2023-30-08-التقرير الأسبوعي

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

المحيطات ملك للبشرية جمعاء وليست
ملكاً خاصاً لليابان ونفاياتها المشعّة

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

زلزال عنيف هزّ الساحل الشرقي لليابان يوم 11 آذار/مارس 2011، بلغت قوته 9 درجات على مقياس ريختر، تلاه موجات تسونامي ضخمة دمّرت 3 مفاعلات في محطة فوكوشيما داييتشي النووية. أودت الحادثة بحياة نحو 18 ألف شخص، وانهار  في إثرها الجدار الإسمنتي الخارجي للمفاعل “نتيجة انفجار الهيدروجين الناجم عن انخفاض مستوى مياه التبريد”، بحسب التصريحات الرسمية اليابانية.

وأخطرت اليابان العالم مؤخراً بنياتها تصريف “المياه المُعالجة” في المحيط الهاديء. نحو مليون طن من المياه الملوثة بالإشعاع، على 3 دفعات، تمتد لنحو 3 عقود، ستصرف في المحيط، مستندة إلى إجراءات تم الاتفاق عليها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية التي “ستدرس عناصر الأمان الرئيسية” في الخطة المعدة.

وستضطلع الوكالة الدولية أيضاً بمراقبة المصادر والبيئة ورصدها للتيقن من البيانات التي تنشرها اليابان وضمان تطابقها مع معايير الأمان الصادرة عنها.

توقيت إعلان اليابان، بالتزامن مع الذكرى ألـ 78 لمأساة هيروشيما، واكبه تنامي تحذيرات دولية متعددة بشأن القلق من انزلاق الحرب الدائرة في أوكرانيا إلى دخول السلاح النووي مسرح العمليات، وما قد ينطوي عليه من دمار شامل للحضارة البشرية.

وجدّدت الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، تحذيراتها من أهوال الطاقة النووية، إذ قال في رسالة أمام نصب السلام التذكاري في هيروشيما: “شبح الحرب النووية الذي كان يلوح في الأفق خلال الحرب الباردة قد ظهر من جديد. وتهدد بعض الدول، بشكل متهور، باستخدام أدوات الإبادة هذه من جديد”.

ارتفع منسوب الجدل الدولي والإدانة أيضاَ لإعلان اليابان وتداعيات إطلاق المياه المشعّة على الثروة السمكية في المحيط الهادئ بالدرجة الأولى، وما ينطوي عليها من انتشار الإشعاعات في المياه الدولية الأخرى. أكبر خطورة ، كما يصفها المختصون، تكمن في توفر عنصر التريتيوم بعد إجراءات المعالجة.

الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت تقييمها للمسألة المثارة، فحواها “أن المياه سيكون لها تأثير إشعاعي ضئيل في الإنسان والبيئة. وتبرر اليابان إجراءاتها بحاجتها إلى المساحة الجغرافية التي تشغلها الخزانات الحالية لبناء منشآت جديدة لإخراج المحطة من الخدمة بأمان، لكنها، وبالتوافق مع الوكالة الدولية، غير قادرة على إزالة جميع العناصر المشعة قبل ضخها عبر الأنابيب إلى المحيط.

علمياً، التريتيوم الذي يعرف أيضا بالهيدروجين الثقيل، هو نظير مشعّ للهيدروجين “ونظير مستقل لا يتحلل”، تحتوي نواته على بروتون وإثنين من النيوترونات، وتبلغ وزن كتلته 3 أضعاف وزن الهيدروجين العادي “المستقر”. ويستخدم في استخراج الطاقة النووية بواسطة الاندماج النووي.

تكمن أخطار التعامل معه في عدم توفر وسائل تقنية لإزالته من المياه الملوّثة حالياَ وخطر تسربه. يتفكك التريتيوم عن طريق انبعاث جسيمات بيتا، بعمر نصف يبلغ 12.3 سنة، أي لا يتبقى سوى نصف كمية من التريتيوم بعد انقضاء 12.3 سنة بسبب الاضمحلال الإشعاعي.

لا تجمع الأوساط العلمية والمختصة بدراسات النواة على رأي موحّد بهذا الشأن. بعض علماء الجيولوجيا يؤكد: “نظرياً، يمكنك شرب هذه المياه”، نظراً إلى معالجتها عند تخزينها وتخفيف تركيزها عبر مزجها بمياه المحيط قبل اطلاقها.

الأستاذة الجامعية إميلي هاموند والخبيرة في قانون الطاقة والبيئة في جامعة جورج واشنطن تؤكّد: ” التحدي الذي نواجهه مع النويدات المشعة (مثل التريتيوم) هو أنها تطرح سؤالاً  لا يستطيع العلم الإجابة عليه بشكل كامل: عند التعرض لمستويات منخفضة للغاية منه، ما الحد الذي يمكن اعتباره “آمناً”؟

مختبر البحث والتطوير التابع لسلاح البحرية الأميركية U.S. Naval Research أصدر بياناً في كانون الأول/ ديسمبر 2022، أكّد فيه “عدم اقتناعه” بالبيانات اليابانية المتداولة (موقع شبكة “بي بي سي”، 22 آب/أغسطس 2023).

ربما العامل الأخطر في جهود اليابان لمعالجة المياه المشعّة وتصريفها هو أن “النتائج والاستنتاجات التي يخلص إليها استعراض الوكالة ليست ملزمة قانوناً للحكومة اليابانية، لكنها ستساعد على تزويد المجتمع الدولي بالمعلومات ودعم الهدف العام المتمثِّل في تعزيز الشفافية”.

كما أن “معايير الأمان الصادرة عن الوكالة توضع بالتشاور مع جميع الدول الأعضاء في الوكالة، وتجسِّد توافقاً دوليًّا في الآراء حول ما يشكِّل مستوى عالياً من الأمان لحماية الناس والبيئة من الآثار الضارة للإشعاعات المؤيِّنة”. (موقع الوكالة الدولية للطاقة النووية).

تباين تصريحات مسؤولي الوكالة الدولية للطاقة النووية، كما ذكرنا أعلاه، لا تبعث على الارتياح بل تعزّز الاتهامات ضدها بأن قراراتها “مسيّسة”، و”تحابي السياسة الأميركية” في المجمل العام، وتنحاز ضد الدول والمجتمعات غير النووية.

على الرغم من عدم تطابق إعلان اليابان تصريف المياه الملوّثة مع هول الأسلحة النووية، فإن الولايات المتحدة “تخشى” من تطور تقنية “الذكاء الاصطناعي” إلى شن هجمات نووية “بصورة مستقلة”.

وطالب عدد من أعضاء الكونغرس بإدخال تعديل إلى قرار تفويض الحرب يشترط على البنتاغون بلورة إجراءات من شأنها إيلاء أولوية قرار إطلاق الأسلحة النووية إلى تدخل من العنصر البشري (نشرة “ميليتاري تايمز – Military Times، 4 آب/أغسطس 2023).

الترسانة النووية الأميركية التي تأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا تضم “أكثر من 5 آلاف قنبلة نووية، بينها نحو 1700 رأس نووي في وضع الإطلاق الاستراتيجي على متن صواريخ باليستية عابرة للقارات وقاذفات ثقيلة”، بلغت ذروتها عام 1968 بامتلاك أكثر من 31 ألف رأس نووي (بيانات “اتحاد العلماء الأميركيين”، 31 آذار/مارس 2023).

في هذا الشأن، لفت مركز أبحاث أميركي مرموق الأنظار إلى “خطر وقوع صراع نووي غير متعمّد بين الولايات المتحدة وروسيا ؛ صراع يبدأ حين يخطئ أحد البلدين في تأويل ما حدث على أنه مؤشر استفزاز أو هجوم نووي” (دراسة بعنوان “الإنذارات الكاذبة، أخطار حقيقية؟”، موقع مؤسسة “راند”، 2016).

حديثاً، جددت واشنطن، ومعها طوكيو ودول أخرى، تحذيراتها من تنامي القدرات النووية الصينية، واعتبار الأمر تهديداً يستدعي التعامل معه، مع العلم ان كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية “تتمتعان بحماية المظلة النووية الأميركية”  كمصدر حماية لهما يعززانه بوجود عدة قواعد عسكرية أميركية في أراضيهما.

