المنعطف الخطر، أعلنت روسيا تجميد التزامها باتفاقية الحد من الأسلحة النووية مع الولايات المتحدة، فيما أعربت واشنطن عن خيبة أملها من القرار الروسي، معلنة استعدادها للتفاوض مجدداً بهذا الشأن.

التكهن بدخول السلاح النووي من عدمه، في الحرب الأوكرانية ليس مسألة هيّنة، وأركانها غير متوفّرة، باستثناء الخطاب التصعيدي من واشنطن سياسياً وعسكرياً، وهي التي تتخذ من أوكرانيا والأراضي البولندية منصة انطلاق لإدامة أمد الحرب، لكن باستطاعة المرء الاستنتاج بأن البشرية برمتها مقبلة على سباق تسلح نووي يخلو من الضوابط والقيود السابقة، تواكبه سيادة فريق الحرب في صنع القرار الأميركي والتحكّم في مستقبل العالم أجمع.

2023-15-02-التحليل

التحليل

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

تفجير واشنطن لخط السيل الشمالي
يعزّز خيارات الرد الروسي بالمثل

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

لم تنعم المؤسسة الأميركية الحاكمة، بدوائرها المتعددة، السياسية والأمنية والاستخبارية والعسكرية، بهدوء من الانتقادات الشعبية، بعد سلسة تساؤلات حول أهليتها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بشأن تداعيات المنطاد الهوائي الصيني، حتى حاصرتها اتهامات “شبه موثّقة” بارتكابها “جريمة” تفجير خطي السيل الشمالي ناقلي الغاز الروسي إلى موانيء ألمانيا، العام الماضي، والتي عالجتها بأسلوبها الروتيني المعهود: النفي ثم النفي حتى يقدّم الطرف الآخر دلائل دامغة، تصدر عقبها “بعض” الاعتراف مغلّفاً بادعاء البراءة.

في سياق التفاصيل، نشر الصحافي الاستقصائي الشهير، سيمور هيرش، بتاريخ 8 شباط/فبراير الجاري، تقريراً مفصلاً أرفقه بوقائع وحيثيات وتفاصيل وأسماء صنّاع القرار في غرف مغلقة، ويحدّد مسؤولية اتخاذ قرار التفجير بالرئيس جو بايدن، وتأييد فريقه الأمني المصغّر برئاسة مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان؛ ومسؤولين في قيادة الأركان المشتركة؛ ومندوبين عن وكالة الاستخبارات المركزية ووزارتي الخارجية والخزانة.

قوبل التقرير بعنوان “كيف أخرجت أميركا أنبوب السيل الشمالي من الخدمة” بتجاهل منسّق من قبل وسائل الإعلام الرسمية، المقروءة والمرئية. وانفرد عدد ضئيل من بين إعلامييها في سرد الخبر والتركيز على “الطرف الآخر” الرسمي ونفيه بشدة تلك الاتهامات، على الرغم من ذكر التقرير بدقة عالية “التسلسل التاريخي والزمني وآليات التنفيذ والوحدات العسكرية” التي نفذت الهجوم.

بينما تناولت هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، اليمينية، النبأ باقتطاف وبالتعليق على بعض ما جاء في التقرير، وكذلك نفي البيت الأبيض بأنه “كذبة مفبركة وخرافة كاملة”، قائلة: “في ظل هذا الزمن الذي يتميّز بعدم الثقة في الحكومة، فإن تفاصيل تقرير السيد هيرش تبدو أكثر صدقاً من النفي” الرسمي (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

من بين المسائل الأساسية التي أبرزها تقرير هيرش تورط القوات العسكرية النرويجية مع القوات الأميركية في “زرع وتفجير العبوات الناسفة”، بالقرب من شواطئ جزيرة برونهولم الدانماركية، واسفر عن تدمير الأنبوبين في عرض البحر، وجاء متّسقاً مع الأهداف الأميركية المعلنة متمثلة بـ “قطع علاقة ألمانيا مع روسيا وإنهاء اعتمادها اقتصادياً على توريد الغاز الروسي الرخيص”.

هذه الجزئية “البسيطة” تؤدي بالجهود الساعية لتحديد هوية الجهات الفاعلة إلى التقرّب من السؤال الكلاسيكي: من المستفيد أو المستفيدين من تلك الفعلة، برد الاعتبار لعامل الربح المادي.

