2023-25-01-التقرير الأسبوعي

إخفاء بايدن وثائق سرّية
قد ينهي ولايته بفضيحة جديد

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

تدرّج العثور على وثائق بالغة السرية بحيازة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تعيين محقق خاص من قبل وزارة العدل، أثار جدلاً داخل قادة الحزب الديموقراطي بشأن فرصة تجديد انتخابه لولاية رئاسية ثانية، بالتزامن أيضاً مع عزم قادة الحزب الجمهوري المضي في التدقيق بمسار الرئيس سمّوه بـ “قمة الفساد” وسوء استخدام منصبه السياسي لإثراء نجله هنتر.

ربما هي المرة الأولى في تاريخ الكيان السياسي الأميركي التي يخضع فيها رئيسان، سابق وحالي، لإجراءات تحقيق متزامنة بتُهم مشابهة، فساد وحيازة وثائق سرية بعد مغادرة البيت الأبيض، وميل الرئيس بايدن وقادة حزبه إلى القفز عن تداعيات حيازة الوثائق، بحسب التسريبات الأخيرة، حتى لو أدت ذلك إلى إنهاء ملاحقة خصمه الرئيس ترامب. كل ذلك يعد بخلط شديد لأوراق الحزبين في البحث عن مرشح رئاسي يحظى بالتأييد وحسن السيرة.

ما يميّز تهمة حيازة الوثائق السرية بين الرئيس السابق دونالد ترامب ونائب الرئيس آنذاك جو بايدن النصوص الدستورية التي تتيح لرئيس البلاد صلاحية تصنيف أو إزالة التصنيف السرّي عن وثائق الدولة، لكن نائب الرئيس لا يتمتع بصلاحية مشابهة. اما صلاحيته الدستورية فهي محصورة في ترؤسه جلسة مجلس الشيوخ، وتسلم مهام الرئيس في حال الوفاة. ويتيح الدستور لرئيس البلاد تسليم وثائق لنائبه، وتنتهي صلاحية هذا البند مع مغادرتهما البيت الأبيض، في 20 كانون الأول/يناير السنة التالية للانتخابات.

الكشف المتسلسل “بالقطّارة” عن وثائق سرّية بحوزة نائب الرئيس جو بايدن، آنذاك، القت ظلالاً من الريبة على صدقيته وبقائه إلى نهاية ولايته الرئاسية. المتاعب الناجمة عن ذلك أدخلت توصيف “تحديات سياسية غير مسبوقة” على مستقبله السياسي. يسود القلق أيضاً قادة الحزب الديموقراطي لما عدّوه حملات إعلامية للبيت الأبيض لـ “صرف انتباه غير مرحّب به” بالتزامن مع جهود فاشلة لاحتواء الضرر (نشرة “ذي هيل”، 16 كانون الثاني/يناير 2023).

وعد الرئيس بايدن بإعلان نيته خوض جولة الانتخابات الرئاسية المقبلة في شهر آذار/مارس المقبل. أما بعد ملاحقته في سلسلة من الفضائح والتحقيقات، وهبوط مؤشرات شعبيته إلى نحو 44% (بحسب موقع “فايف ثيرتي إيت FiveThirtyEight”، فقد يفسح المجال واسعاً لمرشحين آخرين، واستعداد التيار الليبرالي داخل الحزب الديموقراطي دخول السباق الرئاسي، كما أعرب السيناتور بيرني ساندرز والذي سيتخذ قراراً بشأن ذلك في الأسابيع المقبلة.

 

فرصة لدخول عناصر جديدة على السباق الانتخابي؟

حالة التردي لدى الحزبين وانعكاس فسادهما على عموم المسار السياسي قد يحفّزان عناصر “جديدة” على دخول السباق الرئاسي، وربما من خارج مراكز القوى في واشنطن، أسوة بالرئيس السابق دونالد ترامب. لعلّ الأهم من كل ذلك هو الفرصة التي يحتاجها الحزبان لتجديد أمل الكيان السياسي وضخ “دماء جديدة” بعد فترات متتالية من الترهّل وإعادة إنتاج السياسات السابقة ورموزها في آن واحد.

سيلقي الرئيس بايدن خطابه السنوي عن “حال الأمة” مطلع الشهر المقبل، وربما إعلان نيته للترشح للانتخابات الرئاسية، فيما الأجواء متلبّدة بمشاعر الشكوك، بالرغم من تأكيده أن الأزمة الناجمة “تافهة، والشعب الأميركي لا يدرك حقيقة ما يجري”، في حين أعربت غالبية لافتة من الشعب الأميركي، 60%، عن عدم ثقتها بتصرف الرئيس (يومية “يو أس إيه توداي”، 22 كانون الثاني/يناير 2023).

جوهر قلق قادة الحزب الديموقراطي يتمثّل في تخبط البيت الأبيض في ثنايا سعيه لاحتواء المسألة، إذ صدر بيان رسمي مطلع الشهر الجاري “يقرّ بوجود وثائق سرّية في مكتب خاص في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكنه تجاهل الكشف عن مجموعة ثانية من الوثائق كانت مخزّنة في منزل الرئيس الخاص” في ولاية ديلاوير، في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، ومراهنة فريق الرئيس بايدن على أن “الإعلان التام لن يخفف من وطأة الغضب العام” (شبكة “سي أن أن”، 23 كانون الثاني/يناير 2023).

في خطوة تبدو هامشية بعض الشيء هي طريقة تعامل مكتب التحقيقات الفيدرالي، أف بي آي، مع كلا الرئيسين، ترامب وبايدن، وسريان شكوك الشعب الأميركي في وظيفة جهاز الأمن الداخلي بأنه يكرّس “وجود معادلتين للعدالة: الأولى للنخبة والثانية للعامة”.

في حالة الرئيس ترامب أقدم الجهاز على “دهم” منزله الخاص في فلوريدا، أما في الحالة الثانية فقد “وافق الرئيس على تفتيش منزله الخاص من قبل الـ أف بي آي”، بعد توصل فريق مستشاريه الضيّق إلى استنتاج أن دخول المكتب على الخط “أمر حتمي” (“سي أن أن”، 23 كانون الثاني/يناير 2023).

اللافت أيضاً تجدد اتهامات قادة الحزب الجمهوري لمكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه “اليد الطولى للبيت الأبيض” ومحاباته سياسات الحزب الديموقراطي، وأنه يجب أن يخضع للمساءلة وربما مواجهة دعوات إلى حلّه، بالرغم من عدم توفر أفق نجاحها في الفترة الحالية.

توجهات قادة الحزب الجمهوري ستطال وزير العدل، ميريك غارلاند، على خلفية قراره “دهم” منزل الرئيس السابق ترامب، وتلكئه في ملاحقة نجل الرئيس هنتر بايدن، وإعادة فتح ملف فسادهما مجددا، بصرف النظر عن المدى الذي سيذهب فيه التحقيق ونتائجه المرتقبة. لكن الثابت أنها ستعمّق مآزق الرئيس بايدن، وتشديد الضغط على قادة الحزب الديموقراطي لتقديم مرشح رئاسي آخر.

وتم الكشف مؤخراً عن “تورط” وزير العدل في التغطية على وثائق الرئيس بايدن، وقد “أعدّ لتجاهل بعض تفاصيل التحقيقات الجارية”، خلال الإعلان الرسمي  واضطراره إلى الكشف عن الدفعة الثانية من الوثائق التي “تم العثور عليها قبل ذلك ببضعة أسابيع، وكان البيت الأبيض يعرف ذلك” (شبكة “سي أن أن”، 23 كانون الثاني/يناير 2023).

 

المرشحون المحتملون للحزب الديموقراطي

من بين المرشحين الديموقراطيين المحتملين في المدى القريب يبرز حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسم، الذي يصنّف ضمن التيار الليبرالي لكنه يعدّ “يسارياً متشدداً”، وفق السردية الرسمية السائدة في المجتمع الأميركي.

المرشح الآخر “كان” وزير المواصلات بيت بوتيجيج، لكن تلكؤه في معالجة أزمة إلغاء شركة الطيران الداخلي، “ساوث ويست”، لمئات من رحلاتها ما تسبب في إلحاق الضرر بعدة آلاف من المسافرين خلال بضعة أيام، فضلاً عن إخفاق المناشدات الشعبية والحقوقية لتدخله العاجل في حثه على اتخاذ قرار بشأنها، ترك انطباعاً عاماً بتورطه أو خضوعه لخيار أولوية كبريات الشركات على حساب السلامة العامة.

لعل الحكمة السياسية تقتضي تريّث بروز أي مرشح محتمل في المدى القصير حتى تتضح جملة من المسائل، أهمها، ما سينطق به الرئيس بايدن خلال خطابه السنوي وإن كان سيتضمن إعلانه عن مستقبله السياسي، ترشيحاً أو انسحاباً، ووجهة التحقيقات المثارة من قبل قادة الحزب الجمهوري وما قد تسفر عنه من فتح ملفات بعضها يتعلق بالاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة، وخصوصاً سياسة إجماع الحزبين في مواجهة الصين، التي تم الكشف مؤخراً عن تلقّي جامعة بنسلفانيا، التي تحتضن مركز أبحاث بايدن تبرعات من شخصيات صينية، وصلت إلى 61 مليون دولار.