موافقة واشنطن الضمنية حليفتها اليابان لتصريف المياه الملوّثة إشعاعياَ تأتي في سياق استراتيجيتها العليا لـ “محاصرة” الصين واحتوائها ، والإضرار باقتصادها بكل السبل. ويمكن اعتباره امتداداً لسياسة “العقوبات الاقتصادية” الأميركية ضد مناوئيها وخصومها الدوليين.

2023-12-08-التحليل

التحليل

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

انقلاب النيجر: طرد الاستعمار القديم
وواشنطن تعدّ غزواً عسكرياً بالوكالة

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

إعلان “قوات الأمن والدفاع” في النيجر عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازة في القصر الرئاسي، يوم 26 تموز/يوليو 2023، وإغلاق حدود البلاد، جاءا صادمَين لعدد من محطات صنع القرار في الولايات المتحدة، والتي تكهّنت طويلاً بطلب الدول الإفريقية مغادرة القوات الفرنسية أراضيها، بينما ما زالت النيجر تستقبل القوات الأميركية بناءً على “ترتيبات” سابقة بين واشنطن والرئيس بازوم.

تُّوج نجاح “الانقلاب” السلمي بعقد مؤتمر قمة روسية-أفريقية في اليوم التالي في سان بطرسبرغ، بحضور واهتمام لافتين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومندوبين عن “قوات الأمن والدفاع” النجيري ونحو 49 من القادة الأفارقة، بينهم 17 رئيس دولة.

لا يُعتقد ان هناك رابطاً مباشراً بين الحدثين، سوى في المغزى والرسائل، التي اراد المشاركون ايصالها إلى العالم بكل وضوح: إفريقيا تدخل عصراً جديداً تمارس فيه سيادتها وحماية ثرواتها وطرد فرنسا الاستعمارية، بالإضافة إلى صدى لقاء سان بطرسبرغ المدوّي، إيذاناً ببزوغ عالم متعدد الأقطاب، وقطع اختلال التبادل التجاري السابق بين إفريقيا وأوروبا الاستعمارية، وإبداله بصيغة أكثر عدلاً وإفادة بين الدول الإفريقية وروسيا، تحت عنوان “سيادة الغذاء”.

ولم يفت مراعاة روسيا لتاريخ الاتحاد السوفياتي السابق بدعم حركات التحرر في إفريقيا، بصورة خاصة، وأعادت إحياء “جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب”، في 5 شباط/فبراير 2023، لتعزيز الدور التاريخي لهذا الصرح في “تطوير العلاقات التعليمية والعلمية الدولية، وتدريب الكوادر الوطنية في الدول الصديقة لدولة روسيا الاتحادية”، كما جاء في إعلان الخارجية الروسية.

ما يهمنا في هذا التطور هو تسليط الضوء على طبيعة “الرد” الأميركي على انقلاب قاده عسكريون انطلاقاً من دوافع وطنية، بحسب معايير المؤسسة الإعلامية الأميركية، واستقراء ما في جعبة واشنطن، التي قادت تاريخيا كل الانقلابات المعادية لطموح الشعوب، في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، آخرها انقلاب باكستان على رئيس الوزراء المنتخب عمران خان.

بدايةً، لا نستطيع الجزم بمعرفة أجهزة الاستخبارات الأميركية مسبّقاً بالانقلاب، بحيث تشير الدلائل المتعدّدة إلى عكس ذلك، يعززها تقاسم المهمّات بين الدول الغربية في أفريقيا: فرنسا في مستعمراتها السابقة، والولايات المتحدة كطرف داعم بوجود 3 قواعد عسكرية أميركية في النيجر، على الرغم من إقرار البنتاغون بوجود قاعدة وحيدة هناك، وقاعدة أخرى للطائرات المسيّرة.

الثابت أن الولايات المتحدة أدانت رسمياً الانقلاب، وكذلك حليفتاها بريطانيا وفرنسا، وطالبت بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وحمّلت روسيا و”مجموعة فاغنر” مسؤولية التمدد في أفريقيا لمقارعة الوجود الأميركي.

الشخصية الرئيسية في الانقلاب كانت رئيس الحرس االرئاسي، عبد الرحمن تشياني، بدعم عدد من كبار قادة الجيش والقوات المسلحة، الأمر الذي يدلّ على تفاقم حالة تذمّر عامة في اوساط القادة العسكريين، أبرز أسبابها انصياع الرئيس بازوم لتنفيذ متطلبات فرنسا، بينها حق طلب تدخلها عسكرياً في بلاده، علاوة على تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار الاتجار غير المشروع بثروة الذهب الوطنية.

لم تُخفِ واشنطن نياتها في التدخل العسكري وإعادة الرئيس المعتقل وإبرام معاهدات عسكرية وأمنية جديدة تحابي المصالح الأميركية، لكن ما يمنعها في هذا الظرف بالتحديد جملة عوامل، لولاها لشهدنا تكرار الغزوات في ليبيا والعراق.

بين تلك العوامل، حساسية المسألة الداخلية من جراء استنزاف حرب أوكرانيا لموارد الدولة من دون أفق مرئي، وتفشي حالات العنف والانتحار بين جنودها العائدين من حروب أفغانستان والعراق، والانتشار العريض للقوات العسكرية الأميركية عبر العالم، وتكثيف حضورها في مواجهة الصين وروسيا، والجاهزية القتالية المشكوك فيها للقوات الأميركية، بعيداً عن الضخ الإعلامي الدعائي.

بشأن حالة الجاهزية، تُبلغنا مجلة “نيوزويك” فشل التكتيكات القتالية الأميركية في أوكرانيا، استناداً إلى تقرير داخلي للبنتاغون، من ضمن ما ذكره حالة الذهول بين القادة الاستراتيجيين الأميركيين بسبب عدم تحقيق أي تقدم ملحوظ ضد روسيا، وربما “التدريبات القتالية لم تنجح بالقدر أو المستوى الذي كان متوقعاً”، مضيفاً أن القوات الأوكرانية “طرحت جانباً الأساليب القتالية الأميركية، وطبقت التكتيكات التي تعرفها جيداً”، والعائدة إلى الحقبة السوفياتية (أسبوعية “نيوزويك”، 10 آب/أغسطس 2023).

والنتيجة الصادمة التي أثارتها المجلة الأميركية،- جاءت بصيغة سؤال وجواب: “إذاً، لماذا نشهد فشلاً للتكتيكات الحربية الأميركية في أوكرانيا؟”. وجواب المجلة المباشر “لأن القتال الحقيقي ضد روسيا لا يشبه أي فيلم تُخرجه هوليوود، عنوانه الجندي الأميركي يطلق النار بغزارة”.

أمام تلك الاعترافات الصادمة، والتي ليست متاحة للتداول بسهولة، ما يتبقى من خيارات لواشنطن لبسط سيطرتها على مناطق العالم هو “القتال بالإنابة”، أي تجنيد قوات من دول أخرى تدور في فلك واشنطن للقيام بالمهمة، وهي تنفذ ذلك حالياً في أوكرانيا.

ونتيجةً لهذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى الدعم الشعبي لعناصر الانقلاب، أوكلت مهمة “التصدي للانقلاب وعكس مساره” إلى مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة للنيجر، بعد تعثر فرنسا في القيام بالمهمة، تحت مسمّى اقتصادي هذه المرة “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” – “إيكواس”. تأسست المجموعة عام 1975 بعضوية 15 دولة، ومقرها عاصمة نيجيريا أبوجا، وانسحبت موريتانيا من العضوية عام 2001.

وعليه، تزخر وسائل الإعلام الأميركية بعنوان مشترك “إيكواس توافق على التدخل العسكري في أقرب وقت ممكن”، نقلاً عن رئيس ساحل العاج، الحسن واتارا، عقب اجتماع المجموعة لتدارس الخطوة المقبلة بإيعاز من واشنطن.