وعليه، تشير البيانات الاقتصادية للفترة الزمنية المباشرة بعد التفجير إلى ارتفاع معدلات المداخيل والأرباح لصادرات الطاقة لكل من النرويج والولايات المتحدة. واستطاعت النرويج الحلول محل المورد الروسي في تصدير الغاز بنحو 40 مليار دولار سنوياً. أما الولايات المتحدة فقد ضاعفت صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، خصوصاً بعد افتتاح ألمانيا محطتي استقبال الغاز المسال، قبل نحو شهرين، وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بأن واشنطن تبيع غازها لأوروبا بنحو 5 أضعاف السعر العالمي السابق.

تصنيف عملية التفجير، قانونياً وقضائياً، وبحسب المصادر الأمريكية، دفعت بعض النخب الأميركية إلى القول إنه “ينبغي على الشعب الأميركي مطالبة (الحكومة) تقديم أدلة بشأن ارتكاب الرئيس بايدن مغامرة في أعماق البحار ما يستدعي تفسير دولة نووية (روسيا) أن الفعل بمثابة إعلان حرب” (“واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

في الجانب الرسمي من المسؤولين الأميركيين انفرد عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، مايك لي، بانتقاد عملية التفجير، نافياً علمه وبعض زملائه بتلك الخطة. وأوضح بأنه “قلق لأنني لا أستطيع اسثناء فورياً لاحتمال قيام الولايات المتحدة بتفجير أنبوب السيل الشمالي”. وأردف قائلاً: “إن ثبت صحة (تقرير هيرش)، فنحن على أبواب معضلة كبيرة” (تعليق السيناتور على “تويتر”، 8 شباط/فبراير 2023).

ما قصده السيناتور مايك لي أن الإدارة الأميركية أخلّت بعرف التعامل السائد بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، في مسائل بالغة الحساسية، والذي يقضي بإبلاغ “مجموعة الثمانية” في الكونغرس بالخطط السرّية، والمكوّنة من: زعيمي الحزبين في كلا مجلسي الكونغرس، ورؤساء لجان الاستخبارات في المجلسين ونوابهم.

في هذا الصدد، تنبغي الإشارة إلى دراسة أعدتها “مؤسسة راند” لصالح البنتاغون ركزت فيها على استهداف روسيا عبر اتباع أفضل السبل لاستغلال مواطن ضعف “اقتصادها، وكذلك الثغرات السياسية والعسكرية”، في سياق المواجهة مع موسكو، وناشدت الإدارة الأميركية اتخاذ تدابير عاجلة من أجل “تقليص حجم صادرات (روسيا) من الغاز وإعاقة جهود توسيع طاقة الأنابيب” الناقلة له (دراسة بعنوان “توسّع روسيا: التنافس على أرضية مواتية”، أيلول/سبتمبر 2022).

أيضاً، نلفت النظر إلى “معرفة” مسبّقة للحكومة الألمانية بموعد التفجير وهوية الفاعل. إذ نشرت كبرى الصحف الألمانية “دير شبيغل” تقريراً في اليوم التالي للتفجير، 22 أيلول/سبتمبر 2022، يشير إلى تلقي الحكومة الألمانية “تحذيراً (خطياً) من وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) من وقوع هجوم محتمل يستهدف أنبوب الغاز”، ونقلت الصحيفة كذلك على لسان “مسؤول رفيع” في الحكومة الألمانية يعرب فيه عن “الحنق الشديد” الذي تملّك مسؤوليها “لاستثناء مشاركتهم في تلك المعلومات”.

تفجير انبوبي الغاز يعد بمثابة “جريمة حرب” في العلاقات الدولية ونصوص القانون الدولي. القاضي اليميني الشهير والمعلق السابق في شبكة “فوكس نيوز”، أندرو بوليتانو، كان شديد الوضوح في توصيف العملية، بالقول: “من المنظار القانوني الصرف (فالعملية) تندرج تحت بند إعلان حرب ضد روسيا وضد ألمانيا. مهما تكن هوية الفاعل، وربما الاحتمال الأوحد هو الرئيس الأميركي نفسه، فقد تسبب في إلحاق الضرر بعشرات ملايين المواطنين الألمان والتسبب في ستمرار معاناتهم خلال فصل الشتاء”.

وأردف “إنه إعلان حرب لم يصادق عليه الكونغرس، وهي عملية عديمة الأخلاق بالكامل، وغير دستورية بكل ما للكلمة من معنى. وربما عملية إجرامية” (مقابلة أجراها بوليتانو مع شبكة “ذي بوست ميلينيا – The Post Millenia” الكندية، 13 شباط/فبراير 2023).