سلوكيات خاطئة ارتكبها رؤساء أميركيين تسببت في إطاحتهم. الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على خلفية الكشف عن تسجيلاته في فضيحة “ووترغيت” لمحادثاته الرسمية بخلاف صلاحياته الممنوحة، والرئيس جيمي كارتر لدعمه شاه إيران قبل سقوطه بفترة وجيزة وما نجم عنها من احتجاز الرهائن الأميركيين الديبلوماسيين.

“فضائح” الرئيس بايدن لا تشذ عن مصير اسلافه، خصوصاً عند الأخذ بعين الاعتبار إصرار قادة الحزب الجمهوري على تقديم نجله هنتر للمساءلة والتحقيق نتيجة “فساد” والده إبّان ولايته كنائب للرئيس الأميركي، والإثراء غير المشروع الناتج من علاقة الأخير مع الحكومة الأوكرانية، قضائياً ومالياً.

Analysis 01-25-2023

ANALYSIS

Does the Biden Secret Documents Case Create a “Tipping Point?”

 

Has the Biden secret documents affair reached critical mass?  It seems so.

Biden’s approval numbers, which had started inching up are now back down into the high 30% range.

The media, which has given some of Biden’s behavior a pass, are starting to ask serious questions that are upsetting the president even though there is no threat that he will be impeached.  He snapped at a reporter on Thursday, saying that this line of inquiry was beginning to “bug” him.  He added that he “had no regrets.”

Eventually, he will have regrets.  Not only has he given Republicans plenty of political ammunition, but the affair also gives more visibility to the Hunter Biden influence peddling issue.

In addition, Biden has stopped the Democrats from attacking Trump on the issue of keeping classified documents.  The fact is that Democrats are anxious to bury this issue, even if it lets Trump off.

 

What is the Law on Classified Documents?

Generally, there are three levels of classified documents: Confidential, Secret, and Top Secret.  However, some agencies have additional levels of classified documents.  There is also a difference between agencies of what definition there is for each level of classification.

The lowest classification is “confidential. It is defined as information that would “damage” national security if disclosed.

The next highest level is “secret,” which is defined as causing “serious damage” to national security if disclosed.

The highest level is “top secret”, which is defined as causing exceptionally grave damage to national security if disclosed.

The problem is deciding what fits into each category and who should have these classifications.  As of 2019, 1.25 million individuals have a top secret clearance, even though few of those people will need that level of clearance.

Although no one knows for sure, about 50 million documents are classified each year.  Most are national security documents.

No one knows how many documents are classified because there is no central depository for these documents.

So, who oversees classifying and declassifying documents?  It is the president, who as head of the executive branch and Commander-in-Chief of the military has sole authority.  He may designate some of his authority to others like the National Archives, but the courts have made it clear in several rulings that the sole authority in the Executive branch of the government resides in the president.

Where does that leave the Vice President?  Nowhere.  Constitutionally, the Vice President is not part of the Executive Branch.  His only Constitutionally authorized job is President of the Senate – a legislative function.  He has no other authority unless the president is dead or declared unable to hold office.

The Vice President has no authority to hold classified documents or to declassify them.  He has no authority to demand that the president confide classified information to the Vice President.

An excellent example of this was the secret of the atom bomb during WWII.  Until Franklin Roosevelt died, Vice President Truman was unaware that the US had built an atomic bomb.  It was only after becoming president that he was let in on the top-secret project.

Although Obama could allow Biden to read and keep classified documents in his secure office, Biden was Constitutionally unable to classify or declassify documents – unless authorized by Obama.  And any authority granted by Obama to Biden ceased at noon January 20th 2017.

This clearly leaves Biden in jeopardy.  He had no authority to hold those documents, especially in unsecured places like his home.  Meanwhile Trump had the authority to declassify any documents he wanted until Noon January 20, 2021.

The National Archive may claim that it is the authority on classifying, but constitutionally, that authority resides in the office of the president and has only been granted to the Archives and can be withdrawn if the president so desires.

 

So, What Happens Now?

Clearly, the Department of Justice will find its hands tied in this case.  Biden appointed Attorney General Garland is politically limited.  He can’t indict Trump with Biden’s behavior ignored.  There’s also the possibility that the courts would find for Trump.

The biggest problem for the Department of Justice and the FBI is the growing perception that there are two types of justice – one for the elites and one for the public.  While Trump’s home was raided by the FBI, the DoJ wouldn’t allow FBI agents to look at the Biden documents in question.  Voters have noticed that, and it is damaging the reputation of the FBI.  In fact, it is so serious that there are calls by some Republicans in Congress to abolish the FBI.

Who benefits the most?  This is where the theories come.  There is a solid argument that some Democrats worried about Biden’s mental health and likelihood of losing the presidency in 2024 want to sully his reputation so another candidate will win the nomination and the election.

Unfortunately, the Democrats don’t have a plausible alternative.  VP Harris is considered incompetent to be president and other alternative options like Bernie Sanders are too old.  California Governor Newsome may seem too radical for Middle America and Transportation Secretary Pete Buttigieg is fumbling his duties as seen in the recent airline snafu.  Other potential candidates who would normally announce in the coming months will be forced to hold back.

On the Republican side, Trump comes out looking better.  The documents issue seems to be a case of “everyone else is doing it.”  The FBI raid on Trump’s place shrinks in importance as is clear that the FBI gave Biden preferential treatment and is now trying to justify not using the FBI as they did with Trump and his home.

There will also be questions about Hunter Biden and the FBI hiding evidence of his influence peddling.

Rest assured that the Republican House of Representative will keep the classified documents issue alive and tie it into the behavior of Hunter Biden.

China, which already has problems with its relations with the US, will find itself trying to justify the location of some of the classified documents in the Biden Think Tank, which was funded to a large part by the Chinese.

This affair has weakened Biden and he knows it.  Not only has this benefitted his likely opponent, Trump, he now has a Republican House majority to deal with.  And, probably worse of all, the once friendly media is asking questions.

Tipping points in a presidency are to be feared.  For Nixon, it was the release of the oval Office tapes.  For Carter, it was the Iranian Hostage Crisis.

This week is the halfway point of the Biden presidency.  If he can’t turn things around, this affair can not only impact his domestic agenda, but also how other countries like Russia and China view him.

 

Week of January 25, 2023

Does the Biden Secret Documents Case Create a “Tipping Point?”

 

Has the Biden secret documents affair reached critical mass?  It seems so.

Biden’s approval numbers, which had started inching up are now back down into the high 30% range.

The media, which has given some of Biden’s behavior a pass, are starting to ask serious questions that are upsetting the president even though there is no threat that he will be impeached.  He snapped at a reporter on Thursday, saying that this line of inquiry was beginning to “bug” him.  He added that he “had no regrets.”

Eventually, he will have regrets.  Not only has he given Republicans plenty of political ammunition, but the affair also gives more visibility to the Hunter Biden influence peddling issue.

In addition, Biden has stopped the Democrats from attacking Trump on the issue of keeping classified documents.  The fact is that Democrats are anxious to bury this issue, even if it lets Trump off.

 

What is the Law on Classified Documents?

Generally, there are three levels of classified documents: Confidential, Secret, and Top Secret.  However, some agencies have additional levels of classified documents.  There is also a difference between agencies of what definition there is for each level of classification.

The lowest classification is “confidential. It is defined as information that would “damage” national security if disclosed.

The next highest level is “secret,” which is defined as causing “serious damage” to national security if disclosed.

The highest level is “top secret”, which is defined as causing exceptionally grave damage to national security if disclosed.

The problem is deciding what fits into each category and who should have these classifications.  As of 2019, 1.25 million individuals have a top secret clearance, even though few of those people will need that level of clearance.

Although no one knows for sure, about 50 million documents are classified each year.  Most are national security documents.

No one knows how many documents are classified because there is no central depository for these documents.

So, who oversees classifying and declassifying documents?  It is the president, who as head of the executive branch and Commander-in-Chief of the military has sole authority.  He may designate some of his authority to others like the National Archives, but the courts have made it clear in several rulings that the sole authority in the Executive branch of the government resides in the president.

Where does that leave the Vice President?  Nowhere.  Constitutionally, the Vice President is not part of the Executive Branch.  His only Constitutionally authorized job is President of the Senate – a legislative function.  He has no other authority unless the president is dead or declared unable to hold office.

The Vice President has no authority to hold classified documents or to declassify them.  He has no authority to demand that the president confide classified information to the Vice President.

An excellent example of this was the secret of the atom bomb during WWII.  Until Franklin Roosevelt died, Vice President Truman was unaware that the US had built an atomic bomb.  It was only after becoming president that he was let in on the top-secret project.

Although Obama could allow Biden to read and keep classified documents in his secure office, Biden was Constitutionally unable to classify or declassify documents – unless authorized by Obama.  And any authority granted by Obama to Biden ceased at noon January 20th 2017.

This clearly leaves Biden in jeopardy.  He had no authority to hold those documents, especially in unsecured places like his home.  Meanwhile Trump had the authority to declassify any documents he wanted until Noon January 20, 2021.

The National Archive may claim that it is the authority on classifying, but constitutionally, that authority resides in the office of the president and has only been granted to the Archives and can be withdrawn if the president so desires.