الإعداد للتدخل العسكري المنشود سيستغرق “نحو 6 أشهر”، بحسب قائد عسكري رفيع في “إيكواس” لصحيفة “وول سترتيت جورنال،  بتاريخ 11 آب/أغسطس 2023، وسط أنباء رصدت وصول “معدات عسكرية أوروبية إلى نيجيريا”. وانضمت روسيا سريعاً إلى دعم قادة النيجر الجدد بإصدارها تحذيراً لدول “إيكواس” بعدم التدخل عسكرياً لما ينطوي عليه من مخاطر بحرب طويلة الأمد وتدهور الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي.

وطبّقت نيجيريا وصفة التدخل بقطعها التيار الكهربائي عن النيجر، وسارعت الجزائر إلى تدارك الموقف وتوريد الطاقة “مجاناً” إليها.

أرفقت واشنطن موقفها المعلن بإعادة الاعتبار إلى الرئيس السابق بإرسال نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، للقاء قادة الانقلاب و”الاطمئنان” على صحة الرئيس المعتقل. استقبلها قادة النيجر الجدد بمقاطعتها ورفض اللقاء المباشر معها، وعدم السماح لها برؤية الرئيس السابق، بل التحدث إليه هاتفياً. وأقصى ما حصلت عليه هو لقاء مع الجنرال موسى سالو بارمو “الذي نصّب نفسه وزيراً للدفاع”، وهو الذي “عمل مع القوات الخاصة الأمريكية في النيجر عدة أعوام”، أرفقته بإعلان وقف المساعدات الأميركية المقررة للنيجر.

بعض النخب السياسية الأميركية عدّ زيارة نولاند تمهيداً لاستدراج القادة الجدد بتصفية الرئيس المعتقل كي يتوافر لها مبرر التدخل العسكري المباشر. لكن يقظة القادة وحنكتهم أفشلتا مرامي نولاند المشهورة بتوزيعها الحلوى في ساحة “ميدان” في كييف عقب انقلاب أطاح رئيسها المنتخب عام 2014.

لم تتراجع حظوظ الوصفة الأميركية المفضّلة بالتدخل العسكري، بالرغم من العقبات الواردة أعلاه، لكن خطابها اليومي يزخر بالتمسك بالديموقراطية وإعادة “الرئيس المنتخب”، ريثما تنضج بعض الظروف قيد الإعداد، ضمن سقف الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة.

لكن تمدد خطابها العدواني ضد روسيا والصين معاً قد يدفعها إلى التريث في تطبيق ذلك مباشرة، وإيلاء المهمة للقوات النيجيرية تحت سيطرة رئيس البلاد الموالي لواشنطن، بولا تينوبو، الأمر الذي يعزز هدف وصول المعدات العسكرية الغربية إلى نيجيريا في ظلّ هذا الظرف المتوتر.

2023-12-08-التقرير الأسبوعي

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

انقلاب النيجر: طرد الاستعمار القديم
وواشنطن تعدّ غزواً عسكرياً بالوكالة

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

إعلان “قوات الأمن والدفاع” في النيجر عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازة في القصر الرئاسي، يوم 26 تموز/يوليو 2023، وإغلاق حدود البلاد، جاءا صادمَين لعدد من محطات صنع القرار في الولايات المتحدة، والتي تكهّنت طويلاً بطلب الدول الإفريقية مغادرة القوات الفرنسية أراضيها، بينما ما زالت النيجر تستقبل القوات الأميركية بناءً على “ترتيبات” سابقة بين واشنطن والرئيس بازوم.

تُّوج نجاح “الانقلاب” السلمي بعقد مؤتمر قمة روسية-أفريقية في اليوم التالي في سان بطرسبرغ، بحضور واهتمام لافتين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومندوبين عن “قوات الأمن والدفاع” النجيري ونحو 49 من القادة الأفارقة، بينهم 17 رئيس دولة.

لا يُعتقد ان هناك رابطاً مباشراً بين الحدثين، سوى في المغزى والرسائل، التي اراد المشاركون ايصالها إلى العالم بكل وضوح: إفريقيا تدخل عصراً جديداً تمارس فيه سيادتها وحماية ثرواتها وطرد فرنسا الاستعمارية، بالإضافة إلى صدى لقاء سان بطرسبرغ المدوّي، إيذاناً ببزوغ عالم متعدد الأقطاب، وقطع اختلال التبادل التجاري السابق بين إفريقيا وأوروبا الاستعمارية، وإبداله بصيغة أكثر عدلاً وإفادة بين الدول الإفريقية وروسيا، تحت عنوان “سيادة الغذاء”.

ولم يفت مراعاة روسيا لتاريخ الاتحاد السوفياتي السابق بدعم حركات التحرر في إفريقيا، بصورة خاصة، وأعادت إحياء “جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب”، في 5 شباط/فبراير 2023، لتعزيز الدور التاريخي لهذا الصرح في “تطوير العلاقات التعليمية والعلمية الدولية، وتدريب الكوادر الوطنية في الدول الصديقة لدولة روسيا الاتحادية”، كما جاء في إعلان الخارجية الروسية.

ما يهمنا في هذا التطور هو تسليط الضوء على طبيعة “الرد” الأميركي على انقلاب قاده عسكريون انطلاقاً من دوافع وطنية، بحسب معايير المؤسسة الإعلامية الأميركية، واستقراء ما في جعبة واشنطن، التي قادت تاريخيا كل الانقلابات المعادية لطموح الشعوب، في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، آخرها انقلاب باكستان على رئيس الوزراء المنتخب عمران خان.

بدايةً، لا نستطيع الجزم بمعرفة أجهزة الاستخبارات الأميركية مسبّقاً بالانقلاب، بحيث تشير الدلائل المتعدّدة إلى عكس ذلك، يعززها تقاسم المهمّات بين الدول الغربية في أفريقيا: فرنسا في مستعمراتها السابقة، والولايات المتحدة كطرف داعم بوجود 3 قواعد عسكرية أميركية في النيجر، على الرغم من إقرار البنتاغون بوجود قاعدة وحيدة هناك، وقاعدة أخرى للطائرات المسيّرة.

الثابت أن الولايات المتحدة أدانت رسمياً الانقلاب، وكذلك حليفتاها بريطانيا وفرنسا، وطالبت بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وحمّلت روسيا و”مجموعة فاغنر” مسؤولية التمدد في أفريقيا لمقارعة الوجود الأميركي.

الشخصية الرئيسية في الانقلاب كانت رئيس الحرس االرئاسي، عبد الرحمن تشياني، بدعم عدد من كبار قادة الجيش والقوات المسلحة، الأمر الذي يدلّ على تفاقم حالة تذمّر عامة في اوساط القادة العسكريين، أبرز أسبابها انصياع الرئيس بازوم لتنفيذ متطلبات فرنسا، بينها حق طلب تدخلها عسكرياً في بلاده، علاوة على تدهور الأوضاع الأمنية، وانتشار الاتجار غير المشروع بثروة الذهب الوطنية.

لم تُخفِ واشنطن نياتها في التدخل العسكري وإعادة الرئيس المعتقل وإبرام معاهدات عسكرية وأمنية جديدة تحابي المصالح الأميركية، لكن ما يمنعها في هذا الظرف بالتحديد جملة عوامل، لولاها لشهدنا تكرار الغزوات في ليبيا والعراق.

بين تلك العوامل، حساسية المسألة الداخلية من جراء استنزاف حرب أوكرانيا لموارد الدولة من دون أفق مرئي، وتفشي حالات العنف والانتحار بين جنودها العائدين من حروب أفغانستان والعراق، والانتشار العريض للقوات العسكرية الأميركية عبر العالم، وتكثيف حضورها في مواجهة الصين وروسيا، والجاهزية القتالية المشكوك فيها للقوات الأميركية، بعيداً عن الضخ الإعلامي الدعائي.

بشأن حالة الجاهزية، تُبلغنا مجلة “نيوزويك” فشل التكتيكات القتالية الأميركية في أوكرانيا، استناداً إلى تقرير داخلي للبنتاغون، من ضمن ما ذكره حالة الذهول بين القادة الاستراتيجيين الأميركيين بسبب عدم تحقيق أي تقدم ملحوظ ضد روسيا، وربما “التدريبات القتالية لم تنجح بالقدر أو المستوى الذي كان متوقعاً”، مضيفاً أن القوات الأوكرانية “طرحت جانباً الأساليب القتالية الأميركية، وطبقت التكتيكات التي تعرفها جيداً”، والعائدة إلى الحقبة السوفياتية (أسبوعية “نيوزويك”، 10 آب/أغسطس 2023).