نسوق ذلك للتمهيد إلى استنتاجات توصلت إليها هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، في مقالها المنشور، تسلط فيه الضوء على قرار البيت الأبيض بالتخطيط لعملية التفجير وتنفيذها بسريّة عالية، من بينها: “ازدياد مداخيل الطاقة لروسيا بنسبة 28% في عام 2022، بالرغم من خسارتها لصادراتها الأوروبية”. ودقت هيئة التحرير ناقوس الخطر لدى صنّاع القرار في واشنطن بأن استهدافهم لروسيا دفعها إلى التوجّه شرقاً وتشكيلها حلف أوراسي، ما “ينذر  بتهديد هيمنة الغرب على الوضع الجيوسياسي العالمي”. واردفت “كيف يمكن اعتبار ذلك في مصلحة الولايات المتحدة؟”

وأضافت الصحيفة اليمينية أن “تحقيقاً أجرته ألمانيا لم يتوصل إلى أي دليل يثبت تورط روسيا في الكارثة”، تواكبه تصريحات الرئيس جو بايدن العلنية بأنه “إن أقدمت روسيا على تنفيذ الغزو (لأوكرانيا) لن يكون هناك خط سيل -2 الشمالي بعد الآن. وسنقوم نحن بالقضاء عليه” (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

إذن، ما هي طبيعة الرد الروسي وفق الحسابات الأميركية على عملية تفجير سرّية، استمرت من 26 إلى 29 أيلول/سبتمبر 2022، من دون ترك إي دليل يحدد هوية الفاعل: معادلة عمل تخريبي تقابله أعمال تخريبية ضد أهداف أميركية منها بناها التحتية، أيضاً من دون ترك أدّلة ميدانية. ولن تسلم منشآت مصافي النفط والغاز الأميركية من رد الفعل المنظور.

كما باستطاعة روسيا إعاقة سيل الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا وتدميرها لمنع وصولها إلى الميدان. وربما، بحسب البعض، تقدم موسكو على اختراق إلكتروني لشبكات النقل الأوروبية للتأثير على جهود إيصال معدات حلف الناتو العسكرية براً إلى كييف.

أشدّ ما تخشاه واشنطن، وامتداداً حلف الناتو، تراجع صدقية سرديتها بأنها تخوض “حرباً عادلة ضد خصم أو خصوم يريدون بها السوء”، وتزعزع قناعة جمهورها بأن عليه “التمسك” بالسردية الرسمية ورفض كل ما يصدر عن الطرف الآخر.

لعل تقرير سيمور هيرش يضع لبنة سنمّار الأولى في جدار الهيمنة الغربية، والأميركية تحديداً، على وسائل الإعلام والتوعية الجماهيرية، خصوصاً في ظل توفرّ بدائل أخرى متواضعة بالمقارنة.

2023-15-02-التقرير الأسبوعي

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

تفجير واشنطن لخط السيل الشمالي
يعزّز خيارات الرد الروسي بالمثل

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

لم تنعم المؤسسة الأميركية الحاكمة، بدوائرها المتعددة، السياسية والأمنية والاستخبارية والعسكرية، بهدوء من الانتقادات الشعبية، بعد سلسة تساؤلات حول أهليتها في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بشأن تداعيات المنطاد الهوائي الصيني، حتى حاصرتها اتهامات “شبه موثّقة” بارتكابها “جريمة” تفجير خطي السيل الشمالي ناقلي الغاز الروسي إلى موانيء ألمانيا، العام الماضي، والتي عالجتها بأسلوبها الروتيني المعهود: النفي ثم النفي حتى يقدّم الطرف الآخر دلائل دامغة، تصدر عقبها “بعض” الاعتراف مغلّفاً بادعاء البراءة.

في سياق التفاصيل، نشر الصحافي الاستقصائي الشهير، سيمور هيرش، بتاريخ 8 شباط/فبراير الجاري، تقريراً مفصلاً أرفقه بوقائع وحيثيات وتفاصيل وأسماء صنّاع القرار في غرف مغلقة، ويحدّد مسؤولية اتخاذ قرار التفجير بالرئيس جو بايدن، وتأييد فريقه الأمني المصغّر برئاسة مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان؛ ومسؤولين في قيادة الأركان المشتركة؛ ومندوبين عن وكالة الاستخبارات المركزية ووزارتي الخارجية والخزانة.

قوبل التقرير بعنوان “كيف أخرجت أميركا أنبوب السيل الشمالي من الخدمة” بتجاهل منسّق من قبل وسائل الإعلام الرسمية، المقروءة والمرئية. وانفرد عدد ضئيل من بين إعلامييها في سرد الخبر والتركيز على “الطرف الآخر” الرسمي ونفيه بشدة تلك الاتهامات، على الرغم من ذكر التقرير بدقة عالية “التسلسل التاريخي والزمني وآليات التنفيذ والوحدات العسكرية” التي نفذت الهجوم.