 

So, What Happens Now?

Clearly, the Department of Justice will find its hands tied in this case.  Biden appointed Attorney General Garland is politically limited.  He can’t indict Trump with Biden’s behavior ignored.  There’s also the possibility that the courts would find for Trump.

The biggest problem for the Department of Justice and the FBI is the growing perception that there are two types of justice – one for the elites and one for the public.  While Trump’s home was raided by the FBI, the DoJ wouldn’t allow FBI agents to look at the Biden documents in question.  Voters have noticed that, and it is damaging the reputation of the FBI.  In fact, it is so serious that there are calls by some Republicans in Congress to abolish the FBI.

Who benefits the most?  This is where the theories come.  There is a solid argument that some Democrats worried about Biden’s mental health and likelihood of losing the presidency in 2024 want to sully his reputation so another candidate will win the nomination and the election.

Unfortunately, the Democrats don’t have a plausible alternative.  VP Harris is considered incompetent to be president and other alternative options like Bernie Sanders are too old.  California Governor Newsome may seem too radical for Middle America and Transportation Secretary Pete Buttigieg is fumbling his duties as seen in the recent airline snafu.  Other potential candidates who would normally announce in the coming months will be forced to hold back.

On the Republican side, Trump comes out looking better.  The documents issue seems to be a case of “everyone else is doing it.”  The FBI raid on Trump’s place shrinks in importance as is clear that the FBI gave Biden preferential treatment and is now trying to justify not using the FBI as they did with Trump and his home.

There will also be questions about Hunter Biden and the FBI hiding evidence of his influence peddling.

Rest assured that the Republican House of Representative will keep the classified documents issue alive and tie it into the behavior of Hunter Biden.

China, which already has problems with its relations with the US, will find itself trying to justify the location of some of the classified documents in the Biden Think Tank, which was funded to a large part by the Chinese.

This affair has weakened Biden and he knows it.  Not only has this benefitted his likely opponent, Trump, he now has a Republican House majority to deal with.  And, probably worse of all, the once friendly media is asking questions.

Tipping points in a presidency are to be feared.  For Nixon, it was the release of the oval Office tapes.  For Carter, it was the Iranian Hostage Crisis.

This week is the halfway point of the Biden presidency.  If he can’t turn things around, this affair can not only impact his domestic agenda, but also how other countries like Russia and China view him.

Analysis 01-17-2023

ANALYSIS

New Speaker of the House Elected

 

Usually voting for the Speaker of the House is exciting as watching paint dry.

Not this time.  The vote went 15 rounds; something that hadn’t happened in a century. However, it didn’t go as long as the 1855 speaker vote which went 133 ballots and took two months.

Although much of the focus by the media looked at the 20 Republican holdouts that forced the 15 ballots and the split in the party, the changes forced on new Speaker of the House Kevin McCarthy were ones that were favored by most of the Republican caucus.  The difference was that many Republican congressmen didn’t want to hold the House speakership hostage to the rules changes that were proposed.

The concern of the 20 holdouts was the movement of the Congress from its Constitutional role.  In the role laid out in the US Constitution, it was to be a deliberating group that had the primary role in passing the government budget as well as other laws.

That role had disappeared.  Changes in the House Rules virtually eliminated debate.  Legislation was basically crafted by the House leadership – primarily by the Speaker of the House.  Votes by the House of Representatives were perfunctory.  Congressmen didn’t have time to read the proposed legislation and amendments weren’t allowed.  The result was massive bills totaling thousands of pages that no one could understand.  Pet projects could be snuck in without anyone questioning them.  This process also kept the legislation from becoming public until it had passed.

The result was a burgeoning budget deficit and a national debt of over $30 trillion.

But House leadership on both sides liked these rules, especially former Speaker Pelosi, who didn’t tolerate public debate and dissent.  And it was the 20 Republican congressmen that decided to hold out their vote for McCarthy that decided it was time to change the rules.

One of the rule changes was one that gave Speaker Pelosi more power by making it harder to make a motion to vacate the chair – a parliamentary way to control a speaker who was trying to force legislation that wasn’t favored by the House as a whole.  Now the new rule allows one House member to make a motion to vacate the chair.

Although a motion to vacate the chair would probably not pass, it is a tool that keeps a speaker in line with the wishes of the majority.

One of the biggest problems with the legislative process today is that massive spending bills are moved to the floor of the House without giving members a chance to study them.  The Republicans wanted 72 hours to study the bill before a vote.  They also wanted to eliminate the omnibus bills and separate the funding of the government into over a dozen separate bills.

In addition to separating the appropriations bills, the new rules give House members the chance to propose amendments to bills that had gone through committee and were now on the floor for debate.

Republican congressmen also wanted major changes in budget and tax procedures.  They wanted a three-fifths super majority for any increases in tax rates.  They also wanted the Congressional budget office to analyze a bill’s impact on inflation.

One rule that kept congressmen from being held accountable for increasing the debt was the Gephardt Rule that automatically increased the national debt when a budget resolution was passed.

The House also voted this week to rescind over $70 billion to the Internal Revenue Service that was to hire 87,000 IRS agents.  Although the bill is expected to die in the Senate, it will likely show up in the 2024 IRS budget legislation, where it will likely pass both the Senate and House.

 

Political ramifications

 

There is a saying that “What goes around comes around.”  And this Republican majority congress will use some of the same legislative and investigative tools that Pelosi did.

One of the first changes is that the files of the January 6th investigative committee will be made public, especially 14,000 hours of Capitol riot video that the House Democrats didn’t want to release.

One new subcommittee is the Weaponization of the Federal Government.  Polls show that a majority of American voters think the FBI is a tool of the White House to punish its enemies.  This subcommittee will be modeled like the Church Committee that investigated the illegal actions taken by the Central Intelligence Agency.

The Church Committee discovered that the CIA was partnering with telecommunications companies to monitor Americans on CIA watch lists – something that the FBI is being accused of today.

This new committee will likely also look at suspicious FBI actions as well as harassment of conservatives by the IRS.  Other targets are Homeland Security, the NSA, the Department of Justice, the ATF, and the CDC.

Congressman Cole told his fellow House members, “Similar to the situation that confronted America in the 1970s, in recent years we have witnessed abuses of the civil liberties of American citizens committed by the executive branch…Often for political purposes.”

Cole continued, “The American people deserve to have confidence in their government…And they deserve to know that they will not be labeled a domestic terrorist for advocating for their children in front of a school board.”

Democrats were in opposition.  Democrat Representative Jerry Nadler said, “this is a violation of separation of powers and it’s also very dangerous.”

Congressman Jordan will be chairing the committee.  There will be 9 Republicans and 6 Democrats on the Committee.  The members will be appointed by Speaker McCarthy, just as Pelosi picked the members of the January 6th committee.

In the last few years, Pelosi used her power to strip some Republican congressmen of their committee assignments.  Now it seems that McCarthy will return the favor by booting Representatives Adam Schiff, Eric Swalwell, and IIhan Omar from their committees.

Schiff and Swalwell are one the Intelligence Committee and Omar is on the Foreign Affairs subcommittee.

McCarthy said, “Swalwell can’t get a security clearance in the private sector,” referring to Swalwell’s affair with a Chinese spy.  “It’s not like it’s anything new…Remember, this is Nancy Pelosi, this is the type of Congress she wanted to have.”

Although the new rules are set for this Congress, the future of the rules is cloudy.  The Republican majority is tenuous and a Democratic majority in the future is likely to make changes that would better suit a strong Democratic Speaker of the House.

If, however, the Republicans can maintain their majority in Congress, the new rules may have a longer life.

 

Week of January 17, 2023

New Speaker of the House Elected

 

Usually voting for the Speaker of the House is exciting as watching paint dry.

Not this time.  The vote went 15 rounds; something that hadn’t happened in a century. However, it didn’t go as long as the 1855 speaker vote which went 133 ballots and took two months.

Although much of the focus by the media looked at the 20 Republican holdouts that forced the 15 ballots and the split in the party, the changes forced on new Speaker of the House Kevin McCarthy were ones that were favored by most of the Republican caucus.  The difference was that many Republican congressmen didn’t want to hold the House speakership hostage to the rules changes that were proposed.

The concern of the 20 holdouts was the movement of the Congress from its Constitutional role.  In the role laid out in the US Constitution, it was to be a deliberating group that had the primary role in passing the government budget as well as other laws.

That role had disappeared.  Changes in the House Rules virtually eliminated debate.  Legislation was basically crafted by the House leadership – primarily by the Speaker of the House.  Votes by the House of Representatives were perfunctory.  Congressmen didn’t have time to read the proposed legislation and amendments weren’t allowed.  The result was massive bills totaling thousands of pages that no one could understand.  Pet projects could be snuck in without anyone questioning them.  This process also kept the legislation from becoming public until it had passed.

The result was a burgeoning budget deficit and a national debt of over $30 trillion.

But House leadership on both sides liked these rules, especially former Speaker Pelosi, who didn’t tolerate public debate and dissent.  And it was the 20 Republican congressmen that decided to hold out their vote for McCarthy that decided it was time to change the rules.

One of the rule changes was one that gave Speaker Pelosi more power by making it harder to make a motion to vacate the chair – a parliamentary way to control a speaker who was trying to force legislation that wasn’t favored by the House as a whole.  Now the new rule allows one House member to make a motion to vacate the chair.