والنتيجة الصادمة التي أثارتها المجلة الأميركية،- جاءت بصيغة سؤال وجواب: “إذاً، لماذا نشهد فشلاً للتكتيكات الحربية الأميركية في أوكرانيا؟”. وجواب المجلة المباشر “لأن القتال الحقيقي ضد روسيا لا يشبه أي فيلم تُخرجه هوليوود، عنوانه الجندي الأميركي يطلق النار بغزارة”.

أمام تلك الاعترافات الصادمة، والتي ليست متاحة للتداول بسهولة، ما يتبقى من خيارات لواشنطن لبسط سيطرتها على مناطق العالم هو “القتال بالإنابة”، أي تجنيد قوات من دول أخرى تدور في فلك واشنطن للقيام بالمهمة، وهي تنفذ ذلك حالياً في أوكرانيا.

ونتيجةً لهذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى الدعم الشعبي لعناصر الانقلاب، أوكلت مهمة “التصدي للانقلاب وعكس مساره” إلى مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة للنيجر، بعد تعثر فرنسا في القيام بالمهمة، تحت مسمّى اقتصادي هذه المرة “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” – “إيكواس”. تأسست المجموعة عام 1975 بعضوية 15 دولة، ومقرها عاصمة نيجيريا أبوجا، وانسحبت موريتانيا من العضوية عام 2001.

وعليه، تزخر وسائل الإعلام الأميركية بعنوان مشترك “إيكواس توافق على التدخل العسكري في أقرب وقت ممكن”، نقلاً عن رئيس ساحل العاج، الحسن واتارا، عقب اجتماع المجموعة لتدارس الخطوة المقبلة بإيعاز من واشنطن.

الإعداد للتدخل العسكري المنشود سيستغرق “نحو 6 أشهر”، بحسب قائد عسكري رفيع في “إيكواس” لصحيفة “وول سترتيت جورنال،  بتاريخ 11 آب/أغسطس 2023، وسط أنباء رصدت وصول “معدات عسكرية أوروبية إلى نيجيريا”. وانضمت روسيا سريعاً إلى دعم قادة النيجر الجدد بإصدارها تحذيراً لدول “إيكواس” بعدم التدخل عسكرياً لما ينطوي عليه من مخاطر بحرب طويلة الأمد وتدهور الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي.

وطبّقت نيجيريا وصفة التدخل بقطعها التيار الكهربائي عن النيجر، وسارعت الجزائر إلى تدارك الموقف وتوريد الطاقة “مجاناً” إليها.

أرفقت واشنطن موقفها المعلن بإعادة الاعتبار إلى الرئيس السابق بإرسال نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، للقاء قادة الانقلاب و”الاطمئنان” على صحة الرئيس المعتقل. استقبلها قادة النيجر الجدد بمقاطعتها ورفض اللقاء المباشر معها، وعدم السماح لها برؤية الرئيس السابق، بل التحدث إليه هاتفياً. وأقصى ما حصلت عليه هو لقاء مع الجنرال موسى سالو بارمو “الذي نصّب نفسه وزيراً للدفاع”، وهو الذي “عمل مع القوات الخاصة الأمريكية في النيجر عدة أعوام”، أرفقته بإعلان وقف المساعدات الأميركية المقررة للنيجر.

بعض النخب السياسية الأميركية عدّ زيارة نولاند تمهيداً لاستدراج القادة الجدد بتصفية الرئيس المعتقل كي يتوافر لها مبرر التدخل العسكري المباشر. لكن يقظة القادة وحنكتهم أفشلتا مرامي نولاند المشهورة بتوزيعها الحلوى في ساحة “ميدان” في كييف عقب انقلاب أطاح رئيسها المنتخب عام 2014.

لم تتراجع حظوظ الوصفة الأميركية المفضّلة بالتدخل العسكري، بالرغم من العقبات الواردة أعلاه، لكن خطابها اليومي يزخر بالتمسك بالديموقراطية وإعادة “الرئيس المنتخب”، ريثما تنضج بعض الظروف قيد الإعداد، ضمن سقف الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة.

لكن تمدد خطابها العدواني ضد روسيا والصين معاً قد يدفعها إلى التريث في تطبيق ذلك مباشرة، وإيلاء المهمة للقوات النيجيرية تحت سيطرة رئيس البلاد الموالي لواشنطن، بولا تينوبو، الأمر الذي يعزز هدف وصول المعدات العسكرية الغربية إلى نيجيريا في ظلّ هذا الظرف المتوتر.

Analysis 08-12-2023

ANALYSIS

Making Sense of the Niger Coup
Is Niger the next battlefield?

 

Is the coup in Niger a critical move in the world’s geopolitical scene?  Or is it just another African coup in a region  that has seen several coups in the last few years

On July 26th, the presidential guard launched a coup and captured Niger President Mohamed Bazoum and his family.  Senior officers of the Niger military formed a National Council for the Safeguarding of the Homeland (CNSP).

The coup was condemned by the US, UK, France, the European Union and the UN.

While some have claimed that the coup was a reaction to French involvement in a former colony, others saw it as a move by Russia and the resurgent Wagner Group to expand Russian influence in Africa.  Some saw growing American military influence in Africa.

Or it could be palace politics

The coup leader was General Tchiani, who was the head of the Presidential Guard and was rumored to be on the outs with the president and on the verge of being fired.  General Tchiani had been the head of the Presidential Guard for President Bazoum and his predecessor Issoufou and had stopped several coup attempts.

The fact that several senior military officers quickly joined the junta indicates that there was discontent amongst many Niger military officers.  Although there are elections in Niger, the political establishment is entrenched and there has been unrest towards the former colonial power, France.  IS Sahel and Al Qaeda backed JNIM are found in Niger and neighboring countries.  There are also armed groups that are involved in smuggling and gold mining (gold is Niger’s largest export).

No wonder the junta noted the “continually deteriorating security situation,” as a reason for the coup.  However, there is a question if the Niger military junta can defeat IS Sahel and Al Qaeda backed JNIM.  In 2019 and 2020, the Niger military suffered heavy losses from IS Sahel.  Losses from IS Sahel have dropped as that group has focused its attention on Mali, as French forces have withdrawn from that nation.

As of this time, the junta hasn’t asked for the withdrawal of the 1,500 French forces or the 1,000 American forces even though the US and France have condemned the coup.  Given the unrest in the Sahel region, it’s likely that Niger will not push for a French or American withdrawal.

There are several reasons that Niger will continue to keep French and American forces in the country.  One is the close relationship between American and Niger officers.

Brigadier General Barmou is American trained and is currently the chief of Niger’s Special Operations Forces.

“We have had a very long relationship with the United States,” Barmou said in 2021.  The US has a drone operation in Niger that is considered the “linchpin” of US Army Special Operations in West Africa.

Although the US has condemned the coup, the drone operations are considered critical to monitoring groups like IS Sahel and JNIM.  America has stated that it is not contemplating a withdrawal from Niger.  Therefore, the US will be very careful to avoid upsetting the junta so much that they will lose this critical African military outpost.

If there is to be military action, it will come from the Economic Community of West African States (ECOWAS), the West African group of nations.  On Thursday, at the end of the emergency summit on the Niger issue, ECOWAS ordered the activation of its standby military force.

ECOWAS may have ordered activation of its standby military force, and many might consider it a bluff.  However, ECOWAS has successfully carried out a military intervention in order to defend a democracy.

In January 2017, ECOWAS military forces from six nations entered Gambia in Operation Restore Democracy.  Senegal provided the most soldiers, although it has a very small military.  Nigeria provided the second largest expeditionary force, which included aircraft and a naval vessel.