بينما تناولت هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، اليمينية، النبأ باقتطاف وبالتعليق على بعض ما جاء في التقرير، وكذلك نفي البيت الأبيض بأنه “كذبة مفبركة وخرافة كاملة”، قائلة: “في ظل هذا الزمن الذي يتميّز بعدم الثقة في الحكومة، فإن تفاصيل تقرير السيد هيرش تبدو أكثر صدقاً من النفي” الرسمي (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

من بين المسائل الأساسية التي أبرزها تقرير هيرش تورط القوات العسكرية النرويجية مع القوات الأميركية في “زرع وتفجير العبوات الناسفة”، بالقرب من شواطئ جزيرة برونهولم الدانماركية، واسفر عن تدمير الأنبوبين في عرض البحر، وجاء متّسقاً مع الأهداف الأميركية المعلنة متمثلة بـ “قطع علاقة ألمانيا مع روسيا وإنهاء اعتمادها اقتصادياً على توريد الغاز الروسي الرخيص”.

هذه الجزئية “البسيطة” تؤدي بالجهود الساعية لتحديد هوية الجهات الفاعلة إلى التقرّب من السؤال الكلاسيكي: من المستفيد أو المستفيدين من تلك الفعلة، برد الاعتبار لعامل الربح المادي.

وعليه، تشير البيانات الاقتصادية للفترة الزمنية المباشرة بعد التفجير إلى ارتفاع معدلات المداخيل والأرباح لصادرات الطاقة لكل من النرويج والولايات المتحدة. واستطاعت النرويج الحلول محل المورد الروسي في تصدير الغاز بنحو 40 مليار دولار سنوياً. أما الولايات المتحدة فقد ضاعفت صادراتها من الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، خصوصاً بعد افتتاح ألمانيا محطتي استقبال الغاز المسال، قبل نحو شهرين، وتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون بأن واشنطن تبيع غازها لأوروبا بنحو 5 أضعاف السعر العالمي السابق.

تصنيف عملية التفجير، قانونياً وقضائياً، وبحسب المصادر الأمريكية، دفعت بعض النخب الأميركية إلى القول إنه “ينبغي على الشعب الأميركي مطالبة (الحكومة) تقديم أدلة بشأن ارتكاب الرئيس بايدن مغامرة في أعماق البحار ما يستدعي تفسير دولة نووية (روسيا) أن الفعل بمثابة إعلان حرب” (“واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

في الجانب الرسمي من المسؤولين الأميركيين انفرد عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، مايك لي، بانتقاد عملية التفجير، نافياً علمه وبعض زملائه بتلك الخطة. وأوضح بأنه “قلق لأنني لا أستطيع اسثناء فورياً لاحتمال قيام الولايات المتحدة بتفجير أنبوب السيل الشمالي”. وأردف قائلاً: “إن ثبت صحة (تقرير هيرش)، فنحن على أبواب معضلة كبيرة” (تعليق السيناتور على “تويتر”، 8 شباط/فبراير 2023).

ما قصده السيناتور مايك لي أن الإدارة الأميركية أخلّت بعرف التعامل السائد بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، في مسائل بالغة الحساسية، والذي يقضي بإبلاغ “مجموعة الثمانية” في الكونغرس بالخطط السرّية، والمكوّنة من: زعيمي الحزبين في كلا مجلسي الكونغرس، ورؤساء لجان الاستخبارات في المجلسين ونوابهم.

في هذا الصدد، تنبغي الإشارة إلى دراسة أعدتها “مؤسسة راند” لصالح البنتاغون ركزت فيها على استهداف روسيا عبر اتباع أفضل السبل لاستغلال مواطن ضعف “اقتصادها، وكذلك الثغرات السياسية والعسكرية”، في سياق المواجهة مع موسكو، وناشدت الإدارة الأميركية اتخاذ تدابير عاجلة من أجل “تقليص حجم صادرات (روسيا) من الغاز وإعاقة جهود توسيع طاقة الأنابيب” الناقلة له (دراسة بعنوان “توسّع روسيا: التنافس على أرضية مواتية”، أيلول/سبتمبر 2022).