Although a motion to vacate the chair would probably not pass, it is a tool that keeps a speaker in line with the wishes of the majority.

One of the biggest problems with the legislative process today is that massive spending bills are moved to the floor of the House without giving members a chance to study them.  The Republicans wanted 72 hours to study the bill before a vote.  They also wanted to eliminate the omnibus bills and separate the funding of the government into over a dozen separate bills.

In addition to separating the appropriations bills, the new rules give House members the chance to propose amendments to bills that had gone through committee and were now on the floor for debate.

Republican congressmen also wanted major changes in budget and tax procedures.  They wanted a three-fifths super majority for any increases in tax rates.  They also wanted the Congressional budget office to analyze a bill’s impact on inflation.

One rule that kept congressmen from being held accountable for increasing the debt was the Gephardt Rule that automatically increased the national debt when a budget resolution was passed.

The House also voted this week to rescind over $70 billion to the Internal Revenue Service that was to hire 87,000 IRS agents.  Although the bill is expected to die in the Senate, it will likely show up in the 2024 IRS budget legislation, where it will likely pass both the Senate and House.

 

Political ramifications

 

There is a saying that “What goes around comes around.”  And this Republican majority congress will use some of the same legislative and investigative tools that Pelosi did.

One of the first changes is that the files of the January 6th investigative committee will be made public, especially 14,000 hours of Capitol riot video that the House Democrats didn’t want to release.

One new subcommittee is the Weaponization of the Federal Government.  Polls show that a majority of American voters think the FBI is a tool of the White House to punish its enemies.  This subcommittee will be modeled like the Church Committee that investigated the illegal actions taken by the Central Intelligence Agency.

The Church Committee discovered that the CIA was partnering with telecommunications companies to monitor Americans on CIA watch lists – something that the FBI is being accused of today.

This new committee will likely also look at suspicious FBI actions as well as harassment of conservatives by the IRS.  Other targets are Homeland Security, the NSA, the Department of Justice, the ATF, and the CDC.

Congressman Cole told his fellow House members, “Similar to the situation that confronted America in the 1970s, in recent years we have witnessed abuses of the civil liberties of American citizens committed by the executive branch…Often for political purposes.”

Cole continued, “The American people deserve to have confidence in their government…And they deserve to know that they will not be labeled a domestic terrorist for advocating for their children in front of a school board.”

Democrats were in opposition.  Democrat Representative Jerry Nadler said, “this is a violation of separation of powers and it’s also very dangerous.”

Congressman Jordan will be chairing the committee.  There will be 9 Republicans and 6 Democrats on the Committee.  The members will be appointed by Speaker McCarthy, just as Pelosi picked the members of the January 6th committee.

In the last few years, Pelosi used her power to strip some Republican congressmen of their committee assignments.  Now it seems that McCarthy will return the favor by booting Representatives Adam Schiff, Eric Swalwell, and IIhan Omar from their committees.

Schiff and Swalwell are one the Intelligence Committee and Omar is on the Foreign Affairs subcommittee.

McCarthy said, “Swalwell can’t get a security clearance in the private sector,” referring to Swalwell’s affair with a Chinese spy.  “It’s not like it’s anything new…Remember, this is Nancy Pelosi, this is the type of Congress she wanted to have.”

Although the new rules are set for this Congress, the future of the rules is cloudy.  The Republican majority is tenuous and a Democratic majority in the future is likely to make changes that would better suit a strong Democratic Speaker of the House.

If, however, the Republicans can maintain their majority in Congress, the new rules may have a longer life.

2023-17-01-التحليل

التحليل

أزمة الكيان السياسي الأميركي:
انتصار باهظ الكلفة لرئاسة مجلس النواب

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

أفرزت جولة انتخاب كيفين مكارثي رئيساً لمجلس النواب الأميركي انشقاقات وتداعيات في المؤسسة السياسية الأميركية، ظاهرها لدى الحزب الجمهوري وانقسامه بين تيار “الأقلية” الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب، وتيار المؤسّسة التقليدية.

كما أنها عكست حالة الانقسام الحاد في المشهد السياسي الأميركي، وما رافقها من فوضى داخل أروقة الكونغرس، ما ينذر بمعارك سياسية حادة في الدورة الحالية التي تنتهي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، 2024.

من ابرز نتائج جولات الانتخاب الـ15 نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في البقاء النشط في المشهد العام بعد خسارة بعض مرشحيه في جولة الانتخابات النصفية، وقدرته على تقييد هامش المناورة للتيار التقليدي الحاكم، وكذلك لقراره حسم المعركة في مقابل تنازلات رئيس المجلس الجديد، منها إقرار “مؤيديه الأربعة”، من كتلة تضم 20 نائباً، سقف الميزانيات المقبلة المخصصة لأوكرانيا، وإدخال تعديلات إلى اللوائح الداخلية تتيح الفرصة لأي عضو بمفرده الطعن برئيس المجلس وحجب الثقة عنه لإزاحته.

رئيس المجلس الجديد، كيفين مكارثي، أثنى على صديقه اللدود قائلاً: “أدى الرئيس السابق دوراً حاسماً في انتزاع آخر الأصوات اللازمة” لانتخابٍ سلس. في خطابه، بصفته رئيساً للمجلس، حدد الأولويات السياسية المدرجة على جدول أعمال الحزب الجمهوري، ولم يرد فيها أي ذكر لأوكرانيا، لكنه أوضح بعد جولة الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أن الجمهوريين في مجلس النواب لن يسمحوا للحكومة الأميركية بتقديم مساعدات مالية غير محدودة لها.

ما جرى من عصيان بعض النواب المنتخبين لتوجهّات القيادة التقليدية عُدّ من المحرّمات. إذ رأى رئيس مجلس النواب الأسبق وأحد أركانه الفكرية، نيوت غينغريتش، أنّهم “يلعبون بالنار ويسعون لإغراق الحزب الجمهوري بأكمله”، وقال: “ما شهدته البلاد يعدّ أكبر خطر نواجهه كحزب منذ عام 1964” (يومية “ذي هيل”، 2 كانون الثاني/يناير 2023).

“استراتيجية” الحزب الجمهوري، داخلياً وخارجياً، أرسى معالمها نيوت غيغريتش إبان رئاسته مجلس النواب في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، 1995 – 1998، وسمّاها “المعادلة الصفرية” التي لازمته وحزبه منذئذ. معادلة غينغريتش الشهيرة وصفها خصومه في الحزب الديموقراطي الذين تعاملوا معه بأنها “أعطت الأولوية لأسلوب المواجهة والتعطيل عوضاً عن التعاون وتقديم التنازلات المتبادلة”.

توقفت كبريات الصحف الأميركية مثل “نيويورك تايمز” عند تلك المعادلة الصفرية لتعيد تسليط الضوء على جذور بروز تيار “اقصى اليمين” وتأثيره على مسار الحزب الحزب الجمهوري، وجاء في تقريرها أنّ الانتصار الباهر الذي حققه نيوت غينغريتش في عام 1994 “أرسى نقطة بدء معادلة السياسة الصفرية التي انتجت حركة حزب الشاي في عهد الرئيس ترامب” (يومية “نيويورك تايمز”، 7 كانون الثاني/يناير 2023).

كشفت معادلة غينغريتش عن حقيقة ما يجري في أروقة السياسة وفي الغرف المغلقة وما ينتج عنها من قرارات بعضها مصيري. أولى ضحاياها كان تراجع النقاش المعمّق، والمطوّل أحياناً، في ما يطرح في جدول الأعمال من قضايا، واختفاءه تدريجياً، وصولاً إلى ما حدث بتصويت الأعضاء على قرارات صاغها قادة مجلس النواب من دون عناء قراءتها، “لكثافتها وقصر المدة الزمنية المتاحة” لمراجعة بضعة آلاف الصفحات المقدمة.

وقد جرت العادة تضمين تلك الوثائق السميكة بقرارات وتعديلات لمصلحة مراكز القوى الكبرى، من شركات ومصالح اقتصادية ومالية، وحرمان الأغلبية الساحقة من الشعب من الإطلاع عليها أو استيعابها.

إجراءات وآليات التصويت “الملتوية” داخل أروقة مجلس النواب، وامتداداً مجلس الشيوخ أيضاً، أضحت من مقدسات قيادات المجلس، بصرف النظر عن الولاء الحزبي. اشتهرت رئيسة المجلس السابقة، نانسي بيلوسي، بازدرائها محاولات طرح المبادرات للنقاش، ومن ثم التصويت عليها، ومعاقبة كل من يخرج عن سياستها بالإقصاء من اللجان العاملة أو خفض مرتبته التسلسلية وحرمانه من التحدث مباشرة إليها.

وبناءً عليه، جاء نفر قليل من أعضاء الحزب الجمهوري ليمارس تحديه للسّلطة بصورة علنية كشفت بعض مهازل السياسة الأميركية، خصوصاً في أحد مطالب تلك المجموعة “البسيطة” بطرح سحب الثقة من رئيس/ة المجلس.

لقد حافظت بيلوسي بشدة على نصوص اللوائح الداخلية التي تضع شروطا “غير عملية” أمام أعضاء المجلس للتصويت على إقالة رئيسه/رئيسته، وما أسفرت عنه جولة المواجهة الأخيرة من إلغاء تلك المادة في شقها التطبيقي.