If there is to be military action, it will probably rely most on the Nigerian Armed forces, which is considered the fourth most powerful military in Africa and the 35th most powerful internationally.  The Nigerian Army has shown that it can mobilize, deploy and sustain brigade sized forces in support peacekeeping operations in Liberia.  They have sent more than 20,000 troops in support of various UN missions.

However, currently, the Nigerian Senate has rejected military intervention.

Niger has an army of about 25,000 soldiers.  France has been its traditional arms supplier since it gained its independence from France.  Russia is the second largest arms provider.  The Niger military organization closely mirrors the French model.

To complicate any military planning, the junta has said they will kill the president if ECOWAS takes military action.

Meanwhile, the Wagner Group has a presence in Mali, which is a neighboring country to Niger.  But, Acting Deputy Secretary of State Nuland has warned the Niger junta from cooperating with the Wagner Group.

From a geopolitical point of view, some wins by the Wagner Group in Africa could help Putin, who is still not winning in Ukraine.  In that regard, Niger may be a critical piece on the chessboard of geopolitics.

If ECOWAS decides to take military action, it could be a close thing.  The Wagner Group has a long logistical tail and keeping it supplied will be much harder than it was in Ukraine.  ECOWAS needs a major military force to put Bazum back in power.  If Nigeria doesn’t support a military option, it may come down to the French and Americans to come to Bazum’s rescue. This option seems to be a remote possibility at this stage especially with the popular support that the Military leaders enjoyed, in addition to forming a civilian majority interim government.

Week of August 12, 2023

Making Sense of the Niger Coup
Is Niger the next battlefield?

 

Is the coup in Niger a critical move in the world’s geopolitical scene?  Or is it just another African coup in a region  that has seen several coups in the last few years

On July 26th, the presidential guard launched a coup and captured Niger President Mohamed Bazoum and his family.  Senior officers of the Niger military formed a National Council for the Safeguarding of the Homeland (CNSP).

The coup was condemned by the US, UK, France, the European Union and the UN.

While some have claimed that the coup was a reaction to French involvement in a former colony, others saw it as a move by Russia and the resurgent Wagner Group to expand Russian influence in Africa.  Some saw growing American military influence in Africa.

Or it could be palace politics

The coup leader was General Tchiani, who was the head of the Presidential Guard and was rumored to be on the outs with the president and on the verge of being fired.  General Tchiani had been the head of the Presidential Guard for President Bazoum and his predecessor Issoufou and had stopped several coup attempts.

The fact that several senior military officers quickly joined the junta indicates that there was discontent amongst many Niger military officers.  Although there are elections in Niger, the political establishment is entrenched and there has been unrest towards the former colonial power, France.  IS Sahel and Al Qaeda backed JNIM are found in Niger and neighboring countries.  There are also armed groups that are involved in smuggling and gold mining (gold is Niger’s largest export).

No wonder the junta noted the “continually deteriorating security situation,” as a reason for the coup.  However, there is a question if the Niger military junta can defeat IS Sahel and Al Qaeda backed JNIM.  In 2019 and 2020, the Niger military suffered heavy losses from IS Sahel.  Losses from IS Sahel have dropped as that group has focused its attention on Mali, as French forces have withdrawn from that nation.

As of this time, the junta hasn’t asked for the withdrawal of the 1,500 French forces or the 1,000 American forces even though the US and France have condemned the coup.  Given the unrest in the Sahel region, it’s likely that Niger will not push for a French or American withdrawal.

There are several reasons that Niger will continue to keep French and American forces in the country.  One is the close relationship between American and Niger officers.

Brigadier General Barmou is American trained and is currently the chief of Niger’s Special Operations Forces.

“We have had a very long relationship with the United States,” Barmou said in 2021.  The US has a drone operation in Niger that is considered the “linchpin” of US Army Special Operations in West Africa.

Although the US has condemned the coup, the drone operations are considered critical to monitoring groups like IS Sahel and JNIM.  America has stated that it is not contemplating a withdrawal from Niger.  Therefore, the US will be very careful to avoid upsetting the junta so much that they will lose this critical African military outpost.

If there is to be military action, it will come from the Economic Community of West African States (ECOWAS), the West African group of nations.  On Thursday, at the end of the emergency summit on the Niger issue, ECOWAS ordered the activation of its standby military force.

ECOWAS may have ordered activation of its standby military force, and many might consider it a bluff.  However, ECOWAS has successfully carried out a military intervention in order to defend a democracy.

In January 2017, ECOWAS military forces from six nations entered Gambia in Operation Restore Democracy.  Senegal provided the most soldiers, although it has a very small military.  Nigeria provided the second largest expeditionary force, which included aircraft and a naval vessel.

If there is to be military action, it will probably rely most on the Nigerian Armed forces, which is considered the fourth most powerful military in Africa and the 35th most powerful internationally.  The Nigerian Army has shown that it can mobilize, deploy and sustain brigade sized forces in support peacekeeping operations in Liberia.  They have sent more than 20,000 troops in support of various UN missions.

However, currently, the Nigerian Senate has rejected military intervention.

Niger has an army of about 25,000 soldiers.  France has been its traditional arms supplier since it gained its independence from France.  Russia is the second largest arms provider.  The Niger military organization closely mirrors the French model.

To complicate any military planning, the junta has said they will kill the president if ECOWAS takes military action.

Meanwhile, the Wagner Group has a presence in Mali, which is a neighboring country to Niger.  But, Acting Deputy Secretary of State Nuland has warned the Niger junta from cooperating with the Wagner Group.

From a geopolitical point of view, some wins by the Wagner Group in Africa could help Putin, who is still not winning in Ukraine.  In that regard, Niger may be a critical piece on the chessboard of geopolitics.

If ECOWAS decides to take military action, it could be a close thing.  The Wagner Group has a long logistical tail and keeping it supplied will be much harder than it was in Ukraine.  ECOWAS needs a major military force to put Bazum back in power.  If Nigeria doesn’t support a military option, it may come down to the French and Americans to come to Bazum’s rescue. This option seems to be a remote possibility at this stage especially with the popular support that the Military leaders enjoyed, in addition to forming a civilian majority interim government.

Analysis 08-08-2023

ANALYSIS

Growing Tension Along
NATO’s Eastern Border

 

Tensions are growing this week as several military moves by Belarus, Russia, Poland, and NATO are demonstrating that the war in Ukraine has the potential of spilling over into neighboring countries.

This week, Poland accused Belarus of violating Polish airspace with two Belarus helicopters.  Poland’s Defense Minister Mariusz Blaszczak noted the violation was another “element in escalating the tension at the Polish Belarusian border.

Although Belarus did warn that its air force would be holding exercises near the border, the helicopters did cross the border and were photographed by numerous people with their cell phones.

The exercises were more worrying as they were low level flights in a part of the border where Polish radar coverage was light, and the helicopters weren’t quickly detected by Polish radar.  The exercises were carried out near Bialowieza.

One result of the border violation was that Poland has moved more forces into the area.  They have also notified NATO about the incident.

This incident only added to tensions as it was reported that elements of the Wagner Group were moved closer to the Polish/Belarus border last month.  It didn’t help that Belarus President Lukashenko said Wagner group were eager to move into Poland.  “They want to go west,” the Belarussian president said; perhaps jokingly.

Poland has also warned that Wagner Group forces might try to cross the border dressed as immigrants.

It also appears that 100 soldiers of the Wagner Group are carrying out exercises in conjunction with the Belarus army according to the Polish government.  The exercises are close to the Suwalki Gap, a strategic land corridor that joins the Baltic nations to Poland and the rest of NATO.  It also isolates the Russian territory of Kaliningrad.

The Wagner Group’s soldiers are a worry as they do not fall under the control of a national military authority, as has been seen in many operations in Africa over the decades.  They could be used to carry out a military operation along the border with Belarus, Poland, and Ukraine that Russia and Belarus would deny.  Given Poland’s historic animus towards Russia, such a military operation would likely elicit a strong Polish response.  Yet, an independent Wagner group may not have received any permission to carry out such an operation.

And, if such an operation is carried out, would Poland believe Belarus?  Would they retaliate?  Would NATO nations be willing to go to war over an incursion by a private army like the Wagner Group?