أيضاً، نلفت النظر إلى “معرفة” مسبّقة للحكومة الألمانية بموعد التفجير وهوية الفاعل. إذ نشرت كبرى الصحف الألمانية “دير شبيغل” تقريراً في اليوم التالي للتفجير، 22 أيلول/سبتمبر 2022، يشير إلى تلقي الحكومة الألمانية “تحذيراً (خطياً) من وكالة الاستخبارات المركزية (الأميركية) من وقوع هجوم محتمل يستهدف أنبوب الغاز”، ونقلت الصحيفة كذلك على لسان “مسؤول رفيع” في الحكومة الألمانية يعرب فيه عن “الحنق الشديد” الذي تملّك مسؤوليها “لاستثناء مشاركتهم في تلك المعلومات”.

تفجير انبوبي الغاز يعد بمثابة “جريمة حرب” في العلاقات الدولية ونصوص القانون الدولي. القاضي اليميني الشهير والمعلق السابق في شبكة “فوكس نيوز”، أندرو بوليتانو، كان شديد الوضوح في توصيف العملية، بالقول: “من المنظار القانوني الصرف (فالعملية) تندرج تحت بند إعلان حرب ضد روسيا وضد ألمانيا. مهما تكن هوية الفاعل، وربما الاحتمال الأوحد هو الرئيس الأميركي نفسه، فقد تسبب في إلحاق الضرر بعشرات ملايين المواطنين الألمان والتسبب في ستمرار معاناتهم خلال فصل الشتاء”.

وأردف “إنه إعلان حرب لم يصادق عليه الكونغرس، وهي عملية عديمة الأخلاق بالكامل، وغير دستورية بكل ما للكلمة من معنى. وربما عملية إجرامية” (مقابلة أجراها بوليتانو مع شبكة “ذي بوست ميلينيا – The Post Millenia” الكندية، 13 شباط/فبراير 2023).

نسوق ذلك للتمهيد إلى استنتاجات توصلت إليها هيئة تحرير صحيفة “واشنطن تايمز”، في مقالها المنشور، تسلط فيه الضوء على قرار البيت الأبيض بالتخطيط لعملية التفجير وتنفيذها بسريّة عالية، من بينها: “ازدياد مداخيل الطاقة لروسيا بنسبة 28% في عام 2022، بالرغم من خسارتها لصادراتها الأوروبية”. ودقت هيئة التحرير ناقوس الخطر لدى صنّاع القرار في واشنطن بأن استهدافهم لروسيا دفعها إلى التوجّه شرقاً وتشكيلها حلف أوراسي، ما “ينذر  بتهديد هيمنة الغرب على الوضع الجيوسياسي العالمي”. واردفت “كيف يمكن اعتبار ذلك في مصلحة الولايات المتحدة؟”

وأضافت الصحيفة اليمينية أن “تحقيقاً أجرته ألمانيا لم يتوصل إلى أي دليل يثبت تورط روسيا في الكارثة”، تواكبه تصريحات الرئيس جو بايدن العلنية بأنه “إن أقدمت روسيا على تنفيذ الغزو (لأوكرانيا) لن يكون هناك خط سيل -2 الشمالي بعد الآن. وسنقوم نحن بالقضاء عليه” (صحيفة “واشنطن تايمز”، 13 شباط/فبراير 2023).

إذن، ما هي طبيعة الرد الروسي وفق الحسابات الأميركية على عملية تفجير سرّية، استمرت من 26 إلى 29 أيلول/سبتمبر 2022، من دون ترك إي دليل يحدد هوية الفاعل: معادلة عمل تخريبي تقابله أعمال تخريبية ضد أهداف أميركية منها بناها التحتية، أيضاً من دون ترك أدّلة ميدانية. ولن تسلم منشآت مصافي النفط والغاز الأميركية من رد الفعل المنظور.

كما باستطاعة روسيا إعاقة سيل الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا وتدميرها لمنع وصولها إلى الميدان. وربما، بحسب البعض، تقدم موسكو على اختراق إلكتروني لشبكات النقل الأوروبية للتأثير على جهود إيصال معدات حلف الناتو العسكرية براً إلى كييف.

أشدّ ما تخشاه واشنطن، وامتداداً حلف الناتو، تراجع صدقية سرديتها بأنها تخوض “حرباً عادلة ضد خصم أو خصوم يريدون بها السوء”، وتزعزع قناعة جمهورها بأن عليه “التمسك” بالسردية الرسمية ورفض كل ما يصدر عن الطرف الآخر.

لعل تقرير سيمور هيرش يضع لبنة سنمّار الأولى في جدار الهيمنة الغربية، والأميركية تحديداً، على وسائل الإعلام والتوعية الجماهيرية، خصوصاً في ظل توفرّ بدائل أخرى متواضعة بالمقارنة.