في ظاهرها، تبدو مادة اللائحة الداخلية أعلاه إجراء عادياً لا يعوّل عليه كثيراً، لكن الممارسة الأبعد تطال صلب بنود الميزانيات المقدمة لمجلس النواب لإقرارها، والتي كانت تطرح ويصوّت عليها تلقائيا بحسب “أهواء” رئاسة المجلس وموازين القوى التي فرضتها.

وثمة تغيير نادى به بعض “الليبراليين” منذ عقود، فيما يخص التصويت على الميزانيات المقدمة، ولكنه اصطدم بكل مراكز القوى الممثلة في الحزبين، وقد يؤدي إلى إدخال بعض التعديلات من خارج إرادة المؤسسة الحاكمة.

أبرز القضايا الجدلية التي أضحت تخضع للمساءلة هي رفع سقف الديون الفيدرالية بنحو تلقائي لتمويل خطط الحكومة الأميركية، داخلياً وخارجياً. وقد صوّت مجلس النواب، في تركيبته الجديدة، على نقض مشروع تمويل سابق لهيئة الضرائب قيمته 70 مليار دولار، كان يرمي إلى إضافة نحو 87،000 عنصر إلى  كادر الهيئة. وستواجه هذه القضية مقاومةً ورفضاً جديداً في مجلس الشيوخ عند طرحها، لكنها تدلّ على عمق الأزمة السياسية في عدة مجالات.

تبادل الحزبين مراكز صنع القرار في مجلس النواب حالياً ترافقه تطبيقات مماثلة لبعض القضايا الخلافية بينهما، خصوصاً تلك التي اعتمدها الحزب الديموقراطي في التحقيق بممارسات الرئيس السابق ترامب ومحاولة تقديمه للمحاكمة، بصرف النظر عن حقيقة تلك الاتهامات، إذ سيلجأ الحزب الجمهوري، كما وعد قادته، إلى استهداف الرئيس جو بايدن واخضاعه للمساءلة والتحقيق، بدءاً بحيازته ملفات أمنية بالغة السريّة، وهي التهمة عينها التي دهمت بموجبها طواقم مكتب التحقيقات الفيدرالي مقر إقامة الرئيس ترامب، وليس انتهاءً بتهم تورطه ونجله هنتر بمخالفات مالية وقضايا فساد متعددة الأوجه.

ومن المرجح أيضا طرح مجلس النواب الجديد السلطات والصلاحيات المتاحة لمكتب التحقيقات الفيدرالي للتدقيق بهدف تحديد سطوته الأمنية، وتعتقد نسبة معتبرة من الأميركيين أنه أحد أذرع البيت الأبيض، وأنه يُسخّر ضد خصومه، إذ حذّر عضو المجلس عن الحزب الجمهوري، توم كول، زملاءه من سطوة الأجهزة الأمنية.

وقال كول: “شهدنا في الأعوام السابقة انتهاكات لحريات المواطنين الأميركيين المدنية اقترفتها السلطة التنفيذية (البيت الأبيض)، غالباً لدواعٍ سياسية”، مضيفاً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي “دفع 3 مليون دولار لشركة “تويتر” لمراقبة مواطنين أميركيين” (تصريحات النائب في 12 كانون الثاني/يناير 2023).

تماسك الحزب الجمهوري، والنظام السياسي بأكمله، هو الآن بأيدي قلّة “غاضبة وصفرية”. ولعل تاريخه السياسي القريب يؤشّر على موجة جديدة من الإرهاصات قد تطيح القوى الصاعدة حالياً.

يشار إلى أن الصعود الباهر لنيوت غينغريتش عام 1979، آتياً من استغلاله حالة السخط وتذمّر الناخبين الجمهوريين من مستقبل البلاد، الذين وصفهم الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بـ “الغالبية الصامتة”، أطاحته مراكز القوى في حزبه عام 1998، على خلفية تساهله وموافقته على “صفقة تحديد الميزانية الفيدرالية” مع الرئيس بيل كلينتون.

ما ينبيء به المستقبل القريب هو تمادي حالة عدم اليقين والتشاؤم، ونشوء أرضية خصبة لبروز تيارات أكثر تشدداً في توجهاتها  الداخلية والخارجية، يعززها الاستقطاب الحاد في المجتمع الأميركي.

2023-17-01-التقرير الأسبوعي

أزمة الكيان السياسي الأميركي:
انتصار باهظ الكلفة لرئاسة مجلس النواب

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

أفرزت جولة انتخاب كيفين مكارثي رئيساً لمجلس النواب الأميركي انشقاقات وتداعيات في المؤسسة السياسية الأميركية، ظاهرها لدى الحزب الجمهوري وانقسامه بين تيار “الأقلية” الموالي للرئيس السابق دونالد ترامب، وتيار المؤسّسة التقليدية.

كما أنها عكست حالة الانقسام الحاد في المشهد السياسي الأميركي، وما رافقها من فوضى داخل أروقة الكونغرس، ما ينذر بمعارك سياسية حادة في الدورة الحالية التي تنتهي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية المقبلة، 2024.

من ابرز نتائج جولات الانتخاب الـ15 نجاح الرئيس السابق دونالد ترامب في البقاء النشط في المشهد العام بعد خسارة بعض مرشحيه في جولة الانتخابات النصفية، وقدرته على تقييد هامش المناورة للتيار التقليدي الحاكم، وكذلك لقراره حسم المعركة في مقابل تنازلات رئيس المجلس الجديد، منها إقرار “مؤيديه الأربعة”، من كتلة تضم 20 نائباً، سقف الميزانيات المقبلة المخصصة لأوكرانيا، وإدخال تعديلات إلى اللوائح الداخلية تتيح الفرصة لأي عضو بمفرده الطعن برئيس المجلس وحجب الثقة عنه لإزاحته.

رئيس المجلس الجديد، كيفين مكارثي، أثنى على صديقه اللدود قائلاً: “أدى الرئيس السابق دوراً حاسماً في انتزاع آخر الأصوات اللازمة” لانتخابٍ سلس. في خطابه، بصفته رئيساً للمجلس، حدد الأولويات السياسية المدرجة على جدول أعمال الحزب الجمهوري، ولم يرد فيها أي ذكر لأوكرانيا، لكنه أوضح بعد جولة الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أن الجمهوريين في مجلس النواب لن يسمحوا للحكومة الأميركية بتقديم مساعدات مالية غير محدودة لها.

ما جرى من عصيان بعض النواب المنتخبين لتوجهّات القيادة التقليدية عُدّ من المحرّمات. إذ رأى رئيس مجلس النواب الأسبق وأحد أركانه الفكرية، نيوت غينغريتش، أنّهم “يلعبون بالنار ويسعون لإغراق الحزب الجمهوري بأكمله”، وقال: “ما شهدته البلاد يعدّ أكبر خطر نواجهه كحزب منذ عام 1964” (يومية “ذي هيل”، 2 كانون الثاني/يناير 2023).

“استراتيجية” الحزب الجمهوري، داخلياً وخارجياً، أرسى معالمها نيوت غيغريتش إبان رئاسته مجلس النواب في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، 1995 – 1998، وسمّاها “المعادلة الصفرية” التي لازمته وحزبه منذئذ. معادلة غينغريتش الشهيرة وصفها خصومه في الحزب الديموقراطي الذين تعاملوا معه بأنها “أعطت الأولوية لأسلوب المواجهة والتعطيل عوضاً عن التعاون وتقديم التنازلات المتبادلة”.

توقفت كبريات الصحف الأميركية مثل “نيويورك تايمز” عند تلك المعادلة الصفرية لتعيد تسليط الضوء على جذور بروز تيار “اقصى اليمين” وتأثيره على مسار الحزب الحزب الجمهوري، وجاء في تقريرها أنّ الانتصار الباهر الذي حققه نيوت غينغريتش في عام 1994 “أرسى نقطة بدء معادلة السياسة الصفرية التي انتجت حركة حزب الشاي في عهد الرئيس ترامب” (يومية “نيويورك تايمز”، 7 كانون الثاني/يناير 2023).

كشفت معادلة غينغريتش عن حقيقة ما يجري في أروقة السياسة وفي الغرف المغلقة وما ينتج عنها من قرارات بعضها مصيري. أولى ضحاياها كان تراجع النقاش المعمّق، والمطوّل أحياناً، في ما يطرح في جدول الأعمال من قضايا، واختفاءه تدريجياً، وصولاً إلى ما حدث بتصويت الأعضاء على قرارات صاغها قادة مجلس النواب من دون عناء قراءتها، “لكثافتها وقصر المدة الزمنية المتاحة” لمراجعة بضعة آلاف الصفحات المقدمة.

وقد جرت العادة تضمين تلك الوثائق السميكة بقرارات وتعديلات لمصلحة مراكز القوى الكبرى، من شركات ومصالح اقتصادية ومالية، وحرمان الأغلبية الساحقة من الشعب من الإطلاع عليها أو استيعابها.