Another military exercise that is worrying analysts is the Russian naval exercise called Ocean Shield 2023.  The exercise is being held in the Baltic Sea; now considered a NATO lake, with the membership of Finland and Sweden.  The exercise is employing 30 warships, 20 support vessels, and 6,000 personnel.  It is a direct challenge to NATO control of an area that secures NATO control of northern Europe.

With NATO control of the Baltic Sea, the closing of Sevastopol, the war, and the extreme cold weather of Murmansk, much of the Russian fleet in Europe and the Atlantic is bottled up.

However, Russian forces in the Baltic do have an impact on NATO.  Part of the Russian Defense Ministry press release on Ocean Shield 2023 mentioned exercises that moved troops on the Baltic.  Obviously, this implied reinforcing the enclave of Kaliningrad – especially if 20 support ships are included in the exercise.

 

The Suwalki Gap

One of the most strategic areas in Europe is the Suwalki Gap, a sparsely populated region that is the border between Poland and Lithuania, but the Russian Kaliningrad Oblast and Belarus borders are within long range artillery and missile range of the whole gap.  Consequently, Russian and Belarus forces could bombard troops, vehicles, and supplies moving from Poland to Lithuania.

During the Cold War, the area had nonmilitary value, although several battles were fought there in the past, including Napoleon’s invasion of Russia.

Since the Baltic States joined NATO, it has become a strategic choke point and numerous military exercises have been held there.  Poland proposed stationing an armored division, but NATO is constrained from building a permanent base in the gap.

In the meantime, NATO has held exercises like Iron Wolf and Operation Saber Strike over the past few years.

Several NATO units are permanently stationed near the gap.  These include the Iron Wolf mechanized brigade that is part of the NATO multinational collective defense.  The American 185th Infantry Regiment is stationed there along with 400 soldiers of the British Royal Dragoons.  Up to 40,000troops within the NATO Response Force are also available along with other Polish units not under NATO command.  Other American combat units are regularly stationed in the area for periods of time.

In 2022, the NATO General Secretary General Stoltenberg announced that NATO would place a brigade in each Baltic state along with Poland.  The NATO Response Force would be increased to 300,000 troops.

Before the Ukraine War, it was thought that Russia could cut off the Baltic States in 30 to 60 hours.  However, the NATO buildup and higher alert, along with the poor Russian showing in Ukraine leads many military experts to think that NATO could hold the Russian forces, especially with the addition of Finnish and Swedish membership in NATO.  These countries make reinforcement and supply easier if Russia and Belarus cut off the Suwalki Gap.

Which brings us back to the Russian naval exercises.  Russia must at the least be ready to reinforce Kaliningrad in a period of international tension.  They do have missile units stationed in the enclave that can easily reach any part of the Suwalki Gap.  In a period of international tension, we can expect the Russians to resupply and reinforce Kaliningrad.  This will preclude the easy movement of NATO forces and supplies through the Suwalki Gap and force a shifting of NATO units along the Kaliningrad sector.

By themselves, these incidents along the Polish/Belarus border and the Russian naval maneuvers mean little.  Nor do the regular fighter interceptions by NATO and Russian aircraft.

But accidents happen.  Russian missiles have hit targets less than 2 miles from the Ukraine/Romania border.  What if a missile strays over the border and kills civilians during a time of international tension?

No doubt, the likelihood of a war that involves NATO is growing.

Week of August 08, 2023

Growing Tension Along
NATO’s Eastern Border

 

Tensions are growing this week as several military moves by Belarus, Russia, Poland, and NATO are demonstrating that the war in Ukraine has the potential of spilling over into neighboring countries.

This week, Poland accused Belarus of violating Polish airspace with two Belarus helicopters.  Poland’s Defense Minister Mariusz Blaszczak noted the violation was another “element in escalating the tension at the Polish Belarusian border.

Although Belarus did warn that its air force would be holding exercises near the border, the helicopters did cross the border and were photographed by numerous people with their cell phones.

The exercises were more worrying as they were low level flights in a part of the border where Polish radar coverage was light, and the helicopters weren’t quickly detected by Polish radar.  The exercises were carried out near Bialowieza.

One result of the border violation was that Poland has moved more forces into the area.  They have also notified NATO about the incident.

This incident only added to tensions as it was reported that elements of the Wagner Group were moved closer to the Polish/Belarus border last month.  It didn’t help that Belarus President Lukashenko said Wagner group were eager to move into Poland.  “They want to go west,” the Belarussian president said; perhaps jokingly.

Poland has also warned that Wagner Group forces might try to cross the border dressed as immigrants.

It also appears that 100 soldiers of the Wagner Group are carrying out exercises in conjunction with the Belarus army according to the Polish government.  The exercises are close to the Suwalki Gap, a strategic land corridor that joins the Baltic nations to Poland and the rest of NATO.  It also isolates the Russian territory of Kaliningrad.

The Wagner Group’s soldiers are a worry as they do not fall under the control of a national military authority, as has been seen in many operations in Africa over the decades.  They could be used to carry out a military operation along the border with Belarus, Poland, and Ukraine that Russia and Belarus would deny.  Given Poland’s historic animus towards Russia, such a military operation would likely elicit a strong Polish response.  Yet, an independent Wagner group may not have received any permission to carry out such an operation.

And, if such an operation is carried out, would Poland believe Belarus?  Would they retaliate?  Would NATO nations be willing to go to war over an incursion by a private army like the Wagner Group?

Another military exercise that is worrying analysts is the Russian naval exercise called Ocean Shield 2023.  The exercise is being held in the Baltic Sea; now considered a NATO lake, with the membership of Finland and Sweden.  The exercise is employing 30 warships, 20 support vessels, and 6,000 personnel.  It is a direct challenge to NATO control of an area that secures NATO control of northern Europe.

With NATO control of the Baltic Sea, the closing of Sevastopol, the war, and the extreme cold weather of Murmansk, much of the Russian fleet in Europe and the Atlantic is bottled up.

However, Russian forces in the Baltic do have an impact on NATO.  Part of the Russian Defense Ministry press release on Ocean Shield 2023 mentioned exercises that moved troops on the Baltic.  Obviously, this implied reinforcing the enclave of Kaliningrad – especially if 20 support ships are included in the exercise.

 

The Suwalki Gap

One of the most strategic areas in Europe is the Suwalki Gap, a sparsely populated region that is the border between Poland and Lithuania, but the Russian Kaliningrad Oblast and Belarus borders are within long range artillery and missile range of the whole gap.  Consequently, Russian and Belarus forces could bombard troops, vehicles, and supplies moving from Poland to Lithuania.

During the Cold War, the area had nonmilitary value, although several battles were fought there in the past, including Napoleon’s invasion of Russia.

Since the Baltic States joined NATO, it has become a strategic choke point and numerous military exercises have been held there.  Poland proposed stationing an armored division, but NATO is constrained from building a permanent base in the gap.

In the meantime, NATO has held exercises like Iron Wolf and Operation Saber Strike over the past few years.

Several NATO units are permanently stationed near the gap.  These include the Iron Wolf mechanized brigade that is part of the NATO multinational collective defense.  The American 185th Infantry Regiment is stationed there along with 400 soldiers of the British Royal Dragoons.  Up to 40,000troops within the NATO Response Force are also available along with other Polish units not under NATO command.  Other American combat units are regularly stationed in the area for periods of time.

In 2022, the NATO General Secretary General Stoltenberg announced that NATO would place a brigade in each Baltic state along with Poland.  The NATO Response Force would be increased to 300,000 troops.

Before the Ukraine War, it was thought that Russia could cut off the Baltic States in 30 to 60 hours.  However, the NATO buildup and higher alert, along with the poor Russian showing in Ukraine leads many military experts to think that NATO could hold the Russian forces, especially with the addition of Finnish and Swedish membership in NATO.  These countries make reinforcement and supply easier if Russia and Belarus cut off the Suwalki Gap.

Which brings us back to the Russian naval exercises.  Russia must at the least be ready to reinforce Kaliningrad in a period of international tension.  They do have missile units stationed in the enclave that can easily reach any part of the Suwalki Gap.  In a period of international tension, we can expect the Russians to resupply and reinforce Kaliningrad.  This will preclude the easy movement of NATO forces and supplies through the Suwalki Gap and force a shifting of NATO units along the Kaliningrad sector.