إجراءات وآليات التصويت “الملتوية” داخل أروقة مجلس النواب، وامتداداً مجلس الشيوخ أيضاً، أضحت من مقدسات قيادات المجلس، بصرف النظر عن الولاء الحزبي. اشتهرت رئيسة المجلس السابقة، نانسي بيلوسي، بازدرائها محاولات طرح المبادرات للنقاش، ومن ثم التصويت عليها، ومعاقبة كل من يخرج عن سياستها بالإقصاء من اللجان العاملة أو خفض مرتبته التسلسلية وحرمانه من التحدث مباشرة إليها.

وبناءً عليه، جاء نفر قليل من أعضاء الحزب الجمهوري ليمارس تحديه للسّلطة بصورة علنية كشفت بعض مهازل السياسة الأميركية، خصوصاً في أحد مطالب تلك المجموعة “البسيطة” بطرح سحب الثقة من رئيس/ة المجلس.

لقد حافظت بيلوسي بشدة على نصوص اللوائح الداخلية التي تضع شروطا “غير عملية” أمام أعضاء المجلس للتصويت على إقالة رئيسه/رئيسته، وما أسفرت عنه جولة المواجهة الأخيرة من إلغاء تلك المادة في شقها التطبيقي.

في ظاهرها، تبدو مادة اللائحة الداخلية أعلاه إجراء عادياً لا يعوّل عليه كثيراً، لكن الممارسة الأبعد تطال صلب بنود الميزانيات المقدمة لمجلس النواب لإقرارها، والتي كانت تطرح ويصوّت عليها تلقائيا بحسب “أهواء” رئاسة المجلس وموازين القوى التي فرضتها.

وثمة تغيير نادى به بعض “الليبراليين” منذ عقود، فيما يخص التصويت على الميزانيات المقدمة، ولكنه اصطدم بكل مراكز القوى الممثلة في الحزبين، وقد يؤدي إلى إدخال بعض التعديلات من خارج إرادة المؤسسة الحاكمة.

أبرز القضايا الجدلية التي أضحت تخضع للمساءلة هي رفع سقف الديون الفيدرالية بنحو تلقائي لتمويل خطط الحكومة الأميركية، داخلياً وخارجياً. وقد صوّت مجلس النواب، في تركيبته الجديدة، على نقض مشروع تمويل سابق لهيئة الضرائب قيمته 70 مليار دولار، كان يرمي إلى إضافة نحو 87،000 عنصر إلى  كادر الهيئة. وستواجه هذه القضية مقاومةً ورفضاً جديداً في مجلس الشيوخ عند طرحها، لكنها تدلّ على عمق الأزمة السياسية في عدة مجالات.

تبادل الحزبين مراكز صنع القرار في مجلس النواب حالياً ترافقه تطبيقات مماثلة لبعض القضايا الخلافية بينهما، خصوصاً تلك التي اعتمدها الحزب الديموقراطي في التحقيق بممارسات الرئيس السابق ترامب ومحاولة تقديمه للمحاكمة، بصرف النظر عن حقيقة تلك الاتهامات، إذ سيلجأ الحزب الجمهوري، كما وعد قادته، إلى استهداف الرئيس جو بايدن واخضاعه للمساءلة والتحقيق، بدءاً بحيازته ملفات أمنية بالغة السريّة، وهي التهمة عينها التي دهمت بموجبها طواقم مكتب التحقيقات الفيدرالي مقر إقامة الرئيس ترامب، وليس انتهاءً بتهم تورطه ونجله هنتر بمخالفات مالية وقضايا فساد متعددة الأوجه.

ومن المرجح أيضا طرح مجلس النواب الجديد السلطات والصلاحيات المتاحة لمكتب التحقيقات الفيدرالي للتدقيق بهدف تحديد سطوته الأمنية، وتعتقد نسبة معتبرة من الأميركيين أنه أحد أذرع البيت الأبيض، وأنه يُسخّر ضد خصومه، إذ حذّر عضو المجلس عن الحزب الجمهوري، توم كول، زملاءه من سطوة الأجهزة الأمنية.

وقال كول: “شهدنا في الأعوام السابقة انتهاكات لحريات المواطنين الأميركيين المدنية اقترفتها السلطة التنفيذية (البيت الأبيض)، غالباً لدواعٍ سياسية”، مضيفاً أن مكتب التحقيقات الفيدرالي “دفع 3 مليون دولار لشركة “تويتر” لمراقبة مواطنين أميركيين” (تصريحات النائب في 12 كانون الثاني/يناير 2023).

تماسك الحزب الجمهوري، والنظام السياسي بأكمله، هو الآن بأيدي قلّة “غاضبة وصفرية”. ولعل تاريخه السياسي القريب يؤشّر على موجة جديدة من الإرهاصات قد تطيح القوى الصاعدة حالياً.

يشار إلى أن الصعود الباهر لنيوت غينغريتش عام 1979، آتياً من استغلاله حالة السخط وتذمّر الناخبين الجمهوريين من مستقبل البلاد، الذين وصفهم الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بـ “الغالبية الصامتة”، أطاحته مراكز القوى في حزبه عام 1998، على خلفية تساهله وموافقته على “صفقة تحديد الميزانية الفيدرالية” مع الرئيس بيل كلينتون.

ما ينبيء به المستقبل القريب هو تمادي حالة عدم اليقين والتشاؤم، ونشوء أرضية خصبة لبروز تيارات أكثر تشدداً في توجهاتها  الداخلية والخارجية، يعززها الاستقطاب الحاد في المجتمع الأميركي.

2022-30-12-التحليل

التحليل

زيلينسكي في أميركا:
نقطة تحوّل وسط تباين الرؤى

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

ارتفع منسوب التكهّن السياسي في واشنطن لسبر أغوار  زيارة الرئيس الأوكراني “العاجلة” لها، وما تُضمره من نيات لدى الطرفين وأهدافهما في المديين القريب والمتوسط، وخصوصاً أمام إعلان البيت الأبيض مسبقاً عن تقديمه “حُزم دعم مالية وعسكرية” لأوكرانيا، علاوة على تسريبات مباشرة من كبار القادة العسكريين، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميللي، والسياسيين المخضرمين أمثال هنري كيسنجر، بأن وجهة الحرب ينبغي أن تفضي إلى “تفاوض” على حل سياسي.

لم ينتظر المرء طويلاً، إذ سارع زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إلى حسم الجدل وعناء التمحيص بتأكيده أن هدف “الدعم” الأميركي للحرب في أوكرانيا يأتي في صلب استراتيجية الهيمنة الأميركية، وقوله: “دعمنا المتواصل لأوكرانيا ليس صحيحاً أخلاقياً فحسب، لكنه أبعد من ذلك. إنه استثمار مباشر لتعزيز المصالح الأميركية الحيوية (موقع ماكونيل الإلكتروني في مجلس الشيوخ، 21 كانون الأول/ديسمبر 2022).

ولكي لا تبقى تفسيرات الدعم الأميركي لأوكرانيا حبيسة التكهنات أو المزايدات السياسية التقليدية، فقد ارتفعت أسعار أسهم كبريات شركات صناعة الأسلحة الأميركية بنسب ملحوظة في الفترة الزمنية الراهنة، لتؤكد مرة أخرى أن “الحروب تشكل فرصة مثالية لتكديس الثروة”. مثلاً، ارتفعت قيمة أسهم شركات “بي أيه إي BAE 37%، نورثروب غرومان Northrop Grumman 39%، جنرال دايناميكس General Dynamics 15%”.

على الرغم من شبه إجماع أعضاء الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، على معاداة روسيا واستنزافها عسكرياً، وتمهيد الرئيس بايدن وزعماء الكونغرس الأجواء بتقديم 45 مليار دولار مساعدة لأوكرانيا، فإن مشاعر القلق بدأت تتسرّب لدى البيت الأبيض من “إمكانية” معارضة بعض أعضاء الكونغرس تمويل كييف وآلية تمرير أموال الدعم المقصودة كجزء مدرج في الميزانية السنوية التي كانت بانتظار التصويت النهائي عليها قبل عطلة أعياد الميلاد، وغياب بعض أعضاء الحزب الجمهوري عن الجلسة المشتركة لدواعي العاصفة الثلجية القاسية.

وهنا، يشير المراقبون إلى استغلال رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، نفوذها بدعوة “عاجلة” للزائر الأوكراني إلى إلقاء خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، أسهمت بدورها في تقليص حجم “تحفظ” البعض عن إدراج بند الدعم ضمن الميزانية السنوية، تفادياً لما قد تفرزه موازين القوى في الدورة المقبلة لمجلس النواب بعد فوز الحزب الجمهوري برئاسته.

لم يكن مستبعداً تقاطع توجّهات البيت الأبيض مع مفردات الرئيس الزائر بشأن إثارة نزعة العداء لروسيا لدى الأميركيين، وإشارته في مؤتمر صحفي مشترك مع بايدن بأن الشعب الروسي “همجي ولا إنساني”، أتبعها بخطاب شبيه أمام الكونغرس بأن روسيا “دولة إرهابية”، لقي صدى عند بعض أعضاء الكونغرس بالهتاف: “المجد لأوكرانيا”، سواء أدركوا أم لم يدركوا بأنه شعار حلفاء النازية من “القوميين” الأوكرانيين.

ويرى بعض المراقبين ما هو أبعد مما تقدم من مبرّرات رسمية بأن الرئيس جو بايدن وجّه دعوة إلى زيلينسكي لزيارة واشنطن كإجراء ضروري لحشد التأييد الشعبي الأميركي في مواصلة الحرب “مهما طال بها الزمن”، بحسب تعبير بايدن، وأيضاً لاختبار قبول الأميركيين قراره بتصعيد “وتيرة المواجهة العسكرية ضد روسيا في أوكرانيا”، وتسويق الحرب محلياً بأنها “حرب مفيدة” وتمثّل امتداداً للحرب العالمية الثانية.

أشار الرئيس جو بايدن بشكل غير مباشر إلى طبيعة قلق المؤسسة الرسمية الأميركية من إطالة أمد الحربفي مؤتمره الصحفي المشترك مع زيلينسكي، لافتاً إلى محاذير تقديم أسلحة أميركية متطورة لأوكرانيا بأن أعضاء حلف الناتو “لا يتطلعون إلى حرب مع روسيا أو إلى نشوب حرب عالمية ثالثة” (صحيفة “واشنطن بوست”، في مقالة رأي بعنوان “تباين رؤى زيلينسكي وبايدن بشأن المسار المقبل لأوكرانيا”، 22 كانون الأول/ديسمبر 2022).

بعبارة أشد وضوحاَ، شملت الزيارة مراجعة معمّقة لتداعيات الحرب وآفاقها قادها الطرف الأميركي، استناداً إلى “التسريبات” الداخلية المقصودة بالبحث عن سبل بديلة للحرب، أبرزها مسار ديبلوماسي متجدد، كما أشار  بذلك مباشرة رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة، مارك ميللي.

في الطرف المقابل، سعى معسكر الحرب في الحزبين لاستغلال أجواء الزيارة بإعلان الدعم الأميركي بمبلغ يصل إلى 45 مليار دولار  واستثمارها في تأجيج الحرب مع روسيا، إرضاءً لغرائز العداء المتجذر لها، وتعبير اً عن رفض زعزعة نفوذ “القطب الواحد” على المسرح العالمي، وربما الأهم ضمان سيرورة آلة انتاج أسلحة الحرب الأميركية.

ما يعزّز استنتاج التوجه الديبلوماسي المحتمل هو ما أسفرت عنه مطالب زيلينسكي بدعم عسكري أميركي “بأسلحة متطورة” وضرورة رفع مستوى أداء القوات الأوكرانية لشن هجمات كبيرة العام المقبل، كما يروّج، بيد أن الحصيلة الفعلية لحزمة أسلحة “عيدية الميلاد” جاءت بعكس توقعاته، إذ أعلنت الولايات المتحدة عدم موافقتها على تقديم مدرعات حديثة من طراز “أم 1 آبرامز”، تعدّ، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” بالغة التعقيد كسلاح نوعي في المعركة الجارية، وأن “لدى أوكرانيا ما يكفي من المدرعات” (يومية “واشنطن بوست”، 21 كانون الأول/ديسمبر 2022).

“عيدية الميلاد” الأميركية، بالرغم من ضخامة المبالغ المقدمة (45 مليار دولار)، التي توازي مجموع الدعم الفيدرالي الأميركي لنحو “43 ولاية” مجتمعة، شملت بطارية “يتيمة” من نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت”، معززة بـ 8 منصات إطلاق، ستستغرق برامج التدريب عليها نحو “6 أشهر على الأقل”.

أما حصة أوكرانيا من المبلغ الإجمالي، 45 مليار دولار، فقد أوضحت بعض جوانبه سفيرة كييف لدى واشنطن، أوكسانا ماركاروفا، وقالت إنه يمثّل مجموع الدعم الأميركي لعام 2023، يُقطتع نحو 7 مليارات دولار رواتب “للمستشارين” الأميركيين العاملين لمصلحة أوكرانيا، وتتسلّم كييف حصتها البالغة 13 مليار دولار، إما بصورة سيولة مصرفية أو بصيغة بضائع مختلفة. وبناء عليه، سيبلغ مجموع الأموال الأميركية المخصصة “لدعم أوكرانيا” ما يفوق 100 مليار دولار.

ثمة مسألة أخرى تتعلق بالميزانية السنوية للحكومة الأميركية التي أقرها مجلس النواب، والتي بلغت “1.7 تريليون دولار”، منها نحو  62% مخصصة للإنفاق على القوات المسلّحة وأجهزة الأمن المتعددة. وبما يخص المواطن العادي “دافع الضرائب”، فإن ما نسبته 65% من ضرائب الدخل الفيدرالية يذهب للإنفاق على الحروب الخارجية، والحرب على المخدرات، وكلفة الجدار الفاصل مع المكسيك (مرشح حزب الخضر  لمنصب سيناتور عن ولاية نورث كارولينا، ماثيو هو، 28 كانون الأول/ديسمبر 2022).

سرت مشاعر الرضى لدى معسكر الحرب في واشنطن عقب استهداف القوات الأوكرانية أهدافاً حسّاسة بعيدة داخل الأراضي الروسية في الآونة الأخيرة، كثمرة قرار تصعيد واشنطن للحرب، ونتيجة مباشرة لزيارة زيلينسكي، وترجمة أيضاً لتصريحات الطرفين بضرورة تنفيذ “هجمات وقائية”.

أضاءت كبرى الصحف الأميركية على الجسارة الأوكرانية بالقول: “أوكرانيا تقصف بجرأة في عمق الأراضي الروسية، استناداً إلى تقييمها بأن القوات العسكرية لموسكو تقاتل إلى أقصى حدود قدراتها التقليدية. وباستثناء الخيار النووي، فإن الأسلحة الروسية لم تعد مؤثرة” في البنى التحتية أكثر مما هي عليه الآن (يومية “نيويورك تايمز”، 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

والجدير بالذكر في سياق التصعيد المتبادل ما كشف عنه وزير الخارجية الروسي،في نفس اليوم الذي نشرت فيه الصحيفة الأميركية، 26 كانون الأول/ديسمبر، بأن موسكو لا تزال تضع مسألة “تغيير نظام كييف” في جدول الأعمال، مطالباً الحكومة الأوكرانية ضرورة تطبيق الشروط الروسية المتمثلة بنزع سلاحها وتطهير الأراضي التي تسيطر عليها كييف من النازية … أما سوى ذلك، “فالمسألة ستتكفّل بتحقيقها القوات الروسية”.

على الرغم من اشتداد نبرة الخطاب الإعلامي لدى كل من موسكو وكييف وواشنطن، فإن من المنتظر ارتفاع أسهم الدعوات الداخلية إلى “الخيار الديلوماسي” التفاوضي. وقد يطرح هذا الخيار نفسه بقوّة في الساحة الأميركية في الفترة المقبلة، يعزّزه انشغال الشعب الأميركي “مجدداً” بتأمين مقوّمات الحياة اليومية التي تتدهور معدلاتها بوتيرة ثابتة، بصرف النظر عن البيانات الرسمية المفرطة في تفاؤلها لأداء الاقتصاد الأميركي، التي تنفيها تزايد معدلات العاطلين من العمل، الذين أضحوا خارج حسابات البيانات الرسمية بسبب طول مدة الانقطاع، مع ارتفاع مستمر لأسعار المواد الأساسية.

 

2022-30-12-التقرير الأسبوعي

زيلينسكي في أميركا:
نقطة تحوّل وسط تباين الرؤى

 

د. منذر سليمان وجعفر الجعفري

ارتفع منسوب التكهّن السياسي في واشنطن لسبر أغوار  زيارة الرئيس الأوكراني “العاجلة” لها، وما تُضمره من نيات لدى الطرفين وأهدافهما في المديين القريب والمتوسط، وخصوصاً أمام إعلان البيت الأبيض مسبقاً عن تقديمه “حُزم دعم مالية وعسكرية” لأوكرانيا، علاوة على تسريبات مباشرة من كبار القادة العسكريين، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميللي، والسياسيين المخضرمين أمثال هنري كيسنجر، بأن وجهة الحرب ينبغي أن تفضي إلى “تفاوض” على حل سياسي.

لم ينتظر المرء طويلاً، إذ سارع زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، إلى حسم الجدل وعناء التمحيص بتأكيده أن هدف “الدعم” الأميركي للحرب في أوكرانيا يأتي في صلب استراتيجية الهيمنة الأميركية، وقوله: “دعمنا المتواصل لأوكرانيا ليس صحيحاً أخلاقياً فحسب، لكنه أبعد من ذلك. إنه استثمار مباشر لتعزيز المصالح الأميركية الحيوية (موقع ماكونيل الإلكتروني في مجلس الشيوخ، 21 كانون الأول/ديسمبر 2022).

ولكي لا تبقى تفسيرات الدعم الأميركي لأوكرانيا حبيسة التكهنات أو المزايدات السياسية التقليدية، فقد ارتفعت أسعار أسهم كبريات شركات صناعة الأسلحة الأميركية بنسب ملحوظة في الفترة الزمنية الراهنة، لتؤكد مرة أخرى أن “الحروب تشكل فرصة مثالية لتكديس الثروة”. مثلاً، ارتفعت قيمة أسهم شركات “بي أيه إي BAE 37%، نورثروب غرومان Northrop Grumman 39%، جنرال دايناميكس General Dynamics 15%”.