By themselves, these incidents along the Polish/Belarus border and the Russian naval maneuvers mean little.  Nor do the regular fighter interceptions by NATO and Russian aircraft.

But accidents happen.  Russian missiles have hit targets less than 2 miles from the Ukraine/Romania border.  What if a missile strays over the border and kills civilians during a time of international tension?

No doubt, the likelihood of a war that involves NATO is growing.

2023-08-08-التحليل

التحليل

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

روسيا تتحدى “الناتو” غرباً
والحلف يكرّس البلطيق “بحيرة الناتو”

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

استكملت روسيا مناوراتها البحرية الأخيرة، درع المحيط 2023، في مياه بحر البلطيق، بمشاركة نحو 30 سفينة حربية وأسطول دعم عماده 20 قطعة و 6،000 عنصر. وأعلنت  وزارة الدفاع الروسية أن من بين مهام المناورة “تحريك قوات إلى منطقة البلطيق”، وضمناً إلى جيب كالينينغراد، ما سجّل ارتفاعاً في منسوب التوتر لدى قادة حلف “الناتو” والقلق أيضاً، خصوصاً بعد إقراره عضوية كل من فنلندا والسويد المتشاطئتين عليه، واعتباره المناورات تحدياً لسيطرته نظراً لاعتباره المنطقة “بحيرة للناتو”.

تفاقمت الأوضاع مجدداً عقب اتهام بولندا لجارتها بيلاروسيا بانتهاك طائراتها المروحية أجواءها، والتي لم تسجّل أجهزة راداراتها للأجسام الطائرة استشعارها بالسرعة المطلوبة. كما أرسلت بولندا “تحذيراً” لمجموعة “فاغنر”، المرابطة في أراضي جارتها، من السعي لاختراق حدودها متنكّرين “بزيّ مهاجرين مدنيين أو هيئة حرس حدود بيلاروسيين”، بحسب تصريح رئيس وزراء بولندا ماتيوز موراويكي، 28 تموز/يوليو 2023.

في واشنطن، نفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عِلم واشنطن بأي تهديد يشكله وجود قوات “فاغنر” في بيلاروسيا على بولندا أو أعضاء آخرين في حلف “الناتو”، مستطرداً أن الإدارة الأميركية “تراقب الوضع من كثب”، بالتزامن مع بدء بولندا نشر أكثر من 1000 جندي بالقرب من الحدود المشتركة مع بيلاروسيا. (وكالة “رويترز”، 1 آب/أغسطس 2023).

أنظار طرفي الصراع، روسيا وحلف الناتو، مشدودة نحو  ممر “سوفالكي” الاستراتيجي، الفاصل بين دول البلطيق وأوروبا، والذي تم انتزاعه من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ومنح الحلفاء جزءاً منه إلى بولندا، ولا يزال مصدر توتر العلاقات البلدين إلى الآن.

ويشكّل الممر مصدر قلق إضافياً لأطراف الحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ ستعزل السيطرة عليه دول البلطيق الثلاث، بولندا وليتوانيا وبيلاروسيا، عن بقية دول الناتو. كما يفصل الممر بيلاروسيا عن مقر اسطول بحر البلطيق الروسي في كالينينغراد. أما السيطرة عليه فتمنح القوات الروسية وحليفتها البيلاروسية ميزة استهداف وعرقلة أي امدادات عسكرية تتحرك براً من بولندا إلى ليتوانيا.

سعت بولندا لاستغلال مكانتها الفريدة لدى حلف الناتو بمطالبته إنشاء قاعدة عسكرية قوامها فرقة مدرّعة، وأرجأ الحلف قراراً بهذا الشأن لخشيته من تمدد رقعة انتشاره وصعوبة الدفاع عنها لاحقاً، واستعاض عنها بإجراء مناورات عسكرية متتالية بالقرب من الممر.

لدى حلف “الناتو” وجود عسكري دائم في محيط الممر الاستراتيجي، يضم: لواء الذئب المدرّع الميكانيكي، والفوج 185 من سلاح المشاة الأميركي، يعاونهم نحو 400 عنصر من سلاح الفرسان الملكي البريطاني. وفي المحيط القريب، يرابط نحو 40،000 عسكري تابع لقيادة حلف “الناتو” بالإضافة إلى عدد من الوحدات العسكرية البولندية التابعة لقيادة الحلف. كما “وعد” رئيس الحلف يانس ستولتنبيرغ بتعزيز القوات العسكرية بنحو 300 ألف عنصر  كجزء من “قوات رد الحلف” على المخاطر.

وأشد ما يخشاه صنّاع القرار في واشنطن مطالبة روسيا بممرّ مباشر من بيلاروسيا إلى كالينينغراد، الأمر الذي “قد يفك ارتباط دول البلطيق بحلف شمال الأطلسي” (مقالة بقلم أحد أعمدة المحافظين الجدد روبرت كايغان في “واشنطن بوست”، 21 شباط/فبراير 2022).

تتضاعف أهمية ممر سوفالكي الضيق، وطوله 60 ميلاً، بوجود “المنتجعات الصحية والبحيرات الساحرة والتاريخ العنيف”، وفيه قضى الزعيم النازي هتلر معظم سنوات الحرب العالمية الثانية متحصناً في أحد مخابئه. وتزخر الأدبيات الأميركية بشكل خاص بالإشارة إلى “وجود نحو 30 ألف جندي روسي في بيلاروسيا”، مزودين بأسلحة هجومية وبطاريات صواريخ أس-400، للدلالة على “إحدى أبرز أوراق الضغط التي يملكها الرئيس الروسي” ضد الغرب بشكل عام في حال اندلاع مواجهة مع حلف “الناتو.”

تحضيراً للمعركة المقبلة بشأن ممر سوفالكي، نظرياً على الأقل، تكشف الدوائر العسكرية الأميركية نيّاتها بتعالٍ وعنجهية مطالبة الإدارة  بـ “ضمان الوجود الدائم للدروع والطيران القتالي والحرب الإلكترونية والطائرات المسيّرة والمهندسين ووحدات الدفاع الجوي. كما يجب على إيطاليا وإسبانيا وفرنسا – نظرا لحجمها العسكري وأهميتها في التحالف – الالتزام بتركيز وحدات قابلة للتشغيل المتبادل بحجم كتيبة قوامها 800 جندي في قواعد دائمة في بولندا أو ليتوانيا أيضًا” (دراسة صادرة عن “كلية الحرب التابعة لسلاح الجيش الأميركي”، 19 تموز/يوليو 2020).

كما تعوّل أيضاً على “استمرار وحدة حلف الناتو” في مواجهة روسيا، على الرغم من التصدع داخل دول الحلف بدرجات متفاوتة، وبروز تحديات أكثر جرأة للنفوذ الأميركي والغربي بشكل عام، خصوصاً في إفريقيا.

يوضح الخبير في الشؤون الروسية ومدير برنامج “أوراسيا” في معهد “كوينسي”، أناتول ليفين، عوامل أربعة لاستمرار “وحدة” الناتو: حالة الاقتصاد الأوروبي؛ مخاطر التصعيد إلى حرب نووية؛ تراجع الثقة بانتصار أوكرانيا؛ إقدام روسيا على وقف إطلاق النار (وكالة “دوتشي فيلي” الألمانية، 25 شباط/فبراير 2023).

بيد أن التحركات الأخيرة لروسيا باتجاه تعزيز مواقعها في كالينينغراد ومواردها العسكرية أيضاً ستعرقل  قدرة حلف الناتو على فتح جبهة استنزاف جديدة طويلة الأمد، على غرار أوكرانيا، وذلك بالرغم من الدعوات الرغائبية في واشنطن تحديداً لـ ” التحسين السريع للبنية التحتية ذات الصلة عسكريًا في منطقة سوفالكي، وتعزيز صفوف قوات الحلفاء بشكل كبير ودائم في شمال شرق أوروبا، كما يجب على التحالف أن يأخذ في الاعتبار مستويات القوة الروسية والقدرات العسكرية المزعزعة للاستقرار الموجودة في كالينينغراد وبيلاروسيا، وأن يقترب من مطابقتها على الأقل من الناحية النوعية من أجل ردع موسكو” (نشرة “فورين بوليسي”، 3 آذار/مارس 2022).

2023-08-08-التقرير الأسبوعي

ينشر بالتعاون مع “الميادين”

روسيا تتحدى “الناتو” غرباً
والحلف يكرّس البلطيق “بحيرة الناتو”

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

استكملت روسيا مناوراتها البحرية الأخيرة، درع المحيط 2023، في مياه بحر البلطيق، بمشاركة نحو 30 سفينة حربية وأسطول دعم عماده 20 قطعة و 6،000 عنصر. وأعلنت  وزارة الدفاع الروسية أن من بين مهام المناورة “تحريك قوات إلى منطقة البلطيق”، وضمناً إلى جيب كالينينغراد، ما سجّل ارتفاعاً في منسوب التوتر لدى قادة حلف “الناتو” والقلق أيضاً، خصوصاً بعد إقراره عضوية كل من فنلندا والسويد المتشاطئتين عليه، واعتباره المناورات تحدياً لسيطرته نظراً لاعتباره المنطقة “بحيرة للناتو”.

تفاقمت الأوضاع مجدداً عقب اتهام بولندا لجارتها بيلاروسيا بانتهاك طائراتها المروحية أجواءها، والتي لم تسجّل أجهزة راداراتها للأجسام الطائرة استشعارها بالسرعة المطلوبة. كما أرسلت بولندا “تحذيراً” لمجموعة “فاغنر”، المرابطة في أراضي جارتها، من السعي لاختراق حدودها متنكّرين “بزيّ مهاجرين مدنيين أو هيئة حرس حدود بيلاروسيين”، بحسب تصريح رئيس وزراء بولندا ماتيوز موراويكي، 28 تموز/يوليو 2023.

في واشنطن، نفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عِلم واشنطن بأي تهديد يشكله وجود قوات “فاغنر” في بيلاروسيا على بولندا أو أعضاء آخرين في حلف “الناتو”، مستطرداً أن الإدارة الأميركية “تراقب الوضع من كثب”، بالتزامن مع بدء بولندا نشر أكثر من 1000 جندي بالقرب من الحدود المشتركة مع بيلاروسيا. (وكالة “رويترز”، 1 آب/أغسطس 2023).

أنظار طرفي الصراع، روسيا وحلف الناتو، مشدودة نحو  ممر “سوفالكي” الاستراتيجي، الفاصل بين دول البلطيق وأوروبا، والذي تم انتزاعه من ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ومنح الحلفاء جزءاً منه إلى بولندا، ولا يزال مصدر توتر العلاقات البلدين إلى الآن.

ويشكّل الممر مصدر قلق إضافياً لأطراف الحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ ستعزل السيطرة عليه دول البلطيق الثلاث، بولندا وليتوانيا وبيلاروسيا، عن بقية دول الناتو. كما يفصل الممر بيلاروسيا عن مقر اسطول بحر البلطيق الروسي في كالينينغراد. أما السيطرة عليه فتمنح القوات الروسية وحليفتها البيلاروسية ميزة استهداف وعرقلة أي امدادات عسكرية تتحرك براً من بولندا إلى ليتوانيا.

سعت بولندا لاستغلال مكانتها الفريدة لدى حلف الناتو بمطالبته إنشاء قاعدة عسكرية قوامها فرقة مدرّعة، وأرجأ الحلف قراراً بهذا الشأن لخشيته من تمدد رقعة انتشاره وصعوبة الدفاع عنها لاحقاً، واستعاض عنها بإجراء مناورات عسكرية متتالية بالقرب من الممر.

لدى حلف “الناتو” وجود عسكري دائم في محيط الممر الاستراتيجي، يضم: لواء الذئب المدرّع الميكانيكي، والفوج 185 من سلاح المشاة الأميركي، يعاونهم نحو 400 عنصر من سلاح الفرسان الملكي البريطاني. وفي المحيط القريب، يرابط نحو 40،000 عسكري تابع لقيادة حلف “الناتو” بالإضافة إلى عدد من الوحدات العسكرية البولندية التابعة لقيادة الحلف. كما “وعد” رئيس الحلف يانس ستولتنبيرغ بتعزيز القوات العسكرية بنحو 300 ألف عنصر  كجزء من “قوات رد الحلف” على المخاطر.

وأشد ما يخشاه صنّاع القرار في واشنطن مطالبة روسيا بممرّ مباشر من بيلاروسيا إلى كالينينغراد، الأمر الذي “قد يفك ارتباط دول البلطيق بحلف شمال الأطلسي” (مقالة بقلم أحد أعمدة المحافظين الجدد روبرت كايغان في “واشنطن بوست”، 21 شباط/فبراير 2022).

تتضاعف أهمية ممر سوفالكي الضيق، وطوله 60 ميلاً، بوجود “المنتجعات الصحية والبحيرات الساحرة والتاريخ العنيف”، وفيه قضى الزعيم النازي هتلر معظم سنوات الحرب العالمية الثانية متحصناً في أحد مخابئه. وتزخر الأدبيات الأميركية بشكل خاص بالإشارة إلى “وجود نحو 30 ألف جندي روسي في بيلاروسيا”، مزودين بأسلحة هجومية وبطاريات صواريخ أس-400، للدلالة على “إحدى أبرز أوراق الضغط التي يملكها الرئيس الروسي” ضد الغرب بشكل عام في حال اندلاع مواجهة مع حلف “الناتو.”

تحضيراً للمعركة المقبلة بشأن ممر سوفالكي، نظرياً على الأقل، تكشف الدوائر العسكرية الأميركية نيّاتها بتعالٍ وعنجهية مطالبة الإدارة  بـ “ضمان الوجود الدائم للدروع والطيران القتالي والحرب الإلكترونية والطائرات المسيّرة والمهندسين ووحدات الدفاع الجوي. كما يجب على إيطاليا وإسبانيا وفرنسا – نظرا لحجمها العسكري وأهميتها في التحالف – الالتزام بتركيز وحدات قابلة للتشغيل المتبادل بحجم كتيبة قوامها 800 جندي في قواعد دائمة في بولندا أو ليتوانيا أيضًا” (دراسة صادرة عن “كلية الحرب التابعة لسلاح الجيش الأميركي”، 19 تموز/يوليو 2020).

كما تعوّل أيضاً على “استمرار وحدة حلف الناتو” في مواجهة روسيا، على الرغم من التصدع داخل دول الحلف بدرجات متفاوتة، وبروز تحديات أكثر جرأة للنفوذ الأميركي والغربي بشكل عام، خصوصاً في إفريقيا.

يوضح الخبير في الشؤون الروسية ومدير برنامج “أوراسيا” في معهد “كوينسي”، أناتول ليفين، عوامل أربعة لاستمرار “وحدة” الناتو: حالة الاقتصاد الأوروبي؛ مخاطر التصعيد إلى حرب نووية؛ تراجع الثقة بانتصار أوكرانيا؛ إقدام روسيا على وقف إطلاق النار (وكالة “دوتشي فيلي” الألمانية، 25 شباط/فبراير 2023).

بيد أن التحركات الأخيرة لروسيا باتجاه تعزيز مواقعها في كالينينغراد ومواردها العسكرية أيضاً ستعرقل  قدرة حلف الناتو على فتح جبهة استنزاف جديدة طويلة الأمد، على غرار أوكرانيا، وذلك بالرغم من الدعوات الرغائبية في واشنطن تحديداً لـ ” التحسين السريع للبنية التحتية ذات الصلة عسكريًا في منطقة سوفالكي، وتعزيز صفوف قوات الحلفاء بشكل كبير ودائم في شمال شرق أوروبا، كما يجب على التحالف أن يأخذ في الاعتبار مستويات القوة الروسية والقدرات العسكرية المزعزعة للاستقرار الموجودة في كالينينغراد وبيلاروسيا، وأن يقترب من مطابقتها على الأقل من الناحية النوعية من أجل ردع موسكو” (نشرة “فورين بوليسي”، 3 آذار/مارس 2022).