على الرغم من شبه إجماع أعضاء الحزبين، الديموقراطي والجمهوري، على معاداة روسيا واستنزافها عسكرياً، وتمهيد الرئيس بايدن وزعماء الكونغرس الأجواء بتقديم 45 مليار دولار مساعدة لأوكرانيا، فإن مشاعر القلق بدأت تتسرّب لدى البيت الأبيض من “إمكانية” معارضة بعض أعضاء الكونغرس تمويل كييف وآلية تمرير أموال الدعم المقصودة كجزء مدرج في الميزانية السنوية التي كانت بانتظار التصويت النهائي عليها قبل عطلة أعياد الميلاد، وغياب بعض أعضاء الحزب الجمهوري عن الجلسة المشتركة لدواعي العاصفة الثلجية القاسية.

وهنا، يشير المراقبون إلى استغلال رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، نفوذها بدعوة “عاجلة” للزائر الأوكراني إلى إلقاء خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، أسهمت بدورها في تقليص حجم “تحفظ” البعض عن إدراج بند الدعم ضمن الميزانية السنوية، تفادياً لما قد تفرزه موازين القوى في الدورة المقبلة لمجلس النواب بعد فوز الحزب الجمهوري برئاسته.

لم يكن مستبعداً تقاطع توجّهات البيت الأبيض مع مفردات الرئيس الزائر بشأن إثارة نزعة العداء لروسيا لدى الأميركيين، وإشارته في مؤتمر صحفي مشترك مع بايدن بأن الشعب الروسي “همجي ولا إنساني”، أتبعها بخطاب شبيه أمام الكونغرس بأن روسيا “دولة إرهابية”، لقي صدى عند بعض أعضاء الكونغرس بالهتاف: “المجد لأوكرانيا”، سواء أدركوا أم لم يدركوا بأنه شعار حلفاء النازية من “القوميين” الأوكرانيين.

ويرى بعض المراقبين ما هو أبعد مما تقدم من مبرّرات رسمية بأن الرئيس جو بايدن وجّه دعوة إلى زيلينسكي لزيارة واشنطن كإجراء ضروري لحشد التأييد الشعبي الأميركي في مواصلة الحرب “مهما طال بها الزمن”، بحسب تعبير بايدن، وأيضاً لاختبار قبول الأميركيين قراره بتصعيد “وتيرة المواجهة العسكرية ضد روسيا في أوكرانيا”، وتسويق الحرب محلياً بأنها “حرب مفيدة” وتمثّل امتداداً للحرب العالمية الثانية.

أشار الرئيس جو بايدن بشكل غير مباشر إلى طبيعة قلق المؤسسة الرسمية الأميركية من إطالة أمد الحربفي مؤتمره الصحفي المشترك مع زيلينسكي، لافتاً إلى محاذير تقديم أسلحة أميركية متطورة لأوكرانيا بأن أعضاء حلف الناتو “لا يتطلعون إلى حرب مع روسيا أو إلى نشوب حرب عالمية ثالثة” (صحيفة “واشنطن بوست”، في مقالة رأي بعنوان “تباين رؤى زيلينسكي وبايدن بشأن المسار المقبل لأوكرانيا”، 22 كانون الأول/ديسمبر 2022).

بعبارة أشد وضوحاَ، شملت الزيارة مراجعة معمّقة لتداعيات الحرب وآفاقها قادها الطرف الأميركي، استناداً إلى “التسريبات” الداخلية المقصودة بالبحث عن سبل بديلة للحرب، أبرزها مسار ديبلوماسي متجدد، كما أشار  بذلك مباشرة رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة، مارك ميللي.

في الطرف المقابل، سعى معسكر الحرب في الحزبين لاستغلال أجواء الزيارة بإعلان الدعم الأميركي بمبلغ يصل إلى 45 مليار دولار  واستثمارها في تأجيج الحرب مع روسيا، إرضاءً لغرائز العداء المتجذر لها، وتعبير اً عن رفض زعزعة نفوذ “القطب الواحد” على المسرح العالمي، وربما الأهم ضمان سيرورة آلة انتاج أسلحة الحرب الأميركية.

ما يعزّز استنتاج التوجه الديبلوماسي المحتمل هو ما أسفرت عنه مطالب زيلينسكي بدعم عسكري أميركي “بأسلحة متطورة” وضرورة رفع مستوى أداء القوات الأوكرانية لشن هجمات كبيرة العام المقبل، كما يروّج، بيد أن الحصيلة الفعلية لحزمة أسلحة “عيدية الميلاد” جاءت بعكس توقعاته، إذ أعلنت الولايات المتحدة عدم موافقتها على تقديم مدرعات حديثة من طراز “أم 1 آبرامز”، تعدّ، بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” بالغة التعقيد كسلاح نوعي في المعركة الجارية، وأن “لدى أوكرانيا ما يكفي من المدرعات” (يومية “واشنطن بوست”، 21 كانون الأول/ديسمبر 2022).

“عيدية الميلاد” الأميركية، بالرغم من ضخامة المبالغ المقدمة (45 مليار دولار)، التي توازي مجموع الدعم الفيدرالي الأميركي لنحو “43 ولاية” مجتمعة، شملت بطارية “يتيمة” من نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت”، معززة بـ 8 منصات إطلاق، ستستغرق برامج التدريب عليها نحو “6 أشهر على الأقل”.

أما حصة أوكرانيا من المبلغ الإجمالي، 45 مليار دولار، فقد أوضحت بعض جوانبه سفيرة كييف لدى واشنطن، أوكسانا ماركاروفا، وقالت إنه يمثّل مجموع الدعم الأميركي لعام 2023، يُقطتع نحو 7 مليارات دولار رواتب “للمستشارين” الأميركيين العاملين لمصلحة أوكرانيا، وتتسلّم كييف حصتها البالغة 13 مليار دولار، إما بصورة سيولة مصرفية أو بصيغة بضائع مختلفة. وبناء عليه، سيبلغ مجموع الأموال الأميركية المخصصة “لدعم أوكرانيا” ما يفوق 100 مليار دولار.

ثمة مسألة أخرى تتعلق بالميزانية السنوية للحكومة الأميركية التي أقرها مجلس النواب، والتي بلغت “1.7 تريليون دولار”، منها نحو  62% مخصصة للإنفاق على القوات المسلّحة وأجهزة الأمن المتعددة. وبما يخص المواطن العادي “دافع الضرائب”، فإن ما نسبته 65% من ضرائب الدخل الفيدرالية يذهب للإنفاق على الحروب الخارجية، والحرب على المخدرات، وكلفة الجدار الفاصل مع المكسيك (مرشح حزب الخضر  لمنصب سيناتور عن ولاية نورث كارولينا، ماثيو هو، 28 كانون الأول/ديسمبر 2022).

سرت مشاعر الرضى لدى معسكر الحرب في واشنطن عقب استهداف القوات الأوكرانية أهدافاً حسّاسة بعيدة داخل الأراضي الروسية في الآونة الأخيرة، كثمرة قرار تصعيد واشنطن للحرب، ونتيجة مباشرة لزيارة زيلينسكي، وترجمة أيضاً لتصريحات الطرفين بضرورة تنفيذ “هجمات وقائية”.

أضاءت كبرى الصحف الأميركية على الجسارة الأوكرانية بالقول: “أوكرانيا تقصف بجرأة في عمق الأراضي الروسية، استناداً إلى تقييمها بأن القوات العسكرية لموسكو تقاتل إلى أقصى حدود قدراتها التقليدية. وباستثناء الخيار النووي، فإن الأسلحة الروسية لم تعد مؤثرة” في البنى التحتية أكثر مما هي عليه الآن (يومية “نيويورك تايمز”، 26 كانون الأول/ديسمبر 2022).

والجدير بالذكر في سياق التصعيد المتبادل ما كشف عنه وزير الخارجية الروسي،في نفس اليوم الذي نشرت فيه الصحيفة الأميركية، 26 كانون الأول/ديسمبر، بأن موسكو لا تزال تضع مسألة “تغيير نظام كييف” في جدول الأعمال، مطالباً الحكومة الأوكرانية ضرورة تطبيق الشروط الروسية المتمثلة بنزع سلاحها وتطهير الأراضي التي تسيطر عليها كييف من النازية … أما سوى ذلك، “فالمسألة ستتكفّل بتحقيقها القوات الروسية”.

على الرغم من اشتداد نبرة الخطاب الإعلامي لدى كل من موسكو وكييف وواشنطن، فإن من المنتظر ارتفاع أسهم الدعوات الداخلية إلى “الخيار الديلوماسي” التفاوضي. وقد يطرح هذا الخيار نفسه بقوّة في الساحة الأميركية في الفترة المقبلة، يعزّزه انشغال الشعب الأميركي “مجدداً” بتأمين مقوّمات الحياة اليومية التي تتدهور معدلاتها بوتيرة ثابتة، بصرف النظر عن البيانات الرسمية المفرطة في تفاؤلها لأداء الاقتصاد الأميركي، التي تنفيها تزايد معدلات العاطلين من العمل، الذين أضحوا خارج حسابات البيانات الرسمية بسبب طول مدة الانقطاع، مع ارتفاع مستمر لأسعار المواد الأساسية.